ليس من العسير على القارئ أن يكتشف أن الصحابة والتابعين الذين كان سيف بن عمر ينال منهم، كانوا كلهم من اتباع علي بن أبي طالب، بينما نجده يمجّد الصحابة والتابعين من بني اُمية وأشياعهم، وقد تبيّن لنا بعد كل هذا أن محاولة البعض نفي تهمة الزندقة عن سيف بن عمر لا تجدي نفعاً بعدما تبين طعنه في عدد من كبار الصحابة واظهارهم بمظهر الذيول لابن سبأ ومشاركتهم إياه في التآمر على الإسلام.
ويبقى السؤال المهم بهذا الخصوص، وهو: لماذا تبنى جمهور المؤلفين من القدماء والمعاصرين روايات سيف بن عمر دون سواها؟ فإذا كانت حجتهم الظاهرية أن سيف بن عمر ينافح عن الصحابة، فحجتهم هذه داحضة بعد أن تبين عكس ذلك، وكشف سيف بن عمر القناع عن زندقته، فلماذا يصر الجمهور على تبني رواياته ومحاولة تبرأته من تهمة الزندقة؟!
إن المنطق يفترض أن الزنادقة يريدون هدم الإسلام وتشويه صورته أمام الناس، عن طريق الدفاع عن السياسات المنحرفة لبعض زعماء المسلمين ومحاولة تبريرها، ومن ثم محاولة الطعن من ناحية اُخرى في رجالات الإسلام الأفذاذ والحط من أقدارهم وتشويه صورهم أمام الرأي العام، حتى يتخذ موقفاً معادياً من تاريخه الصحيح، وينساق وراء الزخرف الذي يزيّنه له هؤلاء الأعداء المستترون، فينسلخ عن الرؤية الصائبة لهذا التاريخ، ويكون انسلاخه تبعاً لذلك عن تراث الاُمة الحقيقي، فيقع ضحية لتخرصات الدجالين.
إن سيف بن عمر قد استهدف أصحاب علي بن أبي طالب بالذم، وأصحاب عثمان وبني اُمية بالمدح، فلو أننا وضعنا آراء الزنادقة في الميزان، فهل نحكم بأنهم يمكن أن يكونوا حريصين على مصلحة الإسلام، أو بعبارة اُخرى: هل من مصلحة الزنادقة إبراز الوجه المشرق للاسلام أم العكس؟
إن المنطق يفترض أن الزنادقة لابد وأن يعمدوا الى إظهار الجوانب السلبية وتزيينها أمام جمهور المسلمين، وفي الوقت نفسه يقومون بتزييف الجوانب الايجابية وإظهارها على غير حقيقتها.
الخطوات الاُولى للتزييف
هناک رأي عام إسلامي قد توارث اُموراً أصبحت عنده في حكم المسلّمات، لذا فإن الزنادقة قد استغلوا هذه الأرضية الخصبة الممهدة لهم أبشع استغلال، لأن الأذهان كانت مهيأة لقبول رواياتهم من قبل، فكيف ومتى تكوّن هذا الرأي العام الذي نجد الكثير من المؤرخين يحاولون مجاملته؟إن الاُمور ستكون أكثر وضوحاً إذا تتبعنا القضية من بدايتها.
ذكر المؤرخون أن معاوية بن أبي سفيان "استعمل المغيرة بن شعبة على الكوفة سنة إحدى وأربعين، فلما أمّره عليها، دعاه وقال له: أما بعد، فإن لذي الحلم قبل اليوم ما تُقرع العصا، وقد يجزي عنك الحكيم بغير التعليم، وقد أردتُ إيصاءك بأشياء كثيرة أنا تاركها اعتماداً على بصرك، ولستُ تاركاً إيصاءك بخصلة: لا تترك شتم عليّ وذمّه، والترحّم على عثمان والاستغفار له، والعيب لأصحاب علي والاقصاء لهم، والإطراء بشيعة عثمان والادناء لهم!
فقال له المغيرة: قد جَرّبت وجُرّبت، وعملتُ قبلك لغيرك فلم يذممني، وستبلو فتحمد أو تذم.
فقال: بل نحمد إن شاء الله.
فأقام المغيرة عاملا على الكوفة، وهو أحسن شيء سيرة، غير أنه لا يدع شتم علي والوقوع فيه، والدعاء لعثمان والاستغفار له...(1).
هكذا كانت البداية، فمنذ أن استولى معاوية على مقاليد الاُمور، وجلس على كرسي الخلافة، بدأ بتشكيل الخميرة الاعلامية التي سوف تبدأ بالانتشار والتغلغل في أذهان الناس، ويتربى عليها الأجيال شيئاً فشيئاً حتى تصبح عندها من المسلمات.
ولما كانت الكوفة هي أخطر المعاقل بالنسبة للاُمويين، فإن معاوية جرّب هذا الاسلوب مبتدئاً بها، ثم جاءت الخطوات التالية في تعميم هذا الأمر على كافة الولايات والأمصار.
