اختلاف فکرالمدرسة الإلهية والمدرسة الالحادية في نظرياتهما حول المرأة ادی الی ظهور تباین وفرق في النظرة العامة في المجتمعات المختلفة حسب القوانين والنظم السائدة في تلک المجتمعات .
الفرق بين المدرسة الإلهية والمدرسة الالحادية هو أن أولئك يقولون : ان المرأة والرجل لا يختلفان ، أي ان حقيقة الإنسان هي البدن ، وهذا البدن صنع بنحوين ، وهذان النحوان متساويان .
والمدرسة الإلهية تقول : إن كل حقيقة الإنسان هي روحه رغم ان البدن لازم وضروري ، وبما ان الروح ليست مذكراً ومؤنثاً فاختلافهما سالبة انتفاء الموضوع وليس بانتفاء المحمول .
رذائل ، ليست مذكرة ولا مؤنثة :
كما أن الأمراض التي هي مسائل خلاف القيم تنسب إلى القلب ، تلك الأمراض المضادة للقيم ، ليست مذكرة ولا مؤنثة . مثلاً قال تعالى : لنساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم في سورة الأحزاب :
( .. فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولاً معروفاً ) (1) .
يستفاد من هذه الآية الكريمة ان الرجل الذي يطمع لسماع صوت المرأة غير المحرم ، هو مريض ، هذا المرض ليس مذكراً ولا مؤنثاً ، وذلك القلب المبتلى بهذا المرض لا هو مذكر ولا مؤنث . كما قال تعالى في مسألة كتمان الشهادة في محكمة العدل في النظام الإسلامي :
( .. ومن يكتمها فإنه آثم قلبه ..... ) (2) .
إذا كتم شخض الشهادة اللازمة في محكمة العدل ولم يؤدها فان قلبه عاصٍ ، العصيان والذنب مضاد للقيم ، والقلب المبتلى بالذنب ، كل منهما ليس مذكراً ولا مؤنثاً ، كما ان الرؤى والمعارف والمسائل الإسلامية والقلبية التي تعلم ليست مذكرة ولا مؤنثة ، قال تعالى بشأن القلب الذي يرى :
( .. ومن يؤمن بالله يهد قلبه ) (3) .
وقال بشأن القلب الأعمى بالنسبة إلى المعارف :
( ... فانها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور ) (4) .
ذلك الجاهل هوالقلب ، ذلك العالم هو القلب أيضاً ، الشيء الذي هو مادي ليس وعاء للفكر والشيء الذي هو مجرد لا تقبل وصفاً مادياً ، بناء على هذا لا هو مذكر ولا مؤنث .
الملائكة مظهر للروح :
ان القرآن الكريم حين يخطىء كلام الوثنيين في مسألة أنوثة الملائكة ، ليس بهدف ان يثبت ذكورتهم ، بل من أجل ان يقول : إنهم منزهون عن الذكورة والأنوثة . وإذا عرفهم بصفة عباد مكرمون :( .. بل عباد مكرمون * لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون ) (5) .
فانه يذكر هذه الأوصاف نفسها أيضاً للأولياء ، أي ان موصوف هذه الصفة ليس مؤنثاً ولا مذكراً ، ذلك لأن موصوفه ليس الإنسان ولا هو ملك . حقيقة الروح تلك إذا حصلت بهذه الصورة تصبح إنساناً ، وإذا ظهرت بتلك الصورة تصبح ملكاً ، فهي كائن مجرد غاية الأمر أن هذه الكائنات المجردة تختلف درجاتها وشؤونها الوجودية ، بعضها في حد ملائكة ، وبعض الملائكة أفضل وأكمل ، مثل الناس الكاملين و ...
الروح ، تلميذ القرآن :
عندما جعل الله سبحانه ، القرآن الكريم منهاجاً دراسياً ، وعرف نفسه معلماً ، فالعلم هو الله ، والمنهاج الدراسي هو القرآن ( الرحمن * علّم القرآن ) والتلميذ الذي يتعلم القرآن هو الروح وليس البدن ، الإنسان يترك هذا البدن في عالم الرؤيا وتحل له كثير من المسائل . هناك لا مذكر ولا مؤنث ، طبعاً في عالم الرؤيا لأنه عالم برزخي يرافقه بدن برزخي ، ولكن الذي يفهم هي الروح التي لا هي مذكر ولا مؤنث .
