الأمراء فی العصر العبّاسی

کان الأمراء فی العصر العبّاسی یختلف أمرهم کثیرا عمّا کان فی العصرین السابقین ، فقد جاءت الدولة العباسیّة ، على أنقاض الدولة الأمویّة ، فسفکت الدماء الکثیرة (لتوطید الحکم) وطورد الأمویّون وراء کل حجر ومدر ، وقال
Sunday, January 14, 2018
الوقت المقدر للدراسة:
مؤلف: علی اکبر مظاهری
موارد بیشتر برای شما
الأمراء فی العصر العبّاسی
الأمراء فی العصر العبّاسی



 

کان الأمراء فی العصر العبّاسی یختلف أمرهم کثیرا عمّا کان فی العصرین السابقین ، فقد جاءت الدولة العباسیّة ، على أنقاض الدولة الأمویّة ، فسفکت الدماء الکثیرة (لتوطید الحکم) وطورد الأمویّون وراء کل حجر ومدر ، وقال أمین الریحانی عن تلک الفترة : (استولى العباسیّون على الملک بمذبحة تلتها مذابح فی سوریا وفلسطین والعراق ، وقد اقتدى أربابها بأبی العبّاس السفّاح) .
وقال عبد الله (المحض) مخاطبا (عبد الله بن علیّ) حینما أراد هذا أن یقتل بنی أمیّة فی الحجاز : (إذا أسرعت بالقتل فی أکفائک ، فمن تباهی بسلطانک ، فاعفو یعفو الله عنک)
وخطب أبو جعفر المنصور قائلا :
(أیّها الناس ، إنّما أنا سلطان الله فی أرضه ، أسوسکم بتوفیقه ، وحارسه على ماله ، أعمل فیه بمشیئته وإرادته ، وأعطیه بإذنه ، فقد جعلنی قفلا ، إن شاء یفتحنی لإعطائکم ، وقسم أرزاقکم ، وإن شاء أن یقفلنی علیه فقفلنی) (١).
لذا فقد امتلأت خزائن بغداد بالأموال وفاضت ، وکانت تلک الأموال من نصیب الخلفاء وأبنائهم ، ووزرائهم ، والجواری والخصیان ، وکان من نتائج ذلک الترف والنعیم أن کثر المجون ، وشرب الخمور ، ولعب القمار. أمّا الناس ، وکلّ الناس الآخرین ، بما فیهم أهل المواهب والکفاءات ، فلهم البؤس والشقاء والحرمان (٢).
وقال أبو العتاهیة مخاطبا خلیفة زمانه (٣) :
من مبلغ عنّی الإمام نصائحا متوالیه / إنّی أرى الأسعار ، أسعار الرعیّة عالیه
وأرى المکاسب نزوة ، وأرى الضرورة فاشیه /وأرى غموم الدهر رائحة ، تمرّ وغادیه
وأرى الیتامى والأرامل ، فی البیوت الخالیه / من بین راج لم یزل یسمو إلیک ، وراجیه
یشکون مجهدة بأصوات ضعاف عالیه / یرجون رفدک کی یروا ، مما لقوه العافیه
من مصبیات جوع تمسی وتصبح طاویه / من للبطون الجائعات وللجسوم العاریه؟
ألقیت أخبارا إلیک من الرعیة ، شافیه
هذه لمحة عابرة عن المجتمع العبّاسی الاوّل ، أمّا ما تلاه من العصور اللّاحقة ، فقد انغمس الخلفاء بالترف والملذّات ، وبناء القصور العالیة ، وشراء الجواری والخصیان ، وإقامة حفلات الغناء.
أمّا (العمّال ، الولاة ، الأمراء) فلم یکونوا أقلّ شأنا من الخلفاء والوزراء فی البذخ ، وتکدیس الثروات ، فهذا علیّ بن أحمد الراضی أو (الراسبی) والی (نیسابور والسوس) فقد کان إیراده السنوی ألف ألف دینار ، وخلّف من آنیة الفضة والذهب ما قیمته مائة ألف دینار ، وما ترک من الخیل والبغال ألف رأس ، ومن الملابس الفاخرة أکثر من ألف ثوب ، ومن السلاح ، والمتاع ، والدور ، والقصور ، لو وزعت على الشعب العبّاسی لسد حاجتهم ، وما خلّفه من الخدم والغلمان والخصیان لو غزا بهؤلاء مدینة لاحتلها (4).
وکان الخلفاء والوزراء یبیعون جبایة الخراج ، وباقی الضرائب إلى أشخاص من موالیهم (على سبیل الالتزام) وکان هؤلاء یتعسفون بالناس ، ویأخذون منهم ، أضعاف أضعاف ما دفعوا.
