العلم في الصغر

حُكِيَ أَنَّ بَعْضَ الْحُكَمَاءِ رَأَى شَيْخًا كَبِيرًا يُحِبُّ النَّظَرَ فِي الْعِلْمِ وَيَسْتَحِي فَقَالَ لَهُ : يَا هَذَا أَتَسْتَحِي أَنْ تَكُونَ فِي آخِرِ عُمُرِك أَفْضَلَ مِمَّا كُنْتَ فِي أَوَّلِهِ ، وَذُكِرَ أَنَّ إبْرَاهِيمَ بْنَ الْمَهْدِيِّ دَخَلَ عَلَى الْمَأْمُونِ وَعِنْدَهُ جَمَاعَةٌ يَتَكَلَّمُونَ فِي الْفِقْهِ فَقَالَ :
Monday, January 1, 2018
الوقت المقدر للدراسة:
مؤلف: علی اکبر مظاهری
موارد بیشتر برای شما
العلم في الصغر
 العلم في الصغر



 

حُكِيَ أَنَّ بَعْضَ الْحُكَمَاءِ رَأَى شَيْخًا كَبِيرًا يُحِبُّ النَّظَرَ فِي الْعِلْمِ وَيَسْتَحِي فَقَالَ لَهُ : يَا هَذَا أَتَسْتَحِي أَنْ تَكُونَ فِي آخِرِ عُمُرِك أَفْضَلَ مِمَّا كُنْتَ فِي أَوَّلِهِ ، وَذُكِرَ أَنَّ إبْرَاهِيمَ بْنَ الْمَهْدِيِّ دَخَلَ عَلَى الْمَأْمُونِ وَعِنْدَهُ جَمَاعَةٌ يَتَكَلَّمُونَ فِي الْفِقْهِ فَقَالَ : يَا عَمِّ مَا عِنْدَك فِيمَا يَقُولُ هَؤُلَاءِ : فَقَالَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ شَغَلُونَا فِي الصِّغَرِ وَاشْتَغَلْنَا فِي الْكِبَرِ .
فَقَالَ : لِمَ لَا نَتَعَلَّمُهُ الْيَوْمَ ؟ قَالَ : أَوْ يَحْسُنُ بِمِثْلِي طَلَبُ الْعِلْمِ ؟ قَالَ : نَعَمْ .
وَاَللَّهِ لَأَنْ تَمُوتَ طَالِبًا لِلْعِلْمِ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَعِيشَ قَانِعًا بِالْجَهْلِ .
قَالَ : وَإِلَى مَتَى يَحْسُنُ بِي طَلَبُ الْعِلْمِ ؟ قَالَ : مَا حَسُنَتْ بِك الْحَيَاةُ ؛ وَلِأَنَّ الصَّغِيرَ أَعَذْرُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْجَهْلِ عُذْرٌ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ تَطُلْ بِهِ مُدَّةُ التَّفْرِيطِ وَلَا اسْتَمَرَّتْ عَلَيْهِ أَيَّامُ الْإِهْمَالِ .
وَقَدْ قِيلَ فِي مَنْثُورِ الْحِكَمِ : جَهْلُ الصَّغِيرِ مَعْذُورٌ ، وَعِلْمُهُ مَحْقُورٌ ، فَأَمَّا الْكَبِيرُ فَالْجَهْلُ بِهِ أَقْبَحُ ، وَنَقْصُهُ عَلَيْهِ أَفْضَحُ ؛ لِأَنَّ عُلُوَّ السِّنِّ إذَا لَمْ يُكْسِبْهُ فَضْلًا وَلَمْ يُفِدْهُ عِلْمًا وَكَانَتْ أَيَّامُهُ فِي الْجَهْلِ مَاضِيَةً ، وَمِنْ الْفَضْلِ خَالِيَةً ، كَانَ الصَّغِيرُ أَفْضَلَ مِنْهُ ؛ لِأَنَّ الرَّجَاءَ لَهُ أَكْثَرُ ، وَالْأَمَلَ فِيهِ أَظْهَرُ ، وَحَسْبُك نَقْصًا فِي رَجُلٍ يَكُونُ الصَّغِيرُ الْمُسَاوِي لَهُ فِي الْجَهْلِ أَفْضَلَ مِنْهُ .
وَأَنْشَدْت لِبَعْضِ أَهْلِ الْأَدَبِ : إذَا لَمْ يَكُنْ مَرُّ السِّنِينَ مُتَرْجِمًا عَنْ الْفَضْلِ فِي الْإِنْسَانِ سَمَّيْته طِفْلَا وَمَا تَنْفَعُ الْأَيَّامُ حِينَ يَعُدُّهَا وَلَمْ يَسْتَفِدْ فِيهِنَّ عِلْمًا وَلَا فَضْلَا أَرَى الدَّهْرَ مِنْ سُوءِ التَّصَرُّفِ مَائِلًا إلَى كُلِّ ذِي جَهْلٍ كَأَنَّ بِهِ جَهْلَا
وَرُبَّمَا امْتَنَعَ مِنْ طَلَبِ الْعِلْمِ لِتَعَذُّرِ الْمَادَّةِ وَشَغَلَهُ اكْتِسَابُهَا عَنْ الْتِمَاسِ الْعِلْمِ .
وَهَذَا ، وَإِنْ كَانَ أَعْذَرَ مِنْ غَيْرِهِ مَعَ أَنَّهُ قَلَّ مَا يَكُونُ ذَلِكَ إلَّا عِنْدَ ذِي شَرَهٍ وَعَيْبٍ وَشَهْوَةٍ مُسْتَعْبِدَةٍ ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَصْرِفَ إلَى الْعِلْمِ حَظًّا مِنْ زَمَانِهِ .
فَلَيْسَ كُلُّ الزَّمَانِ زَمَانَ اكْتِسَابٍ .
وَلَا بُدَّ لِلْمُكْتَسِبِ مِنْ أَوْقَاتِ اسْتِرَاحَةٍ ، وَأَيَّامِ عُطْلَةٍ .
وَمَنْ صَرَفَ كُلَّ نَفْسِهِ إلَى الْكَسْبِ حَتَّى لَمْ يَتْرُكْ لَهَا فَرَاغًا إلَى غَيْرِهِ ، فَهُوَ مِنْ عَبِيدِ الدُّنْيَا ، وَأُسَرَاءِ الْحِرْصِ .
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { لِكُلِّ شَيْءٍ فَتْرَةٌ ، فَمَنْ كَانَتْ فَتْرَتُهُ إلَى الْعِلْمِ فَقَدْ نَجَا } .
وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { كُونُوا عُلَمَاءَ صَالِحِينَ ، فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا عُلَمَاءَ صَالِحِينَ فَجَالِسُوا الْعُلَمَاءَ وَاسْمَعُوا عِلْمًا يَدُلُّكُمْ عَلَى الْهُدَى ، وَيَرُدُّكُمْ عَنْ الرَّدَى } .
وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ : مَنْ أَحَبَّ الْعِلْمَ أَحَاطَتْ بِهِ فَضَائِلُهُ .
وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ : مَنْ صَاحَبَ الْعُلَمَاءِ وُقِّرَ ، وَمَنْ جَالَسَ السُّفَهَاءَ حُقِّرَ .
وَرُبَّمَا مَنَعَهُ مِنْ طَلَبِ الْعِلْمِ مَا يَظُنُّهُ مِنْ صُعُوبَتِهِ ، وَبُعْدِ غَايَتِهِ ، وَيَخْشَى مِنْ قِلَّةِ ذِهْنِهِ وَبُعْدِ فِطْنَتِهِ .
وَهَذَا الظَّنُّ اعْتِذَارُ ذَوِي النَّقْصِ وَخِيفَةُ أَهْلِ الْعَجْزِ ؛ لِأَنَّ الْأَخْبَارَ قَبْلَ الِاخْتِبَارِ جَهْلٌ ، وَالْخَشْيَةَ قَبْلَ الِابْتِلَاءِ عَجْزٌ .
وَقَدْ قَالَ الشَّاعِرُ : لَا تَكُونَنَّ لِلْأُمُورِ هَيُوبًا فَإِلَى خَيْبَةٍ يَصِيرُ .
فَقَالَ : كَفَى بِتَرْكِ الْعِلْمِ إضَاعَةٌ .
وَلَيْسَ ، وَإِنْ تَفَاضَلَتْ الْأَذْهَانُ وَتَفَاوَتَتْ الْفَطِنُ ، يَنْبَغِي لِمَنْ قَلَّ مِنْهَا حَظُّهُ أَنْ يَيْأَسَ مِنْ نَيْلِ الْقَلِيلِ وَإِدْرَاكِ الْيَسِيرِ الَّذِي يَخْرُجُ بِهِ مِنْ حَدِّ الْجَهَالَةِ إلَى أَدْنَى مَرَاتِبِ التَّخْصِيصِ .
فَإِنَّ الْمَاءَ مَعَ لِينِهِ يُؤَثِّرُ فِي صَمِّ الصُّخُورِ فَكَيْفَ لَا يُؤَثِّرُ الْعِلْمُ الزَّكِيُّ فِي نَفْسِ رَاغِبٍ شَهِيٍّ ، وَطَالِبٍ خَلِيٍّ ، لَا سِيَّمَا وَطَالِبُ الْعِلْمِ مُعَانٌ .
قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { إنَّ الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ .}
وَرُبَّمَا مَنَعَ ذَا السَّفَاهَةِ مِنْ طَلَبِ الْعِلْمِ أَنْ يُصَوِّرَ فِي نَفْسِهِ حِرْفَةَ أَهْلِهِ وَتَضَايُقَ الْأُمُورِ مَعَ الِاشْتِغَالِ بِهِ حَتَّى يَسِمَهُمْ بِالْإِدْبَارِ وَيَتَوَسَّمَهُمْ بِالْحِرْمَانِ ، فَإِنْ رَأَى مَحْبَرَةً تَطَيَّرَ مِنْهَا وَإِنْ رَأَى كِتَابًا أَعْرَضَ عَنْهُ ، وَإِنْ رَأَى مُتَحَلِّيًا بِالْعِلْمِ هَرَبَ مِنْهُ كَأَنَّهُ لَمْ يَرَ عَالِمًا مُقْبِلًا وَجَاهِلًا مُدْبِرًا .
وَلَقَدْ رَأَيْت مِنْ هَذِهِ الطَّبَقَةِ جَمَاعَةً ذَوِي مَنَازِلِ ، وَأَحْوَالٍ كُنْت أُخْفِي عَنْهُمْ مَا يَصْحَبُنِي مِنْ مَحْبَرَةٍ وَكِتَابٍ لِئَلَّا أَكُونَ عِنْدَهُمْ مُسْتَثْقَلًا ، وَإِنْ كَانَ الْبُعْدُ عَنْهُمْ مُؤْنِسًا وَمُصْلِحًا ، وَالْقُرْبُ مِنْهُمْ مُوحِشًا وَمُفْسِدًا .
فَقَدْ قَالَ بَزَرْجَمْهَرَ : الْجَهْلُ فِي الْقَلْبِ كَالنَّزِّ فِي الْأَرْضِ ، يُفْسِدُ مَا حَوْلَهُ .
لَكِنْ اتَّبَعْتُ فِيهِمْ الْحَدِيثَ الْمَرْوِيَّ عَنْ أَبِي الْأَشْعَثِ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ عَنْ ثَوْبَانَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { خَالِطُوا النَّاسَ بِأَخْلَاقِهِمْ وَخَالِفُوهُمْ فِي أَعْمَالِهِمْ } .
وَلِذَلِكَ قَالَ بَعْضُ الْبُلَغَاءِ : رُبَّ جَهْلٍ وُقِيَتْ بِهِ عُلَمَاءُ ، وَسَفَهٍ حُمِيَتْ بِهِ حُلَمَاءُ .
وَهَذِهِ الطَّبَقَةُ مِمَّنْ لَا يُرْجَى لَهَا صَلَاحٌ ، وَلَا يُؤْمَلُ لَهَا فَلَاحٌ .
لِأَنَّ مَنْ اعْتَقَدَ أَنَّ الْعِلْمَ شَيْنٌ ، وَأَنَّ تَرْكَهُ زَيْنٌ ، وَأَنَّ لِلْجَهْلِ إقْبَالًا مُجْدِيًا ، وَلِلْعِلْمِ إدْبَارًا مُكْدِيًا ، كَانَ ضَلَالُهُ مُسْتَحْكِمًا وَرَشَادُهُ مُسْتَعْبَدَا ، وَكَانَ هُوَ الْخَامِسُ الْهَالِكُ الَّذِي قَالَ فِيهِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام: { اُغْدُ عَالِمًا أَوْ مُتَعَلِّمًا أَوْ مُسْتَمِعًا أَوْ مُحِبًّا وَلَا تَكُنْ الْخَامِسَ فَتَهْلِكَ } .
وَقَدْ رَوَاهُ خَالِدٌ الْحَذَّاءُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسْنَدًا وَلَيْسَ لِمَنْ هَذِهِ حَالُهُ : فِي الْعَذْلِ نَفْعٌ وَلَا فِي الْإِصْلَاحِ مَطْمَعٌ .
