ستقبل الله سبحانه و تعالى المرأة ست سنوات قبل الرجل ـ كما هو في الفقه ـ أوجب عليها الصلاة وأوجب عليها الصيام وأوجب عليها الحج ، الأحكام التي لم يطلبها من الرجل قبل البلوغ ويقول بأن هذا الإنسان منشغل باللعب الآن ، أوجبها على المرأة واستقبلها ، أليست هذه دلالة على فضيلة المرأة ؟ إذا لم نشعر ونستنبط من هذه الشواهد عظمة المرأة وأفضلية المرأة على الرجل فعلى الأقل يتضح ان للدين اهتماماً خاصاً بالمرأة ، طبعاً الأيام التي تحرم فيها المرأة من الصلاة إذا تداركتها بهذه السنوات الست فليس أمامها مشكلة ، ولكن يجب ان تدرك المرأة موقفها عند ذلك ولا تفكر بالزينة ، ولا تفكر بمسائل الثياب والطعام ، ولا تفكر ماذا لبس الآخرون وماذا لبست هي ، . هذه المسائل حقيرة بالنسبة للمرأة إذا تربت تربية دينية وفهمت أنها ان لم تكن أفضل من الرجل فهي ليست بأقل . ترى جمالها في شيء آخر ، ترى عفتها في شيء آخر ، ترى ان الدين يقول بصراحة ، للرجل اذهب والعب ست سنوات ، ولكنه يستقبل المرأة . كما يقال للأطفان في مجمع علمي اذهبوا والعبوا فهنا ليس مكانكم ، ولكن يسمح للكبار بالدخول . إن هذا ليس من أجل أن المرأة ناقصة بل من أجل أن المرأة رقيقة ، والرقيق يجب الاعتناء به في ضمن البحوث السابقة أشير إلى أن أمير المؤمنين عليه السلام قال : إن المرأة ريحانة . هذه الزهرة يجب عدم تركها ، هذه الزهرة يجب أن تكون بيد البستاني فقط ، وبستاني هذه الزهرة ، هو الله تعالى . بستاني كل إنسان ، هو الله الذي يقول :
( والله أنبتكم من الأرض نباتاً ) (1) .
وهو يعلم أية زهرة يحفظها أفضل من أخرى وقبل أخرى ، وأية زهرة يجب العناية بها أكثر .
هذه الفسائل من الرجال والنساء خلقها الله ، وهو يعلم أن بعض الفسائل يجب رعايتها قبل فسائل أخرى ، وتلك الفسيلة التي يجب وضعها تحت رعاية الدين بسرعة هي المرأة لئلا تتلوث ، لا سمح الله . هذا دليل على عظمتها ، فهي تعرف عظمتها عندما يقال لها : إن الله يقبلك قبل الرجل بست سنوات ، في الوقت الذي يلعب الرجل مثل الأطفان في ميدان اللعب ، فان الله قبلك وسمح لك .
إن الرواية المروية عن الإمام الصادق عليه السلام في أن تسبح المرأة برأس أصبعها فـ ( إنهن مسؤولات ) تدل على أن جميع أعضاء وجوارح المرأة خاضعة لبرنامج الله تعالى .
أساس العرفان وهو الشهود للواقع وكشف الحقيقة ينشأ من السير والسلوك في درجات الوجود ومراقبة سالكي طريق الوصال ومشاهدة مسير الأسفار المتنوعة ، كثير من منجزات العرفان يؤيدها البرهان ، كما ان خلاصتهما يراها القرآن جائزة ولائقة وذلك بانسجام مع البرهان المتين والعرفان الصادق . ما يراه العارف هو أن جميع الأشياء تتجدد كل لحظة . وفي هذا التجدد ليس هناك امتياز بين الثابت والسيال ، المجرد والمادي ، وهدف جميع السالكين هو لقاء الله ، كما أن سير جميع المسافرين هو تجليات الله المتنوعة . اختلاف السائرين في اختيار تجلي خاص ونيل اسم خاص الذي يجعل كلاً منهم مظهره الخاص . مجموعة لها انس باسماء الجمال واللطف والعاطفة ، وبعض تطبع باسماء الجلال والقوة . لذا حشر الجماليين في الجنة وحشر الجلاليين في جهنم ، وفي النتيجة كل منهم يلقى اسماً خاصاً من الأسماء الإلهية ويسكنون تحت ولاية ذلك الاسم .
الآية الكريمة ( يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحاً فملاقيه ) (2) .
