هو عبد الله بن عامر بن كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي القرشيّ الأموي العبشمي ، وكنيته : أبو عبد الرحمن ، وهو ابن خال الخليفة عثمان بن عفّان ، وأبوه (عامر) ابن عمة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم (البيضاء بنت عبد المطلب) (١).
استخلفه المغيرة بن شعبة أميرا على الكوفة سنة ٤٤ للهجرة وذلك عند ذهاب المغيرة إلى الشام ، وذكر اليعقوبي (٢) في تأريخه ، بأن معاوية بن أبي سفيان قد ولّاه إمارة الكوفة بعد المغيرة بن شعبة ، وهذا خلاف ما ذكره أكثر المؤرخين ، بأنّ زياد بن أبيه هو الّذي وليّ الكوفة بعد وفاة المغيرة ، وأنّ زيادا أصبح أمير (العراقين) حيث جمع له معاوية إمارتي (الكوفة والبصرة) (٣).
وفي سنة ٢٩ للهجرة عزل أبو موسى الأشعري عن إمارة البصرة ، وعزل أيضا عثمان بن أبي العاص عن إمارة فارس ، عزلهما الخليفة عثمان بن عفّان ، وولّى عبد الله بن عامر إمارتي البصرة وفارس ، ثمّ ذهب عبد الله بن عامر إلى الشام فزوّجه معاوية بابنته (هند) (٤) ، وكان عمر عبد الله آنذاك 25 سنة (٥).
وعند ما عزل أبو موسى الأشعري عن إمارة البصرة ، وولّيها عبد الله ابن عامر ، قال أبو موسى لأهل البصرة : (قد أتاكم فتى من قريش ، كريم الأمّهات ، والعّمات ، والخالات ، يقول بالمال فيكم هكذا).
وعند ما جاء عبد الله بن عامر إلى البصرة أميرا عليها صعد المنبر يوم الجمعة ، فارتجّ عليه (6) فتأثر كثيرا ، ولمّا كانت الجمعة القادمة ، قال لزياد بن أبيه : (قل لأحد هؤلاء أن يخطب بالناس. فقال زياد لأبي الهمام بن القليم المازني .. قم ، واخطب بالناس ، فصعد المنبر وقال (الحمد لله الّذي خلق السماوات والأرض في ستّة أشهر). فقيل له : (إنّها ستّة أيّام) فقال : (ما عظّمت من عظمة الله وأمره فهو أفضل» (7).
واشتهر عبد الله بن عامر بفتوحاته العسكرية ، فقد افتتح (سجستان) و (ابر شهر) و (طوس) و (طخارستان) و (نيسابور) و (الطالقان) ، وغيرها في بلاد خراسان ، وبقي أميرا على البصرة إلى أن قتل عثمان بن عفّان ، حيث عزله الإمام عليّ عليهالسلام سنة 36 للهجرة (8).
وشارك عبد الله في معركة (الجمل) مع عائشة ، ولم يحضر معركة (صفّين). ثمّ لمّا آلت الخلافة إلى معاوية بن أبي سفيان (بعد الصلح) سنة 41 للهجرة ولّاه معاوية إمارة البصرة لمدّة ثلاث سنوات ثمّ عزله. فذهب إلى المدينة وبقي فيها (9).
وذهب عيينة بن مرداس المعروف ب (ابن فسوه) إلى عبد الله ابن عامر ـ عند ما كان أميرا على البصرة ـ فلم تهتم به حاشيته وأغفلوا أمره فقال : (10)
كأنيّ ونضوي عند باب ابن عامر / من الصرّ ذئبا ففرة غرتان
فبتّ وضير الشتاء يلفني / وقد مسّ ساعدي وبناني
فما أوقدوا نارا ولا أحضروا قرى / ولا اعتذروا من عسرة بلسان
ولمّا سمع عبد الله بشعره ، أقسم بأن لا يغلق له باب فكانت أبوابه بعد ذلك مفتوحة ليل نهار.