وأما العلماء والمفکّرون ، فقد کانوا فی عوز وفاقة ، فلم یمدوا أیدیهم إلى خلیفة ، أو وزیر ، أو أمیر ، حتّى اضطرّ أحدهم إلى بیع کتبه ، لیشتری بثمنها خبزا لعیاله ، وفی ذلک قال (5) :
أنست بها عشرین حولا وبعتها / فقد طال وجدی بعدها وحنینی
وما کان ظنّی أنّنی سأبیعها / ولو خلدتنی فی السجون دیونی
ولکن لجوع ، وافتقار وصبیة / صغار علیهم تستهلّ جفونی
ثمّ تدهور الحال بالخلفاء ، وأصبحوا ألعوبة بید أمراء الجیش وقادته ، یعزلون من یشاءون ، وینصبون من یشاءون ومتى یشاءون ، بل أدّت الحال إلى سمل عیون الخلفاء مثل (المستکفی بالله) والى قتل البعض الآخر منهم (کالمقتدر) و (المتوکل) وغیرهما ، وعمّت الفوضى فی کافّة أنحاء البلاد ، وأصبح الاهتمام بجمع الضرائب کبیرا ، فکانت المساومة قائمة على قدم وساق لمن یرید أن یکون (أمیرا) فما علیه إلّا أن یدفع کثیرا ، وبغضّ النظر عن کفاءته وإخلاصه ، والطرق الّتی یتّبعها البعض فی جبایة الأموال ، ومدى تعسفه وظلمه لأهل الولایة (6).
ثمّ ازداد نفوذ الأتراک فی سیاسة البلاد ، إضافة إلى تدخّل النساء وأفراد الحاشیة فی الحکم ، فقد عزل (المقتدر بالله) عدة مرات ، ثمّ قتل أخیرا (کما ذکرنا آنفا) ، کما أصبح عزل وتعیین الوزراء والأمراء خلال أیّام معدودة من الأمور المألوفة ، فقد عیّن سبعة أمراء على (ماه الکوفة) (7) خلال عشرین یوما (8).
وعند ما نشط القرامطة فی الکوفة ، أصبح القادة العسکریّون هم الّذین یتولّون منصب ولایة الکوفة ، فقد تولّاها أبو الهیجاء عبد الله بن حمدان سنة (٣٠٩) (9) للهجرة إضافة إلى ولایة (طریق الحجّ) وهو قائد عسکری.
ثمّ ولیها بعده (یاقوت) و (جعفر بن ورقاء) وغیرهما.
وفی سنة (٣٢٨) للهجرة استحدثت ولایة جدیدة هی (ولایة طریق الکوفة ـ مکّة) وقد عیّن علیها أبو بکر البرجمالی ، وذلک بعد عزل الحسن ابن هارون ، ثمّ تولّاها (بجکم) بعد عزل (لؤلؤ) (10).
وفی منتصف القرن الخامس الهجری ، وعند دخول السلاجقة إلى بغداد سنة (٤٤٧) (11) للهجرة انتهى منصب (الوالی) فی الکوفة ، واستحدثت وظیفة (المقطع) (12) ثمّ وظیفة (الصدر) (13) ثمّ وظیفة (الناظر) (14).
وأخیرا انتهت الدولة العباسیّة فی أیّام آخر خلیفة عبّاسی هو : (المستعصم بالله) وذلک بدخول هولاکو إلى بغداد سنة (٦٥٦) للهجرة (15).
المصادر :
1- جورج جرداق ـ الإمام علیّ / صوت العدالة الإنسانیّة ص ١٨١.
2- نفس المصدر السابق.
3- المصدر أعلاه ص ١٨٣.
4- جورج جرداق ـ الإمام علیّ / صوت العدالة الإنسانیّة ، ص ١٩١.
5- المصدر السابق ص ١٩٣.
6- حسام الدین السامرائی ـ المؤسسات الإداریة. ص ١١٦.
7- ماه الکوفة : الدینور.
8- أمینة البیطار ـ تجارب الأمم لمسکویه. ص ١٠٥ ومعن صالح مهدی ـ الکوفة فی العصر العبّاسی. ص ٤٩.
9- حمدان عبد المجید الکبیسی ـ عهد الخلیفة المقتدر بالله. ص ٥٢٠.
10- معن صالح مهدی ـ الکوفة فی العصر العبّاسی. ص ٤٩.
11- معن صالح مهدی ـ الکوفة فی العصر العبّاسی ص ٥١.
12- المقطع : وهو نظام إداری عسکری.
13- الصدر : وهو المشرف على إدارة الوحدات العسکریة فی الوحدة وحمایتها.
14- الناظر : وهو موظف مهمته النظر فی الشؤون المالیة.
15- ابن الجوزی ـ المنتظم. ج ١٣ / ٣٣٦ وأمینة البیطار ـ تجارب الأمم لمسکویه ص ٦٨.
 


ارسل تعليقاتك
با تشکر، نظر شما پس از بررسی و تایید در سایت قرار خواهد گرفت.
متاسفانه در برقراری ارتباط خطایی رخ داده. لطفاً دوباره تلاش کنید.