![أدب النساء أدب النساء](https://rasekhoon.net/_files/thumb_images700/article_ar/%D8%A3%D8%AF%D8%A8%20%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%B3%D8%A7%D8%A1.jpg)
من حيث الأدب ، فإنه رغم ان الرجال وصلوا إلى درجة من النبوغ الأدبي ، بحيث كان لهم ( المعلقات السبع ) وكانوا يعرضون شعرهم في سوق عكاظ ويفوزون في مسابقة عكاظ الدولية ، فان هناك نساء كن هكذا أيضاً ، وكنّ ينشدون شعراً رفيعاً ويعرضنه في سوق عكاظ .
كان ذلك الوضع في الجاهلية ، وفي الإسلام تربى أدباء ليقولوا شعراً بشأن المعارف الإلهية بدل المضامين الجاهلية . وهذه الهداية كانت مؤثرة في النساء الأدبيات مثلما أثرت في الرجال .
فالمرأة التي كانت في الجاهلية تقول أدباً بطريقة تفكير جاهلي وتنشد شعراً في رثاء أعضاء أسرتها ، كانت بعد إسلامها ترسل شبابها وأبناءها إلى ميدان الحرب وذلك بإنشاد القرآن .
في هذا القسم نذكر نماذج من أولئك النساء ، سواء في الأقسام الأدبية أو في الأقسام السياسية .
الخنساء شاعرة مربية لشهداء (1) :
الخنساء من نساء العرب ويقال انها من أحفاد امرىء القيس الشاعر المشهور .
كانت تنشد شعراً رفيعاً في رثاء أخويها ( معاوية وصخر ) اللذين قتلا في إحدى الحروب ، ولكنها بعد مقتل صخر اشتد حزنها لأن صخراً كان أرأف وأرق قلباً وكان يعينها في المصاعب المالية ، لأن زوجها كان يلعب القمار ويخسر حصيلة عمله ، وكان صخر قد حفظ كرامة أخته هذه عدة مرات . كان شعرها في رثاء إخويها أفضل شعر من بين شعر النساء .
رأي الأدباء في الخنساء :
عندما كان الأدباء العرب المعروفون يسألون عن موقع الخنساء في الأدب كانوا يقولون كلاماً رفيعاً . قيل لجرير : ( من أشعر الناس ) قال : أنا لولا هذه .
كان بشار يقول : هذه المرأة نظمت شعراً بدون نقص أدبي ، وقيل لبشار ما هو رأيك بالخنساء ؟ قال : ( تلك فوق الرجل ) أي هي فوق الشعراء الرجال .
أما الأصمعي فكان يرجح ليلى الأخيلية على الخنساء ولكنه كان يذكر الخنساء بتكريم . وكان المبرد يقول : ( كانت الخنساء وليلى فائقتين في أشعارهما ) .
كان النابغة الذبياني يتولى منصب الحكم في سوق عطاظ ، وكان الشعراء الذين ينظمون شعراً جديداً يعرضونه عليه في سوق عكاظ حتى يقيمه ، عندما سمع القصيدة ( الرائية ) للخنساء في رثاء صخر قال : ( إذهبي فأنت أشعر من كانت ذات ثديين ، ولولا هذا الأعمى الذي أنشدني قبلك ـ يعني أشعر من كانت ذات ثديين ، ولولا هذا الأعمى الذي أنشدني قبلك ـ يعني الأعشي ـ لفضلتك على شعراء هذا الموسم ) . وعندما سمع حسان بن ثابت الذي كان من المشاركين في المسابقة هذا الكلام من الحكم غضب وقال : ( ليس الأمر كما ظننت ) ، فالتفت إلى الخنساء وقال لها بان تجيب حسان بن ثابت ، فالتفتت إلى حسان بن ثابت وقالت : ( ما أجود بيت في قصيدتك هذه التي عرضتها آنفاً ) ؟ قال :
لنا الجفنات الغرّ يلمعن في الضحى ***وأسيـافنـا يقطـرن من نجدة دماً
فأشكلت الخنساء ثمانية اشكالات أدبية على هذا البيت (2) الأول : أنك قلت : ( الجفنات ) والجفنات دون الجفان وأقل منها ، وكان الحق لو قلت الجفان . الثاني : انك قلت : ( الغرّ ) وهو جمع أغر وهو بياض الجبين ، ولو قلت ( البيض ) لكان مطلق البياض ولكان معناه أوسع . الإشكال الثالث : قلت ( يلمعن ) ولو استعملت ( يشرقن ) محل يلمعن لكان أفضل لأ الإشراق أقوى من اللمعان . الرابع : قلت بالضحى ولو قلت بالدّجى لكان أكثر اطراقاً ) . الخامس : قلت : أسياف والأسياف ما دون العشرة ولو قلت ( سيوفنا ) لكان أكثر وأفضل . السادس : قلت : يقطرن ولو قلت يسلن لكان أكثر . السابع : قلت : دما والدماء أكثر من الدم . بعد هذه الإشكالات . سكت حسان ولم يجب ، كان هذه قوة أدبية لدى هذه المرأة الأدبية التي كانت من أحفاد امرىء القيس .