وقيل : أن عبد الله بن عامر اشترى دار خالد بن عقبة بن أبي معيط بسبعين ألف درهم ، وعند اللّيل سمع بكاء آل خالد فسأل عن سبب بكائهم فقيل له : إنّهم يبكون على دارهم الّتي بيعت فأمر عبد الله بردها اليهم مع ثمنها. (11)
وجاء رجل إلى عبد الله بن عامر فقال له : (يا قمر البصرة ، وشمس الحجاز ، وابن ذروة العرب ، وترب بطحاء مكّة ، نزعت بي الحاجة وأكدت بي الآمال إلا بفنائك فامنحني بقدر الطاقة والوسع ، لا بقدر المحتدّ والشرف والهمّة). فأمر له عبد الله بعشرة آلاف ، ثمّ سكت ، فقال الأعرابي : بما ذا؟ تمرة أو رطبة أو بسرة؟. فقيل له : بل دراهم. فصعق الرجل ثمّ قال : (ربّ إنّ ابن عامر يجاودك فهب له ذنبه في مجاودتك). (12)
وكان عبد الله بن عامر قد أرسل جيشا بقيادة قطن بن عمرو الهلالي ، فصادفهم بالطريق سيل كثير ، فقال قطن لجنوده : (من عبر فله ألف درهم).
فعبروا جميعهم فأعطاهم قطن بما وعدهم فيه وكانت أربعة آلاف ألف درهم ، ولمّا سمع عبد الله بن عامر بذكرها استكثرها ، فكتب إلى عثمان بن عفّان يخبره بذلك ، فأجازها عثمان فقال : (ما كان معونة في سبيل الله فجائزة). ثمّ صارت الجائزة : اسم العطية .. فقال الكنديّ : (13)
فداء الأكرمين بني هلال / على علاتهم أهلي ومالي
هم سنّوا الجوائز في معدّ / فصار سنة أخرى الليالي
رماحهم تزيد على ثمان / وعشرة عند تركيب النصال
وخرج رجلان من المدينة إلى البصرة ، قاصدان عبد الله بن عامر لطلب المساعدة وكان أحدهما من أولاد عبد الله بن جابر الأنصاريّ والآخر من ثقيف ، ولمّا وصلا بالقرب من البصرة ، قال الأنصاريّ للثقفي : (يا أخا ثقيف ، إنّي لمّا صليت فكرت فاستحييت من ربّي أن يراني طالب رزق من غيره). ثمّ تابع كلامه فقال : (اللهم رازق ابن عامر ارزقني من فضلك). (14)
ثمّ رجع إلى المدينة. أما الثقفيّ ، فقد وصل إلى البصرة ، وبقي أياما على باب ابن عامر حتّى أذن له ، فلمّا دخل على ابن عامر ، رحّب به كثيرا وسأله عن ابن جابر (حيث أعلم به) فأخبره بما كان بينهما فبكى ابن عامر وقال : (والله ما قالها أشرا ولا بطرا ولكن رأى مجرى الرزق ، ومخرج النعمة ، فعلم أنّ الله عزوجل هو الّذي فعل ذلك فسأله من فضله). (15)
ثمّ أعطى للثقفي أربعة آلاف وكسوة ، وأرسل ضعفها إلى الأنصاريّ. فخرج الثقفيّ وهو يقول : (16)
إمامة ما سعى الحريص بزائد / فتيلا ولا عجز الضعيف بضائر
خرجنا جميعا من مساقط رؤوسنا / على ثقة منّا بجود ابن عامر
فلمّا أنخنا الناعجات ببابه / تأخّر عنّي اليثربي (17) ابن جابر
وقال : ستكفيني عطية قادر / على ما يشاء اليوم للخلق قادر
فإنّ الّذي أعطى العراق ابن عامر / لربّي الّذي أرجو لسدّ مفاقري
فلمّا رآني قال : ابن جابر / وحنّ لمّا حنّت عراب الأباعر
فأضعف عبد الله إذ غاب حظّه / على حظّ لهفان من الحرص فاغر
وعند ما كان عبد الله بن عامر أميرا على سجستان من قبل عبد الله ابن الحارث (القباع) في خلافة عبد الله بن الزبير ، كان معه الشاعر عمير بن سنان بن عمرو الملقب (أبو عفراء) ، ولمّا دارت الحرب بين المسلمين و (رتيبل) (18) قتل (رتيبل) قتله (أبو عفراء) فقال : (19)
فلو لا ضربتي روتيبل فاضت / أسارى منكم قملي السّبال
دلفت له برجل (20) العنز لما / تواكلت الفوارس والرجال
لأرت مجدها أبدا تميما / إذا عدّ المآثر والفعال
ولمّا أخذ الناس يتطاولون بالكلام على الخليفة عثمان بن عفّان ، أرسل عثمان إلى معاوية بن أبي سفيان وإلى عبد الله بن عامر وإلى عبد الله بن سعد ابن سرح وإلى سعيد بن العاص وإلى عمرو بن العاص بن وائل السهميّ ، فجمعهم ليشاورهم في بعض الأمور الآنية والمستعجلة ، وقال لهم : (إنّ لكل امرئ وزراء ونصحاء ، وإنّكم وزرائي ونصحائي ، وأهل ثقتي ، وقد عمل الناس ما قد رأيتم ، إلى أن أعزل عمالي (21) ، وأن أرجع عن جميع ما يكرهون إلى ما يحبّون ، فاجتهدوا رأيكم ، وأشيروا عليّ) (22).
