في مقالٍ كُتب قبل أكثر من ٢٠٠ عام، تُرجم عنوانه إلى «التطور المستقبلي للعقل»، تنبأ كوندورسيه بالثورة الزراعية، وتحقيق قفزاتٍ عملاقةٍ في إنتاجية العمال، وخفض أيام أسبوع العمل، وظهور المجتمع الاستهلاكي، وارتفاعٍ كبيرٍ في متوسط العمر، والإنجازات الطبية المبهرة، وظهور علاجاتٍ للأمراض الشائعة، وانفجارٍ سكانيٍّ عالمي.
اختتم كوندورسيه مقاله بعبارةٍ تصف بشكلٍ دقيقٍ القوتين الكُبريين في القرن العشرين: القوة التدميرية للحرب والجرائم ضد الإنسانية، والقوة المبدعة لرأسمالية السوق الحرة العالمية. وكتب بفصاحةٍ عن «الأخطاء، والجرائم، والاضطهادات التي لا تزال تُلوِّث الأرض»، بينما احتفى في الوقت ذاته بكوننا «أحرارًا من أصفادها ومعتَقين من إمبراطورية المصير ومن إمبراطورية أعداء تقدُّمِها، متقدمين بخطًى ثابتةٍ وواثقةٍ على طريق الحقيقة، والفضيلة، والسعادة!»(1)
ومع دخولنا الألفية الجديدة، ركَّز العامة على تاريخ القرن العشرين. ويعكس مقال كوندورسيه سمتين من سمات هذه الفترة غير المعقولة؛ الأولى: هي البؤس والاضطهادات الوحشية على مدار الأعوام المائة المنصرمة، والثانية: هي التطورات الاقتصادية والتكنولوجية المذهلة التي طرأت خلال نفس الفترة.
جرائم القرن العشرين
يبرهن كتاب بول جونسون، «العصور الحديثة»، الذي يُعَدُّ أفضل تأريخٍ للقرن العشرين إلى حدٍّ بعيد، بقوةٍ على أن هذا القرن كان القرن الأكثر دمويةً في تاريخ العالم.(2) وفيما يلي ملخص للمذبحة:
جدول 1: مدنيون قُتلوا بيد الحكومات.
يستخدم الاقتصاديون إحصائيةً لقياس الناتج القومي الذي يمكن أن يخرج تحت ظروف التوظيف الكامل، وهذه الإحصائية تُسمَّى «إجمالي الناتج المحلي المحتمل». تخيَّل «إجمالي الناتج المحلي المحتمل» لو أن الشيوعيين والنازيين، وغيرهم من الطغاة، لم يستخدموا السلطة الحكومية لارتكاب تلك الجرائم المقيتة في حق الإنسانية! كتب كاتب فرنسي عظيم آخر، وهو فريدريك باستيا (١٨٠١–١٨٥٠)، مقالًا في عام ١٨٥٠ بعنوان «ما يُرى وما لا يُرى».(3)
نحن لا نرى الفن، والأدب، والاختراعات، والموسيقى، والكتب، والعمل الخيري، والأعمال الجيدة للملايين الذين فقدوا حياتهم في المعتقلات السوفييتية، ومعسكرات الاعتقال النازية، وحقول بول بوت للقتل.
معجزة القرن العشرين الاقتصادية
غير أن القرن العشرين كان من أفضل العصور أيضًا لمن نجَوْا من الحروب والقمع؛ فقد أُعتق ملايين الأمريكيين، والأوروبيين، والآسيويين من كد ومشقة العمل طوال اليوم من خلال التطورات التكنولوجية الإعجازية في مجال الاتصالات، والزراعة، والنقل، والطاقة، والطب. ولعلَّ أفضل الكتب التي تصف هذه المعجزة الاقتصادية هو كتاب ستانلي ليبرجوت «البحث عن السعادة: المستهلكون الأمريكيون في القرن العشرين» (مطبعة جامعة برينستون، ١٩٩٣).
