![النبوغ الفكري والسياسي للمرأة النبوغ الفكري والسياسي للمرأة](https://rasekhoon.net/_files/thumb_images700/article_ar/%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%A8%D9%88%D8%BA%20%D8%A7%D9%84%D9%81%D9%83%D8%B1%D9%8A%20%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D9%8A%20%D9%84%D9%84%D9%85%D8%B1%D8%A3%D8%A9.jpg)
من النماذج البارزة للنبوغ الفكري للمرأة ، هو تساويها مع الرجل في أهم الفضائل التي يذكرها الله للإنسان وفي هذا الصدد يمكن ذكر نموذجين :
الاول : النبوغ الفكري والثقافي .
الثاني : النبوغ السياسي والتواجد في ساحة الساسية والمجتمع .
إن النبوغ الفكري والثقافي ليس هو أن يطلع شخص على موضوع أسرع من الآخرين ، فمثلاً إذا طالع شخص كتاباً أسرع من الآخرين واطلع على مضمونه ، أو حضر في جلسة علمية قبل الآخرين واطلع على محتوى المحفل ، فإن هذا السبق الزماني ليس دليلاً على نبوغه الفكري ، لأنه يمكن لو أن هذا الشخص الثاني شارك في ذلك المحفل العلمي في اليوم الأول لكان فهمه أفضل منه
بناء على هذا فإن هذا النوع من السبق والتقدم ليس دليلاً على فضيلة ونبوغ ، ولكن إذا طرحت مسألة علمية عميقة وكانت هذه المسألة العلمية نظرية لبعض المستمعين ، وضرورية لبعض آخر يتبين أن الذين كانت المسائل العلمية واضحة وضرورية لهم يتمتعون بنبوغ خاص وهذه المجموعة تفهم أفضل من الآخرين ، هنا ليس مجرد السبق الزماني حتى لا يكون عامل فخر ، بل هو دليل على السبق الفكري والثقافي العلمي لأولئك الأفراد ، فالشخص الذي يفهم مسألة عميقة أسرع من آخر يتضح أنه إما يعرف المبادىء والاسس الاستدلالية لتلك المسألة أو أنه قطع قبل ذلك هذا الطريق أو أنه يقطع هذا الطريق بسرعة .
وعلى أي حال يفهم المسألة العلمية العميقة أسرع من الآخرين والسبق هنا دليل نبوغ . كما انه لو قام شخصان بعمل خير مع فارق في الزمن . فان مجرد هذا التقدم والتأخر الزمني ليس دليل فخر ، ولكن القيام بالعمل الذي يتطلب إيثاراً وتضحية ليس بمقدور كل شخص وإذا قام شخص من بين هذه المجموعة بذلك العمل بتضحية ونجح ، هنا ليس مجرد السبق الزمني ، بل انه يحكي عن نبوغ فكري واخلاص خاص ، وهذه هي قاعدة عامة سواء بشأن النظر والجزم ، أو بشأن العمل والعزم .
علة امتياز السابقين :
بناء على هذه القاعدة العامة فان هناك حرمة خاصة في القرآن الكريم للذي اسلموا أسرع من الآخرين وصدقوا رسالة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، من أجل هذا السبق في اعتناق الإسلام وكذلك الذين نصروا الدين بالارواح والأموال قبل الآخرين وتواجدوا في ميدان الحرب والدفاع عن الحق قبل الآخرين لهم احترام خاص ودرجة خاصة ، في هذا النوع من الحالات ، ليس سبب الفضيلة هو مجرد السبق الزمني ، بل هو النبوغ الثقافي والفكري في قسم النظر ، والنبوغ العملي في مرحلة العمل ، وبتوضيح هذه المقدمة يتضح
لماذا يذكر القرآن الكريم المهاجرين والأنصار السابقين بتعظيم ويقول :
( والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار ) (1) .