وَقَدْ قِيلَ لِبَزَرْجَمْهَرَ : مَا لَكُمْ لَا تُعَاتِبُونَ الْجُهَّالَ ؟ فَقَالَ : إنَّا لَا
نُكَلِّفُ الْعُمْيَ أَنْ يُبْصِرُوا ، وَلَا الصُّمَّ أَنْ يَسْمَعُوا .
وَهَذِهِ الطَّائِفَةُ الَّتِي تَنْفِرُ مِنْ الْعِلْمِ هَذَا النُّفُورَ ، وَتُعَانِدُ أَهْلَهُ هَذَا الْعِنَادَ ، تَرَى الْعَقْلَ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ وَتَنْفِرُ مِنْ الْعُقَلَاءِ هَذَا النُّفُورَ ، وَتَعْتَقِدُ أَنَّ الْعَاقِلَ مُحَارَفٌ ، وَأَنَّ الْأَحْمَقَ مَحْظُوظٌ .
وَنَاهِيكَ بِضَلَالِ مَنْ هَذَا اعْتِقَادُهُ فِي الْعَقْلِ وَالْعِلْمِ هَلْ يَكُونُ لِخَيْرٍ أَهْلًا ، أَوْ لِفَضِيلَةٍ مَوْضِعًا .
وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْبُلَغَاءِ : أَخْبَثُ النَّاسِ الْمُسَاوِي بَيْنَ الْمَحَاسِنِ وَالْمَسَاوِئِ ؛ وَعِلَّةُ هَذَا أَنَّهُمْ رُبَّمَا رَأَوْا عَاقِلًا غَيْرَ مَحْظُوظٍ ، وَعَالِمًا غَيْرَ مَرْزُوقٍ ، فَظَنُّوا أَنَّ الْعِلْمَ وَالْعَقْلَ هُمَا السَّبَبُ فِي قِلَّةِ حَظِّهِ وَرِزْقِهِ .
وَقَدْ انْصَرَفَتْ عُيُونُهُمْ عَنْ حِرْمَانِ أَكْثَرِ النَّوْكَى وَإِدْبَارِ أَكْثَرِ الْجُهَّالِ ؛ لِأَنَّ فِي الْعُقَلَاءِ وَالْعُلَمَاءِ قِلَّةً وَعَلَيْهِمْ مِنْ فَضْلِهِمْ سِمَةٌ .
وَلِذَلِكَ قِيلَ : الْعُلَمَاءُ غُرَبَاءُ لِكَثْرَةِ الْجُهَّالِ .
فَإِذَا ظَهَرَتْ سِمَةُ فَضْلِهِمْ وَصَادَفَ ذَلِكَ قِلَّةَ حَظِّ بَعْضِهِمْ تَنَوَّهُوا بِالتَّمْيِيزِ وَاشْتُهِرُوا بِالتَّعْيِينِ ، فَصَارُوا مَقْصُودِينَ بِإِشَارَةِ الْمُتَعَنِّتِينَ ، مَلْحُوظِينَ بِإِيمَاءِ الشَّامِتِينَ .
وَالْجُهَّالُ وَالْحَمْقَى لَمَّا كَثُرُوا وَلَمْ يَتَخَصَّصُوا انْصَرَفَتْ عَنْهُمْ النُّفُوسُ فَلَمْ يَلْحَظْ الْمَحْرُومُ مِنْهُمْ بِطَرَفِ شَامِتٍ ، وَلَا قَصَدَ الْمَجْدُودُ مِنْهُمْ بِإِشَارَةِ عَائِبٍ .
فَلِذَلِكَ ظَنَّ الْجَاهِلُ الْمَرْزُوقُ أَنَّ الْفَقْرَ وَالضِّيقَ مُخْتَصٌّ بِالْعِلْمِ ، وَالْعَقْلَ دُونَ الْجَهْلِ وَالْحُمْقِ وَلَوْ فَتَّشَتْ أَحْوَالَ الْعُلَمَاءِ وَالْعُقَلَاءِ ، مَعَ قِلَّتِهِمْ ، لَوَجَدْت الْإِقْبَالَ فِي أَكْثَرِهِمْ .
وَلَوْ اخْتَبَرْت أُمُورَ الْجُهَّالِ وَالْحَمْقَى ، مَعَ كَثْرَتِهِمْ ، لَوَجَدَتْ الْحِرْمَانَ فِي أَكْثَرِهِمْ .
وَإِنَّمَا يَصِيرُ ذُو الْحَالِ الْوَاسِعَةِ مِنْهُمْ مَلْحُوظًا مُشْتَهِرًا ؛ لِأَنَّ حَظَّهُ عَجِيبٌ وَإِقْبَالَهُ مُسْتَغْرَبٌ .
كَمَا أَنَّ حِرْمَانَ الْعَاقِلِ
الْعَالِمِ غَرِيبٌ وَإِقْلَالَهُ عَجِيبٌ .
وَلَمْ تَزَلْ النَّاسُ عَلَى سَالِفِ الدُّهُورِ مِنْ ذَلِكَ مُتَعَجِّبِينَ وَبِهِ مُعْتَبِرِينَ حَتَّى قِيلَ لِبَزَرْجَمْهَرَ : مَا أَعْجَبُ الْأَشْيَاءِ ؟ فَقَالَ : نُجْحُ الْجَاهِلِ وَإِكْدَاءُ الْعَاقِلِ .
لَكِنَّ الرِّزْقَ بِالْحَظِّ وَالْجَدِّ ، لَا بِالْعِلْمِ وَالْعَقْلِ ، حِكْمَةً مِنْهُ تَعَالَى يَدُلُّ بِهَا عَلَى قُدْرَتِهِ وَإِجْرَاءِ الْأُمُورِ عَلَى مَشِيئَتِهِ .
وَقَدْ قَالَتْ الْحُكَمَاءُ : لَوْ جَرَتْ الْأَقْسَامُ عَلَى قَدْرِ الْعُقُولِ لَمْ تَعِشْ الْبَهَائِمُ .
فَنَظَمَهُ أَبُو تَمَّامٍ فَقَالَ : يَنَالُ الْفَتَى مِنْ عَيْشِهِ وَهُوَ جَاهِلُ وَيُكْدِي الْفَتَى مِنْ دَهْرِهِ وَهُوَ عَالِمُ وَلَوْ كَانَتْ الْأَرْزَاقُ تَجْرِي عَلَى الْحِجَا هَلَكْنَ إذَنْ مِنْ جَهْلِهِنَّ الْبَهَائِمُ وَقَالَ كَعْبُ بْنُ زُهَيْرِ بْنُ أَبِي سُلْمَى : لَوْ كُنْت أَعْجَبُ مِنْ شَيْءِ لَأَعْجَبَنِي سَعْيُ الْفَتَى وَهُوَ مَخْبُوءٌ لَهُ الْقَدَرُ يَسْعَى الْفَتَى لِأُمُورٍ لَيْسَ يُدْرِكُهَا وَالنَّفْسُ وَاحِدَةٌ وَالْهَمُّ مُنْتَشِرُ عَلَى أَنَّ الْعِلْمَ وَالْعَقْلَ سَعَادَةٌ وَإِقْبَالٌ ، وَإِنْ قَلَّ مَعَهُمَا الْمَالُ ، وَضَاقَتْ مَعَهُمَا الْحَالُ .
