
يخاف الانسان من امور کثيرة لانه یعتقد بها ويؤمن بقدرتها علی الايذاء کل الاعتقاد ، کالخوف من اللص او من خطر الطريق او الصاعقة الکهربیة .. الا انه لا يخاف من هو اقوی ومن هو يملک الخير و الشر ..
أحياناً يسافر الإنسان لوحده في صحراء ويخاف من اللص والسارق والحيوان المفترس هذا الخوف هو خوف نفسي ولن يدخل أحياناً إلى الحرم المطهر لثامن الحجج ـ صلوات الله عليهم أجمعين ـ ويخاف ، وهذا هو خوف عقلي ، أي يشعر بالصغار ، الخوف العقلي هو عين المحبة . في دعاء أبي حمزة الثمالي نقرأ :
( اللهم أني أسألك أن تملأ قلبي حباً لك وخشية منك ) (1) .
إذاً الكلام عن ( وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى * فإن الجنة هي المأوى ) (2) ، فالمقصود هو الخوف العقلي وليس الخوف النفسي ، الخوف العقلي هو أن الإنسان عندما يذهب إلى محل عظيم يخاف خوفاً عقلياً ويشعر بالحقارة والصغر
وكما أن صفات الله تعالى عين بعضها البعض وعين ذاته ، كذلك صفات العبد الكامل التي هي مظهره هي عين بعضها البعض وعين ذاته ، ولكن مع هذا الفرق وهو أن الصفات في العبد الكامل ، ممكنة ، وعينيتها إمكانية ، وفي الذات المقدسة الواجبة ، صفاته واجبة ، وعينيتها وجوبية أيضاً ، لذا ورد في هذا الدعاء ( اللهم إني أسألك أن تملأ قلبي حباً لك وخشية منك ) ، حتى يتضح أن الخشية خشية محبة لا خشية خصام . أحياناً يخاف الإنسان من العدو ، وأحياناً يخاف من الصديق ، هنا المحبة هي عين الخشية ، هذه الخشية هي عين تلك المحبة .
العلم النافع :
إذا طرح العلم بوصفه فضيلة فان العلم فرع وأصله هي التقوى ، من هنا يتضح ان العلم الذي أمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وآله وسلم بطلب زيادته ، إذ قال :
( وقل ربّ زدني علماً ) (3) .
يقصد به العلم الذي يكون نافعاً . ونفع العلم هو في ظل التقوى .
بعض العلوم ليست مفيدة في الدنيا فقط ، بل تزدهر في البرزخ والقيامة أيضاً ، وبعض العلوم لها جنبة عملية ودنيوية فقط ، إذا استفاد الإنسان منها في الدنيا بشكل صحيح فهي مفيدة ، وإلا فنفس العلم يرحل بعد الموت مثل علوم الزراعة ، والبيطرة والطرق والبناء المعماري وأمثال ذلك ؛ لأنه ليس في الجنة محل للزارعة حيث تنمو الشجرة في كل مكان يريده المؤمن ، وفي كل مكان يريده تفور عين .
( عيناً يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجبراً ) (4) .
ولكن معرفة الله واسماء الله ، معرفة مواقف القيامة وأمثال ذلك تزداد ازدهاراً في القيامة . العلم الذي يكون مفيداً للمجتمع البشري . تحصيله إما واجب عيني أو واجب كفائي في الدين ، ولكن الأهم من الكل هي المعارف الإلهية التي قال تعالى لرسوله : ( وقل رب زدني علماً ) نموذج هذا العلم علمه له وقال :
( فاعلم انه لا إلا الله واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات والله يعلم متقلبكم ومثواكم ) (5) . ليس هناك أعلى من علم التوحيد .
(التوحيد ، ثم الجنة ) (6) .
ولكن هذا العلم إلى جانب طلب المغفرة وإلى جانب ذلك الدعاء ، وهذا ليس من أجل ان العلم هو هدف أصيل ، بل لأن الاعتقاد التوحيدي هو أصل ، لأنه نفسه عمل ويهيىء أرضية ذلك الاستغفار ( فاعلم انه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات والله يعلم متقلبكم ومثواكم ) (7) . وبمناسبة هذه الآية الكريمة ورد :
( خير العلم . التوحيد ) و ( خير العبادة ، الاستغفار ) (8) .