الذين عرفوا الذين قبل الآخرين ونصروه ، والذين هاجروا قبل الآخرين وجاؤوا من مكة إلى المدينة أو نصروا المهاجرين قبل الآخرين ، مثل هؤلاء الأشخاص سبقوا بتضحيتهم وإيثارهم ، ولكن أولئك ليسوا أفضل من ناحية أن لهم سبقاً زمانياً فقط بل إن لهم حرمة خاصة من حيث أنهم أدركوا الإسلام أفضل من الآخرين .
في ذلك اليوم احيث كان الفكر السائد هو تفكير الجاهلية وعبادة الأصنام وحب المال ، إذا استطاع شخص التحرر من تلك الرواسب الجاهلية وعرف الإسلام الخالص وصدق يحقانيته وداس على جميع العادات الجاهلية وأسلم بشهامة كاملة ودافع عن الإسلام العزيز فكراً وعملاً ، فهو يتمتع بنبوغ خاص ، لذا ذكر الله تعالى هذه الجماعة بتكريم خاص وقال :
( والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار ) .
وكذلك ذكر تعالى هؤلاء بحرمة خاصة في سورة الحديد وقال :
(بل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى )(2).
أي أن الجميع مأجورون ولكن أجر أولئك الدين نصروا النبي صلى الله عليه وآله وسلم في زمن ضعف الإسلام وأعانوه بالمال والأنفس ، وهؤلاء يتمتعون بحرمة خاصة والذين آمنوا ونصروا الدين بعد انتشار القرآن والإسلام ليس لهم سهم من تلك الحرمة الخاصة ، كما جرى في الثورة الإسلامية في إيران . فالذين التحقوا بالثورة قبل الانتصار لا يستوون مع الذين أصبحوا ثوريين بعد الانصار .
إن تحديد حقانية الإسلام يتطلب نبوغاً فكرياً وثقافياً ، والخدمة بإيثار قبل الثورة حتى مرحلة انتصارها يتطلب شجاعة خاصة ، لذا لا تتساوى إعانه الثورة قبل النصر مع إعانتها بعد النصر ، كما أن ما جرى قبل القبول بالقرار 598 لمجلس الأمن وبعد قبول القرار ليسا متساويين ، الإيثار والتضحية في زمن الحرب لا يستوي مع الايثار والتضحية في زمن السلم ، فان تلك تكشف عن شهود ثقافي وشهامة وعزم عملي .
إن الشواهد القرآنية التي تذكر السابقين بعظمة وتذكر طلائع الثورة بتكريم أدت لإدراك المحققين في الروايات التي وردت في مدح علي بن أبي طالب عليه السلام يحلل جيداً إن إحدى الفضائل البارزة لأمير المؤمنين عليه السلام والتي احتج بها الإمام نفسه وكذلك استدل سائر أهل البيت بهذه الفضيلة واستند عليها المحققون والعلماء الشيعة هي ان ( أمير المؤمنين أول القوم إسلاماً ) (3) ، ان قوله :
( يا علي ، أنت أول المؤمنين إيماناً وأول المسلمين إسلاماً ) (4) .
إن هذا ليس من أجل ان تقدم أمير المؤمنين على الآخرين كان مجرد تقدم زماني ، أي انه اسلم قبل ان يسلم الآخرون ، لأن مجرد السبق الزماني ليس دليل فخر . ولا حداً وسطاً لبرهان مستدل . لا يمكن ان يستدل للخلافة أو الإمامة أو الولاية أو إثبات مقامات أفضل بمجرد السبق الزمني ، ويقال : بالنظر لأن علي بن أبي طالب عليه السلام آمن قبل الآخرين فهو يتمتع بحرمة خاصة ، لأن مجرد السبق الزمني ليس علامة كمال بل المقصود هو السبق الرتبي ، أن أنه في اليوم الذي عرض عليكم القرآن والإسلام ورسالة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وأنتم لم تستطيعوا تحديد الحقانية أساساً أو كان تحديدكم ضعيفاً ، أو إذا كنتم حددتم لم تستطيعوا الدفاع ولم تكن فيكم شهامة الايثار والتضحية ، ولم يكن لديكم ذلك الصبر في تحمل المشقة ، فهم علي عليه السلام حقانية ذلك بسرعة وآمن به ودافع عنه . هذا النوع من المعرفة والصبر هو علامة نبوغ فكري في قسم النظر ، وعلامة شهامة في قسم العمل .
