هو الوليد بن عقبة بن أبي معيط بن إبان بن أبي عمرو بن ذكوان بن أميّة بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي ، وكنيته : أبو وهب القرشيّ ، العبشمي ، وهو أخو الخليفة عثمان بن عفّان من أمّه أروى بنت كريز (1).
ولّاه الخليفة عثمان بن عفّان إمارة الكوفة سنة 25 للهجرة ، وقيل سنة 26 بعد عزل سعد بن أبي وقّاص.
وكان الوليد من فتيان قريش وشعرائهم وشجعانهم وأجوادهم ، وكان فاسقاوقد أرسله النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم على صدقات بني المصطلق ، فخرجوا يستقبلونه ، فظنّ الوليد أنّهم جاءوا يقاتلونه ، فرجع وأخبر النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم بأنّهم قد ارتدوا عن الإسلام ، فبعث النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم بخالد بن الوليد ، وأمره أن يتأكد من ذلك ولا يستعجل فذهب إليهم خالد ليلا ، وأرسل عيونه ، فرجعوا إليه ، فأخبروه بأنّهم لا زالوا متمسكين بالإسلام ، وأنّهم سمعوا آذانهم ورأوا صلاتهم ، ولمّا أصبح الصباح ذهب إليهم خالد فرأى صحّة ما أخبروه ، فعاد إلى النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم وأخبره بذلك (2). عندها نزلت الآية الشريفة :
(إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ) وجاء في تفسير هذه الآية عن ابن عبّاس ومجاهد وقتادة : أنّها نزلت في الوليد بن عقبة.
وعن عبد الله الهمداني عن الوليد بن عقبة أنّه قال : (عند ما فتح رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم مكّة جاءوا بصبيانهم إلى النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم فأخذ يدعو لهم بالبركة ويمسح على رؤوسهم ، وجيء بيّ إليه ، وأنا مخلّق ، فلم يمسسني ، وما منعه من ذلك إلّا من أجل الخلوق الّذي خلّقتني به أمّي) ..
وكان الوليد بن عقبة يحضر مجلس الخليفة عثمان بن عفّان ، ويجلس" هو والعبّاس بن عبد المطلب وأبو سفيان بن حرب والحكم بن أبي العاص" على سرير الخليفة ، ولا يسمح لغيرهم بالجلوس عليه.
وفي أحد الأيّام جاء الوليد لعثمان ، فجلس ، ثمّ جاء الحكم ، فقام له عثمان وأجلسه في مكانه ، ولمّا خرج الحكم ، قال الوليد لعثمان : (والله يا أمير المؤمنين ، لقد تلجلج في صدري بيتان ، قلتهما حين آثرت عمّك على ابن أمّك) فقال له عثمان : (إنه شيخ قريش ، فما هما البيتان اللذان قلتهما؟ فقال الوليد (3) :
رأيت لعمّ المرء زلفى قرابة / دوين أخيه حادثا لم يكن قدما
فأمّلت عمرا أن يشيب وخالدا / لكي يدعواني يوم مزحمة عمّا
فرقّ له عثمان ، وقال له : قد وليتك العراق .
ونهج الوليد بن عقبة في الكوفة ، حياة خاصّة كلّها خلاعة ومجون ، والتفّ حوله من هو على شاكلته ، يقضون الليالي بشرب الخمور.
وقد زاره يوما" أبو زبيد الطائي" فأسكنه في دار عقيل بن أبي طالب" الّتي تقع في باب المسجد" ثمّ وهبه تلك الدار ، فكان أبو زبيد يخرج من منزله ويذهب إلى الوليد مارا بساحة المسجد ، فيسمر عنده ويشرب معه ، ثمّ يعود إلى منزله بنفس الطريق ، وهو سكران ، " فكان ذلك أول الطعن من أهل الكوفة على الوليد" .