في هذه الناحية أيضاً ليس هناك امتياز بين المرأة والرجل ، بل ان النساء أكثر نجاحاً في أقسام الدعاء .
مقام الأم الرفيع في القرآن :
عندما يطرح الإسلام احترام الوالدين ، يطرح اسم الأم منفصلاً وبالاستقلال ، من أجل تكريم مقام المرأة ، ومع انه تعالى يقول :
( إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أفٍ ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريماً ) (9) .
وقال تعالى :
( ووصينا الإنسان بوالديه إحساناً ) (10) .
( وقضى ربك ألاّ تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً ) (11) .
وقال تعالى :
( أن اشكر لي ولوالديك ) (12) .
ولكن مع كل هذا التكريم المشترك ، عندما يريد ان يذكر مشقات الوالدين ، يتكلم على مشقة الأم ، لا على مشقة الأب ، فقوله :
( ووصينا الإنسان بوالديه إحساناً حملته أمه كرهاً ووضعته كرهاً وحمله وفصاله ثلاثون شهراً ) (13) .
نرى انه تعالى يتكلم على مشقات الأم ثلاثين شهراً . ففترة الحمل والولادة وفترة الرضاعة صعبة على الأم . ويذكر كل هذه كشرح لخدمات الأم . وفي هذا القسم من القرآن لا تسمعون الله تعالى يقول : إن الأب تحمل مشقة .
بناء على هذا فان الآيات القرآنية الواردة في مسألة معرفة حق الوالدين على قسمين : قسم من الآيات يبين معرفة الحق المشترك للوالدين ، وقسم آخر هي الآيات التي تخص معرفة حق الأم ، وفي المحل الذي يبين القرآن الكريم حكماً خاصاً بشأن الأب فهو من أجل بيان الوظيفة فقط . مثل :
( وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف ) (14) .
ولكن حين الكلام على التكريم وبيان الجهود ، يذكر اسم الأم بالخصوص .
الوظائف التربوية للمرأة :
هناك مجموعة مسؤوليات تربوية بعهدة الأم ، محروم منها الأب ، المرأة لديها مجموعة مسؤوليات لمدة ثلاثين شهراً على الأقل ، والرجل ليس لديه هذه . والله سبحانه يتكلم مع المرأة خلال هذه الثلاثين شهراً كلاماً لا يتكلمه مع الرجل . هناك وظائف وأوامر وتوجيهات مقررة للمرأة في مدة ثلاثين شهراً ( وحمله وفصاله ثلاثون شهراً ) الحد الأقل لفترة الحمل ستة أشهر ـ وأكثره تسعة أشهر ـ وسنتين أيضاً يرضع هذا الطفل في حضن الأم فيصبح المجموع ثلاثين شهراً .
( والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين ) (15) .
في هذه الثلاثين شهراً التي يتغذى الطفل فيها من الأم مباشرة ، الأم مسؤولة عن حفظ شخصين ، ولها تكليفين ، أحدهما لها والآخر للطفل . الأب موظف في أصل النطفة ان يأكل حلالاً ، وإذا ابتلى في ما بعد بحرام فليس له ارتباط قريب بتربية الطفل ، لأن الغذاء الحرام للأب يهضم في معدة الأب . أما غذاء الأم ففي معدتها يتبدل إلى لبن ويتغذى به الطفل .. هي موظفة ان تعطي للطفل حلالاً وان تأكل هي حلالاً . هذه ترتبط بالأغذية الجسمانية .
أما في الأغذية الروحانية فكذلك أيضاً ، إذا خطرت للرجل خاطرة سيئة ، فكر بخيال وهوى سيّىء فيؤذي نفسه . خيال الذنب والخاطرة السيئة عند الرجل هي ضد الرجل نفسه ، أما الخيال الباطل والحرام والتفكير بالذنب والخواطر المرّة عند المرأة فتكون ضد شخصين .