روى المدائني في كتاب (الأحداث) قال:
كتب معاوية نسخة واحدة الى عمّاله بعد عام الجماعة: أن برئت الذمة ممن روى شيئاً من فضل أبي تراب وأهل بيته.فقامت الخطباء في كل كورة وعلى كل منبر يلعنون علياً ويبرؤون منه، ويقعون في أهل بيته، وكان أشد الناس بلاءً حينئذ أهل الكوفة، لكثرة من بها من شيعة علي (عليه السلام)، فاستعمل عليهم زياد بن سميّة، وضمّ إليه البصرة، فكان يتتبّع الشيعة وهو بهم عارف، لأنه كان منهم أيام علي (عليه السلام) ; فقتلهم تحت كل حجر ومدر، وأخافهم وقطع الأيدي والأرجل، وسمل العيون، وصلبهم على جذوع النخل، وطردهم وشرّدهم عن العراق، فلم يبق بها معروف منهم.
وكتب معاوية الى عمّاله في جميع الآفاق، ألاّ يجيزوا لأحد من شيعة علي وأهل بيته شهادة، وكتب إليهم: أن انظروا من قبلكم من شيعة عثمان ومحبّيه وأهل ولايته، والذين يروون فضائله ومناقبه; فأدنوا مجالسهم وقرّبوهم وأكرموهم، واكتبوا لي بكل ما يروي كل رجل منهم واسمه واسم أبيه وعشيرته! ففعلوا ذلك حتى أكثروا في فضائل عثمان ومناقبه، لما كان يبعثه إليهم معاوية من الصّلات والكساء والحباء والقطائع، ويفيضه في العرب منهم والموالي، فكثر ذلك في كل مصر، وتنافسوا في المنازل والدنيا، فليس يجيء أحد مردود من الناس عاملا من عمال معاوية، فيروي في عثمان فضيلة أو منقبة، إلاّ كتب اسمه وقرّبه وشفّعه فلبثوا بذلك حيناً...(2).
هكذا بدأت سياسة معاوية الاعلامية في تشكيل الرأي العام الإسلامي المناهض لعلي بن أبي طالب وشيعته، والمتعاطف مع عثمان بن عفان وشيعته، وامتد ذلك على مدى عشرين عاماً من خلافة معاوية، وهي مدة تكفي لنشوء جيل على هذه العقيدة الجديدة.
ولم يتوان معاوية طيلة مدة حكمه عن الاستمرار في هذه السياسة ودفعها الى الأمام بشكل مستمر، ولم يقبل نصيحة أو رأياً حتى من معاونيه الذين قال ابن أبي الحديد المعتزلي: اشتركوا معه في أداء هذه المهمة وانجاحها.
" روى الزبير بن بكار في (الموفقيات) -وهو غير متهم على معاوية، ولا منسوب الى اعتقاد الشيعة، لما هو معلوم من حاله من مجانبة علي (عليه السلام) والانحراف عنه-:
قال المطرّف بن المغيرة بن شعبة: دخلت مع أبي على معاوية، وكان أبي يأتيه فيتحدث معه ثم ينصرف اليّ فيذكر معاوية وعقله، ويعجب مما يرى منه; إذ جاء ليلة فأمسك عن العشاء، ورأيته مغتماً فانتظرته ساعة، وظننت أنه لأمر حدث فينا، فقلت: مالي أراك مغتماً منذ الليلة؟ فقال: يا بني، جئتُ من عند أكفر الناس وأخبثهم! قلت: وما ذاك؟ قال: قلت له وقد خلوت به: إنك قد بلغت سنّاً يا أمير المؤمنين، فلو أظهرت عدلا وبسطت خيراً، فإنك قد كبرت، ولو نظرت الى إخوتك من بني هاشم فوصلت أرحامهم، فوالله ما عندهم اليوم شيء تخافه، وإن ذلك مما يبقى لك ذكره وثوابه.
فقال: هيهات هيهات، أي ذكر أرجو بقاءه؟ ملك أخو تيم فعدل، وفعل ما فعل، فما عدا أن هلك حتى هلك ذكره، إلاّ أن يقول قائل: أبو بكر. ثم ملك أخو عدي، فاجتهد وشمّر عشر سنين; فما عدا أن هلك حتى هلك ذكره، إلاّ أن يقول قائل: عمر، وإن ابن أبي كبشة ليُصاح به كل يوم خمس مرات أشهد أن محمّداً رسول الله فأي عمل يبقى وأيُّ ذكر يدوم بعد هذا لا أبا لك! لا والله إلاّ دفناً دفناً!"(3).