يتضح من هذه المقدمة القصيرة لماذا يتمتع السابقون في الإسلام بحرمة خاصة .
ومن النساء الأخريات السابقات سمية التي شخصت حقانية الدين من أثر البلوغ الفكري والثقافي واسلمت وتحملت تعذيباً قاسياً بصبر قل نظيره . وعندما مرّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على آل عمار ورآهم في ذلك التعذيب قال :
( صبراً يا آل ياسر ان موعدكم الجنة ) .
آمن هؤلاء بالغيب حتى الشهادة ، و اصبحت هذه المرأة في صف أول شهيد في الإسلام ، وواضح ان المسألة ليست سبقاً زمنياً فقط بل هي سبق رتبي يتطلب نوعاً من النبوغ الثقافي وشهامة عقل عملي . هذه هي نماذج تتعلق بتواجد المرأة في قسم النبوغ الثقافي وإيثار وتضحية عقل العمل .
وأما المقام الثاني للكلام ، الذي هو تواجد المراة في ساحة السياسة والمجتمع فمن اللازم ذكر مقدمة قصيرة في هذا المجال لتوضيح البحث .
( إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله وإذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه ) (5) .
أي ان المؤمنين الصادقين هم المعتقدون بالله ورسوله ويعرفون المجتمع جيداً من حيث إدراك المسائل الاجتماعية والذكاء الجمعي ، ويتواجدون دائماً في المسائل الجماعية وليسوا منعزلين ( وإذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه ) .
الأمر الجامع ، هي المسائل الجماعية للنظام مثلاً مسأله صلاة الجمعة أمر جامع . المظاهرات ضد الطغيان والاستكبار ، والمشاركة في الانتخابات ، تأييداً لقيادة المسؤولين الإسلاميين ، وتأييد العاملين الصادقين ، والأمر بالمعروف العام والنهي عن المنكر الجماعي ، ومئات الأمثلة من هذا القبيل كلها أمور جامعة ، لذا يقول الله تعالى في هذا الجزء من القرآن إن المؤمنين الصادقين هم الذين لا يتركون قائدهم وحده في أي أمر جامع ولا يتركون الساحة بدون كسب إذن من القائد حيث أن قضية حنظلة غسيل الملائكة هي في آخر هذا القسم من الآيات حيث ترك ساحة الحرب مؤقتاً بإذن من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
إن امتلاك الذكاء الاجتماعي ومراعاة الحيثية الجماعية محترم إلى درجة أن القرآن اعتبرها من خصائص المؤمنين ، وقال : إن المؤمنين الصادقين هم الذين يتواجدون في المسائل الجماعية للمجتمع ولايتركون فائدهم لوحده ولا يتركون الساحة بدون عذر مقبول . وإذا كانوا معذورين أيضاً لا يذهبون بدون اطلاع ، فلا يقول : ما دمت مريضاً فلن أذهب بل يعلن إنني لا يذهبون بدون اطلاع ، فلا يقول : ما دمت مريضاً فلن أذهب بل يعلن إنني لا أجيء لأنني مريض ، حتى لا يفتح طريق الاعتذار للآخرين ( فإذا استأذنوك لبعض شأنهم فاذن لمن شئت منهم واستغفر الله إن الله غفور رحيم ) إذا كان الشخص معذوراً وترك الساحة بإذن القائد يفقد فضيلة ، لذا يأمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وآله وسلم بان يستغفر للذين يتركون الساحة بعذر ولا يأتون إلى الساحة لأخذ إذن وإعلان عذر ، ويصدر أمر الاستغفار في آخر هذه الآية :
بناء على هذا يتبين ان الشخص الذي لم ينجح في التواجد في مسألة اجتماعية لم يستفد من فيض حيث يجب ان يرحم باستغفار رسول الله صل الله عليه وآله وسلم ، كما ان المرأة محرومة في بعض أيام الشهر من توفيق الصلاة وقيل انه إذا توضأت وجلست في مصلاها نحو القبلة وذكرت بمقدار وقت الصلاة فهناك أمل بتعويض ذلك الثواب ، أو المسافر المحروم من الصلاة الرباعية إذا قرأ التسبيحات الأربع ثلاثين أو أربعين مرة بعد إتمام الركعتين فسوف يؤدي إلى تدارك ذلك الثواب ، كذلك هنا إذا كان شخص معذوراً ولم يستطع التواجد في الساحة وذهب بإذن ، فان القادة الإلهيين مأمورون بأن يطلبوا المغفرة لهؤلاء ، لأن طلب المغفرة هذا يكون عامل سكينة وهدوء وطمانينة قلوب أولئك ، لأن استغفارهم مؤثر ودعاءهم مهدىء . هذه هي صورة من الوظيفة الجماعية لأفراد المجتمع يرسمها القرآن ، وفي هذا القسم ليس هناك فرق بين المرأة والرجل .