الآن يجب السؤال : أليس هذا عظمة للمرأة ؟ أليست هذه مسؤولية أعطاها الله تعالى للمرأة ؟ قال للمرأة إن مسؤوليتها في حفظ خواطرها وأفكارها وعقائدها أكثر من الرجل ، الرجل يؤذي شخصاً واحداً والمرأة تؤذي شخصين ، لذا عليها مراقبة أفكارها ، لأن كثيراً من المسائل تصل إلى الابن عن طريق الفكر .
لماذا مقام المعلم أعلى من مقام المتعلم ؟ لأن له وظيفتين ، أحداهما إصلاح نفسه ، والأخرى إصلاح الآخرين ، أما الآخرون فلهم وظيفة واحدة فقط وهي إصلاح أنفسهم .
إذا عرفت الأم أن أفكارها تؤثر في الطفل فسوف تحرص على أن تعيش أكثر عرفانية في الفكر والرؤية التوحيدية وظيفة الأمومة ليس في ان ترضع الطفل وهي على وضوء فقط وتقول بسم الله عندما تضع الثدي في فم الطفل ، فهذه أعمال تنفيذية ، وهي مجموعة أعمال ظاهرية وعبادات ظاهرية ، بل الدين يقول للمرأة ان تراقب أفكارها أيضاً ، كما يوصي الرجل بأن لا يفكر بامرأة أجنبية رآها في شارع أو صحراء ، حين مواقعة زوجته ، لأن الله مطلع ، أحياناً يحرص الإنسان على أن لا يفعل فعلاً سيئاً . هذه هي المراقبة المعروفة ، وهناك مراقبة المراقبة ، أي يرى ان آخر يراه :
( ألم يعلم بأن الله يرى ) (16) .
تارة يقال لنا :
( عباد الله زنوا أنفسكم قبل ان توزنوا وحاسبوها من قبل ان تحاسبوا ) (17) .
وأخرى يقال : على الإنسان ان يكون منتبهاً إلى أنه مراقب ( ألم يعلم بأن الله يرى ) .
بناء على هذا فمسؤولية المرأة في هذه الشهور الثلاثين هي أكثر من الرجل وكل من كانت مسؤوليته أكثر يكون توجهه إلى الله أكثر في حالة العمل بها ، وكل من كان أكثر توجهاً إلى الله فهو أكثر نجاحاً ، لذا نلاحظ في القرآن الكريم انه في الوقت الذي يوصي الناس بأن يكرموا الوالدين ، يذكر مكرراً اسم الأم ؛ لأنها كانت مراقبة ثلاثين شهراً . إذا لم ترتكب الأم عقوقاً في فترة الثلاثين شهراً ، لم ترتكب عصياناً ، فان أولادها أيضاً لا يبتلون بالعقوق .
هذه هي أوارم علمها الله تعالى للنساء عن طريق الوحي بواسطة النبي كبرنامج خاص لأن تكون النساء مراقبات لأفكارهن إن الأفراد العاديين ليسوا مسؤولين بذلك القدر ولكن الأئمة لديهم مسؤولية أكثر ، القادة لديهم مسؤولية أكثر ، أفكار المعلم تؤذي مجموعة أو تربي مجموعة ، ولكن الآخرين ليسوا هكذا . كل شخص لديه مسؤولية أكثر ، إذا نظر إلى هذه المسؤوليات بنظرة تكريم يصبح أقرب الى الله وفترة المسؤولية لمدة ثلاثين شهراً هذه مكررة للمرأة ، من قال إن مقام النساء في الجنة هو أقل من مقام الرجال ؟ المنصب والمقام يبلغ بخط ، ويعزل بخط .
والمقام الذي يأتي بإبلاغ ويذهب بإنذار يفيد صفحة الورق تلك لا يفيد الإنسان ، وأي مقام ومنصب دنيوي ثابت دائماً ، فهذه ليست مقاماً حقيقياً .
إذا كان البحث عن الأعمال التنفيذية ، يجب أن لا ينظر الإنسان بنظارة الغرب وهو يعيش في الدائرة الإسلامية ، يجب أن نقف في برج عالٍ ، ونأخذ بنظر الاعتبار الماضي البعيد والمستقبل غير المحدود لنرى هل المرأة أكثر نجاحاً في هذا المسير غير المحدود أم الرجل . إذا لم تكن المرأة أكثر نجاحاً فهي ليست اقل .