هي بمثابة رأس فصل في بحث كتاب سفر سالكي طريق الله ، حيث يبين في آخر ذلك التقرير عمل السعداء بصورة استلام كتاب الأعمال باليد اليمنى ، والالتحاق بنظائرهم وأهلهم ، ويبين تقرير عمل الفاسقين بصورة استلام كتاب الأعمال من خلف الرأس ، وصياح طلب الموت مع الاحتراق .
ليس هناك أي امتياز بين الموحد والملحد في أصل الكدح والسير والتولد ، لكن الملحد يسير دائماً في كثرة ، ويسعى من الخلق إلى الخلق ومع الخلق وفي الخلق ولأجل الخلق ( أي المادة ) ، ولا ينظر في كل مرحلة من مراحل سفره إلى هدفه الأصيل ومرافقة الصادق وهو الحق ، ولا يطلع أبداً على الوحدة ، ولا يخرج الرأس من الكثرة ، بل يدور حول نفسه مثل دودة القز ولا يرى خالقه ، والنتيجة يصبح مظهر إضلال ويدخل الرأس في جهنم مثل الشيطان المضل . وهو باطن كل كثرة خبيثة ، وكل مادة بلا روح . وفي هذا السير السقوطي ليس هناك فرق بين المرأة والرجل ؛ لأن التوحيد والالحاد للروح ، والروح ليست من صنف الذكور ولا من صنف الإناث .
الموحد الصادق بواصل سيرة مع الحق ويعبر جميع مراحل سلوكه في صاحبة الحق ولا ينظر أبداً إلى الكثرة بدون شهود الوحدة ، ولا تصبح رؤية الخلق حجاب شهود الخالق أبداً ، بل يعتبر الخلق آية للحق دائماً ويستفيد استفادة صحيحة من هذه المرآة وينظر جمال الخالق في أنحاء مرايا السماء والأرض ، وبالنتيجة يصبح مظهر هداية ، ويستقر في الجنة مثل ملك هادٍ ، فباطن كل وحدة منزه وداخل كل صورة مع الروح وحيّ . وفي هذا الحركة ليس هناك أي امتياز بين المرأة والرجل ، لأن السفر الحقيقي في مراحل التوحيد يكون بعهدة الإنسانية المبرأة من الذكورة والأنوثة .
وقد قسم سالكوا الطريق ، والسالكون الشاهدون للغيب والشهود ، مراحل السفر إلى أربعة أقسام ، حيث للحق حضور في جميع تلك المراحل .
الأول : السفر من الخلق إلى الحق ومن الكثرة إلى الوحدة ، الثاني : السير من الحق إلى الحق والسفر في بحر الوحدة وشهود أسماء وأوصاف الواحد الأحد ، الثالث : السفر من الحق إلى الخلق بصحبة الحق والسفر من الكثير إلى الكثير في صحبة الواحد الأحد . وقد ورد شرح هذه الأسفار الأربعة وحصيلة كل مرحلة والنتيجة النهائية للمراحل الأربع في موطنها المناسب . إن ما هو لازم الذكر هنا : أن المراحل المذكورة تتولى رسم الخطوط العامة للولاية وآثارها الولائية ، والمسافرون في هذا السير هم من الرجال والنساء . في هذا الوفد نحو الحق ، ليس هناك أي فرق بين المذكر والمؤنث .
وما هو مطروح في السفر الثالث والرابع هو الدرجات المتنوعة للولاية والتي ليس فيها أي فرق أبداً بين المرأة والرجل ولا ترتبط بمسألة النبوة والرسالة ، أي أن السفر الثالث والرابع يؤمن أيضاً بدون النبوة والرسالة ، لأن الرجوع من الحق إلى الخلق والرجوع من الوحدة إلى الكثرة رغم انه لا يرافقه نبوة انبائية وتعريفية ولكن لا يستلزم أيضاً النبوة والرسالة التشريعية . بناء على هذا فإن ما حرمت منه المرأة ، أي النبوة والرسالة التشريعية ليست لازمة للعودة من الحق إلى الخلق . وما هي لازمة لهذه العودة ( أي النبوة الانبائية والتعريفية ) ليس فيها فرق بين المرأة والرجل . وعدم التمييز بين هاتين المسألتين العميقتين صار عاملاً للحكم بحرمان المرأة من السفر الثالث والرابع .
