جاء في صحيح مسلم من حديث جرير بن عبدالله : من سن في الاسلام سنة حسنة كان له اجرها واجر من عمل بها إلى يوم القيامة ومن سن في الاسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة (واخرج) ابن ماجة عن انس وصححه ايما داع دعا إلى ضلالة فاتبع فان عليه مثل اوزار من تبعه ولا ينقص من اوزارهم شيئا وايماداع دعا إلى الهدى فاتبع فان له مثل اجور من اتبعه ولا ينقص من اجورهم شيئا.
ومن بوائقه العظيمة استخفافه بمقام النبي صلى الله عليه وآله وباحكامه وبوصاياه باهل بيته وانصاره (وسنذكر) لك طرفا من محدثاته يدلك على انه غير مبال باحكام الله ولا بشريعته وان كانت كل احواله دالة على ذلك ولولا وجود من ينكر ذلك لا ستهتر فيه وخلع العذار.
قال شيخ الاسلام ابن تيمية في كتاب الصارم المسلول في كفر شاتم الرسول روى ابن وهب قال اخبرني سفيان بن عيينة عن عمر بن سعيد اخي سفيان بن سعيد الثوري عن ابيه عن عباية قال ذكر قتل ابن الاشرف عند معاوية فقال بنيامين النضري كان قتله غدرا فقال محمد بن مسلمة الانصاري ايغدر عندك يا رسول الله صلى الله عليه وآله ثم لا تنكروا الله لا يظلني واياك سقف بيت ابدا ولا يخلوا لي دم هذا الا قتلته
(وروى) مالك رحمه الله في الموطاعن زيد بن اسلم عن عطاء بن يسار ان معاوية ابن ابي سفيان باع سقاية من ذهب أو ورق باكثر من وزنها فقال له ابو الدرداء سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله ينهى عن مثل هذا الا مثلا بمثل فقال معاوية ما ارى بمثل هذا باسا فقال ابو الدرداء من يعذرني من معاوية أنا اخبره عن رسول الله صلى الله عليه وآله ويخبرني عن رأيه لا اساكنك بارض انت بها ثم قدم ابو الدرداء على عمربن الخطاب فذكر له ذلك فكتب عمر بن الخطاب إلى معاوية ابن لا يبيع مثل ذلك الا مثلا بمثل وزنا بوزن.
قال الملاعلي القاري في شرح الموطا رواية الامام محمد عند قوله ما نرى به باسا هوما صدر عنه عن تكبر وعناد أو عن اجتهاد وقد اخطأ فيه لكن كان يجب عليه حينئذ ان يرحع بعد سماع الحديث لا سيما وهو موثوق به بلا خلاف (قلت) كيف يسوغ الاجتهاد بعد سماع النص الصريح الصحيح فلم يكن قوله ذلك الا عنادا وتكبرا واعجابا برأيه (ولولا ذلك لم يهجر البلاد التي هو بها ابو الدرداء) والله اعلم.
وذكر ابن عبدالبرفي قول ابي الدرداء لا اساكنك بارض انت بها كان ذلك منه انفة ان يرد عليه سنة علمها من سنن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم برأيه وصدور العلماء تضيق عند مشاهدة مثل ذلك وهو عندهم عظيم (قلت) قد ذكر اهل الحديث ان هذه القصة محفوظة لمعاوية مع عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال الزرقاني والاسناد صحيح وان لم يرومن وجه آخر فهو من الافراد الصحيحة قال ابو عمرو الطرق متواترة بذلك عنهما وقد رواهما النسائي قال والجمع ممكن : بانه عرض له ذلك مع عبادة وابى الدرداء (قلت) وسياق الحديثين يدل على التعدد فانهم قالوا في حديث عبادة بن الصامت انه غزا مع معاوية ارض الروم فنظر إلى الناس وهم يتبايعون كسر الذهب بالدنانير وكسر الفضة بالدراهم فقال يا أيها الناس انكم تأكلون الربا سمعت رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يقول لا تبتاعوا الذهب بالذهب الا مثلا بمثل لا زيادة بينهما ولا نظرة فقال له معاوية يا ابا الوليد لا ارى الربا في هذا الا ماكان عن نظرة فقال عبادة احدثك عن رسول الله صلى الله واله وسلم وتحدثني عن رأيك لئني اخرجني الله سبحانه لا اساكنك بارض لك فيها امرة فلما قفل لحق بالمدينة فقال له عمر بن الخطاب رضي الله عنه ما اقدمك يا ابا الوليد فقص عليه القصة وما قال من مساكنته فقال ارجع يا ابا الوليد إلى ارضك فقبح الله ارضا ليس فيها امثالك وكتب إلى معاوية لا امرة لك عليه واحلل الناس على ما قال فانه هو الامين.
ومن معارضاته السنة برأيه قوله في زكاة الفطراني ارى ان مدين من سمراء الشام يعدل صاعا من تمر. انكر ذلك عليه أبو سعيد الخدري وقال تلك قيمة معاوية لا اقبلها روى الستة عن ابي سعيد : كنا نخرج إذ كان فينا رسول الله صلى الله عليه واله وسلم زكاة الفطرة عن كل صغير وكبير حر ومملوك صاعا من طعام أو صاعا من اقط أو صاعا من شعير أو صاعا من تمر وصاعا من زبيب فلم نزل نخرجه حتى قدم معاوية حاجا أو معتمرا فكلم الناس على المنبر فكان فيما كلم به الناس ان قال اني ارى مدين من سمراء الشام تعدل صاعا من تمر الحديث وفيه قال أو سعيد اما انا فاني لا ازال اخرجه ابدا ما عشت ولما بلغ ابن الزبير رأى معاوية قال بئس الاسم الفسوق بعد الايمان صدقة الفطر صاع صاع (ومنها) تقبيله لليمانيين وقد انكر ذلك عليه ابن عباس لخلافه السنة.