وان هذه الأوامر تدل أنها أكثر من الرجل تحت مراقبة الله .
الاختلاف في الحَمل والحِمل :
قد لا تستطيع المرأة رفع حمل يعادل ما يحمله الرجل أو يزيد عليه ، ولكن حمل الطفل ليس عملاً سهلاً ، البعض حملهم ( بالكسر ) قوي ، والبعض أقوياء في الحمل ( بالفتح ) . الحمل هو ثقل على الكتف ، الحمل هو ثقل في داخل الإنسان ، النساء قويات حملاً والرجال أقوياء حملاً ، وقد بين القرآن الكريم ( الحَمل والحِمل ) كليهما
الثقل الذي على الكتف والظهر يسمى حمل ، ( حمل البعير ) ، والثقل الذي في الداخل هو حمل ، فإذا لم تستطع المرأة ان تكون مثل الرجل في الحمل ، فالرجل أيضاً ليس مثلها في الحمل ، لا يستطيع ذلك ولا يصلح له أساساً ، لذا في كثير من هذه المسائل ليس للقرآن كلام مع الرجل ، وعندما يعطي للرجل المجال في المسائل التنفيذية ، يأمره بمجموعة وظائف ويلزمه بالقيام بها .
أن أهم رأسمال للمرأة هو الانجذاب والمناجاة مع الله . عندما تعرض هذه المعارف وتفهمها النساء وتعمل بها ، عند ذلك يعرفن أين يصرفن البكاء هذه الذخيرة الإلهية ، صحيح أن الجمال هو رأسمال لهن ، ويجب أن يصرفنه في محله ، الكل يعلم بأنه يجب ان تكون النساء ذوات حجاب ، وزكاة الجمال هي العفاف ، لكن جمالهن الحقيقي هو الانجذاب نحو الجمال المحض .
( زكاة الجمال ، العفاف ) (18) .
ولكن ما هي زكاة ذلك الأنين والآه ورقة القلب ؟ أين يجب صرفه ؟ ( سلاحه البكاء ) هذا يجب ان يعلم أن يبكي في الأدعية والمناجاة ولا يبكي بلا فائدة ، هذا الرأسمال لم يعطه الله حتى يبكي الإنسان من أثر التنافس على مظاهر الدنيا واللباس والزينة ؛ لأنه من الحيف أن يصرف الإنسان هذه الأسلحة في غير محلها . وفي هذه الأدعية لم يشترط أن يقرأها الرجل ولا تقرأها المرأة ، والمناجاة الفلانية خاصة بالرجل وليس للمرأة سهم ، ليس هكذا .
إذا جمعنا كل هذه المسائل نرى ان الله تعالى اعتبر المعيار شيئاً ، وفي ذلك المعيار تشترك المرأة والرجل ، وإذا لم تكن لدى ملايين الأشخاص الدارسين وغير الدارسين اعمال تنفيذية ، فذلك لا يعني عدم وصولهم إلى الهدف .
المصادر :
1- مفاتيح الجنان ، دعاء أبي حمزة الثمالي .
2- سورة النازعات ، الآيتين : 40 ـ 41 .
3- سورة طه ، الآية : 114 .
4- سورة الإنسان ، الآية : 6 .
5- سورة محمد ، الآية : 19 .
6- بحار الأنوار ، ج 3 ، ص 3 .
7- سورة محمد ، الآية : 19 .
8- أصول الكافي ، ج 2 ، ص 517 ، الباب 36 .
9- سورة الإسراء ، الآية : 23 .
10- سورة الاحقاف ، الآية : 15 .
11- سورة الإسراء ، الآية : 23 .
12- سورة لقمان ، الآية : 14 .
13- سورة الاحقاف ، الآية : 15 .
14- سورة البقرة ، الآية : 233 .
15- سورة البقرة ، الآية : 233 .
16- سورة العلق ، الآية : 14 .
17- نهج البلاغة ، الفيض ، الخطبة ـ 89 .
18- غرر الحكم ، الفصل 37 ، الرواية 5 .