فمن خلال التركيز على الاتجاهات في الغذاء، والتبغ والكحول، والملبس، والإسكان، والوقود، والأعمال المنزلية، والصحة، والنقل، والاستجمام، والدين، يوضح بقوةٍ كيف أن «المستهلكين قد سعَوْا لتحويل عالَم متشككٍ وقاسٍ في الغالب إلى مكانٍ أجمل وأكثر راحة.»(4)
ونتيجةً لذلك، رفع الأمريكيون مستواهم المعيشي عشرة أضعافٍ على الأقل خلال الأعوام المائة المنصرمة.
ما الهدف الذي ينبغي أن يضعه الاقتصادي نصب عينيه في الألفية الجديدة؟ بالتأكيد ألا يكرر أخطاء الماضي؛ فنحن نحتاج، في أروقة الكونجرس، والبيت الأبيض، والجامعات، إلى نبذ وحشية الماركسية، ونفوذ الحكومة الضخمة الكينزية، وعهر العملة القوية الذي تمارسه البنوك المركزية التدخلية. والأهم من ذلك، يحتاج الاقتصاديون القابعون في البرج العاجي إلى مزيدٍ من التركيز على الاقتصاد التطبيقي (مثل كتاب ليبرجوت) بدلًا من النمذجة الرياضية المتكلفة. وعبر صفحات هذا الكتاب، سلَّطتُ الضوءَ على التطوُّرات الفائقة والمذهلة أحيانًا التي أدخلها الاقتصاديون التطبيقيون على الماليات الشخصية، والأعمال، والقانون، والدين.
أما فيما يتعلق بمسألة إيجاد برنامجٍ إيجابي، فيمكن العثور على الاتجاه الصحيح في مقالٍ عن «علم الاقتصاد القادم» كتبه خبير الإدارة الكبير النمساوي الأصل بيتر إف دراكر، قبل نحو عشرين عامًا: «رأس المال هو المستقبل … وعلم الاقتصاد القادم سوف يتعين عليه أن يصبح اقتصادًا جزئيًّا مرةً أخرى وأن يتركز على العرض.» وطالب دراكر بنظريةٍ اقتصاديةٍ تستهدف «تحسين الإنتاجية»، الذي من شأنه أن يفيد جميع العاملين والمستهلكين.(5)
والمثير في الأمر أن دراكر اقتبس، بشكلٍ لاقى استحسانًا، من عمل الحائز جائزةَ نوبل، روبرت ماندل، المعروف بتأييده لاقتصاد جانب العرض، وعملةٍ عالميةٍ مدعمةٍ بغطاء ذهب.
احذر العدو
إن قوى السوق قادمة؛ فقد أدَّى انهيار الشيوعية السوفييتية، حسب تعبير ميلتون فريدمان، إلى تحويل «الاشتراكية الزاحفة» إلى «اشتراكية متهاوية». ولكن دعنا لا نسقط في فخ الخداع والتضليل! إن السياسات السيئة، والتفكير الاشتراكي، والحقد الطبقي تموت ببطء، وإن لم نتيقظ، فسوف تعود الحرية الطبيعية والرخاء الشامل إلى جبهة الدفاع مرةً أخرى. نحن بحاجةٍ إلى تخفيف اللوائح والضوابط، والخصخصة، وخفض الضرائب، وفتح الحدود، والسيطرة على التضخم، وموازنة الميزانيات، وجعْل الحكومة تمارس سلطتها الدستورية المناسبة. نحن بحاجةٍ إلى تدريس التحرير الاقتصادي، والكتابة والدفاع عنه كما لم نفعل من قبل. ليكن هدفنا للحقبة القادمة هو: الحرية في زماننا لكل الشعوب!
المصادر :
1- Marquis de Condorcet, “The Future Progress of the Human Mind,” The Portable Enlightenment Reader, ed. Isaac Kramnick (Penguin Books, 1995), 38. Several of Condorcet’s writings can be found in this excellent anthology.
