معاوية بن أبي سفيان

هو معاوية بن أبي سفيان (صخر) بن أميّة بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي ، وأمه : هند بنت عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف ، وكنيته أبو عبد الرحمن
Sunday, February 25, 2018
الوقت المقدر للدراسة:
مؤلف: علی اکبر مظاهری
موارد بیشتر برای شما
معاوية بن أبي سفيان
 معاوية بن أبي سفيان

هو معاوية بن أبي سفيان (صخر) بن أميّة بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي ، وأمه : هند بنت عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف ، وكنيته أبو عبد الرحمن. (١)
دخل مسجد الكوفة (بعد الصلح مع الإمام الحسن بن عليّ عليه‌السلام).
وتمّت له البيعة في المسجد في الخامس والعشرين من ربيع الأول من سنة 41هـ (٢) ، وقيل بويع بالخلافة في شهر ذي القعدة من سنة 40هـ ورجع إلى الشام سنة 41هـ (٣)
وأثناء وجود معاوية في الكوفة ثار عليه عبد الله بن الحوساء في (النخيلة) فأرسل معاوية اليه خالد بن عرفطة العذري مع جماعة من أهل الكوفة فقتل ابن أبي الحوساء في شهر جمادي من سنة 41هـ (٤)
وكان الخليفة عمر بن الخطاب قد ولّاه الشام بعد وفاة أخيه يزيد بن أبي سفيان وبقي واليا عليها طيلة خلافة عمر ، ولمّا جاء عثمان بن عفّان إلى الخلافة أقرّه على ولاية الشام. ولمّا آلت الخلافة إلى الإمام عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام بعد عثمان بايعه المهاجرون والأنصار ما عدا معاوية فإنّه أعلن العصيان واستقل بالشام ولم يبايع الإمام عليّ بالخلافة وأخذ يطالب بدم عثمان بن عفّان.
ثمّ جرت بينه وبين الإمام عليّ عليه‌السلام مكاتبات كثيرة نذكر منهما كتابين فقط ، أحدهما للإمام عليّ عليه‌السلام والآخر لمعاوية ، فقد كتب الإمام عليّ عليه‌السلام إلى معاوية يقول : بسم الله الرحمن الرحيم : (سلام عليك ، أما بعد ، فإنّ بيعتي بالمدينة لزمتك وأنت بالشام ، لأنّه بايعني الّذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان على ما بويعوا به فلم يكن للشاهد أن يختار ولا للغائب أن يعود وإنّما الشورى للمهاجرين والأنصار ، فإذا اجتمعوا على رجل وسموه إماما كان ذلك لله رضا وإن خرج عن أمرهم خارج ردّوه إلى ما خرج عنه فإن أبى قاتلوا على اتباعه غير سبيل المؤمنين وولّاه الله ما تولّى وأصلاه جهنّم وساءت مصيرا ، وإنّ طلحة والزبير بايعاني ثمّ نقصا بيعتهما وكان نقضهما كردهما فجاهدتهما بعد ما أعذرت اليهما حتّى جاء الحقّ وظهر أمر الله وهم كارهون ، فادخل فيما دخل فيه المسلمون أحبّ الأمور إليّ قبولك العافية وقد أكثرت في قتلة عثمان فإن أنت رجعت عن رأيك وخلافك ودخلت فيما دخل فيه المسلمون ثمّ حاكمت القوم إليّ حملتك وإياهم على كتاب الله وأما تلك الّتي تريدها فهي خدعة الصبي عن اللبن ولعمري لئن نظرت بعقلك دون هواك لتجدني أبرء قريش من دم عثمان ، واعلم أنّك من الطلقاء (5) الّذين لا تحلّ لهم الخلافة ولا يدخلون في شورى وقد بعثت اليك وإلى من قبلك (جرير ابن عبد الله) وهو من أهل الإيمان والهجرة فبايعه ولا قوّة إلّا بالله). (6)
وعند ما وصل جرير بن عبد الله البجليّ إلى الشام سلّم الكتاب إلى معاوية بن أبي سفيان فكتب معاوية إلى عمرو بن العاص كتابا جاء فيه :
