
إن مراجعة سيرة وأقوال النبي صلى الله عليه و اله و سلم وأئمة الدين هي التي ترشدنا إلى دائرة الصلاحيات الموكول أمرها إلى الفقيه وهذه الصلاحيات هي:
الأول: حفظ الدين وهو أعظم الواجبات على الولي الفقيه. فهو إنما يريد إدارة المجتمع عبر هذا الدين وأحكامه فلا بد من حفظ معالمه، وحفظ الدين قد يقتضي تولي إدارة الدولة فعلاً والقيام بشؤون الحكم كما فعل الإمام عليعليه السلام فترة خلافته وقد يقتضي السكوت وعدم إقامة الدولة كما فعل الإمام علي عليه السلام بعد وفاة النبي صلى الله عليه و اله و سلم ، إذاً الفقيه هو الذي له ولاية التحديد للأسلوب الأفضل لحفظ هذا الدين، وجهده عند إقامة الدولة ينصب نحو هذا الهدف السامي.
الثاني: الإشراف التام على إدارة الدولة وأمور الناس فإن جميع ما يتم في إدارات الدولة إنما يكتسب مشروعيته من إمضاء الولي الفقيه فهو المسؤول عن تعيين الأشخاص في المواقع الأساسية التي هي محل الحاجة، وهو الذي بإمضائه يكون عمل رئيس الجمهورية ومجلس النواب مشروعاً.
الثالث: وظيفة القضاء وفصل الخصومات، وبيده إجراء الحدود وتحديد العقوبات وكذلك هو الذي يقوم بنصب القضاة في سائر المدن.
الرابع: حق التصرف في الأموال الشرعية من الخمس والزكاة والأنفال وتحديد كيفية صرفها والطريقة المعتمدة في ذلك.
الخامس: الإشراف على الوضع الإقتصادي ووضع البرامج والقوانين التي تحقق مصلحة الناس.
السادس: اتخاذ القرارات العسكرية من السلم والحرب وجميع شؤون الحرب لأنه هو القائد العام للقوات المسلحة وجميع تشكيلاتها، وهو المسؤول عن تحصين الثغور وتجهيز هذه القوى لحمل مسؤولية الدفاع عن بلاد المسلمين.
يتضح مما تقدم من أدلة ثبوت الولاية للفقيه أن هذه الولاية تثبت له كنائب للإمام صاحب العصر والزمان عجل الله فرجه الشريف وله من الصلاحيات كل ما كان للإمام عجل الله فرجه الشريف فيما يرتبط بأمر إدارة المجتمع وتطبيق أحكام الإسلام في مجالات الحياة، هذا بشكل مختصر ومجمل ولكن ما هي هذه الصلاحيات تحديداً وأي الصلاحيات تختص بالمعصوم ولا تنتقل للفقيه.
الدائرة الخارجة عن صلاحيات الولي الفقيه:
وهي عبارة عن جميع ما يرتبط بالمعصوم بما هو معصوم فالولاية المطلقة للفقيه لا تشمل شؤون النبوة والإمامة المشروطة بعصمة النبي والإمام، ولذا نجد أن الإمام الخميني قدس سره يلتزم بالاحتياط بشأن إقامة صلاتي العيد في الفطر والأضحى ويفتي بإتيانها فرادى أو جماعة برجاء مطلوبيتها وذلك لأن إمام الصلاة في صلاة العيد هو شخص الإمام المعصوم.وكذلك الحال في مثل الجهاد الابتدائي في عصر الغيبة فقد التزم الإمام الخميني قدس سره بأن ذلك من مختصات المعصوم ولا يمكن القيام به إلا في حال حضوره.
يقول الإمام الخميني قدس سره في توضيح ذلك: «إن الحكومة شعبة من الولاية المطلقة لرسول اللَّه صلى الله عليه و اله و سلم ، وهي من الأحكام الأولية المقدمة على جميع الأحكام الفرعية حتى الصلاة والصوم والحج، فبمقدور الحاكم أن يهدم مسجداً أو منزلاً من أجل شق شارع، ويستطيع أن يعطل المساجد حين اللزوم وأن يهدم مسجداً يكون ضراراً إذا لم يمكن رفع الضرر بدونه، والحكومة تستطيع أن تلغي العقود الشرعية التي عقدتها مع الناس حين يكون العقد مخالفاً لمصالح البلد والإسلام، ويمكنها المنع من أي أمر عبادياً كان أو غير عبادي إن كان تنفيذه على خلاف مصالح الإسلام ويمكنها أن تمنع مؤقتاً من الحج الذي هو من الفرائض الإلهية المهمة حين يكون حسب تشخيصها على خلاف صلاح البلد الإسلامي».
