
إن أهل البيت عليهم السلام أرجعونا إلى العلماء الفقهاء حتى لا تخلو الأرض ظاهراً من علماء يدافعون عن الدين ويحيون علوم أهل البيت عليهم السلام وينشرون ماثرهم ويعملون على إبطال تحريف المبطلين وتأويل الجاهلين وأضاليل الضالين في زمان غيبة الولي الأعظم صلى الله عليه و اله و سلم ، حتى يأتي زمن تحقيق حكومة العدل على الأرض كلها على يدي صاحب العصر والزمان عجل الله فرجه الشريف كما وعد اللَّه سبحانه وتعالى واللَّه لا يخلف وعده كما جاء في الاية الكريمة (وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِين"(1)
وكما جاء في قوله تعالى: "وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُون)(2)
فإن الاية الأولى لا تتحدث عن فترة زمنية خاصة أو معينة وليست مرتبطة ببني إسرائيل وفرعون فقط بل هي توضح قانوناً عاماً لجميع العصور والأمم، فهي بشارة بإنتصار الحق على الباطل والإيمان على الكفر بل هي بشارة لجميع الأحرار وطلاب العدالة بانتصار الخير على الشر وبسط الحكومة الإلهية على أرجاء الكون، والانتصار على كل الأكاسرة والقياصرة على يدي الإمام المهدي عليه السلام ، لذلك كان أهل البيت عليهم السلام يبشرون بالظهور المبارك عندما يتلون هذه الاية المباركة كما ورد في نهج البلاغة عن أمير المؤمنين عليه السلام : "لتعطفنّ علينا بعد شماسها عطف الضروس على ولدها" وتلا عقيب ذلك هذه الاية المباركة (وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِين)(3)
وفي حديث اخر يقرأ تفسير هذه الاية المباركة ويقول: "هم ال محمد صلى الله عليه و اله و سلم يبعث اللَّه مهديهم بعد جهدهم فيعزهم ويذل عدوهم"(4)
والاية الثانية فسّرت في بعض الروايات بأصحاب الإمام المهدي عليه السلام كما ورد في تفسير مجمع البيان عن الإمام الباقر عليه السلام "هم أصحاب المهدي في اخر الزمان"وقد تواترت الروايات عند عامة المسلمين أن رجلاً من أهل البيت عليهم السلام يقوم فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً، كما ورد عن رسول اللَّه صلى الله عليه و اله و سلم : "لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطوّل اللَّه ذلك اليوم حتي يبعث اللَّه رجلاً من أهل بيتي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً"(5)
وهذه الاية المباركة "وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُون" جاء نفس التعبير عنها في مزامير داودعليه السلام كما جاء في العهد القديم في مزمور 37 جملة 11 (أما الودعاء فيرثون الأرض ويتلذذون في كثرة السلامة)، وكذلك في جملة 29 (إن الصالحين سيرثون الأرض وسيكونون فيها إلى الأبد) وهذا إن دل على شيء إنما يدل الوعد الإلهي المبرم عند كل الأديان السماوية والذي بقي رغم التحريف الذي طال تلك الكتب، وأن المستضعفين عند كل الأمم ينتظرون هذا الوعد.
تعجيل الفرج
إن لمسألة ولاية الفقيه أثر كبير في تعجيل ظهور الإمام الحجة عجل الله فرجه لإرتباطها إرتباطاً وثيقاً بحركة التمهيد لظهور الإمام الحجة عجل الله فرجه ، فإن الروايات التي تتكلم عن الرايات السود التي تأتي من خراسان وإنها رايات هدى فلا بد وأن تكون تحت ولاية الفقهاء حتى أصبحت شرعية وهادية وساعية إلى إقامة حكم اللَّه تعالى على الأرض لأن الفقهاء هم الذين ينوبون عن الإمام في غيبته في هذه الشؤون، ولنلقِ الضوء على بعض تلك الروايات:رجل من أهل قم
ورد عن الإمام الكاظم عليه السلام:"رجل من أهل قم يدعو الناس إلى الحق يجتمع معه قوم قلوبهم كزبر الحديد، لا تزلهم الرياح والعواصف، لا يملّون من الحرب ولا يجبنون وعلى اللَّه يتوكلون والعاقبة للمتقين"(6)الممهدون من المشرق
ورد عن الإمام الصادق عليه السلام :"كأني بقوم قد خرجوا بالمشرق يطلبون الحق فلا يعطونه ثم يطلبونه، فإذا رأوا ذلك وضعوا سيوفهم على عواتقهم فيعطون ما شاؤوا فلا يقبلونه حتى يقوموا ولا يدفعونها إلا إلى صاحبكم (أي الإمام المهدي ) عجل الله فرجه قتلاهم شهداء"(7).