(أمّا بعد .. فإنه كان من أمر عليّ وطلحة والزبير وعائشة ما قد بلغك فقد سقط الينا مروان في رافضة أهل البصرة وقد قدّم عليّ جرير بن عبد الله في بيعة عليّ وحبست نفسي عليك حتّى تأتيني فاقدم على بركة الله). (7)
فأرسل عمرو بن العاص إلى ولديه عبد الله ومحمّد واستشارهما في كتاب معاوية فقال له ابنه (عبد الله) : (أيّها الشيخ إنّ رسول الله قبض وهو عنك راض ومات أبو بكر وعمر وهما راضيان عنك فإنك إن تفسد دينك بدنيا يسيرة تصبها مع معاوية فتضطجعان غدا في النار). (8)
أما ابنه (محمّد) فقد قال : (بادر هذا الأمر فكن فيه رأسا قبل أن تكون ذنبا) ، عندها أنشد عمرو وقال (9) :
تطاول ليلي من هموم الطوارق / وخوف الّتي تجلو وجوه العوائق
فإنّ ابن هند سالني أن أزوره / وتلك الّتي فيها نبات البوائق
أتاه جرير من عليّ بخطة / أمرت عليه العيش من كلّ دانق
فإنّ نال منه ما يؤمل ردّه / فإن لم ينله ذلّ ذلّ المطابق
فو الله ما أدري وإنّي لهكذا / أكون ومهما قادني فهو سائقي
أأخدعه فالخدع فيه دنية / أم أعطه من نفسي نصيحة وامق
أم أجلس في بيتي وفي ذاك راحة / لشيخ يخاف الموت في كلّ شارق
وقد قال عبد الله قولا تعلّقت / به النفس إن لم يقتلني عوائق
وخالفه فيه أخوه محمّد / وإنّي لصلب العود عند الحقائق
فلمّا سمع ابنه عبد الله شعر أبيه قال : (بال الشيخ على عقبيه وباع دينه بدنياه) (10).
ثمّ ذهب عمرو بن العاص إلى معاوية وتداولا الأمر ثمّ بات عمرو تلك الليلة عند معاوية وهو يقول (11) :
معاوي لا أعطيك ديني ولم أنل / به منك دنيا فانظرن كيف تصنع
فإن تعطني مصرا فأربح بصفقة / أخذت بها شيئا يضرّ وينفع
وما الدين والدنيا سواء وإنّني / لأخذ ما أعطي ورأسي مقنع
ولكننّي أعطيك هذا وإنّني / لأخدع نفسي والمخادع يخدع
أأعطيك أمرا فيه للملك قوّة / وأبقى إن زلت النعل أخدع
وتمتعي مصرا فاربح بصفقة / وأن نرى القنوع يوما لمولع
فوافق معاوية على شروط عمرو بن العاص ، وأشهدا الشهود ، وختم الشروط بخاتمه ، فبايعه عند ذاك عمرو بن العاص ، وتعاهدا على هذا الوفاء. (12)
ثمّ كتب معاوية بن أبي سفيان إلى الامام عليّ عليه‌السلام جوابا على كتابه جاء فيه : (سلام عليك اما بعد فلعمري لو بايعك الّذين ذكرت وانت بريء من دم عثمان لكنت كأبي بكر وعمر وعثمان ، ولكنك اغريت بدم عثمان ، وخذلت الانصار ، فاطاع بك الجاهل ، وقوي بك الضعيف ، وقد ابى أهل الشام إلّا قتالك ، حتّى تدفع اليهم قتلة عثمان فإن فعلت كانت شورى بين المسلمين ، وإنّما كان الحجازيون هم الحكام على الناس والحقّ فيهم ، فلمّا فارقوه كان الحكام على الناس اهل الشام ، ولعمري ما حجتك على اهل الشام كحجتك على اهل البصرة ، ولا حجتك عليّ كحجتك على طلحة والزبير إن كانا بايعاك ، فلم ابايعك أنا ، فأمّا فضلك في الاسلام ، وقرابتك من رسول الله ، فلست أدفعه). (13) ثمّ جاءت معركة (صفّين) (14)
ولو لا رفع المصاحف (وبايعاز من عمرو بن العاص لكان معاوية وجيشه في خبر كان). وقد قال الإمام عليّ عليه‌السلام لمعاوية قبل بدء القتال (أبرز لي واعف الفريقين من القتال فأيّنا قتل صاحبه كان له الأمر) (15). فقال عمرو بن العاص لمعاوية : (لقد أنصفك الرجل). فقال له معاوية : (لعلّك طمعت (16) فيها يا عمرو).