(ومنها) منعه الناس جبرا عن ان يأتوا بمتعة الحج وهو مذهب علي واكابر الصحابة (روى) الترمذي في جامعه من حديث ابن عباس رضي الله عنهما. قال : تمتع رسول الله صلى الله عليه وآله وابو بكر وعمر وعثمان واول من نهي عنه معاوية (انتهي) (واخرج) أبو داود واحمد والنسائي وابن عساكر عن خالد بن معدان قال : وفد المقدام ابن معدي كرب وعمر بن الاسود ورجل من بني اسد من اهل قنسرين إلى معاوية فقال معاوية للمقدام اعلمت ان الحسن بن علي توفى فرجع المقدام فقال له فلان اتعدها مصيبة فقال لم لا اراها مصيبة وقد وضعه رسول الله صلى الله عليه وآله في حجره فقال هذا مني وحسين من علي فقال الاسدي جمرة اطفأها الله فقال المقدام اما انا فلا ابرح اليوم حتى اغيظك فأسمعك ما تكره ثم قال يا معاوية ان أنا صدقت فصدقني وان انا كذبت فكذبني قال افعل قال انشدك الله هل سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله ينهي عن لبس الحرير قال : نعم قال فأنشدك الله سمعت ان رسول الله صلى الله عليه وآله نهى عن لبس جلود السباع والركوب عليها قال : نعم قال فوالله لقد رأيت هذا كل في بيتك يا معاوية فقال معاوية قد علمت اني لن انجو منك يا مقدام.
(واخرج) ابن عساكر والحسن بن سفيان وابن مندة عن محمد بن كعب القرظي قال : غزا عبدالرحمن بن سهل الانصاري في زمن عثمان ومعاوية امير علي الشام فمرت به روايا خمر ـ لمن هي؟ لمعاوية كما يدل عليه السياق وصرح به البعض تحمل فقام إليها عبدالرحمن برمحه فبقر كل راوية منها فناوشه غلمانه حتى بلغ شأنه معاوية فقال دعوه فانه شيخ قد ذهب عقله فقال كذب والله ما ذهب عقلي ولكن رسول الله صلى الله عليه وآله نهانا ان ندخله بطوننا واسفيتنا واحلف بالله لئن بقيت حتى رى في معاوية ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وآله لابقرن بطنه أو لاموتن دونه.
ومن اعظم ما يدل على استخافه بالنبي عليه وآله الصلاة والسلام ما جاء في مسلم ان النبي دعاه اولا وثانيا وهو يأكل ولم يجب حتى دعا صلى الله عليه وآله عليه بقوله لا اشبع الله بطعنه( فهم منه بعضهم انه لايدخل الجنة ابدا لان اهل الجنة لا يجوعون وهو لا يشبع ) (واخرج) الزبير بن بكار في الموفقيات عن المطرف بن المغيرة بن شعبة قال : دخلت مع ابي على معاوية فكان ابي يأتيه فيتحدث معه ثم ينصرف الي ويذكر معاوية وعقله ويعجب بما يرى منه إذ جاء ذات ليلة فأمسك عن العشاء ورأيته مغتما فانتظرته ساعة وظنت انه لامر حدث فينا فقلت مالي اراك مغتما منذ الليلة فقال يا بني جئت من عنداكفر الناس واخبثهم قلت وما ذاك قال : قلت له وقد خلوت به انك قد بلغت سنا يا امير المؤمنين فلو اظهرت عدلا وبسطت خيرا فقد كبرت ولو نظرت إلى اخوتك من بني هاشم فوصلت ارحامهم فوالله ما عندهم اليوم شئ تخافه وان ذلك مما يبقى لك ذكره وثوابه فقال هيهات هيهات أي ذكر ارجو بقاءه ملك اخو تيم فعدل وفعل ما فعل فما عدا ان هلك حتى هلك ذكره الا ان يقول قائل ابو بكر. ثم ملك اخو عدي فأجتهد وشمر عشر سنين فما عدا ان هلك حتى هلك ذكره الا ان يقول قاتل عمر وان ابن أبي كبشة ليصاح به كل يوم خمس مرات اشهد ان محمدا رسول الله فأي عمل يبقى واي ذكر يدوم بعد هذا لا ابالك لا والله الا دفنا دفنا .
قلت : الزبير بن بكار هذا هو قاضي مكة وهو مشهور في المحدثين ومن رواة الصحيح وهو غير متهم على معاوية لعدالته وفضله مع ان في الزبير بين كما علمت بعض انحراف عن علي عليه السلام لما عرف من الاسباب الا ترى ان عبدالله ابن الزبير على نسكه وعبادته كان منحرفا عن علي واهل بيته فقد روى عمر بن شبة وابن الكلبي والواقدي وغيرهم من رواة السيرانه مكث يلام ادعائه الخلافة اربعين جمعة لا يصلي فيهما على النبي صلى الله عليه وآله وقال لا يمنعني من ذكره الا ان تشمخ رجال بآنافها .