فقال عبد الله بن عامر : (رأي لك يا أمير المؤمنين ، أن تأمرهم بجهاد يشغلهم عنك وأن تجمرهم في المغازي حتّى يذلّوا لك ، فلا يكون همّة أحدهم إلّا نفسه وما هو فيه من دبرة دابتة ، وقل فروه) (23).
وكتب عثمان بن عفّان إلى عبد الله بن عامر ، يأمره بأن يرسل إليه جيشا لنصرته ، فطلب ابن عامر من الخطيب عليّ بن أصمع بن مظهر بن رباح ، أن يقرأ كتاب عثمان على الناس ، فذكره الفرزدق عرضا فقال : (24)
وإلّا رسوم الدار قفرا كأنّها / كتاب تلاه الباهلي ابن أصمعا
وفي سنة 45 للهجرة ، عزل عبد الله بن عامر عن إمارة البصرة ، عزله عنها معاوية بن أبي سفيان ، وعيّن مكانه زياد بن أبيه.
مات عبد الله بن عامر سنة 57 للهجرة وقيل سنة 59في عرفات ، ودفن فيها (25).
ولمّا سمع معاوية بموته قال : (بمن نفاخر ، وبمن نباهي بعده؟). (26)
المصادر :
1- الذهبي ـ سير أعلام النبلاء. ج ٣ / ١٨. وابن العماد ـ شذرات الذهب. ج ١ / ١٨٨.
2- تاريخ اليعقوبي. ج ٢ / ٢١٩.
3- تاريخ ابن خياط. ج ١ / ٢١٠.
4- تاريخ الطبري. ج ٥ / ٥٤. والذهبي ـ سير أعلام النبلاء. ج ٣ / ١٨.
5- نفس المصدر السابق.
6- ارتج عليه : أي تلعثم ، ولم يدري ما يقول.
7- البلاذري ـ أنساب الأشراف. ج ١ / ٣١٠.
8- ابن العماد ـ الشذرات. ج ١ / ١٨٨.
9- الزركلي ـ الأعلام. ج ٤ / ٢٢٨.
10- ابن منقذ ـ لباب الألباب. ص ١٢٧ ـ ١١٩.
11- ابن منقذ ـ لباب الألباب. ص ١٢٧ ـ ١١٩.
12- الزمخشري ـ ربيع الأبرار. ج ٣ / ٧٠٢.
13- العسكري ـ الأوائل. ص ٢٩٤.
14- القاضي التنوخي ـ نشوار المحاضرة. ج ٥ / ٢٦٦.
15- المصدر السابق.
16- نفس المصدر السابق. وابن منقذ ـ لباب الألباب. ص ١٤٣.
17- اليثربي : يثرب : اسم المدينة قديما.
18- رتيبل : ملك كابل ـ صاحب الترك.
19- البلاذري ـ أنساب الأشراف. ج ١ / ٣١٦.
20- رجل العنز : يقصد سيفه ، لأنّه فيه اعوجاج.
21- عمالي : الأمراء ـ الولاة.
22- تاريخ الطبري. ج ٥ / ٩٤.
23- نفس المصدر السابق.
24- جمع الوزير ابن المغري ـ الإيناس بعلم الأنساب. ص ١٥٢.
25- ابن الأثير ـ الكامل. ج ٣ / ٥١٤. والذهبي ـ سير أعلام النبلاء. ج ٣ / ٢١. وابن العماد ـ الشذرات. ج ١ / ٦٥.