الغرض ان ظهير النبوة والرسالة هي الولاية ، وفي الولاية ليس هناك أي امتياز بين المرأة والرجل رغم ان هناك فرقاً بين هذين الصنفين في بعض أثارها التنفيذية وهي النبوة والرسالة التشريعية . المسألة الأخرى التي ضمن التكرار يمكن انهاء كل نزاع فيها هي انه رغم ان هناك فرقاً بين الرجل والمرأة في النبوة والرسالة التشريعية ، أي أن المرأة لا يمكنها ان تصبح نبياً وصاحب شريعة ، وهو عمل تنفيذي ، والرجل يستطيع ذلك ، ولكن بعد ختم النبوة التشريعية فقد أنسد هذا الطريق على الجميع سواء الرجال أو النساء لذا قال أمير المؤمنين عليه السلام بعد رحلة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :
( لقد انقطع بموتك ما لم ينقطع بموت أحد ) (3) .
من هنا لا تترتب على ذلك الفرق أية ثمرة ، الذين يعتزمون إخراج النساء من الساحة السياسية : الاجتماعية ، الثقافية والاقتصادية ليس لديهم أية حجة ، لأنه إذا كان الحرمان من الرسالة التشريعية نقص فالرجل هو كالمرأة أيضاً محروم بعد ختم النبوة ، وإذا كان التمتع بالظهير الأصيل للنبوة ، أي الولاية هو مسألة ذات قيمة ، وهي حصيلة السير نحو الله . فان المرأة هي كالرجل تتمتع بهذه الكرامة ، وإذا كان المطروح هو توزيع المعلم وتقسيم ، المناصب التنفيذية بدون اختلاط المرأة والرجل ، فالمرأة كالرجل أيضاً صاحبة حق ، وإذا كان الكلام عن الاختلاط غير الصائب والتعامل غير المشروع ، فالرجل هو كالمرأة ممنوع أيضاً ، وإذا كان التقسيم العادل للمناصب التنفيذية ، مع الأخذ بنظر الاعتبار قابليات وتقييم خاصية كل صنف من هذين الصنفين هو المقصود ، فان كلاً منهما لديه استطاعة تحمل مسؤوليات مناسبة ، طبعاً في الأعمال التنفيذية للرجل وظائف أكثر .
يقول القيصري في شرح الفصّ المحمدي من فصوص محيي الدين :
( إعلم ان المرأة باعتبار الحقيقة عين الرجل وباعتبار التعين يتميز كل منهما عن الآخر ... ) (4) .
ولأن أصلهما واحد وليس هناك تمايز بينهما من حيث الحقيقة فجميع المقامات المتصورة للرجل تستطيع المرأة نيلها أيضاً . كما قال الشيخ الأكبر .
( ان هذه المقامات ليست مخصوصة بالرجال فقد تكون للنساء أيضاً ، لكن لما كانت الغلبة للرجال تذكر باسم الرجال ) (5) .
ولكن هل أن هذه الغلبة تتعلق بالقابلية للرجل وعدم قابلية المرأة ؟ أم هي من أثر تربية البيئة والأسرة والعادات و .. التي تتطلب بحثاً منفصلاً ؟ ان بعض الرجال ليسوا فقط أقل قابلية من الرجال الآخرين ، بل أنهم سوف يكونون أكثر نزولاً من بعض النساء أيضاً .
يرى محيي الدين أن سر محبوبية المرأة هو ان الله تعالى منزه عن أن يشاهد بدون تجلي ومظهر وكل مظهر يكون جامعاً أكثر للأسماء والأوصاف الإلهية يدل على الله بصورة أفضل ، والمرأة هي أكمل من الرجل في مظهرية الله ، لأن الرجل هو مظهر القبول والانفعال فقط ، والمرأة عدا أنها مظهر القبول والانفعال الإلهي ، فهي مظهر الفعل والتأثير الإلهي أيضاً ، لأنها تتصرف في الرجل وتجذبه ويحبها ، وهذا التصرف والتأثير هو نموذج من فاعلية الله .
من هذه الناحية المرأة أكمل من الرجل . إذا أراد الرجل مشاهدة الله في مظهريته ، فشهوده ليس تاماً ، ولكن إذا أراد أن يشاهد الله في مظهرية المرأة ، يصل شهوده إلى الكمال والتمام ، لذا كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يحب المرأة وقد قال في الحديث المعروف بأنه حبب إليه من دنيانا المرأة والعطر وقرة عينه في الصلاة (6) .
النكات اللازمة التبيين كلام محيي الدين هي عبارة عن :
1 ـ المقصود من المحبة في هذا البحث هو الحب الإلهي وليس الشهوة الحيوانية ، حيث قال ابن عربي نفسه : ( ومن أحبهن على جهة الشهوة الطبيعية خاصة نقصه علم هذه الشهوة فكان صورة بلا روح ... ) (7) .