وقد أدرك المغيرة بعد هذا اللقاء، أن لا مندوحة له من الاستمرار في انتهاج السياسة التي رسمها له معاوية حتى النهاية، رغم أن المغيرة كان يعلم جيداً أن ما يذكره من فضل عثمان وذم عليّ لا حقيقة له، ولكنه ملزم به، وبخاصة في بلدة مثل الكوفة، وما جرى بينه وبين صعصعة بن صوحان -فيما أورده المؤرخون- يدل على ذلك، إذ أنه "بلغه أنه يعيب عثمان بن عفان ويكثر ذكر علي ويفضّله، وكان المغيرة دعاه وقال له: إيّاك أن يبلغني عنك أنك تعيب عثمان، وإياك أن يبلغني أنك تظهر شيئاً من فضل علي، فأنا أعلم بذلك منك، ولكن هذا السلطان قد ظهر، وقد أخذنا باظهار عيبه للناس، فنحن ندع شيئاً كثيراً مما أمرنا به، ونذكر الشيء الذي لا نجد منه بدّاً، ندفع به هؤلاء القوم عن أنفسنا، فإن كنت ذاكراً فضله، فاذكره بينك وبين أصحابك في منازلكم سراً، وأما علانية في المسجد، فإن هذا لا يحتمله الخليفة لنا...(4)
وهكذا استمرت السياسة على هذا المنوال طيلة عهد بني اُمية، بعد أن وضع معاوية لِبنتها الاُولى، فمرّت السنوات الطوال، وفتحت الأجيال الجديدة أعينها على واقع جديد، فالاعلام الرسمي المعلن الذي تتبناه الدولة، تظهر عثمان بن عفان وشيعته من بني اُمية وغيرهم، هم أصحاب الفضائل والمحاسن العظيمة، بينما تختفي الحقائق عن فضل علي بن أبي طالب وشيعته وأهل بيته من على ساحة الاعلام الرسمي، ليتناقلها العارفون بها سراً، فيسير هذان الخطان جنباً لجنب، ويبدأ عصر التدوين، فتأتي الأخبار من مصادرها على نوعين، نوع تتبناه الدولة رسمياً، يحمل في جوفه كل الأخبار الزائفة، ونوع يتبناه طلاب الحقيقة، ممن لا يخالطون السلطان ولا يقتاتون على موائده، وتأتي الشواهد لتثبت ذلك كله.
الزهري والسيرة النبوية
بدأت حركة التدوين في العصر الاُموي بشكل نشط، وعلى الرغم من أن البعض يؤرخون لبدء التدوين للحديث النبوي والسيرة، ببداية عهد الخليفة عمر بن عبدالعزيز المتوفى سنة (101 هـ)، إلاّ أن ذلك لا يمنع أن كثيراً من التابعين كانوا يدوّنون ما يسمعونه من الصحابة، بل كان بعض الصحابة يدونون ما يسمعونه من النبي (صلى الله عليه وآله)، كعبد الله بن عمرو بن العاص وصحيفته التي سميت (الصادقة). وكان ابن شهاب الزهري، محمد بن مسلم من أوائل المصنفين في الحديث والسيرة، فقد روى عبدالرحمان بن أبي الزناد عن أبيه قال:كنت أطوف أنا وابن شهاب الزهري، ومع ابن شهاب الألواح والصحف.
قال: وكنّا نضحك به.
وفي رواية قال: كنا نكتب الحلال والحرام، وكان ابن شهاب يكتب كل ما سمع، فلما احتيج إليه، علمت أنه أعلم الناس.
وقال معمّر، عن صالح بن كيسان:
كنت أطلب العلم أنا والزهري. قال: فقال: نكتب السنن. قال: فكتبنا ما جاء عن النبي (صلى الله عليه وآله)، ثم قال: تعال نكتب ما جاء عن الصحابة. قال: فكتب ولم أكتب، فأنجح وضيّعتُ(5).
وقال الدراوردي: أول من دوّن العلم وكتبه، ابن شهاب.
قدم الزهري على عبدالملك بن مروان سنة (82 هـ)، ولزمه حتى توفي، فلزم ابنه الوليد، ثم سليمان، ثم عمر بن العزيز، ثم يزيد الذي ولاّه القضاء، ثم لزم هشام بن عبدالملك وصار معلماً لأولاده، وكان في البداية يكره أن يكتب عنه أحد، فلما ألزمه هشام بن عبدالملك أن يملي على بنيه، أذن للناس أن يكتبوا وقال: كنا نكره الكتاب حتى أكرهنا عليه الاُمراء، فرأيت أن لا أمنعه مسلماً.
قال الذهبي: كان رحمه الله محتشماً جليلا بزيّ الأجناد، له صورة كبيرة في دولة بني اُمية.
وقال مكحول: أي رجل هو، لولا أنه أفسد نفسه بصحبة الملوك(6).
وقد تناولتُ ابن شهاب الزهري كمثال يبرز اتجاه حركة الاعلام الرسمي للدولة الاُموية نحو تحريف الحقائق وتزييف التاريخ الإسلامي.
لقد كان عمل الزهري لبني اُمية يفرض عليه أحياناً الانصياع لرغبات اُولئك الحكام، حتى لو تطلب ذلك منه إخفاء الحقائق على الأقل إن لم يكن تزييفها. وعلى الرغم من أن الزهري قد وقف بعض المواقف الشجاعة تجاه السلطة الاُموية، إلاّ أنه كان لا يجد بداً من الخضوع لهذه السلطة في معظم الأحيان، ويتضح ذلك من سياق بعض الحوادث التي تكشف عن إتجاه السياسة الاُموية الاعلامية، فقد دخل سليمان بن يسار على هشام بن عبدالملك، فقال: يا سليمان، من الذي تولّى كبره منهم؟ قال: عبدالله بن اُبي ابن سلول، قال: كذبت! هو علي! فدخل ابن شهاب، فسأله هشام، فقال: هو عبدالله ابن اُبي. قال: كذبت! هو علي! فقال: أنا لا أكذب لا أبا لك، فوالله لو نادى مناد من السماء أن الله أحلّ الكذب ما كذبت، حدثني سعيد وعروة وعبيد وعلقمة ابن وقاص عن عائشة: أن الذي تولى كبره عبدالله بن اُبي.