وقد اشتهر معاوية بن أبي سفيان بالدهاء والحيلة والمكر حتّى قال الإمام عليّ عليه‌السلام في ذلك : (والله ما معاوية بأدهى منّي ، ولكنّه يغدر ويفجر ، ولو لا كراهية الغدر لكنت من أدهى الناس ولكن لكلّ غدرة فجرة ، ولكلّ فجرة كفرة ، ولكل كافر لواء يعرف به يوم القيامة ...). (17)
وعن سعيد بن العاص أنّه قال : (سمعت معاوية يقول : لا أضع سيفي حيث يكفيني سوطي ولا أضع سوطي حيث يكفيني لساني ، ولو أن بيني وبين الناس شعرة ما انقطعت). قيل له : وكيف يا أمير المؤمنين؟ قال : (كانوا إذا مدّوها جلبتها ، وإذا خلّوها مددتها). (18)
وبعد مقتل الإمام عليّ عليه‌السلام تلكأ معاوية في تولية عمرو بن العاص على مصر فكتب عمرو إلى معاوية قصيدة طويلة نقتطف منها الأبيات التالية : (19)
معاوية ، الفضل لا تنس لي / وعن منهج الحقّ لا تعدل
نصرناك من جهلنا ، يابن هند / على السيد الأعظم الأفضل
وما كان بينكما نسبة / فأين الحسام من المنجل
وأين الثريا وأين الثرى / وأين معاوية من عليّ
عندها ولّاه معاوية مصر.
وقيل إن ملك الروم أرسل قارورة (قنينة) إلى معاوية بن أبي سفيان وقال له : (ابعث لي فيها من كلّ شيء) فطلب معاوية من عبد الله بن عباس أن يعلمه بما ذا يملأها؟ ، فقال له ابن عباس (أملأها ماء) (20) ، فلمّا رأى ملك الروم ذلك قال : (لله أبوه ما أدهاه)!! (21)
وعند ما آل الأمر إلى معاوية بن أبي سفيان (بعد الصلح) (22) فقد أتبع سياسة تختلف من كلّ الوجوه عمّا كانت عليه أيّام الخلافة الراشدة ، حيث كان كتاب الله والسنة النبوية هما اللّذان يسودان المجتمع الإسلاميّ ، فيأخذ كلّ ذي حقّ حقّه ويعطي ما عليه ، وإن تأخّر في واجب كانت عليه (الدرّة) (23) ، وكان المسلمون لا يتأوّلون القرآن تأوّلا يخرجه عن حقيقته الّتي تدعو الناس إلى التآزر والتحابب.
فكان معاوية وبنو أميّة من بعده أخذوا يتأوّلون القرآن حسب رغباتهم وأهوائهم ، وخير دليل على ذلك ما فعله زياد بن أبيه ، عند ما قتل ذلك الأعرابي وهو يعلم علم اليقين بأنّ الأعرابي بريء لكنه قال : (إنّ في قتلك صلاح للرعية). (24) وكذلك في اتّهام حجر بن عدي الكنديّ (25) وجماعته مما تسبب في قتلهم.