2 ـ المقصود من فاعلية ومنفعلية المرأة يختص بالرجل ، أي ان المرأة منفعلة بالرجل وفاعلة فيه ، لا أن تكون منفعلة منه وفاعلة في الجنين ـ لأنه تصبح هناك مظهر خالقية الله لها دور في تنظيم الجنين في الرحم ـ لأن هذه المسألة رغم ان لها اهمية إلا أنها خارج محور البحث الحالي ؛ لأن البحث هو في شرح محبوبية المرأة عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكلام ابن عربي في بداية الفص المحمدي هو تفسير للحديث المذكور الذي جعلت فيه المرأة والعطر محبوبين عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
3 ـ ما ورد في شرح القيصري لهذا الموضوع أوضح جداً من المسائل التي وردت في سائر الشروح مثل مؤيد الدين الجندي وفلاّ عبد الرزاق الكاشاني و ...
وبعض آخر من كلام محيي الدين في كتاب الفتوحات هو عبارة عن :
1 ـ ظهور المرأة يعتبر من الرجل ، لذا لا تصل المرأة إلى درجة الرجل أبداً والآية : ( وللرجال عليهن درجة ) يعتبر تأييداً لهذه المسألة (8) . طبعاً في ظهور المرأة من الرجل مسألة تستحق تحقيقاً وتجديد نظر .
2 ـ الواصلون نحو الله هم من الرجال والنساء ولا يختص الوصول إلى الله بالرجال (9) .
3 ـ الحيض الشيطاني الخبيث يجب الاغتسال منه . وجميع أهل الطريقة والرياضة متفقون على ان الكذب هو حيض النفوس ( أي الإنسان الكاذب هو حائض ) . بناء على هذا ( الصدق ) هو غسل من حيض ( الكذب ) (10) .
4 ـ في حالة أن يكون جثماني المرأة والرجل قد تهيئا للصلاة والدفن في القبر وأراد الإمام الصلاة عليهما صلاة واحدة فهل يجعل جثمان المرأة قريب من القبلة ومقدماً ويجعل جثمان الرجل إلى جهته ؟ أم بالعكس يجعل جثمان الرجل قريباً من القبلة ويضع جثمان المرأة قريباً منه ؟ هنا رأي ابن عربي هو أنه بالنظر لأن المرأة هي محل تكوين الطفل وهي أقرب من الرجل إلى المكوّن الحقيقي أي الله تعالى ، لذا الأجدر هو أن تقدم المرأة على الرجل وتكون أقرب إلى القبلة حتى يولد طفلها بالفطرة التوحيدية (11) .
5 ـ في تفسير ( رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله .. ) صرح بأن درجة الكمال ليست محجورة بالنسبة إلى النساء والمرأة مشمولة ، بشكل من الأشكال بالآية الكريمة ، وإن لم يأتِ اسمها صريحاً (12) .
6 ـ وردت هذه المسألة ( أي عدم محجورية المرأة عن الكمال مع ملاحظة تقدم الرجل ) في الباب الثاني والسبعين ، ج 10 ص 348 تحقيق عثمان يحيى .
7 ـ في الباب الثامن والسبعين يقول : تختلف المرأة عن الرجل في كثير من أحكام الحج ، لأنه وان اجتمعا في الإنسانية لكنهما امتازا عن بعضهما البعض من أثر عروض الذكورية والأنوثية . ( أي ان الإنسانية تشكل جوهرتهما والذكورة والأنوثة عارضية ) .
8 ـ في الباب المذكور يقول : أحياناً تصل المرأة في الكمال إلى درجة الرجال وأحياناً ينحدر الرجل إلى درجة بحيث يصبح (13) أسفل من المرأة (14) .
9 ـ يطرح في الباب الثالث والسبعين رجالاً ونساء معروفين وصلوا إلى مقامات منيعة وفي بحث الحافظون والحافظات للحدود الإلهية ، وفي بحث الحلم يقول :
( ما من صفة للرجال إلا وللنساء فيها مشرب تولاهم الله بالحلم .. ) .
ثم يطرح بتكريم اسم شمس المسنّة في صف الأواهين .
وهناك مسائل كثيرة أخرى يمكن الحصول عليها في كتابات هذا العارف من حيث تقديم خطوط عامة للبحث ، ومن ناحية الإشارة إلى المصاديق البارزة لذلك من نساء معروفات التقين بابن عربي أو ذهب هو للقائهن .