قال: فلم يزل القوم يُغرون به، فقال هشام: ارحل، فوالله ما كان ينبغي لنا أن نحمل على مثلك...!(7).
فالخليفة الاُموي يضغط على سليمان بن يسار والزهري من أجل تحريف واقعة الإفك المعروفة والادعاء بأن علي بن أبي طالب هو الذي تولى كبره، وليس عبدالله بن اُبي بن سلول رأس المنافقين!
وعلى الرغم من هذا الموقف الجريء للزهري، إلاّ أنه قد خضع أحياناً لرغبات الحكام. فقد ذكر المدائني عن الزهري قوله: قال لي خالد بن عبدالله القسري: اكتب لي النَّسب; فبدأت بنسب مضر، فمكثت فيه أياماً ثم أتيته،
فقال: ما صنعت؟ فقلت: بدأت بنسب مضر وما أتممته، فقال: اقطعه قطعه الله مع اُصولهم، واكتب لي السيرة. فقلت له: فإنه يمرّ بي الشيء من سير علي بن أبي طالب، فأذكره؟ فقال: لا، إلاّ أن تراه في قعر الجحيم!!(8).
وقد امتثل الزهري لهذا الأمر، فكتب السيرة بعد أن أخلاها من ذكر علي ابن أبي طالب إلاّ لماماً، ولم يثبت له أي منقبة أو فضيلة، ولو أن المسلمين اعتمدوا على السيرة التي كتبها الزهري دون غيره، لما عرفت أجيال المسلمين لعلي بن أبي طالب فضلا ولا سبقاً.
وقد نبّه لذلك المحدّث عبدالرزاق الصنعاني -الذي نقل السيرة النبوية- فأورد إلى جانب روايات الزهري، روايات اُخرى عن غيره.
ولم يكتف الزهري بذلك، بل إنه أنكر أمراً لا يكاد يختلف عليه اثنان من المسلمين، وهو سبق علي بن أبي طالب الى الإسلام، فقال: ما علمنا أحداً أسلم قبل زيد بن حارثة!(9).
فالزهري كان مدفوعاً دون شك من السلطة الاُموية لتزييف الحقائق التاريخية وطمس فضائل علي بن أبي طالب، إلاّ أنه كان في قرارة نفسه يعترف بالحقيقة، ويصرّح بها أحياناً لخواصه، فقد قال معمر: سألت الزهري عن كاتب الكتاب يوم الحديبية، فضحك وقال: هو علي بن أبي طالب، ولو سألت هؤلاء، لقالوا عثمان -يعني بني اُمية(10) .
المستشرقون والتزييف
إذا كان الزهري وأمثاله قد كتبوا ما يرضي الاُمويين خوفاً أو طمعاً، فإن هناك من قد تبرّع للكتابة لهم والاشادة بهم والحط من خصومهم بدون هذه الدوافع، اللهم إلاّ رغبة في الحط من الإسلام بتزييف حقائق تاريخه. فمن القدامى:
1 - القديس يوحنا الدمشقي:
وهو في طليعة من ألّف في الرد على المسلمين.
ولد حوالي سنة (675م)، وتوفي سنة 749م وهو من اُسرة كانت في أيامها شهيرة معروفة، فكان أبوه في خدمة الخلفاء الاُمويين، وله منزلة وحظوة عندهم، وكان هو نفسه من المقربين اليهم والمتصلين بهم، ومن الذين يستشيرونهم في مهمات الاُمور...!
وقد نسب يوحنا الإسلام الى الهرطقة(11)، وادعى أن الرسول أخذ علمه من رجل من أهل الكتاب، أو من رجل من الهراطقة الأريوسيين... وزعم أيضاً أن الرسول كان قد نظر في التوراة والانجيل، وأنه تعلم منها وتنبأ...! ويعد يوحنا الدمشقي ممهّد الجادة للمستشرقين المعروفين بتحاملهم على الإسلام، فأكثر ما يزعمونه ويذكرونه عنه هو مما كان قد قاله ودوّنه قبلهم بما يزيد على ألف عام(12).
2 - يوحنا بن بنكاية:
وقد تعرض لنزاع علي ومعاوية، وأثنى على معاوية كثيراً، وذكر أنه كان
عادلا قديراً، انتشر الأمن في زمانه، وعامل النصارى معاملة طيبة!(13).
أما من المستشرقين المحدثين فأهمهم:
الأب لامنس:
قال عبدالرحمان بدوي: "مستشرق بلجيكي وراهب يسوعي شديد التعصب ضد الاسلام، يفتقر افتقاراً تاماً الى النزاهة في البحث والأمانة في نقل النصوص وفهمها. ويعد نموذجاً سيئاً جداً للباحثين في الإسلام من بين المستشرقين.