وكان معاوية ، هو أوّل خليفة في الإسلام ، بايع لولده (يزيد) بالخلافة وأوّل من وضع البريد ، وأوّل من خطب وهو جالس ، وأوّل من عمل المقصورة في المساجد وأوّل من أتخذ الخصيان في خدمته. (26)
وكان معاوية قد الحقّ نسب زياد بن أبيه ، بابيه أبي سفيان ، ثمّ عينه أميرا على البصرة ، ثمّ على الكوفة والبصرة (العراقين) ، كما انه عهد بولاية العهد إلى ابنه يزيد (كما ذكرنا آنفا) والكلّ يعرف من هو يزيد ... يزيد الّذي قتل الحسين إبن بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأخذ عياله سبايا إلى الشام ، واستباح المدينة (27) ... إضافة إلى لهوه ، وعبثه ، ومجونه ، وصبيانه ، وفي ذلك قال عبد الرحمن بن همّام السلوليّ : (28)
فإن تأتوا برملة أو بهند / نبايعها أميرة مؤمنينا
إذا ما مات كسرى قام كسرى / نعدّ ثلاثة متناسقينا
فيا لهفا لو أنّ لنا أنوفا / ولكن لا نعود كما عنينا
إذا لضربتم حتّى تعودوا / بمكّة تلعقون السحينا
خشينا الفيض حتّى لو شربنا / دماء بني أميّة ما روينا
لقد ضاعت رعيتكم وأنتم / تصيدون الأرانب غافلينا
وكان معاوية قد تزوج (ميسون) (29) بنت حميد بن بجدل الكلابيّة ، وذلك تقرّبا إلى يمانية الشام (دون القيسيّة) فجاء بها إلى دمشق ، وأسكنها في إحدى قصوره المطلّة على (الغوطة) وكانت ميسون قبل ذلك تعيش مع أهلها في بيت من الشعر وتحيا حياة بدويّة ، ساذجة بسيطة فجلست ذات يوم لوحدها ، فتذكّرت أهلها واقرانها وزاد بها الحنين إلى مسقط رأسها حيث الخيام وحيث الفضاء الرحب فقالت : (30)
لبيت تخفق الأرواح فيه / أحبّ إليّ من قصر منيف
ولبس عباءة وتقرّ عيني / أحبّ إليّ من لبس الشفوف
وبكر يتبع الأضعان صعب / أحبّ إليّ من بغل زفوف
وكلب ينبح الأضياف دوني / أحبّ إليّ من هزّ الدفوف
وخرق من بني عمي ثقيف أحبّ إليّ من علج (31) عنيف
فقال لها معاوية (وكان يتصنّت اليها) : (ما رضيتيني يا بنت بجدل حتّى جعلتيني علجا عنيفا ، إلحقي بأهلك) فطلقها فذهبت إلى أهلها ومعها أبنها يزيد. وقيل أنه قال لها : (كنت فبنت) (32) فأجابته ميسون : (لا والله ما سررنا إذ كنّا ، ولا أسفنا إذبنّا). (33) وقيل إنّ معاوية سبق وقال لها : (أنت في ملك عظيم ، وما تدرين ما قدره قبل اليوم في العباءة) فقالت الأبيات المذكورة. (34)
وقيل جاء (جارية بن قدامة السعديّ) إلى معاوية ، فقال له معاوية : من أنت؟ قال : جارية بن قدامة ، فقال له معاوية : (وما عسيت أن تكون؟ هل أنت إلّا نحلة)؟ قال جارية : (لا تقل ، فقد شبهتني بها حامية اللسعة ، حلوة ألبصاق ، والله ما معاوية ، إلا كلبة تعاوي الكلاب ، وما أميّة إلا تصغير أمّة). (35)
وقيل دخل شريك بن الأعور على معاوية ، وكان دميما ، فقال له معاوية : (إنّك لدميم ، والجميل خير من الدميم ، وإنّك لشريك وما لله شريك ، وإن أباك لأعور والصحيح خير من الأعور فكيف أصبحت سيّد قومك!!؟ (36) فأجابه : إنّك يا معاوية ، وما معاوية إلا كلبة عوت فأستعوت الكلاب ، وإنّك لأبن صخر بن حرب والسهل خير من الحرب ، وإنّك لأبن أميّة وما أميّة إلا (أمّة) صغرت فكيف صرت (امير المؤمنين)؟! ثمّ خرج شريك وهو يقول : (37)
