
لقد أعطى الإمام الحجة عجل الله تعالى فرجه الشريف الولاية للفقهاء العدول في عصر الغيبة وأمر الناس بطاعتهم والرجوع إليهم في كل ما يرتبط بشؤون الحكومة والدولة وقيادة المجتمع، وأطلق الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف الولاية للفقهاء فلهم التصرف في حدود ما تمليه مصلحة الإسلام.
والإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف وطبق ما حدد في الروايات وبالاستفادة من ايات القران الكريم لم يعط هذه الولاية إلا للشخص الذي يملك صفات خاصة ومؤهلات تسمح له بالقيام بوظيفة النيابة على أتم وجه، وتحول دون وصول شخص لا يملك قدرة على إدارة الأمور إلى هذا المنصب.
فما هي هذه الصفات؟
الأول: الفقاهة
يفترض العقل في كل من يريد أن يقوم بأمر أن يملك خبرة وافية به وإطلاعاً يمكنه من حسن تطبيقه وإذا كان الولي مسؤولاً عن تطبيق النظام الإسلامي وإجرائه فلا بد وأن يكون مجتهداً عالماً بالأحكام الشرعية ومصادرها.
قال تعالى: (أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّيَ إِلاَّ أَن يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُون)(1)إذا فالإتباع إنما يكون لمن يهدي إلى الحق، وليس هو سوى العالم به.
وقد ورد في نهج البلاغة عن الإمام علي عليه السلام :"إن أحق الناس بهذا الأمر أقواهم عليه وأعلمهم بأمر اللَّه فيه، فإن شغب شاغب استعتب فإن أبى قوتل"(2).
كما أن الولاية من الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف إنما وردت لخصوص العالم بالأحكام حيث قالب: "وأما الحوادث الواقعة فإرجعوا فيها إلى رواة حديثنا فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة اللَّه"..
الثاني: العدالة
وهي تشمل الإسلام والإيمان والالتزام بأحكام اللَّه تعالى وحلاله وحرامه ورعاية أحكامه جميعها، وهي رتبة عليا مطلوبة من الولي وقد قال تعالى في كتابه الكريم:(وَلَن يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً )(3).
فالانتماء لعقيدة الإسلام شرط أساسي فيمن يلي أمور المسلمين.
وقال تعالى:(وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا)(4).
فلا تجوز الولاية للفاسق الذي لا يعمل بأحكام اللَّه وحلاله وحرامه.
وقال تعالى: (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُون)(5)
فإذا كان المراد إقامة العدل فلا يمكن أن يولى إلا من يكون عادلاً.
وعلى من يلي أمور الناس أن يكون من أزهد الناس بالدنيا، لأن من لا يمتلك هذه الصفة سوف يُخاف منه على مصالح المسلمين، كما أنه سوف يكون مورداً للطعن من قبل الناس وعدم ثقتهم به.
وقد ورد عن الإمام الباقر عليه السلام: "لا تصلح الإمامة إلا لرجل فيه ثلاث خصال: ورع يحجزه عن معاصي اللَّه وحلم يملك به غضبه، وحسن الولاية على من يلي حتى يكون لهم كالوالد الرحيم".
وعن أمير المؤمنين عليه السلام في نهج البلاغة: "ولكنني اسى أن يلي أمر هذه الأمة سفهاؤها فيتخذوا مال اللَّه دولاً وعباده خولاً والصالحين حرباً والفاسفين حزباً".
الثالث: الكفاءة
أي القدرة على إدارة الأمور بالنحو الأحسن وهو ما ورد في الرواية التعبير عنه ب: (حسن الولاية) وأشارت إليه الرواية السابقة الواردة عن أمير المؤمنين عليه السلام : «أحق الناس بهذا الأمر أقواهم عليه» وهذا الشرط واضح عند العقلاء لأن من يريد أن يدير أمراً لا بد وأن يملك قدرة على ذلك وإلا لكان في توليته للأمر إبتعاداً عن الهدف المنشود.
والكفاءة تتضمن الاستعداد الشخصي لإدارة الأمور والإحاطة بكيفية العمل والمعرفة بخصوصيات زمانه ومكانه والشجاعة النفسية وقوة الإرادة والتصميم والجرأة على إتخاذ القرارات الحاسمة قال تعالى في قصة طالوت:(إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ)(6).