المصادر :
1- سورة نوح ، الآية : 17 .
2- سورة الانشقاق ، الآية : 6 .
3- نهج البلاغة .
4- شرح القيصري ، ص 473 ـ 478 .
5- الفصّ الموسوي ، ص 452 .
6- الفصّ المحمدي ، ص 477 ـ 478 شرح القيصري .
7- الفصّ المحمدي ص 480 .
8- الفتوحات ، الباب السابع ، ص 287 و 248 ج 2 ، تحقيق عثمان يحيى .
9- الفتوحات ،الباب الرابع والاربعون ج 4 ص 106 . تحقيق عثمان يحيى .
10- الفتوحات ، الباب السادس والستون ج 5 ص 391 .
11- الفتوحات ، الباب التاسع والستون ج 8 ، ص 89 .
12- الفتوحات ، ج 8 ص 151 .
13- الفتوحات ، ج 1 ص 142 .
14- الفتوحات ، ج 1 ص 143 .
( والله أنبتكم من الأرض نباتاً ) (1) .
وهو يعلم أية زهرة يحفظها أفضل من أخرى وقبل أخرى ، وأية زهرة يجب العناية بها أكثر .
هذه الفسائل من الرجال والنساء خلقها الله ، وهو يعلم أن بعض الفسائل يجب رعايتها قبل فسائل أخرى ، وتلك الفسيلة التي يجب وضعها تحت رعاية الدين بسرعة هي المرأة لئلا تتلوث ، لا سمح الله . هذا دليل على عظمتها ، فهي تعرف عظمتها عندما يقال لها : إن الله يقبلك قبل الرجل بست سنوات ، في الوقت الذي يلعب الرجل مثل الأطفان في ميدان اللعب ، فان الله قبلك وسمح لك .
إن الرواية المروية عن الإمام الصادق عليه السلام في أن تسبح المرأة برأس أصبعها فـ ( إنهن مسؤولات ) تدل على أن جميع أعضاء وجوارح المرأة خاضعة لبرنامج الله تعالى .
أساس العرفان وهو الشهود للواقع وكشف الحقيقة ينشأ من السير والسلوك في درجات الوجود ومراقبة سالكي طريق الوصال ومشاهدة مسير الأسفار المتنوعة ، كثير من منجزات العرفان يؤيدها البرهان ، كما ان خلاصتهما يراها القرآن جائزة ولائقة وذلك بانسجام مع البرهان المتين والعرفان الصادق . ما يراه العارف هو أن جميع الأشياء تتجدد كل لحظة . وفي هذا التجدد ليس هناك امتياز بين الثابت والسيال ، المجرد والمادي ، وهدف جميع السالكين هو لقاء الله ، كما أن سير جميع المسافرين هو تجليات الله المتنوعة . اختلاف السائرين في اختيار تجلي خاص ونيل اسم خاص الذي يجعل كلاً منهم مظهره الخاص . مجموعة لها انس باسماء الجمال واللطف والعاطفة ، وبعض تطبع باسماء الجلال والقوة . لذا حشر الجماليين في الجنة وحشر الجلاليين في جهنم ، وفي النتيجة كل منهم يلقى اسماً خاصاً من الأسماء الإلهية ويسكنون تحت ولاية ذلك الاسم .
الآية الكريمة ( يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحاً فملاقيه ) (2) .
هي بمثابة رأس فصل في بحث كتاب سفر سالكي طريق الله ، حيث يبين في آخر ذلك التقرير عمل السعداء بصورة استلام كتاب الأعمال باليد اليمنى ، والالتحاق بنظائرهم وأهلهم ، ويبين تقرير عمل الفاسقين بصورة استلام كتاب الأعمال من خلف الرأس ، وصياح طلب الموت مع الاحتراق .
ليس هناك أي امتياز بين الموحد والملحد في أصل الكدح والسير والتولد ، لكن الملحد يسير دائماً في كثرة ، ويسعى من الخلق إلى الخلق ومع الخلق وفي الخلق ولأجل الخلق ( أي المادة ) ، ولا ينظر في كل مرحلة من مراحل سفره إلى هدفه الأصيل ومرافقة الصادق وهو الحق ، ولا يطلع أبداً على الوحدة ، ولا يخرج الرأس من الكثرة ، بل يدور حول نفسه مثل دودة القز ولا يرى خالقه ، والنتيجة يصبح مظهر إضلال ويدخل الرأس في جهنم مثل الشيطان المضل . وهو باطن كل كثرة خبيثة ، وكل مادة بلا روح . وفي هذا السير السقوطي ليس هناك فرق بين المرأة والرجل ؛ لأن التوحيد والالحاد للروح ، والروح ليست من صنف الذكور ولا من صنف الإناث .