وَالْجَهْلَ وَالْحُمْقَ حِرْمَانٌ وَإِدْبَارٌ وَإِنْ كَثُرَ مَعَهُمَا الْمَالُ ، وَاتَّسَعَتْ فِيهِمَا الْحَالُ ؛ لِأَنَّ السَّعَادَةَ لَيْسَتْ بِكَثْرَةِ الْمَالِ فَكَمْ مِنْ مُكْثِرٍ شَقِيٌّ وَمُقِلٍّ سَعِيدٌ .
وَكَيْفَ يَكُونُ الْجَاهِلُ الْغَنِيُّ سَعِيدًا وَالْجَهْلُ يَضَعُهُ .
أَمْ كَيْفَ يَكُونُ الْعَالِمُ الْفَقِيرُ شَقِيًّا وَالْعِلْمُ يَرْفَعُهُ ؟ وَقَدْ قِيلَ فِي مَنْثُورِ الْحِكَمِ : كَمْ مِنْ ذَلِيلٍ أَعَزَّهُ عِلْمُهُ ، وَمِنْ عَزِيزٍ أَذَلَّهُ جَهْلُهُ .
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُعْتَزِّ : الْجَاهِلُ كَرَوْضَةٍ عَلَى مَزْبَلَةٍ .
وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ : كُلَّمَا حَسُنَتْ نِعْمَةُ الْجَاهِلِ ازْدَادَ قُبْحًا .
وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ لِبَنِيهِ : يَا بَنِيَّ تَعَلَّمُوا الْعِلْمَ فَإِنْ لَمْ تَنَالُوا بِهِ مِنْ الدُّنْيَا حَظًّا فَلَأَنْ يُذَمَّ الزَّمَانُ لَكُمْ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ يُذَمَّ الزَّمَانُ بِكُمْ .
وَقَالَ بَعْضُ الْأُدَبَاءِ :
مَنْ لَمْ يَفِدْ بِالْعِلْمِ مَالًا كَسَبَ بِهِ جَمَالًا ، وَأَنْشَدَ بَعْضُ أَهْلِ الْأَدَبِ لِابْنِ طَبَاطَبَا : حَسُودٌ مَرِيضُ الْقَلْبِ يُخْفِي أَنِينَهُ وَيَضْحَى كَئِيبَ الْبَالِ عِنْدِي حَزِينَهُ يَلُومُ عَلَيَّ أَنْ رُحْت لِلْعِلْمِ طَالِبًا أَجْمَعُ مِنْ عِنْدِ الرُّوَاةِ فَنُونَهُ فَأَعْرِفُ أَبْكَارَ الْكَلَامِ وَعَوْنَهُ وَأَحْفَظُ مِمَّا أَسْتَفِيدُ عُيُونَهُ وَيَزْعُمُ أَنَّ الْعِلْمَ لَا يُكْسِبُ الْغِنَى وَيُحْسِنُ بِالْجَهْلِ الذَّمِيمِ ظُنُونَهُ فَيَا لَائِمِي دَعْنِي أُغَالِي بِقِيمَتِي فَقِيمَةُ كُلِّ النَّاسِ مَا يُحْسِنُونَهُ وَأَنَا أَسْتَعِيذُ بِاَللَّهِ مِنْ خِدَعِ الْجَهْلِ الْمُذِلَّةِ ، وَبَوَادِرِ الْحُمْقِ الْمُضِلَّةِ .
وَأَسْأَلُهُ السَّعَادَةَ بِعَقْلٍ رَادِعٍ يَسْتَقِيمُ بِهِ مَنْ زَلَّ ، وَعِلْمٍ نَافِعٍ يَسْتَهْدِي بِهِ مَنْ ضَلَّ .
فَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : إذَا اسْتَرْذَلَ اللَّهُ عَبْدًا حَظَرَ عَلَيْهِ الْعِلْمَ .
فَيَنْبَغِي لِمَنْ زَهِدَ فِي الْعِلْمِ أَنْ يَكُونَ فِيهِ رَاغِبًا وَلِمَنْ رَغِبَ فِيهِ أَنْ يَكُونَ لَهُ طَالِبًا ، وَلِمَنْ طَلَبَهُ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ مُسْتَكْثَرًا ، وَلِمَنْ اسْتَكْثَرَ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ بِهِ عَامِلًا ، وَلَا يَطْلُبُ لِتَرْكِهِ احْتِجَاجًا وَلَا لِلتَّقْصِيرِ فِيهِ عُذْرًا .
وَقَدْ قَالَ الشَّاعِرُ : فَلَا تَعْذِرَانِي فِي الْإِسَاءَةِ إنَّهُ شِرَارُ الرِّجَالِ مَنْ يُسِيءُ فَيُعْذَرُ وَلَا يُسَوِّفُ نَفْسَهُ بِالْمَوَاعِيدِ الْكَاذِبَةِ وَيُمَنِّيهَا بِانْقِطَاعِ الْأَشْغَالِ الْمُتَّصِلَةِ ، فَإِنَّ لِكُلِّ وَقْتٍ شُغْلًا وَلِكُلِّ زَمَانٍ عُذْرًا .
وَقَالَ الشَّاعِرُ : نَرُوحُ وَنَغْدُو لِحَاجَاتِنَا وَحَاجَةُ مَنْ عَاشَ لَا تَنْقَضِي تَمُوتُ مَعَ الْمَرْءِ حَاجَاتُهُ وَتَبْقَى لَهُ حَاجَةٌ مَا بَقِيَ وَيَقْصِدُ طَلَبَ الْعِلْمِ وَاثِقًا بِتَيْسِيرِ اللَّهِ قَاصِدًا وَجْهَ اللَّهِ تَعَالَى بِنِيَّةٍ خَالِصَةٍ وَعَزِيمَةٍ صَادِقَةٍ .
فَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { مَنْ تَعَلَّمَ عِلْمًا لِغَيْرِ اللَّهِ وَأَرَادَ بِهِ غَيْرَ اللَّهِ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ } .
وَلْيَحْذَرْ أَنْ يَطْلُبَهُ لِمِرَاءٍ أَوْ رِيَاءٍ فَإِنَّ الْمُمَارِيَ بِهِ مَهْجُورٌ لَا يَنْتَفِعُ ، وَالْمُرَائِيَ بِهِ مَحْقُورٌ لَا يَرْتَفِعُ .
وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { لَا تَعَلَّمُوا الْعِلْمَ لِتُمَارُوا بِهِ السُّفَهَاءَ ، وَلَا تَعَلَّمُوا الْعِلْمَ لِتُجَادِلُوا بِهِ الْعُلَمَاءَ ، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَالنَّارُ مَثْوَاهُ } .
وَلَيْسَ الْمُمَارِي بِهِ هُوَ الْمُنَاظِرُ فِيهِ طَلَبًا لِلصَّوَابِ مِنْهُ ، وَلَكِنَّهُ الْقَاصِدُ لِدَفْعِ مَا يَرِدُ عَلَيْهِ مِنْ فَاسِدٍ أَوْ صَحِيحٍ .
وَفِيهِمْ جَاءَتْ السُّنَّةُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { لَا يُجَادِلُ إلَّا مُنَافِقٌ أَوْ مُرْتَابٌ } .
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ : إذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ شَرًّا أَعْطَاهُمْ الْجَدَلَ ، وَمَنَعَهُمْ الْعَمَلَ .
وَأَنْشَدَ الرِّيَاشِيُّ لِمُصْعَبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ : أُجَادِلُ كُلَّ مُعْتَرِضٍ ظَنِينِ وَأَجْعَلُ دِينَهُ غَرَضًا لِدِينِي وَأَتْرُكُ مَا عَمِلْتُ لِرَأْيِ غَيْرِي وَلَيْسَ الرَّأْيُ كَالْعِلْمِ الْيَقِينِ وَمَا أَنَا وَالْخُصُومَةُ وَهِيَ شَيْءٌ يُصْرَفُ فِي الشِّمَالِ وَفِي الْيَمِينِ فَأَمَّا مَا عَلِمْت فَقَدْ كَفَانِي وَأَمَّا مَا جَهِلْت فَجَنِّبُونِي وَقَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ : لَا يَمْنَعَنَّكَ حَذَرُ الْمِرَاءِ مِنْ حُسْنِ الْمُنَاظَرَةِ ، فَإِنَّ الْمُمَارِيَ هُوَ الَّذِي لَا يُرِيدُ أَنْ يَتَعَلَّمَ مِنْهُ أَحَدٌ وَلَا يَرْجُو أَنْ يَتَعَلَّمَ مِنْ أَحَدٍ .
وَاعْلَمْ أَنَّ لِكُلِّ مَطْلُوبٍ بَاعِثًا .
وَالْبَاعِثُ عَلَى الْمَطْلُوبِ شَيْئَانِ : رَغْبَةٌ أَوْ رَهْبَةٌ ، فَلْيَكُنْ طَالِبُ الْعِلْمِ رَاغِبًا رَاهِبًا .
أَمَّا الرَّغْبَةُ فَفِي ثَوَابِ اللَّهِ تَعَالَى لِطَالِبِي مَرْضَاتِهِ ، وَحَافِظِي مُفْتَرَضَاتِهِ .
وَأَمَّا الرَّهْبَةُ فَمِنْ عِقَابِ اللَّهِ تَعَالَى لِتَارِكِي أَوَامِرِهِ ، وَمُهْمَلِي زَوَاجِرِهِ .
فَإِذَا اجْتَمَعَتْ الرَّغْبَةُ وَالرَّهْبَةُ أَدَّيَا إلَى كُنْهِ الْعِلْمِ وَحَقِيقَةِ الزُّهْدِ ؛ لِأَنَّ الرَّغْبَةَ أَقْوَى الْبَاعِثَيْنِ عَلَى الْعِلْمِ ، وَالرَّهْبَةَ أَقْوَى
السَّبَبَيْنِ فِي الزُّهْدِ .
وَقَدْ قَالَتْ الْحُكَمَاءُ : أَصْلُ الْعِلْمِ الرَّغْبَةُ وَثَمَرَتُهُ السَّعَادَةُ ، وَأَصْلُ الزُّهْدِ الرَّهْبَةُ وَثَمَرَتُهُ الْعِبَادَةُ فَإِذَا اقْتَرَنَ الزُّهْدُ وَالْعِلْمُ فَقَدْ تَمَّتْ السَّعَادَةُ وَعَمَّتْ الْفَضِيلَةُ ، وَإِنْ افْتَرَقَا فَيَا وَيْحَ مُفْتَرَقَيْنِ مَا أَضَرَّ افْتِرَاقَهُمَا ، وَأَقْبَحَ انْفِرَادَهُمَا .
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { مَنْ ازْدَادَ فِي الْعِلْمِ رُشْدًا ، فَلَمْ يَزْدَدْ فِي الدُّنْيَا زُهْدًا ، لَمْ يَزْدَدْ مِنْ اللَّهِ إلَّا بُعْدًا } .
وَقَالَ مَالِكُ بْنُ دِينَارٍ : مَنْ لَمْ يُؤْتَ مِنْ الْعِلْمِ مَا يَقْمَعُهُ ، فَمَا أُوتِيَ مِنْهُ لَا يَنْفَعُهُ .
وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ : الْفَقِيهُ بِغَيْرِ وَرَعٍ كَالسِّرَاجِ يُضِيءُ الْبَيْتَ وَيُحْرِقُ نَفْسَهُ .
التَّعَلُّمُ : فَصْلٌ : وَاعْلَمْ أَنَّ لِلْعُلُومِ أَوَائِلَ تُؤَدِّي إلَى أَوَاخِرِهَا ، وَمَدَاخِلَ تُفْضِي إلَى حَقَائِقِهَا .
فَلْيَبْتَدِئْ طَالِبُ الْعِلْمِ بِأَوَائِلِهَا لِيَنْتَهِيَ إلَى أَوَاخِرِهَا ، وَبِمَدَاخِلِهَا لِتُفْضِيَ إلَى حَقَائِقِهَا .
وَلَا يَطْلُبُ الْآخِرَ قَبْلَ الْأَوَّلِ ، وَلَا الْحَقِيقَةَ قَبْلَ الْمَدْخَلِ .
فَلَا يُدْرِكُ الْآخِرَ وَلَا يَعْرِفُ الْحَقِيقَةَ ؛ لِأَنَّ الْبِنَاءَ عَلَى غَيْرِ أُسٍّ لَا يُبْنَى ، وَالثَّمَرُ مِنْ غَيْرِ غَرْسٍ لَا يُجْنَى .
وَلِذَلِكَ أَسْبَابٌ فَاسِدَةٌ وَدَوَاعٍ وَاهِيَةٌ .