26- الذهبي ـ سير أعلام النبلاء. ج ٣ / ٢١. والزركلي ـ ترتيب الأعلام على الأعوام. ج ٢ / ١٣٩.
استخلفه المغيرة بن شعبة أميرا على الكوفة سنة ٤٤ للهجرة وذلك عند ذهاب المغيرة إلى الشام ، وذكر اليعقوبي (٢) في تأريخه ، بأن معاوية بن أبي سفيان قد ولّاه إمارة الكوفة بعد المغيرة بن شعبة ، وهذا خلاف ما ذكره أكثر المؤرخين ، بأنّ زياد بن أبيه هو الّذي وليّ الكوفة بعد وفاة المغيرة ، وأنّ زيادا أصبح أمير (العراقين) حيث جمع له معاوية إمارتي (الكوفة والبصرة) (٣).
وفي سنة ٢٩ للهجرة عزل أبو موسى الأشعري عن إمارة البصرة ، وعزل أيضا عثمان بن أبي العاص عن إمارة فارس ، عزلهما الخليفة عثمان بن عفّان ، وولّى عبد الله بن عامر إمارتي البصرة وفارس ، ثمّ ذهب عبد الله بن عامر إلى الشام فزوّجه معاوية بابنته (هند) (٤) ، وكان عمر عبد الله آنذاك 25 سنة (٥).
وعند ما عزل أبو موسى الأشعري عن إمارة البصرة ، وولّيها عبد الله ابن عامر ، قال أبو موسى لأهل البصرة : (قد أتاكم فتى من قريش ، كريم الأمّهات ، والعّمات ، والخالات ، يقول بالمال فيكم هكذا).
وعند ما جاء عبد الله بن عامر إلى البصرة أميرا عليها صعد المنبر يوم الجمعة ، فارتجّ عليه (6) فتأثر كثيرا ، ولمّا كانت الجمعة القادمة ، قال لزياد بن أبيه : (قل لأحد هؤلاء أن يخطب بالناس. فقال زياد لأبي الهمام بن القليم المازني .. قم ، واخطب بالناس ، فصعد المنبر وقال (الحمد لله الّذي خلق السماوات والأرض في ستّة أشهر). فقيل له : (إنّها ستّة أيّام) فقال : (ما عظّمت من عظمة الله وأمره فهو أفضل» (7).
واشتهر عبد الله بن عامر بفتوحاته العسكرية ، فقد افتتح (سجستان) و (ابر شهر) و (طوس) و (طخارستان) و (نيسابور) و (الطالقان) ، وغيرها في بلاد خراسان ، وبقي أميرا على البصرة إلى أن قتل عثمان بن عفّان ، حيث عزله الإمام عليّ عليهالسلام سنة 36 للهجرة (8).
وشارك عبد الله في معركة (الجمل) مع عائشة ، ولم يحضر معركة (صفّين). ثمّ لمّا آلت الخلافة إلى معاوية بن أبي سفيان (بعد الصلح) سنة 41 للهجرة ولّاه معاوية إمارة البصرة لمدّة ثلاث سنوات ثمّ عزله. فذهب إلى المدينة وبقي فيها (9).
وذهب عيينة بن مرداس المعروف ب (ابن فسوه) إلى عبد الله ابن عامر ـ عند ما كان أميرا على البصرة ـ فلم تهتم به حاشيته وأغفلوا أمره فقال : (10)
كأنيّ ونضوي عند باب ابن عامر / من الصرّ ذئبا ففرة غرتان
فبتّ وضير الشتاء يلفني / وقد مسّ ساعدي وبناني
فما أوقدوا نارا ولا أحضروا قرى / ولا اعتذروا من عسرة بلسان
ولمّا سمع عبد الله بشعره ، أقسم بأن لا يغلق له باب فكانت أبوابه بعد ذلك مفتوحة ليل نهار.