الموحد الصادق بواصل سيرة مع الحق ويعبر جميع مراحل سلوكه في صاحبة الحق ولا ينظر أبداً إلى الكثرة بدون شهود الوحدة ، ولا تصبح رؤية الخلق حجاب شهود الخالق أبداً ، بل يعتبر الخلق آية للحق دائماً ويستفيد استفادة صحيحة من هذه المرآة وينظر جمال الخالق في أنحاء مرايا السماء والأرض ، وبالنتيجة يصبح مظهر هداية ، ويستقر في الجنة مثل ملك هادٍ ، فباطن كل وحدة منزه وداخل كل صورة مع الروح وحيّ . وفي هذا الحركة ليس هناك أي امتياز بين المرأة والرجل ، لأن السفر الحقيقي في مراحل التوحيد يكون بعهدة الإنسانية المبرأة من الذكورة والأنوثة .
وقد قسم سالكوا الطريق ، والسالكون الشاهدون للغيب والشهود ، مراحل السفر إلى أربعة أقسام ، حيث للحق حضور في جميع تلك المراحل .
الأول : السفر من الخلق إلى الحق ومن الكثرة إلى الوحدة ، الثاني : السير من الحق إلى الحق والسفر في بحر الوحدة وشهود أسماء وأوصاف الواحد الأحد ، الثالث : السفر من الحق إلى الخلق بصحبة الحق والسفر من الكثير إلى الكثير في صحبة الواحد الأحد . وقد ورد شرح هذه الأسفار الأربعة وحصيلة كل مرحلة والنتيجة النهائية للمراحل الأربع في موطنها المناسب . إن ما هو لازم الذكر هنا : أن المراحل المذكورة تتولى رسم الخطوط العامة للولاية وآثارها الولائية ، والمسافرون في هذا السير هم من الرجال والنساء . في هذا الوفد نحو الحق ، ليس هناك أي فرق بين المذكر والمؤنث .
وما هو مطروح في السفر الثالث والرابع هو الدرجات المتنوعة للولاية والتي ليس فيها أي فرق أبداً بين المرأة والرجل ولا ترتبط بمسألة النبوة والرسالة ، أي أن السفر الثالث والرابع يؤمن أيضاً بدون النبوة والرسالة ، لأن الرجوع من الحق إلى الخلق والرجوع من الوحدة إلى الكثرة رغم انه لا يرافقه نبوة انبائية وتعريفية ولكن لا يستلزم أيضاً النبوة والرسالة التشريعية . بناء على هذا فإن ما حرمت منه المرأة ، أي النبوة والرسالة التشريعية ليست لازمة للعودة من الحق إلى الخلق . وما هي لازمة لهذه العودة ( أي النبوة الانبائية والتعريفية ) ليس فيها فرق بين المرأة والرجل . وعدم التمييز بين هاتين المسألتين العميقتين صار عاملاً للحكم بحرمان المرأة من السفر الثالث والرابع .
الغرض ان ظهير النبوة والرسالة هي الولاية ، وفي الولاية ليس هناك أي امتياز بين المرأة والرجل رغم ان هناك فرقاً بين هذين الصنفين في بعض أثارها التنفيذية وهي النبوة والرسالة التشريعية . المسألة الأخرى التي ضمن التكرار يمكن انهاء كل نزاع فيها هي انه رغم ان هناك فرقاً بين الرجل والمرأة في النبوة والرسالة التشريعية ، أي أن المرأة لا يمكنها ان تصبح نبياً وصاحب شريعة ، وهو عمل تنفيذي ، والرجل يستطيع ذلك ، ولكن بعد ختم النبوة التشريعية فقد أنسد هذا الطريق على الجميع سواء الرجال أو النساء لذا قال أمير المؤمنين عليه السلام بعد رحلة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :
( لقد انقطع بموتك ما لم ينقطع بموت أحد ) (3) .