2- Paul Johnson, Modern Times: The World from the Twenties to the Nineties, rev. ed. (New York: Harper, 1992). The best survey of the horrors of communism is The Black Book of Communism: Crimes, Terror, Repression (Cambridge, Mass.: Harvard University Press, 1999), written by six French scholars, some of whom are former communists.
3- Frederic Bastiat, Selected Essays on Political Economy (Irvington-on-Hudson, N.Y.: Foundation for Economic Education, 1995 [1964]).
4- Stanley Liebergott, Pursuing Happiness: American Consumers in the Twentieth Century (Princeton University Press, 1993), flyleaf.
5- Peter F. Drucker, Toward the Next Economics, and Other Essays (New York: Harper & Row, 1981), 1–21
اختتم كوندورسيه مقاله بعبارةٍ تصف بشكلٍ دقيقٍ القوتين الكُبريين في القرن العشرين: القوة التدميرية للحرب والجرائم ضد الإنسانية، والقوة المبدعة لرأسمالية السوق الحرة العالمية. وكتب بفصاحةٍ عن «الأخطاء، والجرائم، والاضطهادات التي لا تزال تُلوِّث الأرض»، بينما احتفى في الوقت ذاته بكوننا «أحرارًا من أصفادها ومعتَقين من إمبراطورية المصير ومن إمبراطورية أعداء تقدُّمِها، متقدمين بخطًى ثابتةٍ وواثقةٍ على طريق الحقيقة، والفضيلة، والسعادة!»(1)
ومع دخولنا الألفية الجديدة، ركَّز العامة على تاريخ القرن العشرين. ويعكس مقال كوندورسيه سمتين من سمات هذه الفترة غير المعقولة؛ الأولى: هي البؤس والاضطهادات الوحشية على مدار الأعوام المائة المنصرمة، والثانية: هي التطورات الاقتصادية والتكنولوجية المذهلة التي طرأت خلال نفس الفترة.
جرائم القرن العشرين
يبرهن كتاب بول جونسون، «العصور الحديثة»، الذي يُعَدُّ أفضل تأريخٍ للقرن العشرين إلى حدٍّ بعيد، بقوةٍ على أن هذا القرن كان القرن الأكثر دمويةً في تاريخ العالم.(2) وفيما يلي ملخص للمذبحة:
جدول 1: مدنيون قُتلوا بيد الحكومات.
نحن لا نرى الفن، والأدب، والاختراعات، والموسيقى، والكتب، والعمل الخيري، والأعمال الجيدة للملايين الذين فقدوا حياتهم في المعتقلات السوفييتية، ومعسكرات الاعتقال النازية، وحقول بول بوت للقتل.
معجزة القرن العشرين الاقتصادية
غير أن القرن العشرين كان من أفضل العصور أيضًا لمن نجَوْا من الحروب والقمع؛ فقد أُعتق ملايين الأمريكيين، والأوروبيين، والآسيويين من كد ومشقة العمل طوال اليوم من خلال التطورات التكنولوجية الإعجازية في مجال الاتصالات، والزراعة، والنقل، والطاقة، والطب. ولعلَّ أفضل الكتب التي تصف هذه المعجزة الاقتصادية هو كتاب ستانلي ليبرجوت «البحث عن السعادة: المستهلكون الأمريكيون في القرن العشرين» (مطبعة جامعة برينستون، ١٩٩٣).
فمن خلال التركيز على الاتجاهات في الغذاء، والتبغ والكحول، والملبس، والإسكان، والوقود، والأعمال المنزلية، والصحة، والنقل، والاستجمام، والدين، يوضح بقوةٍ كيف أن «المستهلكين قد سعَوْا لتحويل عالَم متشككٍ وقاسٍ في الغالب إلى مكانٍ أجمل وأكثر راحة.»(4)
ونتيجةً لذلك، رفع الأمريكيون مستواهم المعيشي عشرة أضعافٍ على الأقل خلال الأعوام المائة المنصرمة.
