الشؤون الإنسانية

العلوم العملية ، التي هي جزء من شعب العلوم الإنسانية تعد جزء من الحكمة العملية وكلها مقدمة عمل . أما العلوم النظرية كالالهيات والفلسفة التي يقال إنها علوم مطلوبة ذاتاً ومستقلة ، فليس بمعنى انها ليست مقدمة لعمل ، وليس
Friday, February 9, 2018
الوقت المقدر للدراسة:
مؤلف: علی اکبر مظاهری
موارد بیشتر برای شما
الشؤون الإنسانية
 الشؤون الإنسانية


العلوم العملية ، التي هي جزء من شعب العلوم الإنسانية تعد جزء من الحكمة العملية وكلها مقدمة عمل . أما العلوم النظرية كالالهيات والفلسفة التي يقال إنها علوم مطلوبة ذاتاً ومستقلة ، فليس بمعنى انها ليست مقدمة لعمل ، وليس المقصود ان فهم الالهيات مطلوب ومقصود ذاتاً ، وإذا قيل إن الفلسفة هي علم أصالي والمنطق علم أداتي فالمراد أن الفلسفة ليست علماً تدرس من أجل علوم أخرى في سلسلة العلوم والأفكار بل مطلوبة ذاتاً ، ليفهم الإنسان أن للعالم بداية ونهاية وله مبدأ ومعاد ، وبدء وحشر .
هذا العلم ليس من أجل علم آخر . لكن المقصود ليس أن هذا العلم لا يكون مقدمة لشيء آخر . بل ان العلم الالهي هو مقدمة لأمر آخر وهو العمل ، غاية الأمر أن العمل على قسمين أيضاً . عمل الجارحة وعمل الجانحة .
عمل الجوارح بينه أهل الفن في مسائل الفقه والأخلاق وأمثال ذلك ، أما عمل الجانحة وعمل القلب الذي هو اعتقاد فانه يطرح في البحوث العقائدية . وإذا أصبح شخص ذا رؤية كونية فهو من أجل أن يكون معتقداً ويكون لديه إقرار بأن للعالم الهاً ، وان هناك حشر ونشر . فالعلم النظري رغم انه يؤمن كمال العقل النظري ولكن كمال الإنسان ، ليس بكمال عقله النظري فقط . العلم ليس من أجل كمال قوة النظر بل إن العلم هو من أجل كمال إنسانية الإنسان (1) .
الشؤون الإنسانية :
إن لانسانية الإنسان جناحين وشأنين منفصلين . لو أراد الإنسان أن يبلغ الكمال يجب أن يصبح كاملاً في جناح النظر . ويصبح متكاملاً في جناح العمل أيضاً . عمل القلب هو هدف ، وعمل عقل النظر ، وهو الفكر والتفكير هو أداة ، توضيح الموضوع هو ان الروح لأنها مجردة فان شؤونها تكون مجردة أيضاً ، وربما نسجت حجب نورية بينها وأحياناً حجب غير نورية ، هناك حجب كثيرة بين شؤون الروح ، وهذه الحجب دقيقة ورقيقة إلى درجة ، يكون فهم أساس الحجاب ودقته ورقته ليس عملاً سهلاً .
وهناك نذكر مثلاً حسياً لتوضيح المسألة حتى نصل من هذا المثل الحسي إلى ممثل عقلي ، عند ذلك يبين ذلك الممثل بالآيات القرآنية حتى يتضح وجود حجب دقيقة ورقيقة بين شؤون النفس .
رواية عن الإمام الصادق :
ذلك المثل الحسي : جاء رجل إلى الإمام الصادق عليه السلام فقال : يا جعفر بن محمد دلني على معبودي . فقال له أبو عبدالله : اجلس ، وإذا غلام له صغير في كفه بيضة يلعب بها ، فقال له أبو عبدالله عليه السلام : ناولني يا غلام البيضة . فنالوه إياها ، فقال له أبو عبدالله : يا ديصاني : هذا حصن مكنون ، له جلد غليظ وتحت الجلد الغليط جلد رقيق وتحت الجلد الرقيق ذهبة مائعة وفضة ذائبة ، فلا الذهبة المائعة تختلط بالفضة ولا الفضة الذائبة تختلط بالذهبة المائعة ، فهي على حالها لم يخرج منها خارج مصلح فيخبر عن صلاحها ولا دخل فيها مفسد فيخبر عن فسادها . لا يدرى للذكر خلقت أم للأنثى ، تنفلق عن مثل الوان الطواويس ، أترى لها مدبراً ؟ فأطرق ملياً ثم قال : أشهد ان لا إله إلا الله وحده لا شريك له وان محمداً عبده ورسوله ، وإنك إمام من الله على خلقه وأنا تائب مما كنت فيه .
