الدعوة إلى الولاية

الوجود المقدّس لأمير المؤمنين عليه السلام، مولى المتّقين ، كان قدوة وشخصيّة ممتازة في قسمَي الولاية, الولاية على نفسه وإخضاعها وهذا هو الجزء الأساس، وفي القدوة التي قدّمها فيما يتعلّق بالحكومة الإسلاميّة والولاية الإلهية.
Sunday, February 18, 2018
الوقت المقدر للدراسة:
مؤلف: علی اکبر مظاهری
موارد بیشتر برای شما
الدعوة إلى الولاية
الدعوة إلى الولاية

الوجود المقدّس لأمير المؤمنين عليه السلام، مولى المتّقين ، كان قدوة وشخصيّة ممتازة في قسمَي الولاية, الولاية على نفسه وإخضاعها وهذا هو الجزء الأساس، وفي القدوة التي قدّمها فيما يتعلّق بالحكومة الإسلاميّة والولاية الإلهية. و إنّ النموذج الأتمّ والأسوة (الساطعة) في التاريخ لكلّ من أراد معرفة الولاية الإلهيّة، يكمن هنا. إنّ الذي يجب أن يُطرح كدرسٍ لنا اليوم... هو أن نبذل جهودًا حقيقيّة وأن نجاهدَ في هذين القسمَين من الولاية اللّذين لمع فيهما مولانا ومحبوبنا عليّ بن أبي طالب عليه السلام حيث يمكن أن تكون كلّ كلمة من كلامه وكلّ حركة من حركاته درسًا لكلّ إنسان... وفي باب الولاية ساحتان أساسيّتان:
الأولى: ساحة النفس الإنسانيّة، حيث يمكن للإنسان أن يجعل للإرادة الإلهيّة ولاية على نفسه فيُدخل نفسه في ولاية الله، هذه هي الخطوة الأولى والأساسيّة وما لم يتحقّق ذلك لن تتحقّق الخطوة الثانية.
الثانية: هي إدخال بيئة الحياة في ولاية الله أي أن يتحرّك المجتمع بالولاية الإلهيّة بحيث لا يمكن لأيّ ولاية -من ولاية المال، وولاية القوم والقبيلة، وولاية القوّة، وولاية السنن والآداب والعادات الخاطئة - أن تشكّل مانعًا عن ولاية الله أو أن تقدّم نفسها في مقابل ولاية الله .
لقد أدّى نبيّ الإسلام الأكرم إحدى أهمّ الواجبات اتّباعًا لأمر الله وعملًا بآيات القرآن الصريحة, ﴿وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ﴾ , إنّ مسألة تنصيب أمير المؤمنين عليه السلام بالولاية والخلافة هي على درجة كبيرة من الأهمية بحيث إنّك إن لم تفعل ذلك، فلم تبلّغ رسالته! فإمّا أن يكون المقصود هنا أنّك لم تبلّغ الرسالة في هذه القضية على وجه الخصوص, لأنّ الله تعالى قد أمر ﴿بَلِّغْ﴾ وإمّا أن تكون المسألة أكبر من ذلك. وهي إيجاد خدشٍ في أصل رسالة الرسول من خلال عدم القيام بهذا العمل حيث تصبح القواعد متزلزلة - هذا الاحتمال موجود - وكأنّه لم يبلّغ أصل الرسالة. والمحتمَل أن يكون هذا هو المعنى، وفي هذا الحال تكون القضيّة شديدة الأهميّة. هذا يعني أن يصبح موضوع تأسيس الحكومة، وأمر الولاية وإدارة البلد جزءًا من النصوص الأساسيّة للدين وأنّ الرسول امتثل - مع كلّ عظمته - واهتمّ بإبلاغ الرسالة أمام أعين الناس، بأسلوبٍ وشكلٍ وكأنّه لم يُبلّغ أيّ أمرٍ واجب بهذا النحو, لا الصلاة، ولا الزكاة، ولا الصيام، ولا الحج .