من هنا لا تترتب على ذلك الفرق أية ثمرة ، الذين يعتزمون إخراج النساء من الساحة السياسية : الاجتماعية ، الثقافية والاقتصادية ليس لديهم أية حجة ، لأنه إذا كان الحرمان من الرسالة التشريعية نقص فالرجل هو كالمرأة أيضاً محروم بعد ختم النبوة ، وإذا كان التمتع بالظهير الأصيل للنبوة ، أي الولاية هو مسألة ذات قيمة ، وهي حصيلة السير نحو الله . فان المرأة هي كالرجل تتمتع بهذه الكرامة ، وإذا كان المطروح هو توزيع المعلم وتقسيم ، المناصب التنفيذية بدون اختلاط المرأة والرجل ، فالمرأة كالرجل أيضاً صاحبة حق ، وإذا كان الكلام عن الاختلاط غير الصائب والتعامل غير المشروع ، فالرجل هو كالمرأة ممنوع أيضاً ، وإذا كان التقسيم العادل للمناصب التنفيذية ، مع الأخذ بنظر الاعتبار قابليات وتقييم خاصية كل صنف من هذين الصنفين هو المقصود ، فان كلاً منهما لديه استطاعة تحمل مسؤوليات مناسبة ، طبعاً في الأعمال التنفيذية للرجل وظائف أكثر .
يقول القيصري في شرح الفصّ المحمدي من فصوص محيي الدين :
( إعلم ان المرأة باعتبار الحقيقة عين الرجل وباعتبار التعين يتميز كل منهما عن الآخر ... ) (4) .
ولأن أصلهما واحد وليس هناك تمايز بينهما من حيث الحقيقة فجميع المقامات المتصورة للرجل تستطيع المرأة نيلها أيضاً . كما قال الشيخ الأكبر .
( ان هذه المقامات ليست مخصوصة بالرجال فقد تكون للنساء أيضاً ، لكن لما كانت الغلبة للرجال تذكر باسم الرجال ) (5) .
ولكن هل أن هذه الغلبة تتعلق بالقابلية للرجل وعدم قابلية المرأة ؟ أم هي من أثر تربية البيئة والأسرة والعادات و .. التي تتطلب بحثاً منفصلاً ؟ ان بعض الرجال ليسوا فقط أقل قابلية من الرجال الآخرين ، بل أنهم سوف يكونون أكثر نزولاً من بعض النساء أيضاً .
يرى محيي الدين أن سر محبوبية المرأة هو ان الله تعالى منزه عن أن يشاهد بدون تجلي ومظهر وكل مظهر يكون جامعاً أكثر للأسماء والأوصاف الإلهية يدل على الله بصورة أفضل ، والمرأة هي أكمل من الرجل في مظهرية الله ، لأن الرجل هو مظهر القبول والانفعال فقط ، والمرأة عدا أنها مظهر القبول والانفعال الإلهي ، فهي مظهر الفعل والتأثير الإلهي أيضاً ، لأنها تتصرف في الرجل وتجذبه ويحبها ، وهذا التصرف والتأثير هو نموذج من فاعلية الله .
من هذه الناحية المرأة أكمل من الرجل . إذا أراد الرجل مشاهدة الله في مظهريته ، فشهوده ليس تاماً ، ولكن إذا أراد أن يشاهد الله في مظهرية المرأة ، يصل شهوده إلى الكمال والتمام ، لذا كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يحب المرأة وقد قال في الحديث المعروف بأنه حبب إليه من دنيانا المرأة والعطر وقرة عينه في الصلاة (6) .
النكات اللازمة التبيين كلام محيي الدين هي عبارة عن :
1 ـ المقصود من المحبة في هذا البحث هو الحب الإلهي وليس الشهوة الحيوانية ، حيث قال ابن عربي نفسه : ( ومن أحبهن على جهة الشهوة الطبيعية خاصة نقصه علم هذه الشهوة فكان صورة بلا روح ... ) (7) .
2 ـ المقصود من فاعلية ومنفعلية المرأة يختص بالرجل ، أي ان المرأة منفعلة بالرجل وفاعلة فيه ، لا أن تكون منفعلة منه وفاعلة في الجنين ـ لأنه تصبح هناك مظهر خالقية الله لها دور في تنظيم الجنين في الرحم ـ لأن هذه المسألة رغم ان لها اهمية إلا أنها خارج محور البحث الحالي ؛ لأن البحث هو في شرح محبوبية المرأة عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكلام ابن عربي في بداية الفص المحمدي هو تفسير للحديث المذكور الذي جعلت فيه المرأة والعطر محبوبين عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
3 ـ ما ورد في شرح القيصري لهذا الموضوع أوضح جداً من المسائل التي وردت في سائر الشروح مثل مؤيد الدين الجندي وفلاّ عبد الرزاق الكاشاني و ...