فَمِنْهَا : أَنْ يَكُونَ فِي النَّفْسِ أَغْرَاضٌ تَخْتَصُّ بِنَوْعٍ مِنْ الْعِلْمِ فَيَدْعُو الْغَرَضُ إلَى قَصْدِ ذَلِكَ النَّوْعِ وَيَعْدِلُ عَنْ مُقَدِّمَاتِهِ ، كَرَجُلٍ يُؤْثِرُ الْقَضَاءَ وَيَتَصَدَّى لِلْحُكْمِ فَيَقْصِدُ مِنْ عِلْمِ الْفِقْهِ أَدَبَ الْقَاضِي وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنْ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَاتِ ، أَوْ يُحِبُّ الِاتِّسَامَ بِالشَّهَادَةِ فَيَتَعَلَّمُ كِتَابَ الشَّهَادَاتِ فَيَصِيرُ مَوْسُومًا بِجَهْلِ مَا يُعَانِي .
فَإِذَا أَدْرَكَ ذَلِكَ ظَنَّ أَنَّهُ قَدْ حَازَ مِنْ الْعِلْمِ جُمْهُورَهُ ، وَأَدْرَكَ مِنْهُ مَشْهُورَهُ ، وَلَمْ يَرَ مَا بَقِيَ مِنْهُ إلَّا غَامِضًا طَلَبُهُ عَنَاءٌ ، وَغَوِيصًا اسْتِخْرَاجُهُ فَنَاءٌ ؛ لِقُصُورِ هِمَّتِهِ عَلَى مَا أَدْرَكَ ، وَانْصِرَافِهَا عَمَّا تَرَكَ .
وَلَوْ نَصَحَ نَفْسَهُ لَعَلِمَ أَنَّ مَا تَرَكَ أَهَمُّ مِمَّا أَدْرَكَ ؛ لِأَنَّ بَعْضَ الْعِلْمِ مُرْتَبِطٌ بِبَعْضٍ ، وَلِكُلِّ بَابٍ مِنْهُ تَعَلُّقٌ بِمَا قَبْلَهُ فَلَا تَقُومُ الْأَوَاخِرُ إلَّا بِأَوَائِلِهَا .
وَقَدْ يَصِحُّ قِيَامُ الْأَوَائِلِ بِأَنْفُسِهَا فَيَصِيرُ طَلَبُ الْأَوَاخِرِ بِتَرْكِ الْأَوَائِلِ تَرْكًا لِلْأَوَائِلِ وَالْأَوَاخِرِ فَإِذَنْ لَيْسَ يُعَرَّى مِنْ لَوْمٍ وَإِنْ كَانَ تَارِكُ الْآخَرِ أَلْوَمَ .
وَمِنْهَا : أَنْ يُحِبَّ الِاشْتِهَارَ بِالْعِلْمِ إمَّا لِتَكَسُّبٍ أَوْ لِتَجَمُّلٍ فَيَقْصِدُ مِنْ الْعِلْمِ مَا اُشْتُهِرَ مِنْ مَسَائِلِ الْجَدَلِ وَطَرِيقِ النَّظَرِ .
وَيَتَعَاطَى عِلْمَ مَا اُخْتُلِفَ فِيهِ دُونَ مَا اُتُّفِقَ عَلَيْهِ ؛ لِيُنَاظِرَ عَلَى الْخِلَافِ وَهُوَ لَا يَعْرِفُ الْوِفَاقَ ، وَيُجَادِلَ الْخُصُومَ وَهُوَ لَا يَعْرِفُ مَذْهَبًا مَخْصُوصًا .
وَلَقَدْ رَأَيْت مِنْ هَذِهِ الطَّبَقَةِ عَدَدًا قَدْ تَحَقَّقُوا بِالْعِلْمِ تَحَقُّقَ الْمُتَكَلِّفِينَ ، وَاشْتُهِرُوا بِهِ اشْتِهَارَ الْمُتَبَحِّرِينَ .
إذَا أَخَذُوا فِي مُنَاظَرَةِ الْخُصُومِ ظَهَرَ كَلَامُهُمْ ، وَإِذَا سُئِلُوا عَنْ وَاضِحِ مَذْهَبِهِمْ ضَلَّتْ أَفْهَامُهُمْ ، حَتَّى إنَّهُمْ لَيَخْبِطُونَ فِي الْجَوَابِ خَبْطَ عَشْوَاءِ فَلَا يَظْهَرُ لَهُمْ صَوَابٌ ، وَلَا يَتَقَرَّرُ لَهُمْ جَوَابٌ .
وَلَا يَرَوْنَ ذَلِكَ نَقْصًا إذَا نَمَّقُوا فِي الْمَجَالِسِ كَلَامًا مَوْصُوفًا ، وَلَفَّقُوا عَلَى الْمُخَالِفِ حِجَابًا مَأْلُوفًا .
وَقَدْ جَهِلُوا مِنْ الْمَذَاهِبِ مَا يَعْلَمُ الْمُبْتَدِئُ وَيَتَدَاوَلُهُ النَّاشِئُ .
فَهُمْ دَائِمًا فِي لَغَطٍ مُضِلٍّ ، أَوْ غَلَطٍ مُذِلٍّ وَرَأَيْت قَوْمًا مِنْهُمْ يَرَوْنَ الِاشْتِغَالَ بِالْمَذَاهِبِ تَكَلُّفًا ، وَالِاسْتِكْثَارَ مِنْهُ تَخَلُّفًا .
وَحَاجَّنِي بَعْضُهُمْ عَلَيْهِ فَقَالَ : لِأَنَّ عِلْمَ حَافِظِ الْمَذَاهِبِ مَسْتُورٌ ، وَعِلْمُ الْمَنَاظِرِ عَلَيْهِ مَشْهُورٌ .
فَقُلْت : فَكَيْفَ يَكُونُ عِلْمُ حَافِظِ الْمَذْهَبِ مَسْتُورًا وَهُوَ سَرِيعٌ عَلَيْهِ الْجَوَابُ ، كَثِيرُ الصَّوَابِ ؟ فَقَالَ : لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يُسْأَلْ سَكَتَ فَلَمْ يُعْرَفْ ، وَالْمَنَاظِرُ إنْ لَمْ يَسْأَلْ سَائِلٌ يُعْرَفُ .
فَقُلْت : أَلَيْسَ إذَا سُئِلَ الْحَافِظُ فَأَصَابَ بَانَ فَضْلُهُ ؟ قَالَ : نَعَمْ .