اتّباع القانون الإلهي

كان صلى الله عليه وآله وسلم شديد المحافظة والرعاية للقانون ولم يسمح لأحد بأن ينقض القانون - سواء كان من جانبه أو من جانب الآخرين - فكان محكومًا للقوانين. والآيات القرآنية تنطق بهذه المسألة. كان يعمل بشكل دقيق بالقوانين التي يجب على الناس العمل بها ولم يسمح بالتخلّف على الإطلاق. عندما جلبوا الرجال في حرب بني قريظة، فقتلوا الخائنين وأسروا الباقين وأحضروا أموال وثروات بني قريظة تحدّثت بعض نساء النبيّ إليه - ومن جملتهن أمّ المؤمنين زينب بنت جحش، أمّ المؤمنين عائشة، أمّ المؤمنين حفصة - وقلن: أعطنا مقدارًا من هذا الذهب وهذه الثروة التي جُمعت من اليهود لكنّ الرسول لم يلبِ طلبهنّ على رغم محبّته لهنّ وتصرّفه الحَسَنِ معهنّ. ولو أراد النبيّ أن يعطي نساءه من تلك الثروات، لما اعترض المسلمون بيد أنّه لم يكن مستعدًّا لذلك. أصرّت نساءه على ذلك، فابتعد الرسول عنهنّ مدّة شهر. بعد ذلك نزلت الآيات الشريفة في سورة الأحزاب: ﴿يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء﴾ ، ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا * وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ . أوضح الرسول لهن: أنّكنّ إذا أردتنّ الحياة معي، فالحياة، حياة زهد، لا مجال فيها لتجاوز القانون .

معرفة العدوّ

من جملة النّقاط المهمّة في حياة الرسول، أنّه كان لا يساوي بين الأعداء. بعض الأعداء، كان عداؤهم عميقًا, وإذا وجد الرسول أنّهم لا يشكّلون خطرًا أساسيًّا، كان يتركهم ويتساهل معهم. والبعض الآخر من الأعداء كانوا يشكّلون خطرًا، فكان يراقبهم أمثال عبد الله بن أبي. فقد تآمر عبد الله بن أبي -وهو منافقٌ من الطراز الأوّل- على الرسول, غير أنّ الرسول كان يراقبه فقط، ولم يتدخّل في أعماله وقد بقي حيًّا حتّى نهاية عمر الرسول. توفّي عبد الله بن أبي قبل وقت قصير من وفاة الرسول، إلّا أنّه تحمّله حتّى النهاية. كانت تلك مجموعة من الأعداء الذين كانوا لا يشكّلون تهديدًا حقيقيًّا للحكومة والنظام الإسلاميّين وللمجتمع الإسلاميّ, وأمّا الأعداء الذين كانوا يشكّلون خطرًا، فكان الرسول شديدًا عليهم. فقد أمر هذا الإنسان العطوف الرحيم المتسامح، بقتل الخائنين من بني قريظة - عدّة مئات من الأشخاص - في يومٍ واحد وأخرج بني النضير وبني قينقاع وفتح خيبر, لأنّهم كانوا أعداءً خطرين. تعامل معهم الرسول عندما دخل المدينة - بادئ الأمر- برفقٍ وعطف, إلّا أنّهم قابلوه بالخيانة وطعنوه من الخلف وتآمروا عليه وهدّدوه. تحمّل النبيّ عبد الله بن أبي, وتحمّل يهود المدينة, وتحمّل القرشي الذي آوى إليه أو الذي لا يشكّل خطرًا. وعندما فتح مكة، كان عطوفًا مع بعض الكبار ومن جملتهم أبي سفيان حيث زال خطرهم في حين أنّه قمع بشدّة هذا العدو الغدّار الخطير الذي لا يمكن الوثوق به .
أمرنا الإسلام بالمحبّة، والمداراة، واللطف، والتغاضي، والعفو عن العدو، - وليس فقط الصديق - فصديقنا هو منّا, فإذا أحببنا الأصدقاء فنحن لا نؤدّي عملًا مهمًّا بل إنّ القيمة في الرؤية الإسلاميّة والأخلاقيّة تبرز عند محبّة العدو, ونحن نرغب في إحياء هذه القيمة . إنّ معرفة العدوّ، هي خلاصة كافّة تلك المعارف ومتمّمها ومكمّلها. وبدونها يكون قلب وذهن المسلم مخزنًا غير محصّن، وغير مصان أمام اعتداء الخائنين والمغيرين. وفي أعمال الحج نفسها يُعدّ رمي الجمرات رمزًا لمعرفة العدوّ ومحاربته, وقد تلا رسول الإسلام الأكرم آذان البراءة في الحجّ وردّدت حنجرة أمير المؤمنين آيات البراءة ، في تلك المراسم. وإذا تخلّص الإسلام والأمّة الإسلاميّة في يومٍ من الأيّام من وجود العدو الجرّار وأصبح هذا الشيء ممكنًا، فحينها سينتفي مسوّغ البراءة حينئذٍ من (المشركين)، ولكن مع وجود الأعداء وعدائهم الحالي، فإنّ الغفلة واللامبالاة بالبراءة هي من جملة الأخطاء الكبيرة .