ورد عن رسول اللَّه صلى الله عليه و اله و سلم : "يخرج ناس من المشرق فيوطئون للمهدي سلطانه"(8)
الممهدون من خراسان
عن رسول اللَّه صلى الله عليه و اله و سلم : "تنزل الرايات السود من خراسان إلى الكوفة فإذا ظهر المهدي بعثت إليه بالبيعة"..
الممهدون من اليمن
عن الإمام الباقر عليه السلام"وليس في الرايات أهدى من راية اليماني، هي راية هدى إنه يدعو إلى صاحبكم"(9).
الولي الفقيه
تأسيساً على ما مرّ فإن الولي الفقيه هو من أبرز مصاديق الذين يمهدون للظهور المبارك لأن الظهور يحتاج إلى قاعدة متينة يعتمد عليها في الانطلاق بالثورة الكبرى والولي الفقيه الباسط سلطته هو القادر على لعب هذا الدور الكبير انطلاقاً من المسؤولية الكبرى التي تصدى لها والتي ألقيت على عاتقه والمتمثلة في عصرنا الحاضر بشخص الإمام السيد الخامنئي حفظه اللَّه تعالى الذي يقود حركة التمهيد حتى يأذن اللَّه تعالى لصاحب الأمر بالفرج ويُظهر دينه على الدين كله ولو كره المشركون.
الخلاصة
أرجعنا أهل البيت عليهم السلام إلى الفقهاء حتى لا تخلو الأرض ظاهراً من علماء يدافعون عن الدين حتى يأتي زمن تتحقق حكومة العدل على الأرض كما وعد تعالى.
وعد اللَّه تعالى سيتحقق بعد أن يمهد له المستضعفون بقيادة الفقهاء.
تحدثت العديد من الروايات عن الرايات والفئات التي تخرج قبيل الظهور من قم وخراسان واليمن.
يوم من حكم علي عليه السلام
رأى الإمام علي عليه السلام في طريقه امرأة تحمل قربة ماء فدنا منها وأخذ القربة، حتى وصلت بيتها، وكانت المرأة أثناء سيرها تدعو عليه ولكنها لا تعرفه.وحيث أنها لم تعرفه سألها عليه السلام :
يا أماه ما الذي فعله علي حتى تدعين عليه؟
فوقفت المرأة وقالت:
إنه أرسل زوجي إلى الحرب فقتل، فبقيت بلا معيل وعندي مجموعة من الأيتام الذين لا قدرة لي على تدبير أمورهم. ولما عاد الإمام علي عليه السلام إلى داره فكر فيما يمكن أن يقدمه لهذه الأرملة المسكينة فجاء إليها في اليوم التالي وهو يحمل كيساً مليئاً بالطعام فطرق الباب فقالت المرأة:
من بالباب؟ فقال عليه السلام :
أنا الذي حمل القربة عنك البارحة.
ففتحت الباب له ودخل فقالت أثناء دخوله أرضاك اللَّه وحكم بيني وبين علي بن أبي طالب عليه السلام .
فقال لها الإمام عليه السلام :
أتعدين الخبز أم تهتمي بالأطفال؟ فقالت:
إنني على الخبز أقدر فعليك بالأطفال.
فأخذ أمير المؤمنين عليه السلام يصنع كباباً وتمراً ويطعم الأطفال ويخاطبهم:
يا أولادي تجاوزوا عن علي.
وتوجه علي للتنور كي يخبز الخبز فطرق الباب جارة لهذه الأرملة ورأت علياً يساعدها في البيت فقالت لها:
أتدرين من هذا الذي يساعدك؟ فقالت الأرملة:
إنه رجل أتى يساعدنا، فقالت لها الجارة:
إنه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام .
وهنا استوى الخجل على هذه المرأة مما قد فعلته وقالته له وتقدمت من علي لتعتذر منه فما كان من هذا الرجل العظيم إلا أن قال لها أنا أعتذر إن قصرت في خدمتك وخدمة أيتامك...
المصادر :
1- القصص: 5.
2- الأنبياء: 105.
3- نهج البلاغة، ج4، ص47.
4- بحار الأنوار، ج51، ص54.
5- نفس المصدر، ج28، ص46.
6- بحار الأنوار، ج109، ص168.
7- نفس المصدر، ج52، ص243.
8- ميزان الحكمة، ج1، ص354.
9- بحار الأنوار، ج52، ص232.