العقل العملي والعقل النظري :
أما الممثل العقلي فهو أن للإنسان شأناً باسم ( عقل النظر ) وهو يفكر بواسطة ذلك الشأن ، وله شأن آخر باسم ( عقل العمل ) حيث يتقبل بواسطة ذلك الشأن . والآيات القرآنية والروايات على قسمين أيضاً ؛ لأن الآيات والروايات مفسرة الإنسان ، والإنسان لديه هذه الشؤون ايضاً ، لذا يجب ان تفهم الآيات هذه الشؤون للإنسان .
قسم النظر يتولى الرؤية والتفكير ، وقسم العمل يتولى القبول والسعي والميل والجذبة وأمثال ذلك . كل ما هو عمل يعود إلى العمل ، وكان ما هو فكر يرجع إلى النظر ، وبين هذين الشأنين حجاب دقيق جداً لا يسمح ان ينتهي النظر إلى العمل مباشرة ، والذين خرقوا كل الحجب ، خرقت أمامهم الحجب المادية وكذلك خرقوا الحجب النورية .
في المناجاة الشعبانية دعاء بطلب التوفيق من الله ( حتى تخرق أبصار القلوب حجب النور فتصل إلى معدن العظمة ) (2)
عندما تشق الحجب النورية هذه ، عند ذلك يصبح النظر والعمل واحداً . عندما ينال الإنسان مقاماً رفيعاً يصبح علمه عين القوة وقوته عين العلم ، هما مفهومان ، ولكن لهما حقيقة واحدة . إذا وصل شخص إلى هذا المقام ، لم يعد هناك جدار بين فكره وسعيه ، سواء كان امرأة مثل فاطمة الزهراء عليها السلام أو رجلاً مثل علي بن أبي طالب عليه السلام ، لكن إذا لم يبلغ ذلك المقام الرفيع ، يكون هناك حجاب رقيق دائماً بين النظر والعمل ، وكلما نزل إلى الأسفل تصبح هذه المسافة أكثر وكلما صعد تصبح هذه المسافة أقل .
أحياناً يكون الإنسان عالماً ولكن بلا عمل ، وأحياناً هو متنسك كثير العمل وقليل التشخيص ، وأحياناً هو عالم بلا عمل وأحياناً جاهل متهتك . أوساط الناس سواء النساء أو الرجال ، هناك جدار رقيق بين نظرهم وعلمهم ، لذا يفهمون كثيراً من الأشياء ولكن لا يعملون بها . ويتعلقون بكثير من الأشياء لا ينسجم معها عقلهم النظري ولا يؤيدها ، ويلتزمون ببعض الاداب والرسوم والعادات والسنن التي لا توافق الفكر ، ويفكرون ببعض الأمور التي تنسجم مع عقل العمل ، هذا الجدال موجود دائماً بين الفكر والميل في أوساط الناس .
نماذج من تخطي عمل القلب والفكر في القرآن :
ذكر في القرآن الكريم المسافة والحجاب بين عمل القلب ، وتفكر الفكر . ويبين بعض النماذج .
النموذج الأول :
( وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلماً وعلواً ) (3) .
بعد مشاهدة آل فرعون معجزات موسى الكليم عليه السلام الكثيرة أصبح الحق بينا لهم ، ولم تكن لديهم مشكلة من حيث الفكر ، ولكن من حيث ( الذكر ) كانوا في مشقة ولم يستعدوا للقبول . ومع انه كان لديهم يقين بأن الحق مع موسى ولكن قلوبهم لم تخضع ، ورؤوسهم لم تصقل في الساحة الإلهية المقدسة ، كان العلم موجوداً ولكن العمل ، أي ميل القلب وعمل الجانحة والقلب لم يكن موجوداً . لذا قال فرعون لموسى الكليم :
( اني لأظنك يا موسى مسحوراً ) (4) .
قال موسى الكليم عليه السلام :
( لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السموات والأرض بصائر وإني لأظنك يا فرعون مثبوراً ) (5) .