العمل السياسي الدقيق في مواجهة العدوّ

كان قاطعًا وصريحًا. لم يتحدّث الرسول بكلامٍ يحمل وجهين. طبعًا عندما كان يواجه عدوًا، يؤدّي العمل السياسي بشكل دقيق فيُوقع العدوّ في الخطأ. وفي العديد من الموارد، غافَلَ الرسول العدو - سواء من الناحية العسكريّة، أو من الناحية السياسيّة - غير أنّه كان مع المؤمنين ومع شعبه، صريحًا وشفافًا ويتحدّث بشكلٍ واضح ولم يتصرّف بنحوٍ سياسي، بل كان ليّنًا في الأماكن الضروريّة, مثال ذلك قضيّة عبد الله بن أبي الذي له قصّة مفصّلة .
تحرّك الرسول نحو مكّة قاصدًا العمرة. شاهدوا أنّه يتحرّك نحو مكّة في الشهر الحرام - وهو ليس شهر حرب حيث كانوا يحترمون الشهر الحرام - فماذا يفعلون؟ هل يفتحون الطريق ويسمحون له بالمجيء؟ ماذا سيفعلون إزاء هذا النجاح الذي أصابه، وكيف يمكنهم مواجهته؟ هل يتحرّكون في الشهر الحرام لحربه؟ كيف سيحاربون؟ في النهاية قرّروا وقالوا نذهب ولا ندعه يأتي إلى مكّة وإذا وجدنا مبرّرًا (أو سنحت الفرصة)، فسنقتل المسلمين بأجمعهم. تصرّف الرسول بدرجة عالية من الحنكة والتدبير للجلوس لتوقيع معاهدة معه على الرجوع, على أن يأتي في العام القادم لأداء العمرة, وبالتالي فتح كافّة الأجواء في المنطقة لتبليغ الرسالة. كان اسم ذلك صلحًا, لكنّ الله تعالى يقول في القرآن: ﴿إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا﴾ . إنّ الذين يراجعون المصادر التاريخيّة الصحيحة والدقيقة، سيشاهدون كم كانت قصّة الحديبيّة عجيبة. في العام التالي ذهب الرسول لأداء العمرة وكانت شوكة ذاك العظيم تزداد يومًا بعد يوم. بعد عام من ذلك - أي في السنة الثامنة - وعندما نقض الكفار العهد، ذهب الرسول وفتح مكة، حيث كان فتحًا عظيمًا ينبئ عن اقتدار الرسول وتمكّنه وقوّته. بناءً على ذلك، اتّسم تعامل الرسول مع العدوّ بالتدبير والحنكة والاقتدار مع ما امتاز به من صبرٍ وتحمّل من دون أن يتطرّق إليه الاضطراب أو التراجع حتّى خطوة واحدة فكان يتحرّك نحو الأمام يومًا بعد يوم ولحظة بعد لحظة .

