![قاتل الساحر قاتل الساحر](https://rasekhoon.net/_files/thumb_images700/article_ar/%D9%82%D8%A7%D8%AA%D9%84%20%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%A7%D8%AD%D8%B1.jpg)
جندب بن زهير، ويسمى (جندب الخير) الأزدي العامري، قاتل الساحر، يكنى أبا عبدالله، له صحبة. روى عن النبي (صلى الله عليه وآله): "حد الساحر ضربة بالسيف". كان على رجالة علي بصفين...
وقال البخاري وابن منده: جندب بن كعب قاتل الساحر(1).
كان جندب بن زهير إذا صلّى أو صام تصدّق، فذكر بخير ارتاح له، فزاد في ذلك القالة من الناس، فأنزل الله تعالى في ذلك (فمنْ كانَ يَرجُو لِقاءَ ربّهِ فليَعملْ عملا صالحاً وَلا يُشركْ بعبادَةِ ربّهِ أحداً).
وكان فيمن سيّره عثمان من الكوفة الى الشام... وقُتل مع علي بصفين(2).
فمما سبق نستطيع الخروج بنتيجة أولية مفادها: أن سيف بن عمر يتحامل بشدة على عدد غير قليل من خيار الصحابة والتابعين ويصفهم بأقبح الأوصاف - وسيأتي المزيد من ذلك- بينما نجده يرفع من شأن عدد آخر ممن لم يُعرفوا بسابقة أو فضل، بل ويبدو جلياً أنه يمتدح مجموعة عُرفوا بقلة الدين، وبالفسق أيضاً، وقد سار على نهجه عدد كبير من المؤلفين، فراحوا يرددون آراء سيف في اولئك الصحابة والتابعين -تلميحاً أو تصريحاً- كما فعل ابن العربي وابن تيمية وابن كثير وابن خلدون وابن حزم ومحب الدين الخطيب وغيرهم.
ولم يكتف سيف بذلك، بل انه اخترع أحداثاً وشخصيات وهمية لا حقيقية لها، ومع ذلك فقد صدّقه اُولئك المؤلفون، أو تظاهروا بتصديقه لغاية في النفس قضيت، فقد مرّ بنا فيما سبق، أن ابن العربي عدّ من بين الشخصيات التي خرجت على عثمان (الغافقي المصري) مدعياً أنه كان أمير الخارجين على عثمان، وتابعه محب الدين الخطيب الذي ذكر مقطعاً من رواية الطبري بطريق سيف، مصوراً الغافقي هذا كشخصية حقيقية من أتباع عبد الله بن سبأ، وأن الغافقي هذا كان يصلي بالناس في فترة حصار عثمان في داره! حتى أن محمود مهدي الاستانبولي لم يجد مناصاً من الاعتراف بأن هذا الخبر، وخبر استمالة السبائيين لعمار بن ياسر، ماهو الاّ خبر غريب موحش، وأن في سنده سيف بن عمر المتهم بالزندقة، ثم يعترف الاستانبولي بأن قسماً كبيراً من تاريخنا هو من وضع الزنادقة!
ومن الشخصيات الاُخرى التي ذكرها المؤرخون في جملة الثائرين على عثمان. عبدالرحمان بن عديس البلوي، وعبدالله بن بديل بن ورقاء الخزاعي، وهم الذين يصفهم ابن العربي برؤوس القوم، ولا أدري هل أن ابن العربي ومن تابعه، كانوا يعلمون أن هذين الرجلين صحابيان أيضاً، وأن أحدهما ممن بايع النبي (صلى الله عليه وآله) تحت الشجرة، وهي بيعة الرضوان، كما أكد ذلك من ترجم لهما.
فعبد الرحمان بن عديس البلوي، "مصري شهد الحديبية".
عن يزيد بن حبيب، قال: كان عبدالرحمان بن عديس البلوي ممن بايع تحت الشجرة رسول الله (صلى الله عليه وآله).
"قال أبو عمرو: هو كان الأمير على الجيش القادمين من مصر الى المدينة، الذين حصروا عثمان وقتلوه"(3).
وعبد الله بن بديل بن ورقاء، "أسلم مع أبيه قبل الفتح، وشهد حنيناً والطائف، وكان سيد خزاعة، وخزاعة عيبة رسول الله (صلى الله عليه وآله) "..
وكان له قدر وجلالة.
قُتل هو وأخوه عبدالرحمان بصفين، وكان يومئذ على رجالة علي(عليه السلام).
كان من وجوه الصحابة!(4).