المصادر :
1- سورة التوبة ، الآية : 100 .
2- سورة الحديد ، الآية : 10 .
3- أصول الكافي ، ج 1 ، ص 454 .
4- الغدير ، ج 3 ، ص 228 .
5- سورة النور ، الآية : 62 .
6- أعيان الشيعة ، ج 7 ، ص 324 .
الاول : النبوغ الفكري والثقافي .
الثاني : النبوغ السياسي والتواجد في ساحة الساسية والمجتمع .
إن النبوغ الفكري والثقافي ليس هو أن يطلع شخص على موضوع أسرع من الآخرين ، فمثلاً إذا طالع شخص كتاباً أسرع من الآخرين واطلع على مضمونه ، أو حضر في جلسة علمية قبل الآخرين واطلع على محتوى المحفل ، فإن هذا السبق الزماني ليس دليلاً على نبوغه الفكري ، لأنه يمكن لو أن هذا الشخص الثاني شارك في ذلك المحفل العلمي في اليوم الأول لكان فهمه أفضل منه
بناء على هذا فإن هذا النوع من السبق والتقدم ليس دليلاً على فضيلة ونبوغ ، ولكن إذا طرحت مسألة علمية عميقة وكانت هذه المسألة العلمية نظرية لبعض المستمعين ، وضرورية لبعض آخر يتبين أن الذين كانت المسائل العلمية واضحة وضرورية لهم يتمتعون بنبوغ خاص وهذه المجموعة تفهم أفضل من الآخرين ، هنا ليس مجرد السبق الزماني حتى لا يكون عامل فخر ، بل هو دليل على السبق الفكري والثقافي العلمي لأولئك الأفراد ، فالشخص الذي يفهم مسألة عميقة أسرع من آخر يتضح أنه إما يعرف المبادىء والاسس الاستدلالية لتلك المسألة أو أنه قطع قبل ذلك هذا الطريق أو أنه يقطع هذا الطريق بسرعة .
وعلى أي حال يفهم المسألة العلمية العميقة أسرع من الآخرين والسبق هنا دليل نبوغ . كما انه لو قام شخصان بعمل خير مع فارق في الزمن . فان مجرد هذا التقدم والتأخر الزمني ليس دليل فخر ، ولكن القيام بالعمل الذي يتطلب إيثاراً وتضحية ليس بمقدور كل شخص وإذا قام شخص من بين هذه المجموعة بذلك العمل بتضحية ونجح ، هنا ليس مجرد السبق الزمني ، بل انه يحكي عن نبوغ فكري واخلاص خاص ، وهذه هي قاعدة عامة سواء بشأن النظر والجزم ، أو بشأن العمل والعزم .
علة امتياز السابقين :
بناء على هذه القاعدة العامة فان هناك حرمة خاصة في القرآن الكريم للذي اسلموا أسرع من الآخرين وصدقوا رسالة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، من أجل هذا السبق في اعتناق الإسلام وكذلك الذين نصروا الدين بالارواح والأموال قبل الآخرين وتواجدوا في ميدان الحرب والدفاع عن الحق قبل الآخرين لهم احترام خاص ودرجة خاصة ، في هذا النوع من الحالات ، ليس سبب الفضيلة هو مجرد السبق الزمني ، بل هو النبوغ الثقافي والفكري في قسم النظر ، والنبوغ العملي في مرحلة العمل ، وبتوضيح هذه المقدمة يتضح
لماذا يذكر القرآن الكريم المهاجرين والأنصار السابقين بتعظيم ويقول :
( والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار ) (1) .