ومما يدل على استخفاف معاوية بمقام النبوة ما نقله أبو جعفر الطبري بسنده قال : حدثني عبدالله بن احمد قال : حدثني ابي قال : حدثني سليمان قال : قرأت على عبدالله عن فليح قال اخبرت ان عمرو بن العاص وفد إلى معاوية ومعه اهل مصر فقال لهم عمرو وانظروا إذا دخلتم علي ابن هند فلا تسلموا عليه بالخلافة فأنه اعظم لكم في عينه وصغروه ما استطعتم فلما قدمواعليه قال : معاوية لحجابه كأني اعرف ابن النابغة وقد صغر امري عند القوم فانظروا إذا ادخل الوفد فتعتعوهم اشد تعتعة تقدرون عليها فلا يبلغني رجل منهم الا وقد همت نفسه بالتلف فكان اول من دخل عليه رجل من اهل مصر يقال له ابن الخياط وقد تعتع فقال السلام عليك يا رسول الله وتتابع القوم على ذلك فلما خرجوا قال لهم عمرو لعنكم الله نهيتكم ان تسلموا عليه بالامارة فسلمتم عليه بالنبوة .
فأنظر كيف لم ينكر عليهم معاوية تسليمهم عليه بالرسالة واقرهم على هذا الفعل الفظيع حبا في التعاظم واستخفافا بالرسول ومقامه (ومنه تعلم) ان معاوية وعمرا لادين لهما كما اخبر الصادق الخبير علي عليه السلام وان كلا منهما غادر كما جاء عن الصادق المصدق صلى الله عليه وآله فقد اخرج الطبراني في الكبير وابن عساكر عن اشداد بن أوس رضي الله تعالى عنه عن رسول الله صلى الله عليه وآله انه قال : إذا رأيتم معاوية وعمرو بن العاص جميعا ففرقوا بينهما فوالله ما اجتمعنا الا على غدر .
واخرج الامام احمد في مسنده وابو يعلي كلاهما عن ابي برزة رضي الله عنه قال كنا مع النبي صلى الله عليه وآله فسمع صوت غناء فقال انظروا ما هذا فصعدت فإذا معاوية وعمرو بن العاص يتغنيان فجئت فأخبرت النبي صلى الله عليه وآله فقال اللهم اركسهما في الفتنة ركسا اللهم دعهما في النار دعا واخرجه الطبراني في الكبير عن ابن عباس رضي الله عنهما بمثل هذا.
وروى ابن عبد البر ان معاوية لما قدم المدينة لقيه ابو قتادة الانصاري فقال له معاوية تلقاني الناس كلهم غيركم يا معشر الانصار (والانصار يقولون عند الطمع) فما منعكم قال : لم تكن عندنا دواب قال : معاوية فأين النواضح (يعرض معاوية بالانصار انهم اكارون تحقيرا لهم) قال : ابو قتادة عقرناها يوم بدر قال : نعم يا ابا قتادة قال أبو قتادة ان رسول الله صلى الله عليه وآله قال :
لنا ايكم سترون بعدي اثرة قال : معاوية فما امركم عند ذلك قال : أمرنا بالصبر قال : فأصبروا حتى تلقوه قال في الكشاف للزمخشري وفي الاسعاف وغيرهما ان عبدالرحمن بن حسان بن ثابت قال : في ذلك ابياتا منها.
الا ابلغ معاوية بن حرب / امير الظالمين نثا كلامي
معاوية بن هند وابن صخر / لحاك الله من مرء حرامي
تجشمنا بأمرتك المنايا / وقد درج الكرام بنو الكرام
امير المؤمنين ابو حسين / مفلق رأس جدك بالحسام
وانا صابرون ومنتظروكم / إلى يوم التغابن والخصام
(قلت) يشم من لم يصبه زكام التعصب من كلام معاوية تهكمه بالنبي صلى الله عليه وآله واستخفافه بوصاياه بالانصار نعوذ بالله من الخذلان وبغض معاوية للانصار ومعاكسته لمصالحهم امر مشهور تشهد به كتب السير والتأريخ لا يحتاج إلى تجشم الاستدلال عليه وقد قال عليه وآله الصلاة والسلام استوصوا بالانصار خيرا وقال أيضا حب الانصار ايمان وبغضهم نفاق وفي صحيح البخاري لا يحبهم الا مؤمن ولا يبغضهم الا منافق.
(وفي كتاب) المعمرين لابي حاتم السجستاني من اثناء محاورة ذكرها لمعاوية مع المعمر امد بن ابد الحضرمي قال : قال معاوية ارأيت هاشما قال نعم والله طوالا حسن الوجه يقال ان بين عينيه بركة قال : فهل رأيت امية قال : نعم رأيته رجلا قصيرا اعمى يقال ان في وجهه لشرا أو شئوما قال : افرأيت محمدا قال : ومن محمد قال رسول الله قال : افلا فخمته كما فخمه الله فقلت رسول الله .
(وكان) معاوية يتطيب وهو محرم لا يبالي بنهي الله ورسوله عن ذلك فقد روى ابن المبارك بسند قوي من اثر طويل ان معاوية قدم على عمر بن الخطاب مع جماعة فخرج معه إلى الحج ثم لما وصلا إلى ذي طوى اخرج معاوية حلة ريحها طيب فنقم عليه عمر وقال يخرج احدكم حاجا نقلا حتى إذا جاء اعظم بلدان الله حرمة اخرج ثوبيه كأنهما كانا في الطيب فلبسهما فقال له معاوية انما لبستهما لا دخل بهما على عشيرتي.
وقال في الفائق كان عمر رضي الله عنه بمكة فوجد طيب ريح فقال من قشبنا فقال معاوية يا امير المؤمنين دخلت على ام حبيبة فطيبتني وكستني هذه الحلة فقال عمر : ان اخا الحاج الاشعث الادفر الاشعر ثم قال القشب الاصابة بما يكره ويستقدر والذي استخبث به عمر تلك الرائحة الموجودة من معاوية بن ابي سفيان حتى سمى اصابتها قشبا مخالفته السنة وتطيبه وهو محرم .