عندما ظهر الإسلام ، ولم يؤمن به كثير من الرجال والنساء . من أثر طبع الجاهلية ، أسلمت هذه المرأة بسبب النبوغ الفكري الذي كان لديها ( فقدمت الخنساء على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأسلمت واستنشدها فأنشدته فأعجب بشعرها ) .
لقد قامت بتربية أبناء في المجتمع الإسلامي ، وكانت تجهزهم وتشجعهم وترسلهم إلى الجبهة ، وفي إحدى الحروب في صدر الإسلام التي وقعت بعد رحلة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أوصتهم بهذه الوصية :
( يا بني إنّكم أسلمتم طاثعين وهاجرتم مختارين ، والله الذي لا إله إلا هو انكم لبنو رجل واحد كما انكم بنو امرأة واحدة ما هجنت حسبكم ولا غيرت نسبكم . واعلموا ان الدار الآخرة خير من الدار الفانية ( اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون ) (3) .
ورغم ان هناك رواية وردت عن الإمام الباقر عليه السلام في آخر هذه الآية انه قال بان المقصود من هذه الآية هو اصبروا وليكن عندكم رابطة مع إمامكم ـ أو ولي عصركم (4) ـ ولكن مقصودها هو بيان مصداق ـ وهو حق ـ في هذه الآية الصبر هو غير المصابرة والمرابطة ، الإنسان يصبر في الحوادث الفريدة أما في الحوادث الجماعية كالحرب وأمثالها فلها مصابرة ولها مرابطة في الارتباط مع القيادة . مضمون هذه الآية أوصته الخنساء لابنائها وارسلتهم إلى الجبهة وقالت : ( فإذا رأيتم الحرب قد شمرت عن ساقها ، وجللت ناراً على أوراقها ، فتيمموا وطيسها ، وجالدوا رسيسها ) .
إن جملة ( الآن حمي الوطيس ) (5) هي من الكلمات التي ذكرها المرحوم ابن بابويه القمي ـ رضوان الله عليه ـ في نهاية كتاب ( من لا يحضره الفقيه ) تحت عنوان كلمات موجزة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ـ بعض هذه الكلمات الموجزة يقال انها لم يكن لها سابقة بين الأدباء .
خصائص كلمات وأحاديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم :
ان الكلمات التي صدرت عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليست خطابية بل كلها قواعد مثل الدساتير ، لذا فان حفظ كلمات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليس كحفظ خطب نهج البلاغة الذي يكون منضوداً ومتصلاً . رسول الله يطرح كلمة فكلمة وجملة فجملة بوصفها قواعد دستور .
من الكلمات التي يقال انها لم تكن لها سابقة بين الأدباء هي جملة ( الآن حمي الوطيس ) ، أي بما ان التنور حار الآن ، فالوقت هو وقت الخبز . عندما تكون تجارة الشهادة نشطة يجب السعي وملأ الجبهات . وهذه المرأة قالت لأبنائها بأنهم إذا رأوا تجارة الشهادة نشطت وحمي ميدان الحرب فليغتنموا الفرصة وليتواجدوا ( فتيمموا وطيسها ) تدعو أبنائها للتواجد في الجبهة حتى يغتنموا الشهادة ـ أما ينتصروا والنصر غنيمة أو يستشهدوا والشهادة غنيمة ، هناك من يفكر يغنيمة مادية ولكن هذا المرأة تدعو أبناءها إلى الشهادة والكرامة ( تظفروا بالغنم والكرامة في دار الخلد والمقامة ) ، لأنه :
( الحمد لله الذي أحلنا دار المقامة ) .