وعند ما ذهب الوليد بن عقبة إلى الكوفة (أميرا عليها) دخل على سعد بن أبي وقّاص وسلّم عليه بالأمرة ، وجلس معه ، فقال له سعد : ما سبب مجيئك؟ فقال الوليد : أحببت زيارتك. فقال سعد : وهل هناك من أخبار؟ قال الوليد : (... لكنّ القوم احتاجوا إلى عملهم ، فسرّحوني إليه ، وقد استعملني أمير المؤمنين على الكوفة). فأطرق سعد رأسه مليا ثمّ قال : (والله ما أدري ، أصلحت بعدنا ، أمّ فسدنا بعدك؟!!)
وقيل إنّه قال : (ما أدري ، أحمقت بعدك ، أمّ كيّست بعدي). ثمّ قال (4) :
خذيني فجرّيني ضباع وأبشري / بلحم امرئ لم يشهد اليوم ناصره وكان الخليفة عثمان بن عفّان قد نفى كعب بن ذي الحبكة عن الكوفة إلى الشام في منطقة (دبناوند) أيّام إمارة الوليد بن عقبة على الكوفة ، فقال كعب للوليد :
لعمري لئن طردتني ما إلى الّتي / طمعت بها من سقطتي لسبيل
رجوت رجوعي إلى ابن أروى ورجعتي / إلى الحقّ دهرا غال ذلك غول
وإنّ اغترابي في البلاد وجفوتي / وشتمي في ذات الإله قليل
وإنّ دعائي كلّ يوم وليلة / عليك بدبناوندكم لطويل
وعند ما عزل الوليد بن عقبة عن الكوفة ، وجاء بعده سعيد بن العاص ، أرجع كعب بن ذي الحبكة إلى الكوفة وأحسن إليه.
وخرج الوليد بن عقبة ذات يوم ليصلّي بالناس صلاة الفجر وهو سكران فصلّى بهم أربع ركعات ، ثمّ قال : أتريدون أن أزيدكم؟ فقال له أحد المصلّين خلفه : (ماذا تزيد؟ لا زادك الله من الخير ، والله لا أعجب إلّا من بعثك إلينا واليا ، وعلينا أميرا).
وقيل إنّ الوليد ، أطال في سجوده وقال أيضا:
علق القلب الربابا / بعد ما شابت وشابا
وقال عربيد الشعراء" الحطيئة" في عربيد الأمراء" الوليد" في هذه القصّة (5) :
شهد الحطيئة يوم يلقى ربّه / أنّ الوليد أحقّ بالعذر
أأزيدكم" سكرا" وما يدري / فأبوا أبا وهب ولو أذنوا
لقرنت بين الشفع والوتر / كفّوا عنانك إذ جريت ولو
تركوا عنانك لم تزل تجري
وقال الحطيئة أيضا :
تكلّم في الصلاة وزاد فيها / علانية وجاهر بالنفاق
ومجّ الخمر في سنن المصلّى / ونادى والجميع إلى افتراق
أزيدكم على أن تحمدوني / وما لكم ومالي من خلاق
ثمّ هجم عليه جماعة في المسجد ، وأخذوا خاتمه ، وذهبوا إلى الخليفة عثمان في المدينة وشهدوا عنده بأنّ الوليد قد شرب الخمر ، فقال لهم عثمان : (وما يدريكم أنّه شرب خمرا؟) فقالوا له : (هي الخمرة الّتي كنا نشربها في الجاهلية) ثمّ أعطوه خاتم الوليد ، فطردهم عثمان ، فذهبوا إلى الإمام عليّ عليهالسلام وأخبروه بالقصّة ، فذهب إلى عثمان وقال له : (دفعت الشهود ، وأبطلت الحدود). فقال له عثمان : (وما هو رأيك؟) فقال الإمام عليّ عليهالسلام : (أرى أن تحضر صاحبك ، فإن أقاموا الشهادة عليه بحضوره ولم يدفع بحجّة عن نفسه ، أقمت عليه الحدّ) ، ولمّا أحضر الوليد والشهود معا لم يتمكن الوليد من تكذيبهم ، عندها أقيم الحدّ على الوليد ، ثمّ عزله عثمان عن إمارة الكوفة ، وولّاها سعيد بن العاص ، كان ذلك سنة 30 للهجرة ، وقيل سنة 29
ولمّا عزل الوليد ، وجاء بعده سعيد بن العاص ، كانت الولائد قد أعلنت الحداد ويقلن (6) :
يا ويلنا قد عزل الوليد / وجاءنا مجوعا سعيد
ينقص في الصاع ولا يزيد / فجوع الإماء والعبيد