ثم ان معاوية محدثات في الاسلام ومبتدعات في الدين ومخالفات للشرع كثيرة (فمن اوليائه) التي لم يسبق إليها ثم صارت بعده سننا متبعة انه اول من جعل ابنه ولي عهده (ومنها) انه اول من عهد وهو صحيح بالخلافة بعده وهو اول من اتخذ المقاصير في الجوامع واول من قتل مسلما صبرا واول من اقام على رأسه حرسا واول الملوك واول شرارهم واول من اتخذ الخصيان لخاص خدمته واول من قيدت بين يديه الجنائب واول من أسقط الحد عمن يستحق اقامة الحد عليه قال : الشعبي اول من خطب الناس قاعدا معاوية وذلك حين كثر شحمه وعظم بطنه. قال : الزهري اول من احدث الخطبة قبل الصلاة في العيد معاوية وقال : سعيد بن المسيب اول من احدث الاذان في العيد معاوية وهو اول من ترك الجهر بالتسمية في الصلاة بالمدينة حتى انكر عليه المهاجرون والانصار وقالوا اسرقت التسمية يا معاوية.
ومن فعلاته المنكرة اهانته لابي ذر الغفاري وجبهه وشتمه واشخاصه إلى المدينة على قتب يابس بغير وطاف معه خمسة من الصقالبة يطيرون به حتى اتوا به المدينة قد انهكه التعب واتعبته مواصلة الطرد قد تسلخت بواطن افخاذه وكاد ان يتلفت فقيل له انك تموت من ذلك فقال : هيهات لن اموت حتى انفي.
ومن جرائره لبسه الحرير واستعماله آنية الذهب والفضة وقوله بعد سماع النهي في ذلك ما أرى بهذا باسا وضربه من لاحد عليه من المسلمين وحكمه برأيه في الرعية وفي دين الله وتطريقه لبني امية الوثوب على مقام رسول الله صلى الله عليه وآله وعلى خلافته فاجرا بعد فاجر حتى افضت إلى يزيد ابن عبدالملك صاحب سلامة وحبابه والى الوليد بن يزيد الزنديق رامي المصحف بالسهام والقائل في شعره.
فقل لله يمنعني شرابي / وقل لله يمنعني طعامي
إلى غير ذلك من اقواله المكفرة والعياذ بالله تعالى (وبالجملة) فبدع معاوية ومحدثاته ومخالفاته كثيرة لا سبيل إلى استقصائها وقد ذكر اهل السير والتأريخ منها شيئا كثيرا قال : عليه وعلى آله الصلاة والسلام شر الامور محدثاتها وكل محدث بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار .
(ومن مخزياته الفاضحة) تفريقه بالحيلة بين عبدالله بن سلام القرشي وزوجته ارينب بنت اسحاق حين تعشقها خميره يزيد ليزوجه بها معاونة له على الاثم والعدوان وقد روى القصة كلها ابن قتيبة رحمه الله تعالى في كتاب الامامة ورواها عبدالملك بن بدرون الحضرمي الاشبيلي في كتابه اطواق الحمامة بشرح البسامة وغيرهما.
وخلاصة رواية ابن قتيبة رحمه الله هي هذه قال لما بلغ معاوية عشق يزيد وهيامه بارينب بنت اسحاق من وصيف له يقال له رفيق فقال له معاوية اكتم يا بني امرك واستعن بالصبر فان البوح غير نافع ولابد مما هو كائن وكانت ارينب مثلا في اهل زمانها جمالا وكمالا وكثرة مال وكانت تحت ابن عمها عبدالله ابن سلام القريشي وكان له منزلة عند معاوية وقد استعمله بالعراق وقد امتلا معاوية هما وغما بأمر يزيد فأخذ في الحيلة والنظر فيما يجمع بينهما حتى يرضى يزيد فأستدعى زوجها من العراق عجلا يبشره بأمر له فيه كامل الخط فلما انزله منزلا حسنا ثم دعا معاوية ابا هريرة وابا الدرداء رضى الله عنهما وكانا بالشام فقال لهما اني قد؟؟ لي ابنة اردت نكاحها ليهتدي بي من بعدي .
(ومن بوائقه المهلكة) استئثاره بأموال المسلمين واكلها بالباطل وصرفها كما يشاء لا كما يجب عليه ومنعها مستحقيها من المسلمين وايثاره بها اعوانه وقراباته الذين لا استحقاق لهم ولا سابقة في الدين وقد قال تعالى ولا تأكلوا اموالكم بينكم بالباطل (واخرج الطبراني وحسنه عن عمرو بن شغوي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله سبعة لعنتهم وكل نبي مجاب عد عنهم المستأثر بالفئ والمتجبر بسلطانه ليعز من اذل الله ويذل من أعز الله ، واخرج الديلمي في مسند
فأني اخاف ان يعضل الامراء بعدي نساءهم وقد رضيت لها عبدالله بن سلام لدينه وفضله وادبه فاذكرا ذلك عني واني كنت جعلت لها الشورى في نفسها غير اني ارجو ان لا تخرج من راي فخرجا إلى عبدالله بن سلام واعلماه بما قاله معاوية فسر به وفرح وحمد الله ودعا لمعاوية ثم بعثهما إلى معاوية خاطبين عليه فلما قدما قال لهما معاوية انكما تعلمان رضاي بذلك فأدخلا عليها واعرضا عليها ما رضيت لها فدخلا واعلماها بكل ما جرى وكان معاوية قد لقنها ما يريد ان تجيب به فقالت عبدالله بن سلام كفوء كريم وقريب حميم غير انه تحته ارينب بنت اسحق وانا خائفة ان تعرض لي غيرة النساء فأتولى منه ما يسخط الله ولست بفاعله حتى يفارقها فأخبرا عبدالله بن سلام بالامر ففارق زوجته واشهدهما على طلاقها فأظهر معاوية كراهيته طلاقها وقال لا استحسنه ولو صبرو لم يعجل كان امره إلى مصيره فأنصرفا في عافية ثم عودا لتأخذا رضاها ثم اخبر يزيد بما كان من طلاق ارينب ثم عادا إلى معاوية فأمرهما بالدخول إليها ليسألاها فدخلا عليها واعلماها بطلاق ارينب طلبا لمسرتها فقالت انه في قريش لرفيع وان الزواج هزله جد والاناة في الامور اوفق واني سائلة عنه حتى اعرف دخيلة خبره ومستخيرة فيه ومعلمتكما بخيرة الله ثم انصرفا واعلما عبد الله بن سلام فقال.