( فلما أضاء لهم الصبح ، باكروا إلى مراكزهم ، فتقدموا واحد بعد واحد ينشدون أراجيز يذكرون فيها وصية أمهم لهم حتى قتلوا عن آخرهم ) وأخبرت هذه الأم بان أولادهم قتلوا ( فقالت : الحمد الله الذي شرفني بقتلهم وأرجو من ربي أن يجمعني بهم في مستقر الرحمة ) .
هذا الذوق الأدبي يستطيع ان ينشد شعراً يعجب النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وهذا الذوق يستطيع ان يؤلف خطابة من آيات القرآن ويحث ابناؤه على الجبهة وهذا الذوق الأدبي يقول بعد تلقي خبر استشهاد أبنائه ( الحمد لله الذي شرفني بقتلهم ) .
كيف يمكن ان يقول الإنسان أو يصدق ان المرأة جبانة ـ كم لدينا هكذا من الرجال في صدر الإسلام ؟ إذا كان هناك أشخاص مثل أبي ذر ذكرت شهامتهم مرات ، فان هناك مثل هذه النساء لو ذكرت قضاياهن لعرف الجميع مقام المرأة وعند ذلك لا يعدونها ضعيفة وجبانة .
هناك نماذج كثيرة من النساء وردت في التاريخ في الأقسام السياسية والدينية والأدبية أشير إلى عدد منهن . وهناك عدد آخر في كتب الرجال ـ خاصة بالنساء مثل الدر المنثور ورياحين الشريعة و .. أو التي تشمل المرأة والرجل ـ يمكن مراجعتها .
عندما تبحثون في أي قسم من الأقسام العسكرية والسياسية والعرفان والحديث ترون أن هناك نساء نموذجيات كثيرات ، ولكن عندما يكون اسم محجوباً لا تذيع أخبارها في المجتمع . يجب أن تكون هي في حجاب ، واسمها في كتاب حتى تظهر عظمتها . فالله تعالى يعرف المرأة بالحجاب ويذكر اسمها في الكتاب .
ذكر تعالى قوله ملكة سبأ :
( وأسلمت مع سليمان لله ربّ العالمين ) (6) .
فذكرها بعظمة ، وفي النتيجة يعرفها بانها عاقلة ، الذكاء ليس في ان يشمخ الإنسان أمام الحق ـ لأنه ينكسر رأسه ـ بل الذكاء في ان يخضع الإنسان في محضر الله .
ان ملكة سبأ مع انها كانت تتمتع بقوة كبيرة :
( وأوتيت من كل شيء ولها عرش عظيم ) (7) .
إن الشخص لذي لديه هذه القوة ، ويتمتع بإمكانات وقوى سياسية وعسكرية ، يأتي ويسلم ، ان هذا هو دليل على العقل ، ان الذين يضعون التهور موضع الشجاعة هم أشخاص يفتقدون القدرة على تشخيص الصراط المستقيم .
يمكن الاستفادة من هذه الشواهد القرآنية والعقلية والقلبية أن الذكورة والأنوثة ليس لها دخل في ذلك القسم الاساسي وهو موضع التكامل ، ولو قال شخص : إن المرأة لم تصل إلى مقام النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فيجب القول : أن كثيراً من الأنبياء أيضاً لم يصلوا إلى ذلك المقالم ، ثم إن الرجال هل يستطيعون أن يصبحوا مثل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؟ أي فخر هذا ؟ .
ان كل شخص يكون أقرب إلى رسول الله من حيث السير الكمالي ، فذلك فخر ، ولكن فخره هو في التواضع ، فخره هو في الشعور بالمذلة .
الكلام في بحث حقوق المرأة وتكامل المرأة ومساواة المرأة للرجل في المسائل الأخلاقية والتربوية وغيرها من أجل أن تكون أرضية نضج . فإذا كان لدى الرجال سعي ، فالنساء أيضاً أهل سعي وجهاد ، والمرأة تستطيع ان تصل إلى أي مقام يصله الرجال العاديون .
إن قول الله تعالى في القرآن الكريم :
( يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحاً فملاقيه ) (8) .
هو خطاب للإنسانية وفي الإنسانية ليس هناك دور للذكورة والأنوثة ، ما هو مهم هو ان الإنسان يصل أخيراً إلى لقاء الله ، أما إلى لقاء الجمال الإلهي أو إلى لقاء الجلال الإلهي ، وفي هذا الطريق تتساوى المرأة والرجل .
المصادر :
1- الدر المنثور ، ص 109 .
2- أشار المصدر إلى وجود ثمانية إشكالات ، لكنه ذكر سبعة فقط .