وخلاصة الكلام أن ولاية الولي الفقيه هي مطلقة في دائرتها الخاصة أي فيما يرتبط بالحكومة وإقامة الدولة فله تشخيص الحكم الأنسب الذي يحفظ به النظام الإسلامي.
فلسفة وأهداف الحكومة الإسلامية
إن الهدف من إنشاء الحكومة الإسلامية هو الذي يحكم حركة هذه الحكومة ولذا كان لا بد للولي أن يضع هذا الهدف أمامه ويسعى لتحقيقه فما هو الهدف الأساسي للحكومة الإسلامية؟قال تعالى: (الَر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ )(1)
تنص الاية الكريمة على أن الهدف الأساسي هو تخليص الناس من الظلمات وإيصالهم إلى نور الهداية. إن الهدف الأساسي من خلق الإنسان هو أن يصل الإنسان إلى كماله الذي جعله اللَّه له وهذا ما لا يمكن تحقيقه على المستوى الإجتماعي إلا في ظل حكومة القسط والعدل.
ولذا تنص الايات الكريمة على أن إقامة حكومة العدل هي الهدف من بعثة الأنبياء وإرسال الرسل (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيد)(2).
الخطوط العامة لحكومة العدل
ألف - التنمية الثقافية الشاملة:قال تعالى: (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ ايَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ)(3)
ب - التنمية الاقتصادية العادلة
عندما يتحدث القران الكريم عن فريضة الزكاة ووجوب الإنفاق يبيّن أن الهدف من ذلك هو تحقيق العدالة الاقتصادية. قال تعالى: "مَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاء مِنكُم"(4).
ج - الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
قال تعالى: (وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُون)(5)
للولي الفقيه من الصلاحيات كل ما كان للمعصوم، فمنها يرتبط بدائرة الحكومة وإدارة المجتمع كحفظ الدين والقضاء والتصرف في الأموال الشرعية...
الصلاحيات الخارجة عن دائرة تصرف الولي الفقيه هي التي ترتبط بما يختص بشخص المعصوم كالجهاد الإبتدائي.
صلاحية الولي الفقيه إنما هي في إجراء الأحكام دون تغيير هذه الأحكام أو التصرف فيها نعم للفقيه تعطيل بعض الأحكام في حالة وجود مصالح أهم من إقامتها.
إطمئنان الإمام الخميني قدس سره.
ذات مرة وبينما كانت الساعة تشير إلى الثامنة وعشر دقائق صباحاً وإذ بصوت انفجار هزَّ المنطقة بأكملها حتى أن أبواب الغرفة انفتحت واصطدمت بظهري لأنني أجلس بالقرب منها، في هذا الوقت كان جُلَّ إهتمامي متوجهاً إلى الإمام قدس سره فلم أر أي تغيير أو رد فعل بدا على وجهه الشريف وبما أن قلب الإمام قدس سره في حالة رقابة صحية مستمرة بواسطة أجهزة خاصة، لم ينعكس على شاشة الجهاز أدنى تغيير في نبضات قلبه المبارك، وتحققت من الأمر فيما بعد من أحد الأطباء الذين يشرفون على مراقبة قلب الإمام، فعلمت منه أن هذه الأحداث وصدى أصوات الإنفجارات المرعبة والتي إهتز لها قلوب الجميع في لحظة واحدة،إلا قلب الإمام فكان كالجبل الراسخ لا تحركه العواصف. ليس فقط ملامح صورته المعبرة عن الصمود والصلابة لم يحصل لها أدنى تغيير، بل حتى جهازه العصبي وقلبه المليء بالإيمان والتوكل على اللَّه لم يرتعش أو يهتز لأن الإمام قد وصل إلى حقيقة واضحة (لن يصيبنا إلا ما كتب اللَّه لنا).
وكان يحمل زاد الاخرة بضمير هادئ وقلب مطمئن لأنها وحدها إرادة اللَّه هي الحاكمة على الوجود ولم يخشى إلاَّ اللَّه لذا لم يكن ليجد في أعماقه مكاناً للخوف من غير اللَّه.
المصادر :
1- ابراهيم:1
2- الحديد:25.
3- الجمعة:2.
4- الحشر:7.
5- ال عمران:104.