فان يك صدر هذا اليوم ولي / فان غدا لناظره قريب
ولم يشك الناس في غدر معاوية اياه وتحدثوا به ثم استحثهما عبدالله بن سلام وسألهما الفراغ من أمره فأتياها فقالت لهما اني سألت عن امره فوجدته غير ملائم لي ولا موافق لما اريد لنفسي فعلم عبدالله انه قد خدع فقال متعزيا ليس لامر الله راد ولام الناس معاوية على خديعته وجراته على الله ولما انقضت اقرؤها وجه معاوية ابا الدرداء إلى العراق خاطبا لها على ابنه يزيد فخرج حتى قدمها وبها يومئذ الحسين بن علي عليهما السلام فقدم ابو الدرداء زيارة الحسين والتسليم عليه على مهمته فرحب به الحسين واجله واخبر ابو الدرداء =
الفردوس عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله من لم يبال من اين اكتسب المال لم يبال الله به من اين ادخله النار (واخرج) أبو داود من رواية القاسم بن مخيمرة مرسلا قال : قال عليه وآله الصلاة والسلام من اصاب مالا من مأثم ووصل به رحما أو تصدق به أو انفقه في سبيل الله جمع الله ذلك جميعا ثم قذف به في النار.
قلت هذا الوعيد الشديد وكثير غيره وارد على من أكل أو استأثر من بمهمته فقال الحسين لقد ذكرت نكاحها فلم يمنعني الا تخير مثلك فأخطبها علي وعليه واعطها من المهر ما اعطاها معاوية عن ابنه فلما دخل عليها ابو الدرداء قال : لها قد خطبك امير هذه الامة وابن الملك وولي عهده يزيد بن معاوية ، وابن بنت رسول الله صلى الله عليه وآله الحسين بن علي فأختاري ايهما شئت فسكتت طويلا ثم فوضت امرها إليه فقال أي بنية ابن بنت. رسول الله صلى الله عليه وآله احب الي وارضاهما عندي فتزوجها الحسين وساق لها مهرا عظيما وبلغ معاوية ما فعل ابو الدرداء فتعاظمه جدا وقال من يرسل ذابله وعمى يركب خلاف ما يهوى ورايي كان من رأيه اسوا ولقد كنا بالملامة اولى وكان عبدالله بن سلام قد استودعها قبل فراقه بدرات مملوءة درا هو اعظم ماله واحبه إليه وكان معاوية قد جفاه وقطع جميع روافده لتهمته اياه بالخديعة ولم يزل يقصيه حتى عيل صبره وقل ما في يده فخرج راجعا إلى العراق يذكر ماله الذي كان استودعه ارينب ولا يدري كيف يصنع ويتوقع جحودها لطلاقه اياها من غير شئ انكره ونقمه عليها ولما قدم لقى الحسين عليه السلام وسلم عليه وقال : قد علمت جعلت فداك ما كان من قضاء الله في طلاق ارينب وكنت استودعتها مالا عظيما درا فذكرها امري واحضضها على الرد فان الله يحسن عليك فلما انصرف الحسين إليها قال : لها قد قدم عبدالله بن سلام وهو يثني عليك ويذكر انه استودعك مالا فأدى إليه ماله فقالت صدق وانه لمطبوع عليه بطابعه ثم لقى ابن سلام افقال ما انكرت وزعمت انها لكما دفعتها لها بطابعك ثم دخل عليها وقال : الحسين هذا عبدالله يطلب وديعته فأديها إليه فأخرجت البدرات فوضعتها بين يديه فشكرها وحثالها من ذلك الدر حثوات واستعبرا جميعا فقال الحسين اشهد الله انها طالق ثلاثا اللهم انك تعلم اني لم اتزوجها المال ولا لجمال ولكن اردت حبسها لبعلها وأرجو ثوابك على ذلك فتزوجها عبدالله بن سلام وحرمها الله على يزيد .
مال المسلمين بشئ من غير استحلال اما معاوية فمع اكله الاموال فقد استحلها وما أدراك ما عقوبة مستحل ما حرم الله انه والله سيندم اشد الندامة ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة.
قال المسعودي رحمه الله حدثنا ابو الهيثم قال : حدثني ابو البشر محمد بن بشير الفزاري عن ابراهيم بن عقيل البصري قال : قال معاوية يوما وعنده صعصعة بن صوحان وكان قدم عليه بكتاب من علي عليه السلام وعنده وجوه الناس الارض لله وانا خليفة الله فما اخذت من مال الله فهو لي وما تركنه كان جائزا لي فقال له صعصعة.