3- سورة آل عمران ، الآية : 200 .
4- تفسير الميزان ، ج 4 ، ص 133 .
5- من لا يحضره الفقيه ، ج 4 ، ص 377 .
6- سورة النمل ، الآية : 44 .
7- سورة النمل ، الآية : 23 .
8- سورة الانشقاق ، الآية : 6 .
كان ذلك الوضع في الجاهلية ، وفي الإسلام تربى أدباء ليقولوا شعراً بشأن المعارف الإلهية بدل المضامين الجاهلية . وهذه الهداية كانت مؤثرة في النساء الأدبيات مثلما أثرت في الرجال .
فالمرأة التي كانت في الجاهلية تقول أدباً بطريقة تفكير جاهلي وتنشد شعراً في رثاء أعضاء أسرتها ، كانت بعد إسلامها ترسل شبابها وأبناءها إلى ميدان الحرب وذلك بإنشاد القرآن .
في هذا القسم نذكر نماذج من أولئك النساء ، سواء في الأقسام الأدبية أو في الأقسام السياسية .
الخنساء شاعرة مربية لشهداء (1) :
الخنساء من نساء العرب ويقال انها من أحفاد امرىء القيس الشاعر المشهور .
كانت تنشد شعراً رفيعاً في رثاء أخويها ( معاوية وصخر ) اللذين قتلا في إحدى الحروب ، ولكنها بعد مقتل صخر اشتد حزنها لأن صخراً كان أرأف وأرق قلباً وكان يعينها في المصاعب المالية ، لأن زوجها كان يلعب القمار ويخسر حصيلة عمله ، وكان صخر قد حفظ كرامة أخته هذه عدة مرات . كان شعرها في رثاء إخويها أفضل شعر من بين شعر النساء .
رأي الأدباء في الخنساء :
عندما كان الأدباء العرب المعروفون يسألون عن موقع الخنساء في الأدب كانوا يقولون كلاماً رفيعاً . قيل لجرير : ( من أشعر الناس ) قال : أنا لولا هذه .
كان بشار يقول : هذه المرأة نظمت شعراً بدون نقص أدبي ، وقيل لبشار ما هو رأيك بالخنساء ؟ قال : ( تلك فوق الرجل ) أي هي فوق الشعراء الرجال .
أما الأصمعي فكان يرجح ليلى الأخيلية على الخنساء ولكنه كان يذكر الخنساء بتكريم . وكان المبرد يقول : ( كانت الخنساء وليلى فائقتين في أشعارهما ) .
كان النابغة الذبياني يتولى منصب الحكم في سوق عطاظ ، وكان الشعراء الذين ينظمون شعراً جديداً يعرضونه عليه في سوق عكاظ حتى يقيمه ، عندما سمع القصيدة ( الرائية ) للخنساء في رثاء صخر قال : ( إذهبي فأنت أشعر من كانت ذات ثديين ، ولولا هذا الأعمى الذي أنشدني قبلك ـ يعني أشعر من كانت ذات ثديين ، ولولا هذا الأعمى الذي أنشدني قبلك ـ يعني الأعشي ـ لفضلتك على شعراء هذا الموسم ) . وعندما سمع حسان بن ثابت الذي كان من المشاركين في المسابقة هذا الكلام من الحكم غضب وقال : ( ليس الأمر كما ظننت ) ، فالتفت إلى الخنساء وقال لها بان تجيب حسان بن ثابت ، فالتفتت إلى حسان بن ثابت وقالت : ( ما أجود بيت في قصيدتك هذه التي عرضتها آنفاً ) ؟ قال :
لنا الجفنات الغرّ يلمعن في الضحى ***وأسيـافنـا يقطـرن من نجدة دماً
فأشكلت الخنساء ثمانية اشكالات أدبية على هذا البيت (2) الأول : أنك قلت : ( الجفنات ) والجفنات دون الجفان وأقل منها ، وكان الحق لو قلت الجفان . الثاني : انك قلت : ( الغرّ ) وهو جمع أغر وهو بياض الجبين ، ولو قلت ( البيض ) لكان مطلق البياض ولكان معناه أوسع . الإشكال الثالث : قلت ( يلمعن ) ولو استعملت ( يشرقن ) محل يلمعن لكان أفضل لأ الإشراق أقوى من اللمعان . الرابع : قلت بالضحى ولو قلت بالدّجى لكان أكثر اطراقاً ) . الخامس : قلت : أسياف والأسياف ما دون العشرة ولو قلت ( سيوفنا ) لكان أكثر وأفضل . السادس : قلت : يقطرن ولو قلت يسلن لكان أكثر . السابع : قلت : دما والدماء أكثر من الدم . بعد هذه الإشكالات . سكت حسان ولم يجب ، كان هذه قوة أدبية لدى هذه المرأة الأدبية التي كانت من أحفاد امرىء القيس .