أي أن موسى قال لفرعون : إنك أصبحت عالماً وليس لديك أية مشكلة علمية . وقد فهمت ان عملي هو إعجاز وليس سحراً فهمت أن سحر السحرة لا يقابل إعجازي ، ولكنك لا تقبل وإنما تصرّ على الهلاك ، أنت عالم ولكنك لا تقبل .
النموذج الثاني :
مسألة إبراهيم الخليل عليه السلام عندما حطم الأصنام ( فجعلهم جذاذاً إلا كبيراً لهم ) (6) عمل على توضيح وتبيين المسألة ، فحضر الوثنيون في ذلك المجمع وكان شعارهم هذا :
( حرقوه وانصروا آلهتكم ) (7) .
فقال إبراهيم الخليل :
( فأسألوهم إن كانوا ينطقون ) (8) .
( فرجعوا إلى أنفسهم فقالوا انكم انتم الظالمون * ثم نكسوا على رؤوسهم لقد علمت ما هؤلاء ينطقون ) (9) .
نكسوا روؤسهم ليس أنهم خجلوا ، بل خجلوا في مقام الاحتجاج وكانوا يقولون لبعضهم : إنهم ظالمون ، ( إن الشرك لظلم عظيم ) (10) ، الظلم للمبدأ ، الظلم لنفس الإنسان الظلم للاعتقاد الصحيح والرسالة الصادقة للوحي وأمثال ذلك . فهموا أن الحق مع خليل الرحمن ولكن لم يقبلوا ذلك .
أن الإنسان إذا أصبح عالماً لا يتخلى أحياناً عن عقيدته الفاسدة ، ولا ينجذب للعقيدة الصحيحة . ان جهاز عمل الإنسان ليس تابعاً لنظره دائماً . وإلا لصرف فرعون النظر عن عقيدته الفاسدة السابقة ولقبل الاعتقاد الجديد . ولرفض قوم إبراهيم الشرك الذي كانوا مبتلين به سنين طويلة ولقبلوا العقيدة الحقة التي جاء بها إبراهيم .
إن هذا الجذب والدفع ، هذا الاعتقاد والإنكار ، هذا الإقرار والانكار ، هو عمل القلب . وعمل القلب يرتبط بنفس القلب ، وليس بالفكر ، لذا ذكر موسى الكليم عليه السلام لفرعون نموذجاً وقال له : إنه إذا اتضحت له الحقيقة من الناحية العلمية فليقبل كلامه ، ولكن فرعون لم يقبل . لم يكن قد قبل في القلب وانكر باللسان ؛ لأنه عندما تعرض للغرق قال عند ذلك بأنه آمن ، وقال الله تعالى :
( الآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين ) (11) .
وهذا بمعنى ان فرعون لم يكن آمن أساساً ، وأراد الايمان في لحظة الموت فقط ، ونموذج آخر قول إبراهيم الخليل : اقطعوا رباط القلوب بهذه الأصنام التي أصبحت بصورة حطب ، لكنهم لم يفعلوا ، أحياناً لا يحصل قطع ارتباط القلب بالباطل والتعلق بالحق رغم التبيين وإحراز حقانيته ، وسره أن هناك حجاباً بين مركز الفكر وهو الجزم ومركز العزم وهو القلب . وليس الأمر هو أن الإنسان يؤمن بكل ما يفهمه ، كما أنه ليس كل مؤمن يكون عالماً . رغم انه ليس بدون علم إجمالي أو تقليدي .
المصادر :
1- أصول الكافي ، ج 1 ، ص 79 .
2- المناجاة الشعبانية ، مفاتيح الجنان .
3- سورة النمل ، الآية : 14 .
4- سورة الإسراء ، الآية : 101 .
5- سورة الإسراء ، الآية : 102 .
6- سورة الأنبياء ، الآية : 58 .
7- سورة الأنبياء ، الآية : 68 .
8- سورة الأنبياء ، الآية : 63 .
9- سورة الأنبياء ، الآيتين : 64 ـ 65 .
10- سورة لقمان ، الآية : 13 .
11- سورة يونس ، الآية : 91 .
 


نظرات کاربران
ارسل تعليقاتك
با تشکر، نظر شما پس از بررسی و تایید در سایت قرار خواهد گرفت.
متاسفانه در برقراری ارتباط خطایی رخ داده. لطفاً دوباره تلاش کنید.