وعند ما طعن الخليفة عمر بن الخطاب طلب إحضار عليّا ، وعثمان ، وطلحة ، والزبير ، وعبد الرحمن بن عوف ، وسعد بن أبي وقّاص ، ولمّا حضروا عنده ، خاطب عليّا وعثمان فقط ، ومما قاله لعثمان : (يا عثمان ، لعلّ هؤلاء القوم ، يعرفون صهرك من رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وشرفك ، وسنّك ، فإن وليت هذا الأمر ، فاتقي الله ، ولا تحملنّ بني أبي معيط على رقاب الناس) ، وقيل إنّ عمر قال لعبد الله بن عبّاس : (إنّ عثمان إن ولّي الأمر حمل بني أبي معيط ، وبني أميّة على رقاب الناس ، وأعطاهم مال الله ، والله لإن فعل لتسيرنّ العرب إليه حتّى تقتله في بيته) .
وقيل : بينما كان النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم يصلّي في الكعبة ، إذا أقبل عقبة بن أبي معيط" أبو الوليد" فوضع ثوبه في عنق النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم فخنقه بشدة ، فأقبل أبو بكر فدفعه عن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم .
وقال الوليد بن أبي معيط لعليّ بن أبي طالب عليهالسلام : (أنا أحد منك سنانا ، وأبسط لسانا ، وأملأ للكتيبة طعانا) (7).
فقال له الإمام عليّ عليهالسلام : (أسكت فإنّما أنت فاسق). فنزلت الآية الكريمة : (أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ) ، فقيل إنّ هذه الآية نزلت في عليّ بن أبي طالب والوليد ، فالمؤمن هو عليّ ، والفاسق هو الوليد.
وقال قتادة : (لا والله ما استووا ، لا في الدنيا ، ولا عند الموت ، ولا في الآخرة).
وعند ما كان الوليد بن أبي معيط بالروم" وهو أمير الجيش" فشرب الخمر ، وأراد المسلمون إقامة الحدّ عليه ، قال لهم حذيفة بن اليمان : (أتحدّون أميركم وقد دنوتم من عدوكم ، ويطمعون فيكم؟!).
وأما الوليد فقد قال:
لأشربنّ وإن كانت محرّمه / وأشربنّ على رغم أنف من زعما
وعند ما قتل الخليفة عثمان بن عفّان ، سمع الوليد يندبه ويقول:
بني هاشم ، إنّا وما كان بيننا / كصدع الصفاما يومض الدهر شاعبه
بني هاشم ، كيف الهوادة بيننا / وسيف ابن أروى عندكم وحرائبه
بني هاشم ، ردّوا سلاح ابن أختكم / ولا تنهبوه ، لا تحلّ مناهبه
غدرتم به كيما تكونوا مكانه / كما غدرت يوما بكسرى مرازبه
فأجابه الفضل بن العبّاس بن أبي لهب :
فلا تسألونا سيفكم ، إنّ سيفكم / أضيع وألقاه الروع صاحبه
سلوا أهل مصر عن سلاح ابن أختنا / فهم سلبوه سيفه وحرائبه
وكان ولي الأمر بعد محمّد / عليّ ، وفي كلّ المواطن صاحبه
عليّ ولي الله أظهر دينه / وأنت مع الأشقين فيما تحاربه
وأنت امرؤ من أهل صفواء نازح / فما لك فينا من حميم تعاتبه
وقد أنزل الرحمن أنّك فاسق / فما لك في الإسلام سهم تطالبه
وكان الوليد بن أبي معيط ، قد شارك في حرب صفّين مع معاوية بن أبي سفيان ضدّ الإمام عليّ بن أبي طالب عليهالسلام ولمّا استولى أصحاب معاوية على شريعة النهر في بدء القتال ، منعوا أصحاب الإمام عليّ من الماء ، فأرسل الإمام عليهالسلام صعصعة بن صوحان إلى معاوية ، وطلب منه أن يكفّ جيشه عن الشريعة ، فقال الوليد بن عقبة لمعاوية : (إمنعهم من الماء ، كما منعوه عن عثمان بن عفّان ، أقتلهم عطشا ، الكفرة ، الفسقة ، وشربة الخمور) .