ومن التابعين الذين ورد ذكرهم من بين المسيّرين من أهل الكوفة: مالك ابن الحارث الاشتر، الذي يظهر في رواية سيف بمظهر صاحب الفتنة ورئيسها، وتابعه على ذلك المؤلفون، حيث يقول محب الدين الخطيب عنه: بطل شجاع من أبطال العرب، كان أول مشاهده الحربية في اليرموك، وفيها فقد احدى عينيه، ثم شاء أن يكون سيفه مسلولا على إخوانه المسلمين في مواقف الفتنة، ولو أنه لم يكن ممن ألب على أمير المؤمنين عثمان، وكتب الله أن تكون وقائعه الحربية في نشر دعوة الاسلام وتوسيع الفتوح، لكان له في التاريخ شأن آخر، والذي دفعه في هذا الطريق: غلوّه في الدين وحبه للرئاسة والجاه، ولست أدري كيف اجتمعا فيه(5).
لا شك أن الخطيب محق في تعجبه، إذ كيف يجتمع الغلو في الدين –كما يسميه- مع حب الرئاسة والجاه!
إن منشأ ذلك العجب هو إعتماد الخطيب على روايات سيف بن عمر الذي "ما اعتمد مؤرخ على رواياته الاّ افتضح"(6).
أما فيما يتعلق بمالك الأشتر: فقد "ذكره ابن سعد في الطبقة الاولى من تابعي الكوفة. قال: وكان من أصحاب علي، وشهد معه الجمل وصفين ومشاهده كلها.
ولاّه علي على مصر بعد قيس بن سعد بن عبادة، فسار حتى بلغ القلزم فمات بها، يقال مسموماً..
روي أن علياً نعاه الى قومه وأثنى عليه ثناءً حسناً(7).
أما حكيم بن جبلة فسوف تأتي ترجمته في حينها.
ولعل القارئ الكريم قد لاحظ من كل ما سبق، أن اولئك الذين يمتدحهم سيف بن عمر ومن تابعه، هم فئة معينة يجمعها قاسم مشترك، هو أنهم من بني اُمية وأشياعهم، وأن الذين يذمهم سيف، هم أيضاً فئة معينة يجمعها قاسم مشترك هو أنهم من أتباع علي بن أبي طالب! وسوف اُؤجل مناقشة هذا الأمر الى ما بعد استكمال فصول أحداث الفتنة، بهدف الكشف عن نواحي التزييف الذي تعرض له تاريخنا الاسلامي، مع بيان أسبابه ودوافعه ونتائجه.
ونعود فنستكمل بقية أحداث القصة -كما يرويها الطبري بطريق سيف- عن توجه اولئك النفر الى حمص، واستقبال عبدالرحمان بن خالد بن الوليد لهم، وما واجههم به من بذيء الكلام، وكيف قمعهم وأذلّهم، قال:
وخرج القوم من دمشق فقالوا: لا ترجعوا الى الكوفة فإنهم يشمتون بكم،وميلوا بنا الى الجزيرة، ودعوا العراق والشام، فأووا الى الجزيرة.
وسمع بهم عبدالرحمان بن خالد بن الوليد -وكان معاوية ولاّه حمص وولي عامل الجزيرة حرّان والرقة فدعا بهم، فقال: يا آلة الشيطان، لا مرحباً بكم ولا أهلا، قد رجع الشيطان محسوراً وأنتم بعد نشاط. حسّر الله عبدالرحمان إن لم يؤدبكم حتى يحسركم. يا معشر من لا أدري أعرب أم عجم، لم لا تقولون لي ما يبلغني أنكم تقولون لمعاوية؟ أنا ابن خالد بن الوليد، أنا ابن من قد عجمته العاجمات، أنا ابن فاقئ الردة. والله لئن بلغني يا صعصعة بن ذُل أن أحداً ممن معي دق أنفك ثم أمصّك، لأطيرن بك طيرة بعيدة الهوى.
فأقامهم أشهراً كلما ركب أمشاهم، فإذا مرّ به صعصعة قال: يابن الحطيئة، أعلمت أن من لم يصلحه الخير أصلحه الشر؟ مالك لا تقول كما كان يبلغني أنك تقول لسعيد ومعاوية! فيقولون: نتوب الى الله، أقِلنا أقالك الله. فما زالوا به حتى قال: تاب الله عليكم.
وسرّح الأشتر الى عثمان وقال لهم: ماشئتم، إن شئتم فاخرجوا، وإن شئتم فأقيموا.
وخرج الأشتر، فأتى عثمان بالتوبة والندم والنزوع عنه وعن أصحابه، فقال: سلّمكم الله.
وقدم سعيد بن العاص، فقال عثمان للأشتر: احلل حيث شئت! فقال: مع عبدالرحمان بن خالد!! وذكر فضله، فقال: ذاك اليكم. فرجع الى عبدالرحمان(8).