إيجاد أجواء الوفاء ومعرفة الحقّ

قرأت في حديث أنّ وفدًا جاء إلى الرسول الأكرم في المدينة، موفَدًا من النجاشيّ - ملك الحبشة - لإيصال رسالة! وهو ما كان متدَاولًا بين الدول. كان النجاشيّ ملكًا على الحبشة، وكان كالكثير من السلاطين والأمراء في ذاك الزمان، مسيحيًّا غير مسلم, وعندما قدّم الوفد من الحبشة، نهض الرسول من مكانه لاستقبالهم. تكلّم الأصحاب وقالوا: "يا رسول الله دعنا نحن نقوم بأمر استقبالهم وشأن ضيافتهم". فأجابهم الرسول قائلًا إنّه يريد التعويض عن الاحترام والتكريم الذي لاقاه المسلمون عندما هاجروا إلى الحبشة. وهذه إشارة إلى معرفة الحقّ.
... لذلك تشاهدون أنّ الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم, لم يوجّه جيشًا إلى الحبشة ولم يذهب إليها، على الرغم من دخوله حروبًا عديدة في حياته مع كفار قريش وخوضه عدّة حروب مع إمبراطورية الروم الشرقيّة -حيث كانت منطقة الشام وفلسطين خاضعة لها آنذاك - وتحرّكه ليشارك في معارك اليرموك ومؤتة وتبوك، ويخوض الجهاد والفتوحات في تلك النقاط!
... ليس صحيحًا أنّ الرسول كان يحارب كلّ ملك لا يقبل الإيمان الإسلامي, لا، فقد أبقى الرسول على معرفة العهد والحقّ (عرفان الجميل) وشكر النجاشي على محبّته، واستمرّ هذا الأمر في مرحلة الحكومة الإسلاميّة والعهد الذي كان الرسول فيه على رأس النظام الإسلامي.
في عهد الحكومة الإسلاميّة، جاءت امرأة إلى المدينة لرؤية الرسول. شاهد الأصحاب أنّ الرسول، قد أظهر الكثير من المحبّة لها، سأل عن أحوالها وأحوال عائلتها وتعاطى معها بمنتهى الاحترام واللطف. وبعد أن رحلت، توجّه الرسول إلى الأصحاب، محاولًا رفع تعجّبهم، موضّحًا أنّ هذه المرأة كانت تأتي إلى منزله في زمان خديجة (مرحلة الضغط والحصار والشدّة في مكة). لا بدّ أنّ ذلك كان في وقت حاصر فيه الجميع أصحاب الرسول، وكانوا لا يزورون السيّدة خديجة - زوجة الرسول الأكرم - فكانت هذه المرأة تتردّد إليها. لم تذكر الرواية أنّ هذه المرأة قد أصبحت مسلمة, لا. من المحتمَل أنّها لم تكن مسلمة، إلّا أنّ الرسول راعى هذا الحقّ لمجرّد وجود هذه الخصوصيّة، فأظهر المحبّة واللطف بعد سنواتٍ طويلة على ذلك .

الترويج للتعلّم

الآن، هنا - مكّة والمدينة - مركز الوحي ومحلّ نزول البركات الإلهيّة على جماعة مؤمنة ومقاومة تمكّنت ببركة الإيمان والعمل بالآيات الإلهيّة، من النهوض من بين غبار الذلّ الذي رقد عليها, لتأخذ بعين الاعتبار الحريّة اللائقة للإنسان، وترفّع لواء الحريّة للبشريّة ونجاة الإنسان من سلطة إمبراطوريّات القوّة والظلم في ذاك الزمان، ولتؤسّس من خلال النور المعرفي الذي ينبع من القرآن، مركزًا عظيمًا للمعرفة البشريّة ولتتربّع لقرونٍ على منبر العلم والمعرفة البشريّة, ولتكون سخيّةً في تعليم البشريّة، فتقدّم أفضل الآثار العلميّة طيلة قرون متمادية وترسم (تحدّد) مصير عالم البشريّة بعلمها وسياستها وثقافتها, كلّ ذلك من بركات تعاليم الإسلام والحكومة الإسلاميّة الخالصة في عهد الرسول وفترة من صدر الإسلام حيث بقي المسلمون يتذوّقون ثمار ذلك على رغم تسلّط ونموّ الشجرة الخبيثة لحكومات السلطنة والارتداد عن المرحلة التوحيديّة .