وفي رواية عن أمير المؤمنين عليه السلام : "إنا أولى برسول اللَّه...وأفقهكم في الدين، وأعلمكم بعواقب الأمور، وأذربكم لساناً، وأثبتكم جناناً"(7).
الإمام الخامنئي (دام ظله) الولي القائد
الإمام الخامنئي (دام ظله) هو الولي الفقيه الذي تنطبق عليه هذه الصفات بل هو نعمة أنعم اللَّه علينا بها كما كان يعبّر الإمام الخميني قدس سره وقال ه عن هذه الشخصية: "إذا كنتم تظنون أنكم تستطيعون أن تجدوا في كل العالم شخصاً مثل السيد الخامنئي (دام ظله) الملتزم بالإسلام والخادم الذي جبل على خدمة هذا الشعب فلن تجدوا، إنني أعرفه منذ سنوات طويلة أنعمها اللَّه علينا".فقاهته:
حصل سماحته على رتبة الإجتهاد على يد أستاذه اية اللَّه العظمى الحائري سنة 1974 ميلادي بعد حضوره البحث الخارج لأكثر من خمسة عشر عاماً.
وبعد وفاة الشيخ الاراكي قدس سره برزت مرجعيته وفقاً للبينات الشرعية التي منها ما حكمت بأعلميته أيضاً ومن أبرز الذين شهدوا على مرجعيته:
1- اية اللَّه السيد جعفر كريمي.
2 - اية اللَّه الشيخ أحمد جنتي.
3 - اية اللَّه الشيخ محمد يزدي.
4 - اية اللَّه الشيخ محمد علي التسخيري.
5 - اية اللَّه السيد محمود الهاشمي.
6 - اية اللَّه الشهيد السيد محمد باقر الحكيم قدس سره .
واخرين لم نذكرهم مراعاةً للاختصار بالإضافة إلى شهادة جماعة المدرسين في قم المقدسة.
زهده:
إن سماحة القائد دام ظله مثال للولي الذي أراده أهل البيت عليهم السلام وطبّق ذلك
عملياً تأسياً بإمامه علي بن أبي طالب عليه السلام . يقول محسن دوست رئيس مؤسسة الجرحى سابقاً: كان بيته مفروشاً ببسط بالية ممزقة، جمعناها وقمنا ببيعها وأضفنا على قيمتها مبلغاً من أموالنا الشخصية واشترينا سجاداً جديداً فرشنا به البيت، وعندما عاد ورأى السجاد أمر برده وإعادة تلك البسط البالية ومن أقواله:
"إذا قيل للخامنئي: إن وجودك في مكان تنظيم الأحذية في الحسينية الفلانية أكثر فائدة من رئاسة الجمهورية، فسأذهب إلى هذا العمل مباشرة".
تواضعه:
عندما ذهب إلى الجبهة والتقى ببعض المسؤولين وأحضروا له طعاماً مميزاً عن الجنود قال لهم:
"اذهبوا واحضروا لي الغداء الذي يتناوله الجنود ليعلموا أنني رئيس الجمهورية أتناول مثلما يتناولون ولا فرق بيني وبينهم وإلا فسوف يكون حضوري هنا فخرياً".
كفاءته:
قد أشار الإمام الخميني قدس سره إلى توفر صفة الكفاءة في الإمام الخامنئي (دام ظله) حيث يقول كما ينقل الشيخ رفسنجاني : "إنكم لن تواجهوا طريقاً مسدوداً ومثل هذا الشخص (اية اللَّه الخامنئي) معكم"، وأيضاً قال ينقل السيد أحمد الخميني رحمه اللَّه عن والده الإمام قدس سره : "حقاً إنه (الإمام الخامنئي) جدير بالقيادة".
جهاده:
لسماحة السيد القائد دام ظله تاريخ طويل ومشرق في الجهاد حيث كان له دور بنّاء في انتفاضة ونشاط الحوزة عام 1962 التي كانت تشكل مركز العلم للتقوى والجهاد والشهادة
وأرسله الإمام الخميني قدس سره عام 1963 إلى مشهد لإيصال ثلاث نداءات سياسية ونشر من خلال ذلك بذور الثورة في عدد كبير من القرى والمدن.