تمنيك نفسك مالا يكو ن جهلا معاوي لا تأثم
وذكر ابن حجر انه جاء بسند رجاله ثقات ان معاوية خطب يوم جمعة فقال انما المال مالنا والفئ فيئنا فمن شئنا اعطيناه ومن شئنا منعناه في كلام طويل (واخرج) ابن عبد البر في الاستيعاب قال : حدثنا احمد بن ابي عبدالله قال : حدثنا بقى (كذا) قال حدثنا ابو بكر بن أبي شيبة قال : حدثنا ابن علية بن هشام عن الحسن البصري قال : كتب زياد إلى الحكم بن عمرو الغفاري وهو على خراسان ان امير المؤمنين كتب الي ان تصفى له البيضاء والصفراء فلا تقسم بين الناس ذهبا ولا فضة فكتب إليه الحكم بلغني ان امير المؤمنين كتب ان تصفى له البيضاء والصفراء واني وجدت كتاب الله قبل كتاب امير المؤمنين وانه والله لو ان السموات والارض كانتا رتقا على عبد ثم اتقى الله جعل له مخرجا والسلام عليكم ثم قال للناس اغدوا على مالكم فقسمه بينهم وقال : الحكم اللهم ان كان عندك لي خير فأقبضني اليك فمات بخراسان بمرو واستخلف لما حضرته الوفاة انس بن أبي اناس.
قال وروى يزيد بن هارون قال : حدثنا هشام بن حسان عن الحسن قال بعث زياد الحكم بن عمرو الغفاري على خراسان فأصاب مغنما فكتب إليه زياد ان امير المؤمنين معاوية كتب الي وامرني ان اصفي له كل بيضاء وصفراء فإذا اتاك كتابي هذا فأنظر ما كان من ذهب وفضة فلا تقسمه واقسم ما سوى ذلك فكتب إليه الحكم كتبت الي تذكر ان امير المؤمنين كتب اليك يأمرك ان تصطفي له كل بيضاء وصفراء واني وجدت كتاب الله فذكر الحديث إلى اخوه سواء .
وإذا كان خادم النبي عليه وآله الصلاة والسلام خاصة ومولاه وصاحبه استحق الجر إلى النار بسبب عباءة غلها من الغنيمة كما في صحيح البخاري وغيره لمتنع النبي عليه وآله الصلاة والسلام من الصلاة على احد المجاهدين معه لاخذه خرزا من خرز يهود لا يساوي درهمين كما رواه مالك والنسائي واحمد وابو داود وابن ماجة وكانت الشملة التي غلها من المغنم احد عبيده عليه السلام تلتهب عليه نارا كما في البخاري وقال : للذي اخذ شراكا أو شراكين من خيبر شراك أو شراكان من نار كما في الصحيحين بل اتى رسول لله صلى الله عليه وآله نفسه بنطع من الغنيمة ليستظل به من الشمس فقال تحبون ان يستظل نبيكم بظل من نار يوم القيمة كما رواه الطبراني في الاوسط فما بالك بعقوبة من استأثر بذهب المغنم وفضته واصطفاه لنفسه غير مبال ولا متهيب فليتأول ذلك لمعاوية انصاره بما شاءوا وليحلوا له كثير ما حرم الله قليله على رسوله واصحابه ومواليه بما يوحي به إليهم شيطان التعصب والهوى اجارنا الله تعالى واعاذنا مما ابتلاهم به آمين.
وسأذكر هنا واقعة لشعبة بن غريض بن عاديا رضي الله عنه مع معاوية شافهه فيها بتساهله في تبذيره الاموال لاصحابه خاصة ولم ينكر ذلك معاوية بل صدقه.
قال أبو الفرج الاصبهاني في كتاب الاغاني (وخبرني) احمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثني عمر بن شبة قال : حدثني احمد بن معاوية عن الهيثم بن عدي قال : حج معاوية حجتين في خلافته وكانت له ثلاثون بغلة يحج عليها نساؤه وجواريه قال : فحج في احداهما فرأي شخصا يصلي في المسجد الحرام عليه ثوبان ابيضان فقال من هذا قالوا شعبة بن غريض وكان من اليهود فأرسل إليه يدعوه فأتاه رسوله فقال اجب امير المؤمنين قال أو ليس قد مات امير المؤمنين قيل فأجب معاوية فأتاه فلم يسلم عليه بالخلافة فقال : له معاوية ما فعلت ارضك التي بتيماء قال : يكسي منها العاري ويرد فضلها على الجار قال : افتبيعها قال : نعم قال بكم قال بستين الف دينار ولولا خلة أصابت الحى لم ابعها قال : لقد اغليت قال : اما لو كانت لبعض اصحابك لاخذتها بستمائة الف دينار قال : اجل وإذا بخلت بأرضك فأنشدني شعر أبيك يرثي نفسه فقال قال أبي.
ياليت شعري حين اندب هالكا /ماذا تؤبنني به انواحي
ايقلن لا يبعد فرب كريهة / فرجتها ببشارة وسماح
ولقد ضربت بفضل مالي حقه / عند الشتاء وهبة الارواح
ولقد اخذت الحق غير مخاصم / ولقد رددت الحق غير ملاحي
وإذا دعيت لصعبة سهلتها / ادعى بأفلح مرة ونجاح
فقال انا كنت بهذا الشعر اولى من ابيك قال : كذبت ولؤمت قال اما كذبت فنعم وأما لؤمت فلم قال لانك كنت ميت الحق في الجاهلية وميته في الاسلام اما في الجاهلية فقاتلت النبي صلى الله عليه وآله والوحي حتى جعل الله كيدك المردود واما في الاسلام فمنعت ولد رسول الله صلى الله عليه وآله الخلافة وما انت وهي وانت طليق بن طليق فقال معاوية قد خرف الشيخ فأقيموه فأخذ بيده فأقيم.