الذين عرفوا الذين قبل الآخرين ونصروه ، والذين هاجروا قبل الآخرين وجاؤوا من مكة إلى المدينة أو نصروا المهاجرين قبل الآخرين ، مثل هؤلاء الأشخاص سبقوا بتضحيتهم وإيثارهم ، ولكن أولئك ليسوا أفضل من ناحية أن لهم سبقاً زمانياً فقط بل إن لهم حرمة خاصة من حيث أنهم أدركوا الإسلام أفضل من الآخرين .
في ذلك اليوم احيث كان الفكر السائد هو تفكير الجاهلية وعبادة الأصنام وحب المال ، إذا استطاع شخص التحرر من تلك الرواسب الجاهلية وعرف الإسلام الخالص وصدق يحقانيته وداس على جميع العادات الجاهلية وأسلم بشهامة كاملة ودافع عن الإسلام العزيز فكراً وعملاً ، فهو يتمتع بنبوغ خاص ، لذا ذكر الله تعالى هذه الجماعة بتكريم خاص وقال :
( والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار ) .
وكذلك ذكر تعالى هؤلاء بحرمة خاصة في سورة الحديد وقال :
(بل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى )(2).
أي أن الجميع مأجورون ولكن أجر أولئك الدين نصروا النبي صلى الله عليه وآله وسلم في زمن ضعف الإسلام وأعانوه بالمال والأنفس ، وهؤلاء يتمتعون بحرمة خاصة والذين آمنوا ونصروا الدين بعد انتشار القرآن والإسلام ليس لهم سهم من تلك الحرمة الخاصة ، كما جرى في الثورة الإسلامية في إيران . فالذين التحقوا بالثورة قبل الانتصار لا يستوون مع الذين أصبحوا ثوريين بعد الانصار .
إن تحديد حقانية الإسلام يتطلب نبوغاً فكرياً وثقافياً ، والخدمة بإيثار قبل الثورة حتى مرحلة انتصارها يتطلب شجاعة خاصة ، لذا لا تتساوى إعانه الثورة قبل النصر مع إعانتها بعد النصر ، كما أن ما جرى قبل القبول بالقرار 598 لمجلس الأمن وبعد قبول القرار ليسا متساويين ، الإيثار والتضحية في زمن الحرب لا يستوي مع الايثار والتضحية في زمن السلم ، فان تلك تكشف عن شهود ثقافي وشهامة وعزم عملي .
إن الشواهد القرآنية التي تذكر السابقين بعظمة وتذكر طلائع الثورة بتكريم أدت لإدراك المحققين في الروايات التي وردت في مدح علي بن أبي طالب عليه السلام يحلل جيداً إن إحدى الفضائل البارزة لأمير المؤمنين عليه السلام والتي احتج بها الإمام نفسه وكذلك استدل سائر أهل البيت بهذه الفضيلة واستند عليها المحققون والعلماء الشيعة هي ان ( أمير المؤمنين أول القوم إسلاماً ) (3) ، ان قوله :
( يا علي ، أنت أول المؤمنين إيماناً وأول المسلمين إسلاماً ) (4) .