ما الهدف الذي ينبغي أن يضعه الاقتصادي نصب عينيه في الألفية الجديدة؟ بالتأكيد ألا يكرر أخطاء الماضي؛ فنحن نحتاج، في أروقة الكونجرس، والبيت الأبيض، والجامعات، إلى نبذ وحشية الماركسية، ونفوذ الحكومة الضخمة الكينزية، وعهر العملة القوية الذي تمارسه البنوك المركزية التدخلية. والأهم من ذلك، يحتاج الاقتصاديون القابعون في البرج العاجي إلى مزيدٍ من التركيز على الاقتصاد التطبيقي (مثل كتاب ليبرجوت) بدلًا من النمذجة الرياضية المتكلفة. وعبر صفحات هذا الكتاب، سلَّطتُ الضوءَ على التطوُّرات الفائقة والمذهلة أحيانًا التي أدخلها الاقتصاديون التطبيقيون على الماليات الشخصية، والأعمال، والقانون، والدين.
أما فيما يتعلق بمسألة إيجاد برنامجٍ إيجابي، فيمكن العثور على الاتجاه الصحيح في مقالٍ عن «علم الاقتصاد القادم» كتبه خبير الإدارة الكبير النمساوي الأصل بيتر إف دراكر، قبل نحو عشرين عامًا: «رأس المال هو المستقبل … وعلم الاقتصاد القادم سوف يتعين عليه أن يصبح اقتصادًا جزئيًّا مرةً أخرى وأن يتركز على العرض.» وطالب دراكر بنظريةٍ اقتصاديةٍ تستهدف «تحسين الإنتاجية»، الذي من شأنه أن يفيد جميع العاملين والمستهلكين.(5)
والمثير في الأمر أن دراكر اقتبس، بشكلٍ لاقى استحسانًا، من عمل الحائز جائزةَ نوبل، روبرت ماندل، المعروف بتأييده لاقتصاد جانب العرض، وعملةٍ عالميةٍ مدعمةٍ بغطاء ذهب.
احذر العدو
إن قوى السوق قادمة؛ فقد أدَّى انهيار الشيوعية السوفييتية، حسب تعبير ميلتون فريدمان، إلى تحويل «الاشتراكية الزاحفة» إلى «اشتراكية متهاوية». ولكن دعنا لا نسقط في فخ الخداع والتضليل! إن السياسات السيئة، والتفكير الاشتراكي، والحقد الطبقي تموت ببطء، وإن لم نتيقظ، فسوف تعود الحرية الطبيعية والرخاء الشامل إلى جبهة الدفاع مرةً أخرى. نحن بحاجةٍ إلى تخفيف اللوائح والضوابط، والخصخصة، وخفض الضرائب، وفتح الحدود، والسيطرة على التضخم، وموازنة الميزانيات، وجعْل الحكومة تمارس سلطتها الدستورية المناسبة. نحن بحاجةٍ إلى تدريس التحرير الاقتصادي، والكتابة والدفاع عنه كما لم نفعل من قبل. ليكن هدفنا للحقبة القادمة هو: الحرية في زماننا لكل الشعوب!
المصادر :
1- Marquis de Condorcet, “The Future Progress of the Human Mind,” The Portable Enlightenment Reader, ed. Isaac Kramnick (Penguin Books, 1995), 38. Several of Condorcet’s writings can be found in this excellent anthology.
2- Paul Johnson, Modern Times: The World from the Twenties to the Nineties, rev. ed. (New York: Harper, 1992). The best survey of the horrors of communism is The Black Book of Communism: Crimes, Terror, Repression (Cambridge, Mass.: Harvard University Press, 1999), written by six French scholars, some of whom are former communists.
3- Frederic Bastiat, Selected Essays on Political Economy (Irvington-on-Hudson, N.Y.: Foundation for Economic Education, 1995 [1964]).
4- Stanley Liebergott, Pursuing Happiness: American Consumers in the Twentieth Century (Princeton University Press, 1993), flyleaf.
5- Peter F. Drucker, Toward the Next Economics, and Other Essays (New York: Harper & Row, 1981), 1–21