أيشتمني معاوية بن حرب / وسيفي صارم ومعي لساني
وحولي من ذوي يزن ليوث / ضراغمة تهشّ إلى الطعان
يعيّر بالدمامة من سفاه / وربات الجمال من الغواني
وذهب ذات يوم (عتبة) (38) و (عنبسة) (39) ابنا أبي سفيان إلى أخيهما معاوية وأثناء جلوسهما عنده ، حصل بينهما خلاف ، فتشاجرا فانحاز معاوية بجانب (عتبة) وأخذ يلوم أخاه (عنبسة) ويسيء إليه بالكلام ، فقال (عنبسة) : (وأنت أيضا يا أمير المؤمنين)؟! (40) فقال معاوية : (يا عنبسة ... إنه عتبة بن هند).
فقال عنبسة : (41)
كنّا بخير صالحا ذات بيننا / قديما فأمست فرقت بيننا هند
فإن تك هند لم تلدني فإنني / لبيضاء ينميها غطارفة نجد
أبوها أبو الأضياف في كلّ شتوة / ومأوى ضعاف لا تنوء من الجهد
جفيناته ما إن تزال مقيمة / لمن خاف غوري تهامة أو نجد
وقال معاوية ذات يوم لجلسائه : من هو افصح الناس؟
فقام له رجل من جرم فقال : (قوم تباعدوا عن فراتية العراق ، وتيامنوا عن كشكة تميم ، وتياسروا عن كسكة بكر ، ليس فيهم غمغمة قضاعة ، ولا طمطمانية حمير) (42). فقال معاوية : من هم؟!. قال الرجل : هم قومي.

وقيل : أرسل معاوية كتابا إلى ملك الروم بدأه بعبارة : (إلى طاغية الروم). ولمّا قرأ ملك الروم الكتاب قال للرسول : (ما لذي الفخر بالرسالة ، والمتسمّى بخلافة النبوة والسفه؟ ما أظنكم ولّيتم هذا الامر إلا بعد إعذار (43) ولو شئت لكتبت : (من ملك الروم إلى غاصب أهل بيت نبيه والعامل بما يكفره عليه كتابه ولكني أتجالك (44) عن ذلك). (45)
وجيء بخراج العراق إلى معاوية في الشام فحمله (خصي) فقال الخصيّ لمعاوية : (يا سيّدي ، أعطني منه شيئا) ، فقال له معاوية : ويحك وماذا تعمل به؟ لأنّك اذا متّ وتركته فسوف تكوى به يوم القيامة.
فقال الخصي : (يا مولاي إن كان هذا حقّا فإنّ جلدك لا يشترى يوم القيامة بفلس). (46)
وكتب معاوية إلى (بسر بن أرطأة) العامري أن يذهب إلى المدينة ومعه ثلاثة آلاف رجل فيطرد أهلها ويهدّد كلّ من مرّ به وينهب مال كلّ من لم يكن في طاعة معاوية ، فذهب بسر ونفّذ كلّ ما أمره به معاوية حتّى وصل إلى المدينة وكان أميرها آنذاك (أبو أيّوب الأنصاريّ) فترك الأنصاريّ المدينة فدخلها بسر وصعد المنبر فقال : (يا أهل المدينة مثل السوء لكم قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كلّ مكان فكفرت بنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع ، شاهت الوجوه) ، ثمّ مازال يشتم حتّى نزل. (47)
ومن النوادر الّتي حصلت لمعاوية أيّام حكمه نذكر منها : (بينما كان معاوية في مجلسه ، وأهل الشام حوله ، إذ أقبل عقيل بن أبي طالب فقال لهم معاوية : أتعرفون (أبا لهب) الّذي قال الله في حقه : (تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ) من هو؟. فقال أهل الشام : لا.