وبعض آخر من كلام محيي الدين في كتاب الفتوحات هو عبارة عن :
1 ـ ظهور المرأة يعتبر من الرجل ، لذا لا تصل المرأة إلى درجة الرجل أبداً والآية : ( وللرجال عليهن درجة ) يعتبر تأييداً لهذه المسألة (8) . طبعاً في ظهور المرأة من الرجل مسألة تستحق تحقيقاً وتجديد نظر .
2 ـ الواصلون نحو الله هم من الرجال والنساء ولا يختص الوصول إلى الله بالرجال (9) .
3 ـ الحيض الشيطاني الخبيث يجب الاغتسال منه . وجميع أهل الطريقة والرياضة متفقون على ان الكذب هو حيض النفوس ( أي الإنسان الكاذب هو حائض ) . بناء على هذا ( الصدق ) هو غسل من حيض ( الكذب ) (10) .
4 ـ في حالة أن يكون جثماني المرأة والرجل قد تهيئا للصلاة والدفن في القبر وأراد الإمام الصلاة عليهما صلاة واحدة فهل يجعل جثمان المرأة قريب من القبلة ومقدماً ويجعل جثمان الرجل إلى جهته ؟ أم بالعكس يجعل جثمان الرجل قريباً من القبلة ويضع جثمان المرأة قريباً منه ؟ هنا رأي ابن عربي هو أنه بالنظر لأن المرأة هي محل تكوين الطفل وهي أقرب من الرجل إلى المكوّن الحقيقي أي الله تعالى ، لذا الأجدر هو أن تقدم المرأة على الرجل وتكون أقرب إلى القبلة حتى يولد طفلها بالفطرة التوحيدية (11) .
5 ـ في تفسير ( رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله .. ) صرح بأن درجة الكمال ليست محجورة بالنسبة إلى النساء والمرأة مشمولة ، بشكل من الأشكال بالآية الكريمة ، وإن لم يأتِ اسمها صريحاً (12) .
6 ـ وردت هذه المسألة ( أي عدم محجورية المرأة عن الكمال مع ملاحظة تقدم الرجل ) في الباب الثاني والسبعين ، ج 10 ص 348 تحقيق عثمان يحيى .
7 ـ في الباب الثامن والسبعين يقول : تختلف المرأة عن الرجل في كثير من أحكام الحج ، لأنه وان اجتمعا في الإنسانية لكنهما امتازا عن بعضهما البعض من أثر عروض الذكورية والأنوثية . ( أي ان الإنسانية تشكل جوهرتهما والذكورة والأنوثة عارضية ) .
8 ـ في الباب المذكور يقول : أحياناً تصل المرأة في الكمال إلى درجة الرجال وأحياناً ينحدر الرجل إلى درجة بحيث يصبح (13) أسفل من المرأة (14) .
9 ـ يطرح في الباب الثالث والسبعين رجالاً ونساء معروفين وصلوا إلى مقامات منيعة وفي بحث الحافظون والحافظات للحدود الإلهية ، وفي بحث الحلم يقول :
( ما من صفة للرجال إلا وللنساء فيها مشرب تولاهم الله بالحلم .. ) .
ثم يطرح بتكريم اسم شمس المسنّة في صف الأواهين .
وهناك مسائل كثيرة أخرى يمكن الحصول عليها في كتابات هذا العارف من حيث تقديم خطوط عامة للبحث ، ومن ناحية الإشارة إلى المصاديق البارزة لذلك من نساء معروفات التقين بابن عربي أو ذهب هو للقائهن .
المصادر :
1- سورة نوح ، الآية : 17 .
2- سورة الانشقاق ، الآية : 6 .
3- نهج البلاغة .
4- شرح القيصري ، ص 473 ـ 478 .
5- الفصّ الموسوي ، ص 452 .
6- الفصّ المحمدي ، ص 477 ـ 478 شرح القيصري .
7- الفصّ المحمدي ص 480 .
8- الفتوحات ، الباب السابع ، ص 287 و 248 ج 2 ، تحقيق عثمان يحيى .
9- الفتوحات ،الباب الرابع والاربعون ج 4 ص 106 . تحقيق عثمان يحيى .
10- الفتوحات ، الباب السادس والستون ج 5 ص 391 .
11- الفتوحات ، الباب التاسع والستون ج 8 ، ص 89 .
12- الفتوحات ، ج 8 ص 151 .
13- الفتوحات ، ج 1 ص 142 .
14- الفتوحات ، ج 1 ص 143 .