قُلْت : أَفَلَيْسَ إذَا سُئِلَ الْمَنَاظِرُ فَأَخْطَأَ بَانَ نَقْصُهُ ، وَقَدْ قِيلَ : عِنْدَ الِامْتِحَانِ يُكْرَمُ الْمَرْءُ أَوْ يُهَانُ ؟ فَأَمْسَكَ عَنْ جَوَابِي ؛ لِأَنَّهُ إنْ أَنْكَرَ كَابَرَ الْمَعْقُولَ ، وَلَوْ اعْتَرَفَ لَزِمَتْهُ الْحُجَّةُ . وَالْإِمْسَاكُ إذْعَانٌ وَالسُّكُوتُ رِضًى ، وَأَنْ يَنْقَادَ إلَى الْحَقِّ أَوْلَى مِنْ أَنْ يَسْتَفِزَّهُ الْبَاطِلُ .
وَهَذِهِ طَرِيقَةُ مَنْ يَقُولُ اعْرَفُونِي وَهُوَ غَيْرُ عَرُوفٍ وَلَا مَعْرُوفٍ وَبَعِيدٌ مِمَّنْ لَا يَعْرِفُ الْعِلْمَ أَنْ يَعْرِفَهُ .
وَقَدْ قَالَ زُهَيْرٌ : وَمَهْمَا تَكُنْ عِنْدَ امْرِئٍ مِنْ خَلِيقَةٍ وَإِنْ خَالَهَا تَخْفَى عَلَى النَّاسِ تُعْلَمْ .
وَمِنْ أَسْبَابِ التَّقْصِيرِ أَيْضًا أَنْ يَغْفُلَ عَنْ التَّعَلُّمِ فِي الصِّغَرِ ، ثُمَّ يَشْتَغِلَ بِهِ فِي الْكِبَرِ فَيَسْتَحِي أَنْ يَبْتَدِئَ بِمَا يَبْتَدِئُ الصَّغِيرُ ، وَيَسْتَنْكِفُ أَنْ يُسَاوِيَهُ الْحَدَثُ الْغَرِيرُ ، فَيَبْدَأُ بِأَوَاخِرِ الْعُلُومِ ، وَأَطْرَافِهَا ، وَيَهْتَمُّ بِحَوَاشِيهَا ، وَأَكْنَافِهَا ؛ لِيَتَقَدَّمَ عَلَى الصَّغِيرِ الْمُبْتَدِي ، وَيُسَاوِيَ الْكَبِيرَ الْمُنْتَهِي .
وَهَذَا مِمَّنْ رَضِيَ بِخِدَاعِ نَفْسِهِ ، وَقَنَعَ بِمُدَاهَنَةِ حِسِّهِ ؛ لِأَنَّ مَعْقُولَهُ إنْ أَحَسَّ وَمَعْقُولَ كُلِّ ذِي حِسٍّ يَشْهَدُ بِفَسَادِ هَذَا التَّصَوُّرِ ، وَيَنْطِقُ بِاخْتِلَالِ هَذَا التَّخَيُّلِ ؛ لِأَنَّهُ شَيْءٌ لَا يَقُومُ فِي وَهْمٍ .
وَجَهْلُ مَا يَبْتَدِئُ بِهِ الْمُتَعَلِّمُ أَقْبَحُ مِنْ جَهْلِ مَا يَنْتَهِي إلَيْهِ الْعَالِمُ .
وَقَدْ قَالَ الشَّاعِرُ : تَرَقَّ إلَى صَغِيرِ الْأَمْرِ حَتَّى يُرَقِّيَك الصَّغِيرُ إلَى الْكَبِيرِ فَتَعْرِفَ بِالتَّفَكُّرِ فِي صَغِيرٍ كَبِيرًا بَعْدَ مَعْرِفَةِ الصَّغِيرِ وَلِهَذَا الْمَعْنَى ، وَأَشْبَاهِهِ كَانَ الْمُتَعَلِّمُ فِي الصِّغَرِ أَحْمَدَ .
رَوَى مَرْوَانُ بْنُ سَالِمٍ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؛ { مِثْلُ الَّذِي يَتَعَلَّمُ فِي صِغَرِهِ كَالنَّقْشِ عَلَى الصَّخْرِ وَاَلَّذِي يَتَعَلَّمُ فِي كِبَرِهِ كَاَلَّذِي يَكْتُبُ عَلَى الْمَاءِ .} .
وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام: قَلْبُ الْحَدَثِ كَالْأَرَاضِيِ الْخَالِيَةِ مَا أُلْقِيَ فِيهَا مِنْ شَيْءٍ قَبِلَتْهُ وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الصَّغِيرَ أَفْرَغُ قَلْبًا ، وَأَقَلُّ شُغْلًا ، وَأَيْسَرُ تَبَذُّلًا ، وَأَكْثَرُ تَوَاضُعًا .
وَقَدْ قِيلَ فِي مَنْثُورِ الْحِكَمِ : الْمُتَوَاضِعُ مِنْ طُلَّابِ الْعِلْمِ أَكْثَرُهُمْ عِلْمًا ، كَمَا أَنَّ الْمَكَانَ الْمُنْخَفِضَ أَكْثَرُ الْبِقَاعِ مَاءً .
فَأَمَّا أَنْ يَكُونَ الصَّغِيرُ أَضْبَطَ مِنْ الْكَبِيرِ إذَا عَرِيَ مِنْ هَذِهِ الْمَوَانِعِ ، وَأَوْعَى مِنْهُ إذَا خَلَا مِنْ هَذِهِ الْقَوَاطِعِ فَلَا .
حُكِيَ أَنَّ الْأَحْنَفَ بْنَ قَيْسٍ سَمِعَ رَجُلًا يَقُولُ :
التَّعْلِيمُ فِي الصِّغَرِ كَالنَّقْشِ عَلَى الْحَجَرِ .
فَقَالَ الْأَحْنَفُ : الْكَبِيرُ أَكْثَرُ عَقْلًا وَلَكِنَّهُ أَشْغَلُ قَلْبًا .
وَلَعَمْرِي لَقَدْ فَحَصَ الْأَحْنَفُ عَنْ الْمَعْنَى وَنَبَّهَ عَلَى الْعِلَّةِ ؛ لِأَنَّ قَوَاطِعَ الْكَبِيرِ كَثِيرَةٌ : فَمِنْهَا : مَا ذَكَرْنَا مِنْ الِاسْتِحْيَاءِ .
وَقَدْ قِيلَ فِي مَنْثُورِ الْحِكَمِ : مَنْ رَقَّ وَجْهُهُ رَقَّ عِلْمُهُ .
وَقَالَ الْخَلِيلُ بْنُ أَحْمَدَ : يَرْتَعُ الْجَهْلُ بَيْنَ الْحَيَاءِ وَالْكِبَرِ فِي الْعِلْمِ .