إن السلامة المعنوية فضيلة والمرض المعنوي رذيلة ، وموصوفهما هو القلب والروح ، وهما ليسا بمذكر أو مؤنث .
ثم ، كما ان بعض الموصوفات مذكرة وبعض الموصوفات مؤنثة ، أي ان أبدانهما هكذا ، فالذين لهم بدن مذكر يختلفون عن بعضهم ، والذين لهم بدن مؤنث يختلفون كذلك أيضاً . أحياناً يختلف هذان الصنفان بلحاظ البدن وليس بلحاظ الروح . هذه هي خصائص مقطعية لا أنها تكون موصوفاً أو صفة في أصل البحث .
هذا هو طرح البحث ومصادر البحث محور البحث وموضوع البحث ، وذلك أيضاً استدلال القرآن . بناء على هذا فالآيات التي تقول : المذكر أو المؤنث ـ أي سواء كان البدن من هذا الصنف أو من ذلك الصنف ـ ليس له مدخلية ، هي إعلان لعدم تدخل البدن وليس اعلاناً لعدم الاختلاف ، كما لو قيل للإنسان المصلي : يجب أن ترتدي لباساً للصلاة ، ويجب أن يكون ذلك اللباس طاهراً وحلالاً ( سواء أبيض أو أسود ) أي ان الأبيض والأسود ليس دخيلاً ، ولكنهما موجودان ومتساويان ، ما هو دخيل هو الجامع بينهما . ( أي ان الأبيض والأسود ليس له دور ) بل أصل الستر هو المعتبر . فمسألة الذكورة والانوثة لا توجد أساساً في محور الروح حتى نبحث هل لها تدخل أم لا .
جاء في القرآن الكريم :
( من عمل صالحاً من ذكر أو انثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ) (6) .
أي ان هناك شيئين فقط لهما دور في الوصول إلى الحياة الطيبة ، أحدهما : حسن فعلي يسمى ( العمل الصالح ) والآخر : حسن فاعلي يسمى ( ايمان الروح ) ، سواء كان البدن مؤنثاً أو مذكراً . فعبارة ( وهو مؤمن ) تتعلق بالحسن الفاعلي ، أي أن الروح يجب أن تكون مؤمنة و ( عمل صالحاً ) تتعلق بالحسن الفعلي ، أي أن العمل يجب أن يكون صحيحاً . العمل الصحيح يصدر من العامل الصحيح ، وعندما يضم هذان الحسنان إلى بعضهما يثمران حياة طيبة .
خلاصة الكلام :
1 ـ بناء القرآن الكريم ، أي الإسلام هو ان يتكلم حول المرأة والرجل بصورة قضية ( سالبة بانتفاء الموضوع ) وليس بعنوان ( موجبة محصلة ) ولا بعنوان ( سالبة بانتفاء المحمول ) .
2 ـ الله تعالى أسند في القرآن الكريم التعليم والتربية إلى الروح ، والروح ليست مذكراً ولا مؤنثاً .
3 ـ القرآن الكريم يعلمنا المسائل بثلاثة طرق : أي : طريق العلم الحسي ، العلم العقلي والعلم القلبي والشهودي ، ويذكر نماذج من النساء والرجال الذين قطعوا هذه الطرق .
عدم تأثير الذكورة والأنوثة في الخطابات الإلهية
هذه المسألة بينت بشكل مفصل ، وثبت أن المسائل القيمية ليس لها وصف ذكورة أو أنوثة . وقد بين القرآن الكريم هذا المعنى لفظاً ومعنى بشكل دقيق ، وحكم بأن المسائل القيمية هي ما وراء الذكورة والانوثة ، وحكم أيضاً بأن موصوف هذه الأوصاف هي روح الإنسان ، والروح لا هي مذكر ولا مؤنث .القرآن من حيث المحتوى يقول إن الكمالات الإنسانية تكمن في معرفة المبدأ ، ومعرفة المعاد ومعرفة الوحي والرسالة ، أي ان الكمال هو في الرؤية الكونية الإلهية ، وبمعنى ان للعالم بداية باسم ( الله واسمائه الحسنى ) وله نهاية باسم ( المعاد ) والقيامة وجهنم والجنة و .. وبين هذه البداية والنهاية صراط مستقيم ، وان مسألة الوحي والنبوة هي هذا الصراط المستقيم .