ولد في بلجيكا سنة (1862م)، وجاء الى بيروت في صباه، وتعلم في الكلية اليسوعية في بيروت، وبدأ حياة الرهبنة في سنة (1878م)، فأمضى المرحلة الاولى في دير لليسوعيين في قرية غزير في جبل لبنان طوال عامين، ثم قضى خمسة أعوام في دراسة الخطابة واللغات. وفي سنة (1886م) صار معلماً في الكلية اليسوعية ببيروت. وسافر الى انجلترة والى لوفان، ووصل الى فيينا في (1896م)، وعاد الى بيروت سنة (1897م)، حيث عيّن معلماً للتاريخ والجغرافيا في كلية اليسوعيين. ولما أسس (معهد الدروس الشرقية) ضمن كلية اليسوعيين في (1907م)، صار فيه اُستاذاً للتاريخ الإسلامي، ولما توفي لويس شيخو في سنة (1927م)، خلفه لامنس على إدارة مجلة المشرق، وهي مجلة فصلية تصدر عن اليسوعيين في بيروت، ولهم مجلة دينية شعبية تبشيرية اُخرى تدعى (البشير)، وقد تولى لامنس إدارتها مرتين قبل ذلك بزمن طويل، مرة في سنة (1894م)، ومرة اُخرى من سنة (1900م) إلى (1903م).
وكان لامنس يكتب في هاتين المجلتين مقالات كثيرة، يكتبها بالفرنسية، ثم يتولى غيره ترجمتها الى العربية، وتنشر باللغة العربية، وتوفي لامنس في 23 أبريل (1937م).
وإنتاج لامنس يدور حول موضوعين:
ألف - السيرة النبوية.
ب - بداية الخلافة الاُموية.
لكن له إلى جانب ذلك كتب ودراسات حول موضوعات متفرقة في العقيدة الإسلامية، وتاريخ سوريا وآثارها، وفيما يلي ثبت بكتبه:
ألف - مصنفاته ومقالاته في السيرة النبوية:
1 ـ مهد الاسلام، 1914 م.
2 ـ مكة عشية الهجرة، بيروت 1923 - 1924م.
3 ـ مدينة الطائف العربية عشية الهجرة، بيروت 1922 م.
4 ـ غربي الجزيرة العربية قبل الهجرة، بيروت 1928 م، وهو مجموع من ست دراسات عن اليهود والنصارى قبيل الهجرة النبوية، وعن ديانات العرب قبل الإسلام، ويقع في 344 صفحة.
5 ـ المعابد قبل الإسلام في غربي الجزيرة العربية.
وهو في هذه الكتب الخمسة، إنّما يلخص أبحاث المستشرقين وعلماء الآثار والجغرافيا في هذه الموضوعات، وليس له أي إسهام أصيل، وفي ظل التمهيد بهذه الكتب التي تبيّن الوضع الجغرافي والديني والاقتصادي والاجتماعي للحجاز عامة، وللقريتين: مكة والطائف خاصة، كتب دراساته المتعلقة بالنبي (صلى الله عليه وآله) وفاطمة (عليها السلام) وتأريخ السيرة، وهي:
6 ـ القرآن والسنّة، كيف ألفت حياة محمد، بحيث ظهر في أبحاث في علوم الدين: ج 1 باريس 1910 م.
7 ـ هل كان محمد أميناً. أبحاث في علوم الدين: ج2 باريس 1911 م.
8 ـ عصر محمد وتاريخ السيرة، في المجلة الآسيوية 1911 م.
9 ـ فاطمة وبنات محمد، تعليقات نقدية لدراسة السيرة، روما (1912 م)ثم تناول مسألة خلافة النبي بعد وفاته، وذلك في كتاب بعنوان:
أ - الحكومة الثلاثية من أبي بكر وعمر وأبي عبيدة.
وفي هذه الكتب الأربعة، تحامل لامنس على السيرة النبوية تحاملا شديداً، زاعماً أن القرآن وحده هو المصدر الذي يعتمد عليه في بيان سيرة النبي، وأن كتب الحديث كلها موضوعة من أجل تحقق غايات معينة هي تمجيد حياة النبي (صلى الله عليه وآله).
وقد نهج في هذا نهج ليوني كايتاني، فلم يُقم لكتب الحديث وكتب السيرة أي وزن، وهو في هذا لا يسوق أي دليل نقلي أو عقلي، ولا يرجع الى مصادر اُخرى عن السيرة، بل هو يلقي الكلام جزافاً ويعتمد على تحكمات ذهنية استقرت حسب معان ذهنية سابقة، ولم يكن لديه اطّلاع باحث مثل جولدتسيهر، يحاول أن يستمد دعواه من مصادر اُخرى تلمودية أو هلينية...الخ، بل راح يخبط دون أدنى سند أو برهان عقلي، وأبشع ما فعله، خصوصاً في كتابه (فاطمة وبنات محمد) هو أنه كان يشير في الهوامش الى مراجع بصفحاتها، وقد راجعت معظم هذه الإشارات في الكتب التي أحال إليها، فوجدت أنه إما أن يشير الى مواضع غير موجودة إطلاقاً في هذه الكتب، أو يفهم النص فهماً ملتوياً خبيثاً، أو يستخرج إلزامات بتعسف شديد يدل على فساد الذهن وخبث النية، ولهذا ينبغي ألاّ يعتمد القارئ على إشاراته الى مراجع، فإن معظمها تمويه وكذب وتعسف في فهم النصوص، ولا أعرف باحثاً بين المستشرقين المحدثين قد بلغ هذه المرتبة من التضليل وفساد النية.