فقال معاوية : (هو عم هذا) وأشار إلى عقيل.
فسمعه عقيل فقال في الحال : (أتعرفون امرأته الّتي قال الله فيها : (وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ) من هي؟
فقالوا : لا. قال عقيل : (هي عمة هذا) (48) وأشار بيده إلى معاوية.
ويحكى أيضا : أنّ رجلا من أهل الكوفة ذهب إلى دمشق أيّام معاوية وكان راكبا بعيره فأدّعى رجل من أهل دمشق وقال : (هذه ناقتي) وقد أخذت منيّ بصفّين فرفع الأمر إلى معاوية وقدّم الدمشقي خمسين شاهدا يشهدون بأنّ الناقة له فقضى معاوية على الكوفي وأمره بتسليم البعير إلى صاحبه.
فقال الكوفي : (أصلحك الله إنه جمل وليس (بناقة). فقال معاوية : هذا حكم قد مضى.
وبعد أن تفرّقوا أمر معاوية بإحضار الكوفي فسأله عن ثمن بعيره فأعطاه ضعف ثمنه وقال له : (أبلغ عليّا إنّي أقاتله بمائة ألف ما فيهم من يفرق بين الناقة والجمل). (49)
ويقال : إنّ معاوية لما يئس من مرضه الّذي مات فيه قال : (50)
فيا ليتني لم أعن في الملك ساعة / ولم أك في اللذّات أعشى النواظر
وكنت كذي طمرين عاش ببلغة / من الدهر حتّى زار أهل المقابر
مات معاوية بن أبي سفيان سنة 59هـ للهجرة وعمره 82 سنة وقيل مات سنة 60هـ للهجرة وعمره 77 سنة في أوّل شهر رجب (51)

المصادر :
1- ابن عبد ربه الأندلسي ـ العقد الفريد. ج ٤ / ٣٦٢ وابن أبي الحديد ـ شرح نهج البلاغة. ج ١ / ٣٣٤.
2- اريخ الطبري. ج ٥ / ١٦٣ والمسعودي ـ مروج الذهب. ج ٢ / ٤٢٦.
3- تاريخ اليعقوبي. ج ٢ / ٢١٧.
4- تاريخ ابن خياط. ج ١ / ٢٠٣.
5- الطلقاء : وهم الّذين أطلقهم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عند فتح مكّة كانوا كفارا منهم معاوية وأبوه أبي سفيان.
6- ابن قتيبة ـ الإمامة والسياسة. ج ١ / ٩٦.
7- نصر بن مزاحم ـ وقعة صفّين. ج ١ / ٣٩ ، وتاريخ اليعقوبي. ج ٢ / ١٨٤.
8- نفس المصدر الاوّل والثانى. ج ٢ / ١٨٥.
9- المصدر الاول السابق. ج ١ / ٤٠ والثاني نفسه.
10- تاريخ اليعقوبي. ج ٢ / ١٨٥.
11- المصدر السابق. ج ٢ / ١٨٦.
12- نصر بن مزاحم ـ وقعة صفّين. ج ١ / ٤٩ وتاريخ اليعقوبي ج ٢ / ١٨٦.
13- ابن عبد ربه الأندلسي ـ العقد الفريد. ج ٤ / ٣٣٣.
14- معركة صفّين : وقد تكلّمنا عنها.