تهيئة الأجواء للعمل والسعي في المجتمع

يجب تذكّر الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم والحديث عنه في الأيّام المخصّصة لاستذكار التعليم والتربية والإنتاج والعمل, لأنّ ذاك العظيم هو معلّم البشر ورافع لواء التعليم والتربية واحترام العمل والسعي .
الاهتمام بالماديّات للوصول إلى المعنويّات
ليس الهدف العالي للإنسان أن يملأ بطنه بأيّ شكل كان, فهذا أدنى ما يمكن لأيّ حيوانٍ أن يختاره كهدف. يتمثّل الهدف العالي للإنسان في الوصول إلى الحقّ والوصول إلى قرب الباري تعالى والتخلّق بالأخلاق الإلهيّة. ويلزم الإنسان لتحقيق هكذا أهداف، مجموعة من الأدوات الماديّة والمعنويّة فهو يحتاج إلى الطعام ليتمكّن من التحرّك نحو الهدف. الحياة المريحة لازمة وضروريّة للبشر والإسلام يقود الناس من خلال قوانينه وضوابطه نحو الرفاه والحياة المريحة إلّا أنّ هذه الحياة المريحة ليست هدفًا بحدّ ذاتها .

نشر أجواء الأخوّة والتعاون

من جملة الأعمال التي قام بها الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في الأشهر الأولى لدخوله المدينة هو إبرام عقد الأخوة بين المسلمين, أي المؤاخاة بين المسلمين. عندما نقول نحن أخوّة، فهذا ليس مجاملة, بل إنّ المسلمين حقيقةً يتمتّعون بحقّ الأخوّة فيما بينهم وهم يطالبون بعضهم بعضًا كما أنّ الأخْوَة مدينون بعضهم لبعض, ويجب عليهم مراعاة الحقوق المتقابلة بينهم وهذا ما فعله الرسول عمليًّا .

جعل حياة الناس ممزوجة بالقيم الإسلاميّة

لقد مزج رسول الإسلام البيئة الحياتيّة بالقيم الإسلاميّة لتتكرّس القيم والأخلاق الإسلاميّة بشكلٍ كامل في المجتمع، ولتختلط مع روح وعقائد وحياة الناس .
جعل البيئة المحيطة سليمة
الترويج للتفاؤل ودفع سوء الظن:
كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول للنّاس: "لا يبلّغني أحدٌ منكم عن (أحدٍ من) أصحابي شيئًا فإنّي أحبّ أن أخرج إليكم وأنا سليم الصدر" . أي أن أخرج إلى المسلمين بصدرٍ صافٍ وطاهر من دون أيّ نظرة سيّئة. هذا كلام الرسول وأمر به المسلمين. لاحظوا كم ساعد هذا السلوك الرسول الأكرم ليشعر المسلمون بضرورة التعاطي مع المجتمع والبيئة الإسلاميّة من دون سوء ظنٍّ، وعلاوةً على ذلك، لزوم التعاطي بتفاؤل. وفي الروايات أنّه عندما تكون الحاكميّة مع الشرّ والفساد، عليكم إساءة الظن بكلّ شيء, ولكن عندما تكون الحاكميّة بالخير والصلاح في المجتمع، عليكم ترك سوء الظنّ، بل عليكم حسن الظنّ بعضكم ببعض, عليكم الإصغاء بعضكم إلى كلام بعض وقبوله والتغاضي بعضكم عن سيّئات بعض وتوجيه النظر إلى الأمور الجميلة.
كانت عادة المسلمين الحضور إلى الرسول والهمس في أذنه، ومناجاته بحديثٍ خفي وسري وقد نزلت الآية الشريفة التي نهت عن النّجوى في أذنه، لأنّ ذلك سيؤدّي إلى إيجاد سوء الظن عند المسلمين الآخرين .