يروي الشيخ الرفسنجاني عن أيام الجبهة يقول: «ولولا ذهاب السيد الخامنئي (دام ظله) والشهيد شمران إلى الأهواز وأمرهما بحفر خندق في أطراف المدينة، ولولا مقاومة المجموعات الصغيرة من قوات الحرس لسقطت مدينة الأهواز أيضاً.
وأعتقل سماحته عدة مرات تعرّض خلالها لأنواع العذاب في سجون السافاك وزنازينهم ثم تعرّض لمحاولة اغتيال عام 1981 أثناء إلقاء خطبة الجمعة في جامعة طهران وأصيب أثنائها بجروح بالغة.
شجاعته وصلابته:
يمكنك التعرف على صلابة وحزم الإمام القائد دام ظله من خلال كل مفصل من مفاصل حياته، وأبرز هذه المواقف صلاة الجمعة التاريخية الملحمية، حينما كان يخطب سماحته وكانت طائرات العدو في السماء مهددة، صلاة الجمعة، وفي الأثناء وقع إنفجار بين المصلين سقط فيه العشرات بين شهيد وجريح وبالرغم من ذلك تابع الخطبة والصلاة واستطاع بأسلوبه أن يعيد السكينة والإطمئنان إلى قلوب المصلين مما أثار إعجاب الأعداء فضلاً عن الأصدقاء بهذا الموقف.
لقد وردت الأدلة بتحديد الولاية للفقيه ضمن شروط خاصة حفاظاً على أداء الدور الموكول للفقيه من إدارة المجتمع الإسلامي والسير به نحو هدفه المنشود.
الفقاهة بمعنى العلم بالشريعة الإسلامية هي شرط لأن تطبيق النظام لا يكون إلا من قبل العالم به.
العدالة وتشمل الإسلام والإيمان والإلتزام لأن من يريد إقامة العدل لا بد وأن يكون عادلاً.
الكفاءة بمعنى القدرة على إدارة الأمور بالنحو الأفضل وهو الذي ورد التعبير عنه في الرواية ب:(حسن الولاية).
تمثل شخصية الإمام الخامنئي (دام ظله) المثال الجامع للصفات المؤهلة للقيادة الصالحة فهو الفقيه الكفوء الزاهد المتواضع والشجاع الصلب
مواساة الإمام الخميني قدس سره لأصحابه
كان الإمام شديد الرأفة بالاخرين لكنه كان قليلاً ما يظهر هذه المودة رغم أنه كان يتفقد أخبارهم بحساسية كبيرة إذا تأخر أحدهم خشية من أن يكون قد أحاطت به مشكلة، وهذه الحالة قد لمسها فيه جميع أصحابه في النجف وكانوا من الطلبة الإيرانيين الذين هاجروا منها بمعيته، وكان يصفهم بأنهم أصدقاءُهُ ورفاقه، وكان شديد الإهتمام بهم وبمواساتهم، فمثلاً لم يكن يستفيد من أجهزة التبريد في النجف لأن أكثرهم لم يكونوا يملكون مثل هذه الأجهزة، كما كان يمتنع عن الذهاب إلى الكوفة القريبة من النجف للإستراحة فيها والتمتع بطيب هوائها ويعلل ذلك بقوله: "إنّ أصدقائي يعيشون أوضاعاً صعبة". ولذلك لم يذهب إلى الكوفة سوى مرةً واحدة إثروصوله إلى النجف فقد ذهب إليها وزار مسجدها وأدى أعمالها، كما لم يستخدم أجهزة التبريد الحديثة واكتفى بالإستفادة من السرداب والمراوح الكهربائية العادية وكان يصعد إلى سطح المنزل في ليالي الصيف. رغم أن حر النجف كان شديداً إلى درجة أن الحرارة كانت تبقى في الأحجار حتى في الصباح الباكر، كان الإمام قدس سره يتحمل هذا الوضع ويقول: "إن أصدقائي يعانون أوضاعاً صعبة للغاية وإنني أكُثر الدعاء لهم بالخلاص كلما ذهبت للحرم"(8).
المصادر :
1- يونس: 35.
2- نهج البلاغة، الخطبة 173.
3- الكهف: 28.
4- النساء: 141.
5- النحل: 90.
6- البقرة: 247.
7- بحار الأنوار ج28 صفحة 185
8- اية اللَّه الشيخ حسن الصانعي، صحيفة جمهوري إسلامي، 18 3 1373ه.ش.