ملكة سبأ

حين يأتي دور ملكة سبأ . فنرى أن سليمان عليه السلام أرسل إليها كتاباً فيه وعد ووعيد فتهيأت لقبول الحق . بينما لم تكن قوة تلك المرأة أقل من السـلاطين الآخرين ، لكنها كانت أعقل من سائر الرجال ـ هناک من يقول أن المرأة
Thursday, February 15, 2018
الوقت المقدر للدراسة:
مؤلف: علی اکبر مظاهری
موارد بیشتر برای شما
ملكة سبأ
ملكة سبأ


حين يأتي دور ملكة سبأ . فنرى أن سليمان عليه السلام أرسل إليها كتاباً فيه وعد ووعيد فتهيأت لقبول الحق . بينما لم تكن قوة تلك المرأة أقل من السـلاطين الآخرين ، لكنها كانت أعقل من سائر الرجال ـ هناک من يقول أن المرأة أضعف من الرجل في الفكر .
أي ان طريق الفكر والكلام وطريق البرهان وعقل النظر مفتوح أكثر للرجل فلم يثبت أن الرجل أقوى من المرأة في طريق القلب والعرفان والموعظة .
ظاهراً المرأة أقوى من الرجل في هذا الطريق والمناجاة والموعظة تؤثر في المرأة أكثر من الرجل ، وهذا هو طريق أكثر عمومية وعملية وتأثيراً واستعماله أوسع ، ففي الطريق الذي يصل الإنسان بسلوكه إلى المقصد بصورة أسرع وأفضل ، في ذلك الطريق نجد المرأة أما هي بالتأكيد أكثر نجاحاً من الرجل أو هي بمستواه .
ووصل كتاب من سليمان عليه السلام إلى هذه المرأة ، كانت تحكم في اليمن ، حيث جاء في القرآن في شرح هذه القضية على لسان الهدهد يصوره سلطنة ملكة اليمن هكذا :
( أني وجدت امرأة تملكهم وأوتيت من كل شيء ولها عرش عظيم * وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله ) (1) بعد وصول خبر ملكة اليمن بواسطة الهدهد إلى سليمان عليه السلام كتب سليمان عليه السلام كتاباً مختصراً :
( إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم * الا تعلوا عليّ وأتوني مسلمين ) (2) .
عندما وصل هذا الكتاب إلى بلاط تلك المرأة قالت :
( إني ألقي إليّ كتاب كريم ) (3) .
كرامة الكتاب لم تكن في ختمه فقط ، محتوى الكتاب هو سبب كرامة ذلك الكتاب . ورغم الأدب الصوري لمثل كتابة الرسائل تلك وإيصالها له دور أيضاً . ولكن السهم المؤثر في كرامة الكتاب هو مضمون الكتاب . قالت هذه المرأة ( إني ألقي إليّ كتاب كريم ) هذا الكتاب هو من قبل سليمان ومحتواه الدعوة إلى الإسلام ، لذا تشاورت مع أفراد بلاطها فقالوا :
( نحن أولوا قوة وأولوا بأس شديد ) (4) .
نحن أقوياء من حيث المسائل السياسية والعسكرية وليس لدينا نقص ولكن :
( والأمر إليك فانظري ماذا تأمرين ) (5) .
من الأن وما بعده يجب رؤية ما هو التهور وما هي الشجاعة ، ما هو الخوف وما هو الاحتياط ، ما هو الجهل ، وما هو العقل ؟ إن عدم التسليم أمام الحق هو تهور وليس شجاعة . وإن عدم الخضوع في محضر الله هو توحش وليس هوة لذا قالت تلك المرأة أنا اختبره لأرى هل ان هدفه هو الحكومات الدنيوية أم أنه قطع طريق الأنبياء : اختبره أولاً بالمسائل المالية .
( وإني مرسلة إليهم بهدية فناظرة بم يرجع المرسلون ) (6) .
لما أرسلت الهدايا ورفض سليمان عليه السلام الهدايا وقال :
( بل أنتم بهديتكم تفرحون ) (7) .
أجاب جواباً فهمت تلك المرأة منه ان نظام سليمان ليس نظاماً مالياً حتى يكون تطميعه ممكناً ، ليس نظاماً يمكن إرضاؤه باعطاء السلطة والصلاحية ومصالح البلد إليه ، حتى يغض النظر عن الدعوة إلى الإسلام . ثم قالت :
( إن الملوك إذا دخلوا قرية افسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة وكذلك يفعلون ) (8) .
هل ان آخر الآية هو كلام تلك المرأة أم توقيع إلهي ، هذه مسألة أخرى ـ وقبل ان تتشرف ملكة سبأ بزيارة سليمان عليه السلام جيء بعرشها باقتراح من سليمان عليه السلام :