15- ) نصر بن مزاحم ـ وقعة صفّين. ج ٦ / ٤٤١. وابن عماد ـ شذرات الذهب. ج ١ / ٢١٤. وابن قتيبة ـ الإمامة والسياسة. ج ١ / ١١٠. وتاريخ اليعقوبي. ج ٢ / ١٨٦.
16- طمعت فيها : أي في الخلافة ـ نصر بن مزاحم ـ وقعة صفّين. ج ٦ / ٤٤١.
17- محمّد عبدة ـ شرح نهج البلاغة. ج ١ / ٤٤١ ، وتاريخ اليعقوبي. ج ٢ / ٢٢٥.
18- ابن قتيبة ـ عيون الأخبار. ج ١ / ٩ ـ وتاريخ اليعقوبي. ج ٢ / ٢١٢.
19- جورج جرداق ـ الإمام عليّ صوت العدالة الإنسانية. ص ٢٦٨.
20- اشارة إلى الآية الشريفة : (وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ).
21- الآبي ـ نثر الدر. ج ١ / ٤١٧.
22- بعد الصلح : أي الصلح مع الإمام الحسن ، وقد تكلّمنا عنه في ص ٨٦.
23- الدرّة : العصا (درة عمر).
24- الخضري بك ـ محاضرات تاريخ الأمم الإسلامية. ج ٢ / ١٢٠.
25- حجر بن عدي : سوف نتكلم عنه عند ترجمة زياد بن أبيه.
26- السيوطي ـ تاريخ الخلفاء. ص ٢٢٨.
27- كانت وقعة الحرة سنة (٦٣) للهجرة وقتل فيها أولاد المهاجرين والأنصار (٣٠٦) وقتل فيها من الصحابة أيضا.
28- ابن أعثم الكوفي ـ الفتوح. ج ٤ / ٢٢٦ والمسعودي ـ مروج الذهب. ج ٣ / ٢٨.
29- ميسون : وهي شاعرة من شاعرات العرب وهي أم يزيد.
30- عمر رضا كحالة ـ أعلام النساء. ج ٣ / ١٤٢١.
31- علج : رجل جاف ، الشديد في معالجة الأمور ، وحمار الوحش.
32- البينونة : الطلاق.
33- عبد القادر عمر البغدادي ـ خزانة الأدب. ج ٨ / ٥٠٦.
34- نفس المصدر السابق.
35- السيوطي ـ تاريخ الخلفاء. ص ٢٢٦.
36- الكرمي ـ قول على قول. ج ٣ / ٣٢٩.
37- نفس المصدر السابق.
38- عتبة : وأمّه هند بنت عتبة بن ربيعة.
39- عنبسة : وأمه ابنة أبي أزيهر الدوسي.
40- تاريخ الطبري. ج ٥ / ٣٣٣.
41- تاريخ الطبري. ج ٥ / ٣٣٣
42- الزمخشري ـ ربيع الأبرار. ج ٤ / ٢٧٣.
43- الإعذار : عذر الرجل ـ إذا أفسد دينه وكثرت ذنوبه.
44- أتجالك : أترفع.
45- الآبي ـ نثر الدرر. ج ٢ / ١٩٥ والخضري بك ـ محاضرات تاريخ الأمم الإسلامية. ج ٢ / ١٩٥.
46- الآبي ـ نثر الدرر. ج ٢ / ٢٠٦.
47- تاريخ اليعقوبي. ج ٢ / ١٩٧.
48- ابن خلكان ـ وفيات الأعيان. ج ٦ / ١٥٦.
49- المسعودي ـ مروج الذهب. ج ٣ / ٣٢.
50- المصدر السابق ج ٣ / ٥٠.
51- تاريخ ابن خياط. ج ١ / ٢٢٠.
 


ارسل تعليقاتك
با تشکر، نظر شما پس از بررسی و تایید در سایت قرار خواهد گرفت.
متاسفانه در برقراری ارتباط خطایی رخ داده. لطفاً دوباره تلاش کنید.