لعل التهافت الواضح في هذه الرواية يكشفه طلب الأشتر وجماعته العودة الى كنف عبدالرحمان بن خالد بعد أن أذلهم وأخزاهم وواجههم بأقذع السباب، ومع ذلك فإنهم يرغبون في التعايش معه ويذكرون من فضله ما ذكروا.
وكيف يسمح لهم وجودهم عند عبد الرحمان بالاستمرار في إشعال الفتنة التي يسعون إليها، حيث إن الجزء الأخير من الرواية الذي أورده ابن العربي في ملخصه لها، يكشف عن أنهم لم يتوبوا حقيقة، وأنهم استمروا في التأليب على عثمان، فكيف اُتيح لهم ذلك مع وجود - ذلك الشبل المخزومي- كما يصفه محب الدين الخطيب. ولكن، ورغم هذا التهافت الواضح في الرواية، فإن جمهور المؤلفين قد اعتمدوها وراحوا يروجونها في كتبهم!
لكن الروايات التي جاءت عن غير طريق سيف، لا تشير الى شيء من تلك المبالغات والتهويلات، فقد روى الطبري خبر عودة القوم من عند معاوية الى الكوفة فقال:
وكتب سعيد الى عثمان يضج منهم، فكتب عثمان الى سعيد أن سيّرهم الى عبدالرحمان بن خالد بن الوليد، وكان أميراً على حمص، وكتب الى الأشتر وأصحابه، أما بعد فإني قد سيّرتكم الى حمص، فإذا أتاكم كتابي هذا فاخرجوا إليها فإنكم لستم تألون الإسلام وأهله شراً، والسلام.
فلما قرأ الأشتر الكتاب، قال: اللهم أسوأنا نظراً للرعية، وأعملنا فيهم بالمعصية، فعجّل له النقمة.
فكتب بذلك سعيد الى عثمان، وسار الأشتر وأصحابه الى حمص، فأنزلهم عبدالرحمان بن خالد الساحل، وأجرى عليهم رزقاً(9).
أما القصة عند البلاذري فهي:
لما خرج المسيّرون من قرّاء أهل الكوفة فاجتمعوا بدمشق، نزلوا مع عمرو بن زرارة فبرّهم معاوية وأكرمهم، ثم إنه جرى بينه وبين الأشتر قول حتى تغالظا، فحبسه معاوية، فقام عمرو بن زرارة فقال: لئن حبسته لتجدن من يمنعه، فأمر بحبس عمر، فتكلم سائر القوم وقالوا: أحسن جوارنا يامعاوية، ثم سكتوا.
فقال معاوية: مالكم لا تتكلمون؟
فقال زيد بن صوحان: وما نصنع بالكلام، لئن كنا ظالمين فنحن نتوب الى الله، وإن كنا مظلومين فإنا نسأل الله العافية.
فقال معاوية: يا أبا عائشة، أنت رجل صدق.
وأذن له في اللحاق بالكوفة; وكتب الى سعيد بن العاص: أما بعد، فإني قد أذنت لزيد بن صوحان في المسير الى منزله بالكوفة لما رأيت من فضله وقصده وحسن هديه، فأحسن جواره وكفّ الأذى عنه وأقبل إليه بوجهك وودّك فإنه قد أعطاني موثقاً أن لا ترى منه مكروهاً.
فشكر زيد معاوية وسأله عند وداعه إخراج من حبس ففعل.
وبلغ معاوية أن قوماً من أهل دمشق يجالسون الأشتر وأصحابه، فكتب الى عثمان: إنك بعثت إلي قوماً أفسدوا مصرهم وانغلوه، ولا آمن أن يفسدوا طاعة من قبلي ويعلموهم مالا يحسنونه حتى تعود سلامتهم غائلة واستقامتهم اعوجاجاً، فكتب الى معاوية يأمره أن يسيرهم الى حمص ففعل، وكان واليها عبدالرحمان بن خالد بن الوليد بن المغيرة.
ويقال: ان عثمان كتب في ردّهم الى الكوفة، فضجّ منهم سعيد ثانية، فكتب في تسييرهم الى حمص، فنزلوا الساحل(10).
المصادر :
1- تهذيب التهذيب 8: 402.
2- اسد الغابة 1: 261.
3- الاستيعاب 2: 840، أسد الغابة 3: 370.
4- الاستيعاب 3: 872.
5- العواصم من القواصم: 125.
6- بيعة علي: 306.
7- تهذيب التهذيب 10: 10.
8- الطبري 4: 317.
9- الطبري 4: 322.
10- أنساب الاشراف 6: 155.