عندما ظهر الإسلام ، ولم يؤمن به كثير من الرجال والنساء . من أثر طبع الجاهلية ، أسلمت هذه المرأة بسبب النبوغ الفكري الذي كان لديها ( فقدمت الخنساء على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأسلمت واستنشدها فأنشدته فأعجب بشعرها ) .
لقد قامت بتربية أبناء في المجتمع الإسلامي ، وكانت تجهزهم وتشجعهم وترسلهم إلى الجبهة ، وفي إحدى الحروب في صدر الإسلام التي وقعت بعد رحلة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أوصتهم بهذه الوصية :
( يا بني إنّكم أسلمتم طاثعين وهاجرتم مختارين ، والله الذي لا إله إلا هو انكم لبنو رجل واحد كما انكم بنو امرأة واحدة ما هجنت حسبكم ولا غيرت نسبكم . واعلموا ان الدار الآخرة خير من الدار الفانية ( اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون ) (3) .
ورغم ان هناك رواية وردت عن الإمام الباقر عليه السلام في آخر هذه الآية انه قال بان المقصود من هذه الآية هو اصبروا وليكن عندكم رابطة مع إمامكم ـ أو ولي عصركم (4) ـ ولكن مقصودها هو بيان مصداق ـ وهو حق ـ في هذه الآية الصبر هو غير المصابرة والمرابطة ، الإنسان يصبر في الحوادث الفريدة أما في الحوادث الجماعية كالحرب وأمثالها فلها مصابرة ولها مرابطة في الارتباط مع القيادة . مضمون هذه الآية أوصته الخنساء لابنائها وارسلتهم إلى الجبهة وقالت : ( فإذا رأيتم الحرب قد شمرت عن ساقها ، وجللت ناراً على أوراقها ، فتيمموا وطيسها ، وجالدوا رسيسها ) .
إن جملة ( الآن حمي الوطيس ) (5) هي من الكلمات التي ذكرها المرحوم ابن بابويه القمي ـ رضوان الله عليه ـ في نهاية كتاب ( من لا يحضره الفقيه ) تحت عنوان كلمات موجزة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ـ بعض هذه الكلمات الموجزة يقال انها لم يكن لها سابقة بين الأدباء .
خصائص كلمات وأحاديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم :
ان الكلمات التي صدرت عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليست خطابية بل كلها قواعد مثل الدساتير ، لذا فان حفظ كلمات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليس كحفظ خطب نهج البلاغة الذي يكون منضوداً ومتصلاً . رسول الله يطرح كلمة فكلمة وجملة فجملة بوصفها قواعد دستور .
من الكلمات التي يقال انها لم تكن لها سابقة بين الأدباء هي جملة ( الآن حمي الوطيس ) ، أي بما ان التنور حار الآن ، فالوقت هو وقت الخبز . عندما تكون تجارة الشهادة نشطة يجب السعي وملأ الجبهات . وهذه المرأة قالت لأبنائها بأنهم إذا رأوا تجارة الشهادة نشطت وحمي ميدان الحرب فليغتنموا الفرصة وليتواجدوا ( فتيمموا وطيسها ) تدعو أبنائها للتواجد في الجبهة حتى يغتنموا الشهادة ـ أما ينتصروا والنصر غنيمة أو يستشهدوا والشهادة غنيمة ، هناك من يفكر يغنيمة مادية ولكن هذا المرأة تدعو أبناءها إلى الشهادة والكرامة ( تظفروا بالغنم والكرامة في دار الخلد والمقامة ) ، لأنه :
( الحمد لله الذي أحلنا دار المقامة ) .
( فلما أضاء لهم الصبح ، باكروا إلى مراكزهم ، فتقدموا واحد بعد واحد ينشدون أراجيز يذكرون فيها وصية أمهم لهم حتى قتلوا عن آخرهم ) وأخبرت هذه الأم بان أولادهم قتلوا ( فقالت : الحمد الله الذي شرفني بقتلهم وأرجو من ربي أن يجمعني بهم في مستقر الرحمة ) .