ب - في تاريخ بداية الخلافة الاُموية، وعلى نحو مشابه درس لامنس أولوية الخلافة الاُموية، فصنف الكتب والدراسات التالية:
1 - دراسات عن حكم الخليفة الاُموي معاوية الأول، بيروت 1907 م.
2 - خلافة يزيد الأول، بيروت 1912 م.
3 - زياد بن أبيه والي العراق ونائب معاوية الأول 1912 م.
4 - معاوية الثاني أو آخر السفيانيين.
5 - دراسات عن عصر الاُمويين، بيروت 1930 م.
6 - مجيء المروانيين وخلافة مروان الأول.
وفي هذه الدراسات بالغ لامنس في تمجيد الاُمويين بدافع من الحقد الشديد على الإسلام، وفارق هائل بين ما قام به يوليوس فلهوزن في كتابه (الدولة العربية وسقوطها) من انصاف لمعاوية ولبعض الاُمويين من تحامل اقترفه المؤرخون المسلمون الذين كتبوا في العصر العباسي، وكانوا تبعاً لذلك متأثرين بكراهية العباسيين للاُمويين ومشايعين لرواية أهل العراق، وبين الاندفاع الأهوج عند لامنس في تبرير أبشع جرائم يزيد والاُمويين عامة...(14)
وهكذا نجد التطابق بين أهداف المستشرقين والزنادقة من أعداء الاسلام، وكذلك في أساليبهم، فكل طعن في الاسلام يقابله أيضاً تمجيد للاُمويين بشكل يدل على أن هذا التمجيد لبني اُمية إنما يستهدف في حقيقته هدم الاسلام، وإظهار الاُمويين وكأنهم هم الذين يمثلون وجهة نظر الاسلام، وصارت جهود هؤلاء تصب في المجرى الذي رسمه الاُمويون وفي مقدمتهم معاوية لتزييف الحقائق عن تاريخ الاسلام.
موقف الجمهور
من الاُمور التي تبعث على الاستغراب حقاً، هو تمسّك جمهور المؤلفين المسلمين بالروايات الكاذبة التي دسّها الزنادقة في التاريخ الإسلامي، ورفض ما عداها بإصرار غريب، والادعاء بأن تلك الروايات هي (صحاح الاخبار) كما عبّر عنها القاضي ابن العربي!ولا شك أن السياسة الاُموية كانت على درجة من الدهاء بحيث استطاعت طيلة ما يقرب من قرن من الزمان أن تبث إعلامها وتفرضه على المسلمين، حتى استقرت هذه المعلومات في أذهان العامة، وصارت تشكل المصدر الرئيس لمعارفه.
ولعل الأمر الذي يبعث على التساؤل هو: لماذا استمر هذا الخط الاُموي بعد انقراض دولتهم، والاطاحة بهم من قبل خصومهم العباسيين، مع الأخذ بنظر الاعتبار أن أكثر المؤرخين الكبار قد دوّنوا موسوعاتهم التاريخية في العصر العباسي، وكيف سمحت السلطة العباسية بذلك!
لقد أوضحنا في فصول سابقة، أن المؤرخين ـ أمثال الطبري - إنما اعتمدوا على ما وصلهم من مؤلفات ترجع اُصولها الى العصر الاُموي الذي بدأ فيه تدوين هذه الاُمور، فقاموا بنقلها كما هي عن مصادرها الاولى تلك. وهناك أمران آخران على جانب من الأهمية:
1 - إن المصالح السياسية العليا للدولة العباسية -وكل الدول التي جاءت بعدها- كانت تتفق تماماً مع مثيلاتها للدولة الاُموية، وإن استمرار هذا المنهج التاريخي كفيل بخدمة الدولة العباسية كما خدم الدولة الاُموية، وسوف اُناقش هذا الأمر بتفصيل أكثر فيما بعد، ليزداد الأمر وضوحاً.
2 - إن الرأي العام الإسلامي الذي تشكل بفعل الاعلام الموجّه للدولة الاُموية طيلة ما يقرب من قرن من الزمان، قد ترسخ في الأذهان، وصار من الصعب تغييره، وقد تبنى هذا المنهج بعض المواضيع التي تدخل في صلب عقيدة المسلم، والتي تشكلت هي الاُخرى في بعض جوانبها نتيجة لهذه السياسة الإعلامية، ولعل أهم ما فيها هو: تقديس السلف الذي كان مقدمة لظهور مصطلح (عدالة الصحابة المطلقة)، والتي سوف نناقشها أيضاً في موضعها المناسب إن شاء الله.