إن هذا ليس من أجل ان تقدم أمير المؤمنين على الآخرين كان مجرد تقدم زماني ، أي انه اسلم قبل ان يسلم الآخرون ، لأن مجرد السبق الزماني ليس دليل فخر . ولا حداً وسطاً لبرهان مستدل . لا يمكن ان يستدل للخلافة أو الإمامة أو الولاية أو إثبات مقامات أفضل بمجرد السبق الزمني ، ويقال : بالنظر لأن علي بن أبي طالب عليه السلام آمن قبل الآخرين فهو يتمتع بحرمة خاصة ، لأن مجرد السبق الزمني ليس علامة كمال بل المقصود هو السبق الرتبي ، أن أنه في اليوم الذي عرض عليكم القرآن والإسلام ورسالة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وأنتم لم تستطيعوا تحديد الحقانية أساساً أو كان تحديدكم ضعيفاً ، أو إذا كنتم حددتم لم تستطيعوا الدفاع ولم تكن فيكم شهامة الايثار والتضحية ، ولم يكن لديكم ذلك الصبر في تحمل المشقة ، فهم علي عليه السلام حقانية ذلك بسرعة وآمن به ودافع عنه . هذا النوع من المعرفة والصبر هو علامة نبوغ فكري في قسم النظر ، وعلامة شهامة في قسم العمل .
يتضح من هذه المقدمة القصيرة لماذا يتمتع السابقون في الإسلام بحرمة خاصة .
النساء السابقات في الدين :
عندما نراجع إحصاء وأرقام السابقين في الدين نرى أنه كما أنه هناك اشخاصاً في الصف المتقدم مثل أمير المؤمنين عليه السلام فان هناك أشخاص آخرين مثل خديجة عليهم السلام وسمية آل ياسر . عليها رحمة الله ـ . ان تقدم خديجة في الإسلام هو بسبب سبقها الرتبي ، لأن كثيراً من الرجال كانوا يترددون في تشخيص حقانية الإسلام . ولكن خديجة عليهم السلام شخصت الحق . قد يكون هناك كثير من الناس شخصوا أن الحق هو مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، ولكن لم تكن لديهم تلك الشهامة ، ولكن خديجة كانت لديها تلك الشهامة ، إذا أراد شخص ان يدوس على عادة باطلة ، وان يقبل بالدين الحق فذلك يتطلب نبوغاً فكرياً وكدلك شهامة كبيرة . في الظروف التي كان كثير من الرجال يفتقدون كلا أو إحدى هاتين القاعدتين ، كانت خديجة عليهم السلام تحمل كلتا القاعدتين ، لذا ضحت بالمال .ومن النساء الأخريات السابقات سمية التي شخصت حقانية الدين من أثر البلوغ الفكري والثقافي واسلمت وتحملت تعذيباً قاسياً بصبر قل نظيره . وعندما مرّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على آل عمار ورآهم في ذلك التعذيب قال :
( صبراً يا آل ياسر ان موعدكم الجنة ) .
آمن هؤلاء بالغيب حتى الشهادة ، و اصبحت هذه المرأة في صف أول شهيد في الإسلام ، وواضح ان المسألة ليست سبقاً زمنياً فقط بل هي سبق رتبي يتطلب نوعاً من النبوغ الثقافي وشهامة عقل عملي . هذه هي نماذج تتعلق بتواجد المرأة في قسم النبوغ الثقافي وإيثار وتضحية عقل العمل .
وأما المقام الثاني للكلام ، الذي هو تواجد المراة في ساحة السياسة والمجتمع فمن اللازم ذكر مقدمة قصيرة في هذا المجال لتوضيح البحث .
ضرورة تواجد المرأة في ساحة المجتمع :
يطرح الدين من خلال نظرته إلى البشر برؤية جماعية ، وإن للإنسان هوية جماعية ـ سواء كان للمجتمع وجود حقيقي أم لم يكن ـ مجموعة وظائف بوصفها وسائل اجتماعية ، الذين لا يتمتعون بنبوغ ، ويفكرون بانفسهم فقط لا يدركون الخطوط العامة الاجتماعية ، أو أنهم إذا أدركوا الخطوط العامة للمجتمع ليس لديهم قابلية التضحية والإيثار ، لذا لا يدخلون في ساحة المجتمع ، إذا كانت هناك شخص من أهل القيام والمبادرة يتضح أنه أدرك مسألة الهوية الاجتماعية للبشر جيداً ، وكذلك درس جيداً لزوم التضحية لتكريم الهوية الجماعية . في القرآن الكريم جاء تعريف المؤمنين الصادقين هكذا :( إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله وإذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه ) (5) .