هذا الذوق الأدبي يستطيع ان ينشد شعراً يعجب النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وهذا الذوق يستطيع ان يؤلف خطابة من آيات القرآن ويحث ابناؤه على الجبهة وهذا الذوق الأدبي يقول بعد تلقي خبر استشهاد أبنائه ( الحمد لله الذي شرفني بقتلهم ) .
كيف يمكن ان يقول الإنسان أو يصدق ان المرأة جبانة ـ كم لدينا هكذا من الرجال في صدر الإسلام ؟ إذا كان هناك أشخاص مثل أبي ذر ذكرت شهامتهم مرات ، فان هناك مثل هذه النساء لو ذكرت قضاياهن لعرف الجميع مقام المرأة وعند ذلك لا يعدونها ضعيفة وجبانة .
هناك نماذج كثيرة من النساء وردت في التاريخ في الأقسام السياسية والدينية والأدبية أشير إلى عدد منهن . وهناك عدد آخر في كتب الرجال ـ خاصة بالنساء مثل الدر المنثور ورياحين الشريعة و .. أو التي تشمل المرأة والرجل ـ يمكن مراجعتها .
عندما تبحثون في أي قسم من الأقسام العسكرية والسياسية والعرفان والحديث ترون أن هناك نساء نموذجيات كثيرات ، ولكن عندما يكون اسم محجوباً لا تذيع أخبارها في المجتمع . يجب أن تكون هي في حجاب ، واسمها في كتاب حتى تظهر عظمتها . فالله تعالى يعرف المرأة بالحجاب ويذكر اسمها في الكتاب .
ذكر تعالى قوله ملكة سبأ :
( وأسلمت مع سليمان لله ربّ العالمين ) (6) .
فذكرها بعظمة ، وفي النتيجة يعرفها بانها عاقلة ، الذكاء ليس في ان يشمخ الإنسان أمام الحق ـ لأنه ينكسر رأسه ـ بل الذكاء في ان يخضع الإنسان في محضر الله .
ان ملكة سبأ مع انها كانت تتمتع بقوة كبيرة :
( وأوتيت من كل شيء ولها عرش عظيم ) (7) .
إن الشخص لذي لديه هذه القوة ، ويتمتع بإمكانات وقوى سياسية وعسكرية ، يأتي ويسلم ، ان هذا هو دليل على العقل ، ان الذين يضعون التهور موضع الشجاعة هم أشخاص يفتقدون القدرة على تشخيص الصراط المستقيم .
يمكن الاستفادة من هذه الشواهد القرآنية والعقلية والقلبية أن الذكورة والأنوثة ليس لها دخل في ذلك القسم الاساسي وهو موضع التكامل ، ولو قال شخص : إن المرأة لم تصل إلى مقام النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فيجب القول : أن كثيراً من الأنبياء أيضاً لم يصلوا إلى ذلك المقالم ، ثم إن الرجال هل يستطيعون أن يصبحوا مثل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؟ أي فخر هذا ؟ .
ان كل شخص يكون أقرب إلى رسول الله من حيث السير الكمالي ، فذلك فخر ، ولكن فخره هو في التواضع ، فخره هو في الشعور بالمذلة .
الكلام في بحث حقوق المرأة وتكامل المرأة ومساواة المرأة للرجل في المسائل الأخلاقية والتربوية وغيرها من أجل أن تكون أرضية نضج . فإذا كان لدى الرجال سعي ، فالنساء أيضاً أهل سعي وجهاد ، والمرأة تستطيع ان تصل إلى أي مقام يصله الرجال العاديون .
إن قول الله تعالى في القرآن الكريم :
( يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحاً فملاقيه ) (8) .
هو خطاب للإنسانية وفي الإنسانية ليس هناك دور للذكورة والأنوثة ، ما هو مهم هو ان الإنسان يصل أخيراً إلى لقاء الله ، أما إلى لقاء الجمال الإلهي أو إلى لقاء الجلال الإلهي ، وفي هذا الطريق تتساوى المرأة والرجل .
المصادر :
1- الدر المنثور ، ص 109 .
2- أشار المصدر إلى وجود ثمانية إشكالات ، لكنه ذكر سبعة فقط .
3- سورة آل عمران ، الآية : 200 .
4- تفسير الميزان ، ج 4 ، ص 133 .
5- من لا يحضره الفقيه ، ج 4 ، ص 377 .
6- سورة النمل ، الآية : 44 .
7- سورة النمل ، الآية : 23 .
8- سورة الانشقاق ، الآية : 6 .