وفي اليوم الخامس من حرب صفّين ، خرج عبد الله بن عبّاس للقتال ، فاقتتلوا قتالا شديدا ، ثمّ اقترب عبد الله من الوليد بن عقبة ، فأخذ الوليد بسبّ وشتم بني عبد المطلب ، وقال : (يا ابن عبّاس ، قطعتم أرحامكم ، وقتلتم إمامكم ، فكيف رأيتم الله صنع بكم ، لم تعطوا ما طلبتم ، ولم تدركوا ما أملتم ، والله إن شاء مهلككم ، وناصر عليكم).
فطلب منه ابن عبّاس مبارزته ، فرفض وانصرف.
ولمّا قتل الإمام عليّ عليهالسلام قال الوليد بن عقبة :
وكنّا إذا ما حيّة أعيت الرقى / وكان زعافا يقطر السمّ نابها
دسسنا لها تحت الظلام ابن ملجم / جريا إذا ما جاء نفسا حسابها
أبا حسن ذقتها على الرأس ضربة / بكفّ كريم بعد وقت ثوابها
أمات ابن عفّان فلم تبق دمنة / ونحن موالي غمرة لأنّها بها
فألقى على المصريّ ثوب ظلامة / كما سلخت شاة فطار انكعابها
وذهب الوليد بن عقبة (بعد عزله) إلى الكوفة زائرا للمغيرة بن شعبة في خلافة معاوية بن أبي سفيان ، فأتاه أشراف الكوفة يسلّمون عليه ، فقالوا له : (والله ما رأينا بعدك مثلك) فقال : خيرا ، أمّ شرا؟
فقالوا : بل خيرا. فقال لهم : (بعض ما تثنون به فو الله إنّ بغضكم لتلف ، وإنّ حبّكم لصلف) .
مات الوليد بن عقبة سنة 61 للهجرة، ومات أيضا (أبو زبيد) نديمه ، فدفنا في موضع واحد ، فقال أشجع السلمي ، وقد مرّ بقبريهما ، (وقبرهما قرب الرقّة):
مررت على عظام أبي زبيد / وقد لاحت ببلقعة صلود
وكان له الوليد نديم صدق / فنادم قبره قبر الوليد
وما أدري بمن تبدأ المنايا / بأحمد أو بأشجع أو يزيد (8)
المصادر :
1- الذهبي ـ سير أعلام النبلاء. ج ٣ / ٤١٢ وابن كثير ـ البداية والنهاية. ج ٤ / ٢١٤.
2- الأغاني ـ أبو الفرج الأصبهاني. ج ٥ / ١٤٠ والذهبي ـ سير أعلام النبلاء. ج ٣ / ٤١٤.
3- الأغاني ـ أبو الفرج الأصبهاني. ج ٥ / ١٤٢ وابن أبي الحديد ـ شرح نهج البلاغة. ج ١٧ / ٢٣٠.
4- أبو الفرج الأصبهاني ـ الأغاني. ج ٥ / ١٢٣ وابن أبي الحديد ـ شرح نهج البلاغة. ج ١٧ / ٢٢٨.
5- أبو الفرج الأصبهاني ـ الأغاني. ج ٥ / ١٢٥ وابن أبي الحديد ـ شرح نهج البلاغة. ج ١٧ / ٢٢٩.
6- أبو الفرج الأصبهاني ـ الأغاني. ج ٥ / ١٤٥.
7- ابن كثير ـ البداية والنهاية. ج ٤ / ٤١٥.
8- ابن أبي الحديد ـ شرح نهج البلاغة. ج ١٧ / ٢٤٣.