ويمكننا ملاحظة عقيدة الجمهور من خلال أخذهم الأخبار من المصادر التي تتوافق -ولو ظاهرياً- مع هذه النظرة الاعلامية، ورفضهم لكل ما يخالف ذلك القصور. فنقرأ في ترجمة أبي مخنف لوط بن يحيى قولهم: شيعي محترق، صاحب أخبارهم!(15).
وبملاحظة عبارة (صاحب أخبارهم) تبين لنا أن المصدر الرئيس الذي يعتمده الجمهور ويأخذ منه الأخبار، هو الذي قد جاء عن طريق وسائل الاعلام الرسمية التي أسستها الدولة الاُموية، ودعمها رجال اللاهوت النصارى والمستشرقون المعاصرون والزنادقة الحاقدون على الإسلام، فأصحبت هي الأخبار المعتمدة عند الجمهور، وما عدا ذلك فهو ليس ممّا يعتمده الجمهور كمصدر لتناول الأخبار، بل هو من مصادر أهل البدع والأهواء. وقد لخّص بعض المؤلفين من القدامى والمحدثين هذه النظرية، وعبّروا عن رأيهم ذلك بكل صراحة ووضوح، فبعد أن يورد ابن كثير الدمشقي روايات الطبري عن طريق سيف، حول أحداث معركة الجمل، نجده يقول معلقاً:
هذا ملخص ما ذكره أبو جعفر بن جرير رحمه الله عن أئمة هذا الشأن، وليس فيما ذكره أهل الأهواء من الشيعة وغيرهم من الأحاديث المختلقة على الصحابة والأخبار الموضوعة التي ينقلونها بما فيها، وإذا دُعوا الى الحق الواضح أعرضوا عنه وقالوا: لنا أخبارنا ولكم أخباركم، فنحن حينئذ نقول لهم: سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين!!(16).
ولم يسلم من ربقة هذا الاتجاه الفكري حتى المؤلفين المعاصرين الذين يُفترض فيهم التعمق الأكثر في التراث لتوفر أدوات البحث بشكل أفضل في هذا العصر، ولكننا نراهم لا يتبعون إلاّ سبيلا واحداً، وهو مجاملة الرأي العام الذي تشكل منذ أربعة عشر قرناً وبقيت قناعاته مستمرة الى يومنا هذا.
يقول محمد قطب في معرض حديثه عن المناهج التاريخية الإسلامية:
هناك عيب رئيسي في تلك المناهج بصفة عامة، هو التركيز على التاريخ السياسي للمسلمين على حساب بقية مجالات الحياة الإسلامية: العقدية، الفكرية، والحضارية، والعلمية، والاجتماعية...الخ. ومما لا شك فيه أن التاريخ السياسي للمسلمين هو أسوأ ما في تاريخهم كله، فبصرف النظر عن المبالغات التي نشأت من الخلافات المذهبية وتلوينها لوقائع التاريخ، ككتابات الشيعة عن تاريخ أهل السنّة مثلا... فمما لا شك فيه أنه قد وقعت انحرافات كثيرة في المجال السياسي عن الخط الإسلامي الأصيل، وأنهذه الانحرافات قد وقعت في وقت مبكر من تاريخ الإسلام لم يكن ينبغي أن تقع فيه(17).
فمع اعترافه بوجود انحرافات خطيرة في تاريخ الإسلام في وقت مبكر، إلاّ أنه يحاول الايماء بأن المبالغات التي وقعت في هذا التاريخ قد جاءت من الشيعة، ولكنه لا يلتفت الى التشويه الذي تولاه الزنادقة لتخريب هذا التاريخ وإفساد عقائد المسلمين بتلك المعلومات المدسوسة.
وإنك لتجد معظم الباحثين المحدثين، ومن ذوي المستويات العلمية العالية، يتناولون أحداث التاريخ الإسلامي بحذر شديد، فيحومون حول القضية الجوهرية حتى يكاد بعضهم ينطق بالحقيقة! إلاّ أنه سرعان ما ينكص على عقبيه، معتذراً للجمهور بافتعال أعذار واهية لا تسمن ولا تغني من جوع، وما ذلك إلاّ لأن بعض المؤسسات الدينية التي ورثت هذه العقائد من قرون متطاولة، ترفض أي مناقشة لهذه المواضيع، وويل لمن يتجرأ على خرق هذا الحظر المفروض على الحقيقة. إن النظر دائماً الى التاريخ السياسي للمسلمين على أنه أسوأ ما في تاريخهم، خطأ جسيم، فالتاريخ السياسي للمسلمين هو جزء من عقيدتهم، ولكن المشكلة تكمن في كيفية تناول هذا التاريخ...!