( قال عفريت من الجن انا آتيك به قبل ان تقوم من مقامك ) (9) .
( قال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك ) (10) .
لما جاءت تلك المرأة أمر سليمان ان يغيروا عرش ملكة سبأ تغييراً قليلاً حتى يختبر ذكاءها وانتباهها فقالت : ( كأنه هو ) (11) ولم تقل ( أنه هو ) ، وأخيراً بعد مجموعة مناظرات ومباحثات ومحاورات وأسئلة وأجوبة ، قالت :
( ربّ إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله ربّ العالمين ) (12) .
قال تعالى : ( وصدها ما كانت تعبد من دون الله إنها كانت من قوم كافرين ) (13) .
( صدّ ) مع ( صاد ) أي ( صرف ) ، الإنسان الذي هو ( صارف ) ولا يسمح ان يذهب الاخرون إلى طريق الحق هو ( صاد عن سبيل الله ) . الصادّ عن سبيل الله لديه صرف وانصراف . الإنصراف مقدم على الصرف عن طريق الحق ، ويصرف سالكي طريق الحق أيضاً ، ليس ممكناً ان يكون شخص سائراً في طريق الحق ويصرف الآخرين السالكين عن طريق الحق .
الإنسان التائه يقطع طريق السائرين .
قوله : ( ضلوا وأضلوا ) الإضلال مسبوق دائماً بالضلالة ، كما ان الهداية أيضاً مسبوقة بالاهتداء ، أي الإنسان المهتدي هو هادٍ للآخرين وفي جميع المسائل هكذا . جاء في الآية الكريمة أيضاً :
( وصدها ما كانت تعبد من دون الله أنها كانت من قوم كافرين ) .
أي أن طبيعة الوثنية والصنمية كانت صادة وصرفتها لأن الوثنية نفسها هي انصراف عن طريق الحق ، ولكن في نفس الوقت كان طريق الفطرة والفكر واتخاذ القرار مفتوحاً أمامها لذا بعد ان ذكر القرآن بان الوثنية صدتها عن الإيمان ، ذكر انها عندما تحدثت مع سليمان عن قرب قالت : ( ربّ أني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين ) ، لم تقل ( أسلمت لسليمان ) بل قالت ( أسلمت مع سليمان لله رب العالمين ) لذا يذكر الله تعالى هذه القضية بوضفها موعظة وفيها عبرة .
إذا أراد شخص أن يفهم هل أن آل فرعون أعقل أم هذه المرأة ، آل نمرود أعقل أم هذه المرأة ، السلاطين الذين كان المسيح عليه السلام في مواجهة معهم أعقل أم هذه المرأة ؟ بعد ان تحدد معنى العقل في قاموس القرآن ، يتضح أن هذه المرأة التي كانت تحكم في اليمن ، كانت أعقل من كثير من الحكام الرجال ، كانت تعرف أن الشجاعة هي في التسليم للحق ، وميزت الشجاعة من التهور لم تقل إننا لسنا مستعدين للقبول بالأنبياء الغرباء ، لأن هذا الطبع والسيرة هو طبع وحشي ، فهي قبلت لأنه ليس هناك شيء غريب في الأمر ، فسليمان معروف ، بأنه نبي جاء برسالة محب وعرض كلام الحق . بناء على هذا يطرح القرآن الكريم هذه بوصفها نموذجاً وإذا كان هناك رجال صالحون فهناك أيضاً رجال قاموا بفساد وإفساد وهلاك نسل الناس وحرثهم ، قتلوا كثيراً من الناس الأبرياء ، ولكن هذه المرأة حفظت كثيراً من الدماء ، لذا يذكرها القرآن بعظمة ، وعلى أساس هذه القضية قالت نساء كثيرات في صدر الإسلام : ( أسلمت مع رسول الله ، لله رب العالمين ) .
المصادر :
1- سورة النمل ، الآيتين : 23 ـ 24 .
2- سورة النمل ، الآيتين : 30 ـ 31 .
3- سورة النمل ، الآية : 29 .
4- سورة النمل ، الآية : 33 .
5- المصدر السابق .
6- سورة النمل ، الآية : 35 .
7- سورة النمل ، الآية : 36 .
8- سورة النمل ، الآية : 34 .
9- سورة النمل ، الآية : 39 .
10- سورة النمل ، الآية : 40 .
11- سورة النمل ، الآية : 42 .
12- سورة النمل ، الآية : 44 .
13- سورة النمل ، الآية : 43 .
 


ارسل تعليقاتك
با تشکر، نظر شما پس از بررسی و تایید در سایت قرار خواهد گرفت.
متاسفانه در برقراری ارتباط خطایی رخ داده. لطفاً دوباره تلاش کنید.