ولأنه ـ في كل العالم ـ ليس هناك سوى المبدأ والمعاد والعلاقة بين المبدأ والمعاد ، لذا فأصول الدين ليست غير هذه الأصول الثلاثة : الأول ، معرفة المبدأ ؛ الثاني ، معرفة المعاد ، الثالث ، معرفة النبي ، وقيل ان الجملة المروية عن أمير المؤمنين عليه السلام :
( رحم الله امرءاً عرف من أين وفي أين وإلى أين ) (7) .
تتعلق بهذه الأصول الدينية الثلاثة ، ولا يشترط الذكورة والأنوثة في فهم هذه الأصول الثلاثة ، أي لا الذكورة هي شرط ولا الأنوثة مانع ، والانبياء الذين دعوا الناس إلى هذه الأصول الثلاثة لم يرسلوا دعوة خاصة للرجال . ولم يحرموا النساء من المشاركة في هذه المراسم .
عندما يقول القرآن على لسان النبي الأكرم :
( أدعوا إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني ) (8) .
فان هذه الدعوة تشمل جميع الناس . وإذا كان أحد الأنبياء قد كتب دعوة إلى أحد الرجال بصفته رئيس أحد البلدان فان هناك نبياً آخر قد كتب دعوة إلى إحدى النساء بصفتها رئيسة أحد البلدان ، فإذا كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد دعا رجالاً رؤساء إلى الإسلام ، فان سليمان عليه السلام دعا أيضاً امرأة رئيسة إلى الإسلام ، فالدعوات عامة وكذلك المدعوين ، ولا يوجد في هذا أي اختصاص .
لغة القرآن ، لغة ثقافة الحوار :
رغم ان الله تعالى قال في شأن جزاء الأعمال :
( كل امرىء بما كسب رهين ) (9) .
( 73 )
ولكن ( أمرىء ) هذه ليست في مقابل ( امرأة ) ، بل ان طريقة الحوار هي ان يذكر الإنسان بصفة إنسان وليس بصفة رجل في مقابل المرأة .
عندما تتواجد المرأة والرجل في ساحة الثورة ، يقال ان أهل إيران ثاروا ، أو إذا كان لدى امرأة ورجل سؤال عن موضوع يقال : ان ( الناس ) يقولون هكذا هؤلاء الناس أي ( جماهير الناس ) لا خصوص الرجل أو المرأة .
بناء على هذا . في الآية التي تقول :
( كل امرىء بما كسبت رهين ) ليس المقصود هو الرجل في مقابل المرأة ، حيث ان هذا المعنى بينه تعالى في آية أخرى بتعبير ( نفس ) وقال :
( كل نفسٍ بما كسبت رهينة ) (10) .
وأحياناً يعبر بـ ( الإنسان ) ويقول :
( ليس للإنسان إلا ما سعى * وأن سعيه سوف يرى * ثم يجزاه الجزاء الأوفى ) (11) .
بناء على هذا ، فان مسألة الجزاء ومسألة المعاد لا تختص بمجموعة خاصة ، ولأن المعاد هو عودة إلى المبدأ فكل إنسان مسؤول تجاه عمله ، وهنا لا مدخلية للذكورة أو الأنوثة ، وكذلك في معرفة المبدأ والتقرب إليه . هذه تعابير معنوية في القرآن الكريم .
المصادر :
1- سورة الأحزاب ، الآية : 32 .
2- سورة البقرة ، الآية : 283 .
3- سورة التغابن ، الآية : 11 .
4- سورة الحج ، الآية : 46 .
5- سورة الأنبياء ، الأيتين : 26 ـ 27 .
6- سورة النحل ، الآية : 97 .
7- نهج البلاغة ، الكلمات القصار .
8- سورة يوسف ، الآية : 108 .
9- سورة الطور ، الآية : 21 .
10- سورة المدثر ، الآية : 38 .
11- سورة النجم ، الآيات : 39 ـ 41 .