وفي ربيع الابرار قال : خطب معاوية فقال ان الله تعالى يقول وان من شئ الا عندنا خزائنه وما ننزله الا بقدر معلوم فعلى م تلومونني إذا قصرت في اعطائكم فقال الاحنف انا والله ما نلومك على ما في خزائن الله ولكن على ما انزله لنا من خزائنه فجعلته انت في خزائنك وحلت بيننا وبينه .
فأنظر ايها المنصف رحمك الله كيف قاتل الصديق الناس على الشاة والبعير يمنعها الرجل من مال المسلمين واستحل دماءهم بذلك وهذا ابن ابي سفيان اغتصب الكل واستأثر به ظلما وبغيا ثم قيل مع ذلك انه امام حق وخليفة صدق تناقلوا هذا وتهافتوا عليه واظهر كل ما عنده وبذل كل منهم جده في ذلك وجهده ويوم القيمة ترمى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة سبحانك هذا بهتان عظيم.
وهنا نقبض القلم عن تعداد ما بقى من بوائقه وفظائعه إذ لا طمع في استقصائها فان المجال في ذلك فصيح جدا ومن ذا الذي يقدر على جمع بوائق جبار لبث بضعا واربعين سنة في الاسلام وهو يتمرغ في حمئة الجور والبغي والفساد والمحادة لله ورسوله (لطيفة ذكرت بهذا ما اتفق لبعض المجاذيب انه مر بحلقة قاص فسمعه يقول وزن النبي صلى الله عليه وآله فرجع بأمته كلها ثم وزن أبو بكر فرجح بها كذلك فقال ذلك المجذوب انكم تذكرون الذين رجحت حسناتهما بحسنات الامة فمالكم لا تذكرون الذين رجحت سيئاتهما بسيئات الامة فقيل له من هما عافاك الله قال هما الخبيثان معاوية وابنه يزيد.) على ان الرواة قد سكتوا عن اكثرها خوف الفتنة ثم جاء بعدهم علماء من انصاره فطمسوا كثيرا مما نقله الرواة منها وليتهم اقتنعوا بما صنعوا لابل اكثروا اللوم وشددوا النكير على من نقل شيئا من قبائحه ولم يتأوله له أو يطعن في سنده وان كان بمنتهي مراتب الصحة وزعموا ان في ذلك فسادا عظيما لما فيه من الحط في مقدار كبار الصحابة الذين هم حملة الدين ونقلة القرآن حتى لام بعضهم العلامة المحدث ابن قتيبة على ذكره طرفا من ذلك في كتاب الامامة والسياسة وغيره وفي هذا الكلام مشاغبة ومغالطة يكررها انصار معاوية ويلوذون عند العجز بها ليستروا قبائحه ويكتموا فضائحه ويوهموا بذلك الاغبياء انه من كبار الصحابة وحملة الدين.
اما صحبته فستعلم مما يأتي انها صحبة سوء وانها عليه لاله واما دعوى حمله الدين فيالله العجب اي دين حمله معاوية إلى الامة ومن الذي يجيز قبول ما جاء به واي شخص ـ ولو عاميا ـ يخطر في باله ان معاوية من حملة الدين. اين معاوية من الدين وحملته ومعاوية هو الهادم اركان الدين ان الاحاديث القليلة التي نقلت عنه عرضا مطعون فيها بفسقه لا يجوز الاحتجاج بها في دين الله اتقبل احاديث من ارتكب الموبقات وسن البغي والظلم والغدر والجور والكذب ونقض العهود فهذا هو الدين الذي حمله معاوية واعوانه وبئس ما حملوا رب بما انعمت على فلن اكون ظهيرا للمجرمين اننا سننقل بوائقه ونعلنها على رؤس الاشهاد وننشرها للعام والخاص لتحذير الكل منه ومن الاغترار به لا نخاف في الحق لومة لائم وتعرف انه لا يلحق بكبار اصحاب محمد صلى الله عليه وآله ولا حملة دينه ادنى نقص بذلك فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه اولئك هم المفلحون واما من طغى وآثر الحياة الدنيا فان الجحيم هي المأوى.