أي ان المؤمنين الصادقين هم المعتقدون بالله ورسوله ويعرفون المجتمع جيداً من حيث إدراك المسائل الاجتماعية والذكاء الجمعي ، ويتواجدون دائماً في المسائل الجماعية وليسوا منعزلين ( وإذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه ) .
الأمر الجامع ، هي المسائل الجماعية للنظام مثلاً مسأله صلاة الجمعة أمر جامع . المظاهرات ضد الطغيان والاستكبار ، والمشاركة في الانتخابات ، تأييداً لقيادة المسؤولين الإسلاميين ، وتأييد العاملين الصادقين ، والأمر بالمعروف العام والنهي عن المنكر الجماعي ، ومئات الأمثلة من هذا القبيل كلها أمور جامعة ، لذا يقول الله تعالى في هذا الجزء من القرآن إن المؤمنين الصادقين هم الذين لا يتركون قائدهم وحده في أي أمر جامع ولا يتركون الساحة بدون كسب إذن من القائد حيث أن قضية حنظلة غسيل الملائكة هي في آخر هذا القسم من الآيات حيث ترك ساحة الحرب مؤقتاً بإذن من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
إن امتلاك الذكاء الاجتماعي ومراعاة الحيثية الجماعية محترم إلى درجة أن القرآن اعتبرها من خصائص المؤمنين ، وقال : إن المؤمنين الصادقين هم الذين يتواجدون في المسائل الجماعية للمجتمع ولايتركون فائدهم لوحده ولا يتركون الساحة بدون عذر مقبول . وإذا كانوا معذورين أيضاً لا يذهبون بدون اطلاع ، فلا يقول : ما دمت مريضاً فلن أذهب بل يعلن إنني لا يذهبون بدون اطلاع ، فلا يقول : ما دمت مريضاً فلن أذهب بل يعلن إنني لا أجيء لأنني مريض ، حتى لا يفتح طريق الاعتذار للآخرين ( فإذا استأذنوك لبعض شأنهم فاذن لمن شئت منهم واستغفر الله إن الله غفور رحيم ) إذا كان الشخص معذوراً وترك الساحة بإذن القائد يفقد فضيلة ، لذا يأمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وآله وسلم بان يستغفر للذين يتركون الساحة بعذر ولا يأتون إلى الساحة لأخذ إذن وإعلان عذر ، ويصدر أمر الاستغفار في آخر هذه الآية :
بناء على هذا يتبين ان الشخص الذي لم ينجح في التواجد في مسألة اجتماعية لم يستفد من فيض حيث يجب ان يرحم باستغفار رسول الله صل الله عليه وآله وسلم ، كما ان المرأة محرومة في بعض أيام الشهر من توفيق الصلاة وقيل انه إذا توضأت وجلست في مصلاها نحو القبلة وذكرت بمقدار وقت الصلاة فهناك أمل بتعويض ذلك الثواب ، أو المسافر المحروم من الصلاة الرباعية إذا قرأ التسبيحات الأربع ثلاثين أو أربعين مرة بعد إتمام الركعتين فسوف يؤدي إلى تدارك ذلك الثواب ، كذلك هنا إذا كان شخص معذوراً ولم يستطع التواجد في الساحة وذهب بإذن ، فان القادة الإلهيين مأمورون بأن يطلبوا المغفرة لهؤلاء ، لأن طلب المغفرة هذا يكون عامل سكينة وهدوء وطمانينة قلوب أولئك ، لأن استغفارهم مؤثر ودعاءهم مهدىء . هذه هي صورة من الوظيفة الجماعية لأفراد المجتمع يرسمها القرآن ، وفي هذا القسم ليس هناك فرق بين المرأة والرجل .
المصادر :
1- سورة التوبة ، الآية : 100 .
2- سورة الحديد ، الآية : 10 .
3- أصول الكافي ، ج 1 ، ص 454 .
4- الغدير ، ج 3 ، ص 228 .
5- سورة النور ، الآية : 62 .
6- أعيان الشيعة ، ج 7 ، ص 324 .