مواجهة نشر الشائعات:

إنّ حادثة "الإفك" في هذا الإطار، هي حادثة هامّة للغاية فكرتُ فيها مرارًا ورجعتُ إلى الآيات المتعلّقة بها حيث جاء في سورة النور عدد من الآيات التي توضّح الحادثة. خلاصة حادثة "الإفك" أنّ إحدى زوجات الرسول تخلّفت عن القافلة في إحدى الحروب. كان الرسول قد اصطحب زوجته تلك إلى ساحة المعركة، وعند العودة تفقّدها فلم يجدها. تخلّفت لأسبابٍ معيّنة, إمّا لأنّ النعاس قد غلبها أو أنّها ذهبت لقضاء حاجة. تجمّع المسلمون فوجدوا أنّ زوجة الرسول ليست بينهم. وكان أحد المسلمين قد جاء واصطحب زوجة الرسول إلى المدينة.
... ليست المسألة أنّ تلك المخدَّرة، زوجة الرسول ويجب احترامها بل أنّ المسألة في آيات القرآن شيء آخر. أظهرت آيات سورة النور الحساسيّة الشديدة حول مسألة "الإفك" - أي هذا الكلام الكاذب الذي روَّج له المنافقون والفاسدون والأشخاص المرضى في المجتمع- فجاءت مجموعة من الآيات المتلاحقة التي تحمل لحنًا حادًّا والتي تتوجّه إلى المسلمين وتلومهم وتُنكر عليهم أنّهم لم يواجهوا صاحب الشائعة بشدّة عندما سمعوا بها ولماذا لم يردّوها بشكل قاطع - هذا هو المستفاد من الآيات.
... بدأ الجملة في هذه الآية بعبارة "لولا" في مكانين. ويوضّح أهل الأدب العربي أنّ "لولا" التحذيريّة تُستخدم عندما يريد الإنسان أن يتوجّه إلى المخاطب في كمال الشدّة والتوبيخ والقول له: لماذا لم تفعل هذا العمل؟ ﴿لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ﴾ . ويقول في مكانٍ آخر: ﴿وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُم مَّا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ﴾ . أعتقد أنّ هذه الحادثة العظيمة في تاريخ الإسلام وزمان الرسول أدّت إلى القضاء بالكامل على جذور الإشاعات في المسائل الشخصيّة لأفراد المجتمع الإسلامي، حيث كانت تؤدّي إلى سوء الظن بين المسلمين وجعل الأجواء غير سليمة93.

إزالة البُغض والحقد والعداء:

كان الرسول الأكرم لا يريد أن يشوب حياة المجتمع الإسلاميّ ولو القليل من الحقد والبغضاء والعداء. كان يعمل جاهدًا لإيجاد المحبة والودّ بين الناس حتّى إنّه عفى عن أهالي مكّة عندما اتّسعت دائرة الإسلام وأمسك بزمامها. إنّ أهالي مكّة هم هؤلاء الأشخاص الذين أخرجوا الرسول من مدينتهم وقد تحمّل الرسول منهم ثلاثة عشر سنة من الأذى والألم وكان له عدّة حروب معهم حيث قُتل الكثير من المسلمين - والمسلمون قد قَتَلوا منهم أيضًا - فلو أن هؤلاء - مع هذه الحلة ذاتها - استضافوا جيش رسول الله الفاتح ، لما أمكن لسنواتٍ طويلة إقامة الصلح معهم. لذلك وبمجرّد دخول الرسول مكة، أعلن على الملأ: "أنتم الطلقاء" ، أي إنّني عفوتُ عنكم جميعًا. لقد عفى عن قريش وانتهى الأمر .

إيجاد أجواء من المحبّة:

من جملة الأعمال المهمّة للرسول الأكرم، إيجاد حالةٍ من التعاون والتعاضد والمواساة والمحبّة المتبادلة بين المسلمين. ما دام الرسول حاضرًا في المجتمع الإسلاميّ كان بمقدار سعته الوجوديّة، لا يسمح للمسلمين أن يحملوا بغضًا وحقدًا وعداءً لأحد. لقد تمكّن الرسول حقيقةً ومن خلال حكمته وحلمه، من إيجاد أجواء عذبة وسالمة ومحيطٍ مليءٍ بالمحبّة.
ومن جملة أعمال الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم, أنّه جعل بيئة المجتمع، بيئة مليئة بالمحبّة والحنان ليحبّ كافّة الأشخاص بعضهم بعضًا ولينظر بعضهم إلى بعض نظرة حُسنِ ظن .
جاء في القرآن الكريم حول أصحاب الرسول: ﴿أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ﴾ , هؤلاء أشدّاء في مقابل الكفّار، أي الأعداء الذين اصطفّوا للحرب ولم يكن المقصود من الكفار، اليهودي أو المسيحي الذي كان يعيش في المدينة، تحت ظلّ رسول الله. ففي ذاك الزمان كان الكثير من المسيحيّين واليهود يعيشون في المدينة وكان للرسول وأصحابه علاقات حسنة معهم وهو لم يقصدهم بعبارة ﴿أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ﴾. بل أطلق ﴿أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ﴾ على بعض الكفّار إمّا أمثال قريش التي كانت دائمة الحراك العسكري ضدّ الإسلام والمدينة الإسلاميّة، وإمّا أمثال يهود بني قريظةوخيبر وباقي المناطق الذين كانوا لا يوفون بالعهود - الذين كانوا يتحرّكون في كافّة الاتّجاهات, ليجمعوا ويجهّزوا جيشًا ضدّ الإسلام يتحرّكون ويبثّون الشائعات - وإمّا أمثال المسلمين في الظاهر، الذين كانت قلوبهم وبواطنهم تحكي عن كفرهم والذين كانوا يعيشون داخل المدينة، هؤلاء كانوا على علاقة مستمرّة مع الكفار من الدرجة الأولى أو الدرجة الثانية. ﴿أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ﴾ أيّ أشداء على هذه المجموعات الثلاث غير أنّهم ﴿رُحَمَاء بَيْنَهُمْ﴾ .
هذا هو النهج الإسلامي. هذا لأجل أن لا يتمكّن العدوّ من النفوذ بأيّ نحو كان في مقابل هؤلاء الأشداء. ماذا يعني أشدّاء؟ أي الثبات المطلق. يقول حول الحديد: ﴿فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ﴾ . الشديد أي المحكَم. ليس المراد من الشدّة هنا، الظلم، وليس المراد منها إراقة الدماء، بل المراد الإحكام, أي إنّ هذا الساتر يجب أن لا يلين وهذا الحائط يجب أن لا يتزلزل .

محاربة اللامبالاة:

يجب أن يتعاطى المسلمون بعضهم مع بعض انطلاقًا من العطف والمحبّة ومن دون وجود أدنى مقدار من اللامبالاة. ليس صحيحًا إذا شاهدتم مسلمًا مبتلىً بحادثة ما تمرون عليه لامبالين. من جملة الأعمال المهمّة للرسول الأكرم هو إيجاد التعاون والتعاضد والمحبّة المتقابلة بين المسلمين .
محاربة البدع الجاهلية:
قد يأمر شخص في وقت من الأوقات أو يوصي أن يتمتّع الناس على سبيل المثال بحُسن الخلق والتسامح والصبر والاستقامة في سبيل الله وأن لا يظلموا ويسعوا نحو إقامة العدل, أي أن يكون المطروح هنا الوصيّة والأمر والتعليم - وهي أمورٌ لازمة - فالرسول كان يُعلّم ويعطي الناس درسًا في المعرفة والحياة، إلّا أنّ الأمر قد يكون تارةً أعلى من التعليم, أي أن يتصرّف المعلم ويتّخذ سلوكًا من شأنه أن يجعل هذه الأخلاق والمسؤوليّة الإسلاميّة ثابتة، وأن ينهض لمواجهة عقائد الناس الخاطئة، وأن يحارب العواطف الجاهليّة وترسّبات الأخلاق غير الإسلاميّة، وأن يوجد صدمة في المجتمع والناس وأن يعمل في الأوقات المناسبة وبالأساليب الملائمة، ما يؤدّي إلى الامتزاج الكامل لأجواء المجتمع والبيئة الحياتيّة للناس، بهذه الصفة والأخلاق والسلوك الحَسَن .
المصادر :
من کتاب / الشخصية القياديّة للنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلّم / سلسلة في رحاب الولي الخامنئي دام ظلّه
 


ارسل تعليقاتك
با تشکر، نظر شما پس از بررسی و تایید در سایت قرار خواهد گرفت.
متاسفانه در برقراری ارتباط خطایی رخ داده. لطفاً دوباره تلاش کنید.