وقيل : أن عبد الله بن عامر اشترى دار خالد بن عقبة بن أبي معيط بسبعين ألف درهم ، وعند اللّيل سمع بكاء آل خالد فسأل عن سبب بكائهم فقيل له : إنّهم يبكون على دارهم الّتي بيعت فأمر عبد الله بردها اليهم مع ثمنها. (11)
وجاء رجل إلى عبد الله بن عامر فقال له : (يا قمر البصرة ، وشمس الحجاز ، وابن ذروة العرب ، وترب بطحاء مكّة ، نزعت بي الحاجة وأكدت بي الآمال إلا بفنائك فامنحني بقدر الطاقة والوسع ، لا بقدر المحتدّ والشرف والهمّة). فأمر له عبد الله بعشرة آلاف ، ثمّ سكت ، فقال الأعرابي : بما ذا؟ تمرة أو رطبة أو بسرة؟. فقيل له : بل دراهم. فصعق الرجل ثمّ قال : (ربّ إنّ ابن عامر يجاودك فهب له ذنبه في مجاودتك). (12)
وكان عبد الله بن عامر قد أرسل جيشا بقيادة قطن بن عمرو الهلالي ، فصادفهم بالطريق سيل كثير ، فقال قطن لجنوده : (من عبر فله ألف درهم).
فعبروا جميعهم فأعطاهم قطن بما وعدهم فيه وكانت أربعة آلاف ألف درهم ، ولمّا سمع عبد الله بن عامر بذكرها استكثرها ، فكتب إلى عثمان بن عفّان يخبره بذلك ، فأجازها عثمان فقال : (ما كان معونة في سبيل الله فجائزة). ثمّ صارت الجائزة : اسم العطية .. فقال الكنديّ : (13)
فداء الأكرمين بني هلال / على علاتهم أهلي ومالي
هم سنّوا الجوائز في معدّ / فصار سنة أخرى الليالي
رماحهم تزيد على ثمان / وعشرة عند تركيب النصال
وخرج رجلان من المدينة إلى البصرة ، قاصدان عبد الله بن عامر لطلب المساعدة وكان أحدهما من أولاد عبد الله بن جابر الأنصاريّ والآخر من ثقيف ، ولمّا وصلا بالقرب من البصرة ، قال الأنصاريّ للثقفي : (يا أخا ثقيف ، إنّي لمّا صليت فكرت فاستحييت من ربّي أن يراني طالب رزق من غيره). ثمّ تابع كلامه فقال : (اللهم رازق ابن عامر ارزقني من فضلك). (14)
ثمّ رجع إلى المدينة. أما الثقفيّ ، فقد وصل إلى البصرة ، وبقي أياما على باب ابن عامر حتّى أذن له ، فلمّا دخل على ابن عامر ، رحّب به كثيرا وسأله عن ابن جابر (حيث أعلم به) فأخبره بما كان بينهما فبكى ابن عامر وقال : (والله ما قالها أشرا ولا بطرا ولكن رأى مجرى الرزق ، ومخرج النعمة ، فعلم أنّ الله عزوجل هو الّذي فعل ذلك فسأله من فضله). (15)
ثمّ أعطى للثقفي أربعة آلاف وكسوة ، وأرسل ضعفها إلى الأنصاريّ. فخرج الثقفيّ وهو يقول : (16)
إمامة ما سعى الحريص بزائد / فتيلا ولا عجز الضعيف بضائر
خرجنا جميعا من مساقط رؤوسنا / على ثقة منّا بجود ابن عامر
فلمّا أنخنا الناعجات ببابه / تأخّر عنّي اليثربي (17) ابن جابر
وقال : ستكفيني عطية قادر / على ما يشاء اليوم للخلق قادر
فإنّ الّذي أعطى العراق ابن عامر / لربّي الّذي أرجو لسدّ مفاقري
فلمّا رآني قال : ابن جابر / وحنّ لمّا حنّت عراب الأباعر
فأضعف عبد الله إذ غاب حظّه / على حظّ لهفان من الحرص فاغر
وعند ما كان عبد الله بن عامر أميرا على سجستان من قبل عبد الله ابن الحارث (القباع) في خلافة عبد الله بن الزبير ، كان معه الشاعر عمير بن سنان بن عمرو الملقب (أبو عفراء) ، ولمّا دارت الحرب بين المسلمين و (رتيبل) (18) قتل (رتيبل) قتله (أبو عفراء) فقال : (19)
فلو لا ضربتي روتيبل فاضت / أسارى منكم قملي السّبال
دلفت له برجل (20) العنز لما / تواكلت الفوارس والرجال
لأرت مجدها أبدا تميما / إذا عدّ المآثر والفعال
ولمّا أخذ الناس يتطاولون بالكلام على الخليفة عثمان بن عفّان ، أرسل عثمان إلى معاوية بن أبي سفيان وإلى عبد الله بن عامر وإلى عبد الله بن سعد ابن سرح وإلى سعيد بن العاص وإلى عمرو بن العاص بن وائل السهميّ ، فجمعهم ليشاورهم في بعض الأمور الآنية والمستعجلة ، وقال لهم : (إنّ لكل امرئ وزراء ونصحاء ، وإنّكم وزرائي ونصحائي ، وأهل ثقتي ، وقد عمل الناس ما قد رأيتم ، إلى أن أعزل عمالي (21) ، وأن أرجع عن جميع ما يكرهون إلى ما يحبّون ، فاجتهدوا رأيكم ، وأشيروا عليّ) (22).