بين الزنادقة والاُمويين
لقد تبين من خلال استعراضنا للحوادث التي وقعت في زمن عثمان بن عفان وما بعدها بقليل، ومن خلال تحليل الروايات التي تفرّد بها سيف بن عمر، أن محاولة نفي تهمة الزندقة عن سيف بن عمر لا تجدي نفعاً، لأن الاحتجاج بمنافحته عن الصحابة مردود بتحامله الشديد على عدد غير قليل من خيار الصحابة والتابعين. إلاّ أن الملفت للانتباه -وكما ذكرنا سابقاً- هو دفاعه المستميت عن معاوية وبني اُمية عامة وإظهارهم بمظهر الأتقياء البررة المدافعين عن الإسلام. وليس ثمة شك بأن الزنادقة لا يمكن أن يكونوا حريصين على تاريخ الإسلام، فلابد إذاً من وجود علاقة متينة بين أهداف هؤلاء الزنادقة، مضافاً إليهم المستشرقون الحاقدون على الإسلام، وأهداف الاُمويين في تخريب الإسلام. "فالزندقة لم تكن إلاّ نشاطاً مركزاً للمانوية، أرادت تحت ستار إسلامي شفّاف، وبطريق التأويل. وبالتشكيك بالقيم والعقيدة، أرادت تهديم الكيان القائم والسلطان العربي بنسف الاسلام"(18).والأساليب التي أتبعها الزنادقة لتحقيق أهدافهم كانت على درجة كبيرة من الدهاء والخبث، فبعضهم يظهر بمظهر الزاهد العابد الواعظ المعرض عن الدنيا وزخرفها، بل وإن بعضهم استطاع افساد عقائد الناس عن طريق الخطب والمواعظ التي كانوا يلقونها من على المنابر، ويبثون فيها سمومهم بين المسلمين، ومن العجب أن الناس كانوا كثيراً ما تستهويهم أساليب هؤلاء الزنادقة!
قال ابن أبي الحديد:
كان أبو الفتوح أحمد بن محمد الغزالي الواعظ -أخو أبي حامد محمد بن محمد الغزالي الفقيه الشافعي- قاصاً لطيفاً وواعظاً مفوّهاً، وهو من خراسان من مدينة طوس، وقدم الى بغداد ووعظ بها، وسلك في وعظه مسلكاً منكراً، لأنه كا يتعصّب لإبليس ويقول: إنه سيّد الموحّدين!
وقال يوماً على المنبر: من لم يتعلم التوحيد من إبليس فهو زنديق! اُمر أن يسجد لغير سيّده فأبى:
ولستُ بضارع إلاّ إليكم/وأمّا غيركم حاشا وكلاّ
وقال مرة اُخرى: لما قال موسى (أرني) فقال (لن)، قال: هذا شغلك، تصطفي آدم ثم تسوّد وجهه، وتخرجه من الجنة! وتدعوني الى الطور ثم تُشمت بي الأعداء! هذا عملك بالاحباب، فكيف تصنع بالأعداء....!
وقال مرة اُخرى: إلتقى موسى وإبليس عند عقبة الطور، فقال موسى: يا إبليس لِمَ لَمْ تسجد لآدم؟ فقال: كلا، ما كنت لأسجد لبشر، كيف اُوحّده ثم التفت إلى غيره! ولكنك أنت يا موسى سألت رؤيته ثم نظرت الى الجبل، فأنا أصدق منك في التوحيد!
وكان هذا النمط من كلامه ينفق على أهل بغداد، وصار له بينهم حديث مشهور وإسم كبير!(19).
ولجأ بعض الزنادقة الى تحريف وتزييف السنّة النبوية الشريفة، بوضع الأحاديث المكذوبة والافتراء على النبي (صلى الله عليه وآله) بنسبتها إليه، ومن أشهر هؤلاء الزنادقة الوضاعين، عبدالكريم بن أبي العوجاء الذي اعترف عندما عُرض على السيف بأنه وضع أربعة آلاف حديث يُحلّ فيها الحرام ويحرّم فيها الحلال!(20).
أما الزنديق الأكثر خطراً والأعظم مكراً فهو دون شك سيف بن عمر الذي لم يكتف بوضع الأحاديث المكذوبة، بل إنه قام بتزييف التاريخ الاسلامي أيضاً، ووضع للمسلمين تاريخاً مقلوباً رأساً على عقب، نصرة لبني اُمية دون سواهم.
المصادر :
1- تاريخ الطبري 5: 253، الكامل في التاريخ 3: 472.
2- - شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 11: 44.
3- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 5: 129.
4- الطبري 5: 189، الكامل لابن الأثير 3: 430.
5- تهذيب الكمال 17: 220.
6- سير أعلام النبلاء 5: 326.
7- سير أعلام النبلاء 5: 326.
8- الأغاني 22: 21 أخبار خالد القسري.
9- مصنف عبد الرزاق 5: 325.
10- مصنف عبدالرزاق 5: 343 الفضائل لاحمد بن حنبل.
11- الهرطقة عند النصارى: البدعة في الدين. المنجد في اللغة: 863.
12- جواد علي: 25.
13- جواد علي: 25.
14- عبد الرحمان بدوي. موسوعة المستشرقين: 503.
15- ميزان الاعتدال 3: 42، لسان الميزان 4: 492.
16- البداية والنهاية 7: 175.
17- كيف نكتب التاريخ: 16.
18- عبدالعزيز الدوري. مقدمة في تاريخ الاسلام: 93.
19- شرح نهج البلاغة 1: 107.
20- لسان الميزان 4: 61.