يقول اقوام ان الخوض في هذا المقام يوجب التفريق بين أهل القبلة ويورث الغداوة والبغضاء بينهم واقول ان التمويه والمغالطة بوضع الباطل موضع الحق هو الموجب للتفريق والانصاف والاذعان للحق بأدلته الواضحة هو من موجبات التوفيق فان كل مؤمن بل وكل عاقل يجب ان يكون ضالته الحق حيث كان انا لم نكتب ما كتبناه عن حالات معاوية واشياعه واتباعه في في هذه العجالة الا بيانا للحق وتذرعا إلى التوفيق بين الفرق المتضاغنة من الامة المحمدية المختلفة في المشرب والمذاهب بكل منها تعصبه لفرقته في البعد عن الاخرى شوطا بعيدا فإذا تقهقر اصحابنا اهل السنة عن مأتوغلوا فيه حتى تجاوزوا الحد من تعظيم من ليس حقه التعظيم وتبرئة من براءته من الفسق تكاد تكون كذبا صراحا وافتيانا على الله واظهار مودة من حاد الله ورسوله من المسيئين صحبة رسول الله صلى الله عليه وآله والمحدثين الاحداث القبيحة بعده إلى الاعتراف بأنهم ظالمون فساق بغاة قاسطون كما ذكر الله يستحقون ما يستحقه الفسقة من الرفض والبعض والمقت وتقهقر غلاة الشيعة عن توغلهم وغلوهم في الطرف الآخر من ذم وسب من لا يستحق الا المدح والاجلال والتوقير والتعظيم من كبار اصحاب نبيهم صلى الله عليه وآله واعترفوا بسوابقهم الحسنة وفضائلهم لاتفقنا نحن واياهم في نقطة هي والله مركز الحق ومداره ونزع من الطائفتين وغر القلوب وغل الصدور وذهبت نزغات الشيطان من بينهم وتحققت فيهم بأكمل معانيها اخوة الايمان ولكن الآفة والمصيبة كل المصيبة هو التعصب المذهبي والتقليد الصرف فأنه هو الذي يعمى البصائر عن الاستضاءة بأنوار الادلة الواضحة ويصم الاذان عن استماعها فتجد الشخص المتعصب عندما تورد عليه دليلا مخالفا لمذهبه ومغائرا لمعتقده كالحائر المتخبط منتفخ الودجين محمر الانف من الغضب يتطلب ما يجرح به ذلك الدليل أو يعارضه فإذا لم يجد لجا إلى تفسيره أو تأويله بما يوافق هواه من التأويلات البعيدة أو تمسك في نقضه بما يشاكل نسج العنكبوت في الضعف فتراه يقول قال : فلان كذا وافتى فلان بكذا في مقابلة قول الله تعالى ورسوله عليه وآله الصلاة والسلام حبا في نصرة مذهبه وطمعا في ان يكون الحق تبعا لهواه مقتنعا بتزيين النفس الامارة له ذلك العمل السئ الذي هو اهدار قول الله تعالى أو قول رسوله صلى الله عليه وآله بتحكيم آراء الرجال واقوالهم وتخييلها له بأنه قائم بعمل عظيم ينصر به السنة ويعزز به الدين وانه ملتزم حسن الادب والتواضع مع العلماء إذ لم يقدر على رد شئ من أقوالهم ولم يتهم احدا منهم بخطأ في اجتهاد ولا هفوة في فتوى ولم يدر ذلك المسكين انها اجرت له الباطل في مجرى الحق وخدعته في دينه لان عمله هذا هو المرضي للشيطان المغضب للرحمن والمضعف لقوام الدين والمباين لعمل العلماء المتقين.
وليت شعري اي عالم واي مجتهد يسره ان يتأدب له اتباعه ويتركوا قول الله تعالى وقول رسوله عليه وآله السلام لقوله كيلا يردونه عليه لا والله
شافهني يوما احد المترسمين برسوم العلم وقد جرى في المجلس ذكر الخوارج وضلالهم فقال ان الرسالة التي سمعت انك جمعتها في التحذير من تولى معاوية لاشد من ضلال الخوارج فقلت هل رأيتها قال لا قلت فها هي عفا الله عنك بين يديك فقل في مسألة واحدة منها انها ضلال كي تتدبر البحث فيها حتى يظهر الحق من أي الطرفين فيعود كلانا إليه فأنه ضالة المؤمن فقال سبحان الله عنك بين يديك فقل في مسألة واحدة منها انها ضلال كي تتدبر البحث فيها فأرشدني إليه ارشدك الله ولو في موضوع واحد من مواضيع الرسالة وانا كفيل بأتباعك إذا هديتني إليه فقال ان الجدال معك لا يجوز فقلت إذا لم ترض النظر في هذه الرسالة فلنبحث في آية من كتاب الله تعالى أو حديث من احاديث رسوله عليه الصلاة والسلام مما تضمنته هذه الرسالة فقال ان العلماء منعوا من الخوض في هذه المسائل ولو كان في آية قرآنية أو حديث نبوي ثم قام من المجلس وذهب مغاضبا فأنظر ايها المؤمن بما جاء عن الله ورسوله كيف ذهب بهؤلاء تعصبهم وتقليدهم لعلمائهم حتى إلى رفض كتاب الله تعالى وحديث نبيه عليه الصلاة والسلام فلا حول ولا قوة الا بالله وقال لي آخر ما كتبته وجمعته في هذه الرسالة حق ولكنك اخطأت من جهة مخالفتك لمن تقدمك فأنهم ذكروا ما ذكروا مفرقا ولم يعلقوا عليه شيئا وانت جمعت المتفرق ورتبت مقدماته واطلعت نتائجه واثبت براهينه فأعلنت بصنيعك ما اسروه وجمعت ما شتتوه واظهرت ما اخفوه فقلت له رحمك الله اترى اعلان الحق واقامة البرهان هنا من الخطأ وكتمه من الصواب قال نعم حيث لم يكن لك سلف في ذلك فقلت لعل من سكت من السلف معذورون في في سكوتهم بخوف الفتنة من امرائهم أو نحو ذلك وقد زال المانع اليوم وان القرآن كان متفرقا فجمع والحديث كذلك فقال ان آخر كلمة اقولها لك انه يجب عليك ان لا تفعل في هذا الباب الا ما فعلوا فان كان حقا فقد اصبته وان كان خطاء فالخطأ معهم اولى لك من الاصابة وحدك ثم قام عني.
وقال لي ثالث ان الحق ما قلته في هذه المسائل اصدقه بقلبي ولا اقربه بلساني تحرجا من مخالفة من لم يقل من علمائنا بما قلته. انتهى جامعه.
لا يوجد احد من المجتهدين بهذه الصفة الا ان يكون معاوية كما قد دلت على ذلك سيرته وافعاله انما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم ان يقولوا سمعنا واطعنا واولئك هم المفلحون قال موسى بن عمران اي رب اي عبادك اسعد قال من آثر هواي على هواه وغضب لي غضب النمر لنفسه من ربيع الابرار اللهم ارنا الحق حقا وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطل وارزقنا اجتنابه ولا تجعله مشتبها علينا فنتبع الهوى واجعل اللهم هوانا تبعا لما جاء به حبيبك ونبيك محمد صلى الله عليه وآله.
المصدر : راسخون2017