وَمِنْهَا : وُفُورُ شَهَوَاتِهِ وَتَقَسُّمُ أَفْكَارِهِ .
وَقَالَ الشَّاعِرُ : صَرْفُ الْهَوَى عَنْ ذِي الْهَوَى عَزِيزُ إنَّ الْهَوَى لَيْسَ لَهُ تَمْيِيزُ وَقَالَ بَعْضُ الْبُلَغَاءِ : إنَّ الْقَلْبَ إذَا عَلِقَ كَالرَّهْنِ إذَا غُلِقَ .
وَمِنْهَا : الطَّوَارِقُ الْمُزْعِجَةُ وَالْهُمُومُ الْمُذْهِلَةُ .
وَقَدْ قِيلَ فِي مَنْثُورِ الْحِكَمِ : الْهَمُّ قَيْدُ الْحَوَاسِّ .
وَقَالَ بَعْضُ الْبُلَغَاءِ : مَنْ بَلَغَ أَشُدَّهُ لَاقِي مِنْ الْعِلْمِ أَشُدَّهُ .
وَمِنْهَا : كَثْرَةُ اشْتِغَالِهِ وَتَرَادُفُ حَالَاتِهِ حَتَّى أَنَّهَا تَسْتَوْعِبُ زَمَانَهُ وَتَسْتَنْفِدُ أَيَّامَهُ .
فَإِذَا كَانَ ذَا رِئَاسَةٍ أَلْهَتْهُ ، وَإِنْ كَانَ ذَا مَعِيشَةٍ قَطَعَتْهُ .
وَلِذَلِكَ قِيلَ : تَفَقَّهُوا قَبْلَ أَنْ تَسُودُوا .
وَقَالَ بَزَرْجَمْهَر : الشَّغْلُ مَجْهَدَةٌ وَالْفَرَاغُ مَفْسَدَةٌ .
فَيَنْبَغِي لِطَالِبِ الْعِلْمِ أَنْ لَا يَنِيَ فِي طَلَبِهِ وَيَنْتَهِزَ الْفُرْصَةَ بِهِ ، فَرُبَّمَا شَحَّ الزَّمَانُ بِمَا سَمَحَ وَضَنَّ بِمَا مَنَحَ .
وَيَبْتَدِئُ مِنْ الْعِلْمِ بِأَوَّلِهِ وَيَأْتِيهِ مِنْ مُدْخَلِهِ وَلَا يَتَشَاغَلُ بِطَلَبِ مَا لَا يَضُرُّ جَهْلُهُ فَيَمْنَعُهُ ذَلِكَ مِنْ إدْرَاكِ مَا لَا يَسَعُهُ جَهْلُهُ .
فَإِنَّ لِكُلِّ عِلْمٍ فُصُولًا مُذْهِلَةً وَشُذُورًا مُشْغِلَةً ، إنْ صَرَفَ إلَيْهَا نَفْسَهُ قَطَعَتْهُ عَمَّا هُوَ أَهَمُّ مِنْهَا .
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا : الْعِلْمُ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ يُحْصَى فَخُذُوا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ أَحْسَنَهُ .
وَقَالَ الْمَأْمُونُ : مَا لَمْ يَكُنْ الْعِلْمُ بَارِعًا فَبُطُونُ الصُّحُفِ أَوْلَى بِهِ مِنْ قُلُوبِ الرِّجَالِ
.
وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ : بِتَرْكِ مَا لَا يَعْنِيك تُدْرِكُ مَا يُغْنِيك .
وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَدْعُوهُ ذَلِكَ إلَى تَرْكِ مَا اُسْتُصْعِبَ عَلَيْهِ إشْعَارًا لِنَفْسِهِ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ فُضُولِ عِلْمِهِ وَإِعْذَارًا لَهَا فِي تَرْكِ الِاشْتِغَالِ بِهِ ، فَإِنَّ ذَلِكَ مَطِيَّةُ النَّوْكَى وَعُذْرُ الْمُقَصِّرِينَ .
وَمَنْ أَخَذَ مِنْ الْعِلْمِ مَا تَسَهَّلَ وَتَرَكَ مِنْهُ مَا تَعَذَّرَ كَانَ كَالْقَنَّاصِ إذَا امْتَنَعَ عَلَيْهِ الصَّيْدُ تَرَكَهُ فَلَا يَرْجِعُ إلَّا خَائِبًا إذْ لَيْسَ يَرَى الصَّيْدَ إلَّا مُمْتَنِعًا .
كَذَلِكَ الْعِلْمُ كُلُّهُ صَعْبٌ عَلَى مَنْ جَهِلَهُ ، سَهْلٌ عَلَى مَنْ عَلِمَهُ ؛ لِأَنَّ مَعَانِيَهُ الَّتِي يُتَوَصَّلُ إلَيْهَا مُسْتَوْدَعَةٌ فِي كَلَامٍ مُتَرْجَمٍ عَنْهَا .
وَكُلُّ كَلَامٍ مُسْتَعْمَلٍ فَهُوَ يَجْمَعُ لَفْظًا مَسْمُوعًا وَمَعْنًى مَفْهُومًا ، فَاللَّفْظُ كَلَامٌ يُعْقَلُ بِالسَّمْعِ وَالْمَعْنَى تَحْتَ اللَّفْظِ يُفْهَمُ بِالْقَلْبِ .
وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ : الْعُلُومُ مَطَالِعُهَا مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ : قَلْبٌ مُفَكِّرُ ، وَلِسَانٌ مُعَبِّرٌ ، وَبَيَانٌ مُصَوِّرٌ .
فَإِذَا عَقَلَ الْكَلَامَ بِسَمْعِهِ فَهِمَ مَعَانِيَهُ بِقَلْبِهِ .
وَإِذَا فَهِمَ الْمَعَانِيَ سَقَطَ عَنْهُ كُلْفَةُ اسْتِخْرَاجِهَا وَبَقِيَ عَلَيْهِ مُعَانَاةُ حِفْظِهَا وَاسْتِقْرَارِهَا ؛ لِأَنَّ الْمَعَانِيَ شَوَارِدُ تَضِلُّ بِالْإِغْفَالِ ، وَالْعُلُومُ وَحْشِيَّةٌ تَنْفِرُ بِالْإِرْسَالِ . فَإِذَا حَفِظَهَا بَعْدَ الْفَهْمِ أَنِسَتْ ، وَإِذَا ذَكَرَهَا بَعْدَ الْأُنْسِ رَسَتْ .
المصدر: راسخون 2017
 


ارسل تعليقاتك
با تشکر، نظر شما پس از بررسی و تایید در سایت قرار خواهد گرفت.
متاسفانه در برقراری ارتباط خطایی رخ داده. لطفاً دوباره تلاش کنید.