فقال عبد الله بن عامر : (رأي لك يا أمير المؤمنين ، أن تأمرهم بجهاد يشغلهم عنك وأن تجمرهم في المغازي حتّى يذلّوا لك ، فلا يكون همّة أحدهم إلّا نفسه وما هو فيه من دبرة دابتة ، وقل فروه) (23).
وكتب عثمان بن عفّان إلى عبد الله بن عامر ، يأمره بأن يرسل إليه جيشا لنصرته ، فطلب ابن عامر من الخطيب عليّ بن أصمع بن مظهر بن رباح ، أن يقرأ كتاب عثمان على الناس ، فذكره الفرزدق عرضا فقال : (24)
وإلّا رسوم الدار قفرا كأنّها / كتاب تلاه الباهلي ابن أصمعا
وفي سنة 45 للهجرة ، عزل عبد الله بن عامر عن إمارة البصرة ، عزله عنها معاوية بن أبي سفيان ، وعيّن مكانه زياد بن أبيه.
مات عبد الله بن عامر سنة 57 للهجرة وقيل سنة 59في عرفات ، ودفن فيها (25).
ولمّا سمع معاوية بموته قال : (بمن نفاخر ، وبمن نباهي بعده؟). (26)
المصادر :
1- الذهبي ـ سير أعلام النبلاء. ج ٣ / ١٨. وابن العماد ـ شذرات الذهب. ج ١ / ١٨٨.
2- تاريخ اليعقوبي. ج ٢ / ٢١٩.
3- تاريخ ابن خياط. ج ١ / ٢١٠.
4- تاريخ الطبري. ج ٥ / ٥٤. والذهبي ـ سير أعلام النبلاء. ج ٣ / ١٨.
5- نفس المصدر السابق.
6- ارتج عليه : أي تلعثم ، ولم يدري ما يقول.
7- البلاذري ـ أنساب الأشراف. ج ١ / ٣١٠.
8- ابن العماد ـ الشذرات. ج ١ / ١٨٨.
9- الزركلي ـ الأعلام. ج ٤ / ٢٢٨.
10- ابن منقذ ـ لباب الألباب. ص ١٢٧ ـ ١١٩.
11- ابن منقذ ـ لباب الألباب. ص ١٢٧ ـ ١١٩.
12- الزمخشري ـ ربيع الأبرار. ج ٣ / ٧٠٢.
13- العسكري ـ الأوائل. ص ٢٩٤.
14- القاضي التنوخي ـ نشوار المحاضرة. ج ٥ / ٢٦٦.
15- المصدر السابق.
16- نفس المصدر السابق. وابن منقذ ـ لباب الألباب. ص ١٤٣.
17- اليثربي : يثرب : اسم المدينة قديما.
18- رتيبل : ملك كابل ـ صاحب الترك.
19- البلاذري ـ أنساب الأشراف. ج ١ / ٣١٦.
20- رجل العنز : يقصد سيفه ، لأنّه فيه اعوجاج.
21- عمالي : الأمراء ـ الولاة.
22- تاريخ الطبري. ج ٥ / ٩٤.
23- نفس المصدر السابق.
24- جمع الوزير ابن المغري ـ الإيناس بعلم الأنساب. ص ١٥٢.
25- ابن الأثير ـ الكامل. ج ٣ / ٥١٤. والذهبي ـ سير أعلام النبلاء. ج ٣ / ٢١. وابن العماد ـ الشذرات. ج ١ / ٦٥.
26- الذهبي ـ سير أعلام النبلاء. ج ٣ / ٢١. والزركلي ـ ترتيب الأعلام على الأعوام. ج ٢ / ١٣٩.