التراث الاسلامي

هذه محاولة للتحقيق في تراثنا من أجل استخلاص الحقائق منه، فبذلك فقط يمكن أن تتحقق الصحوة التي ننشدها للمسلمين، ولا شك أن القارئ قد تبين أن تحليلاتنا واستنتاجاتنا لم تأتِ من فراغ، بل هي زبدة المخاض من آراء وتعليقات
Saturday, March 10, 2018
الوقت المقدر للدراسة:
مؤلف: علی اکبر مظاهری
موارد بیشتر برای شما
التراث الاسلامي
التراث الاسلامي


هذه محاولة للتحقيق في تراثنا من أجل استخلاص الحقائق منه، فبذلك فقط يمكن أن تتحقق الصحوة التي ننشدها للمسلمين، ولا شك أن القارئ قد تبين أن تحليلاتنا واستنتاجاتنا لم تأتِ من فراغ، بل هي زبدة المخاض من آراء وتعليقات جلّة من علماء الجمهور الذين أورثونا هذا التراث الضخم المليء بالغثّ والسمين، والذي لا نجد بداً من إعادة النظر فيه باُسلوب علمي لا يميل مع الهوى، فان اتباع الهوى مدعاة للضلالة، فلا نكون إن شاء الله من الذين ذمّهم الله تعالى بقوله: (إنْ يَتَّبعونْ إلاّالظَّنَّ وَما تَهوى الأَنفُسُ)(1)، فان معرفة الحق تكون بمخالفة الهوى وليس باتباعه.
نعود الى موضوعنا فنقول: إن المشكلة في تناقض هذه النصوص -التي أوردنا بعضها- هي أن الجمهور قد وجد نفسه أمام نصوص قوية يحتج بها الشيعة عليهم في إثبات النص على علي بن أبي طالب، مما ألجأ متعصّبي الجمهور -بعد اشتداد الصراع الكلامي بين الفرق- الى إيجاد نصوص مقابلة لدفعها، فخطبة الغدير تقابلها خطبة النبي (صلى الله عليه وآله) على المنبر قبل وفاته بخمسة أيام فقط، والكتاب الذي أراد النبي (صلى الله عليه وآله) أن يكتبه في مرضه .
والذي يبدو أنه من حجج الشيعة أيضاً -كما يقول ابن كثير- يقابله الكتاب الذي أراد أن يكتبه النبي (صلى الله عليه وآله) لأبي بكر، وحديث الخلة في مقابل حديث الإخاء، وحديث سدّ الأبواب غير باب علي، يقابله حديث سدّ الأبواب غير باب أبي بكر، وحديث المرأة المزعومة التي جاءت الى النبي (صلى الله عليه وآله) فأوصاها -في حالة وفاته- بمراجعة أبي بكر، في مقابل حديث صفية وطلب النبي (صلى الله عليه وآله) منها مراجعة علي بن أبي طالب...الخ، وسوف تكشف الفصول القادمة عن أشياء اُخرى كثيرة من هذا القبيل، وهذه إحدى محاولات الدفع التي لجأ إليها المتعصبون المذهبيون من أبناء الجمهور، وهناك محاولات اُخرى عديدة لجأوا إليها لدفع هذه النصوص، منها:
1 - استهدفت بعض المحاولات دفع النصوص برمّتها والادعاء بأنها موضوعة أو ضعيفة -كما لاحظنا من مقالة ابن تيمية وغيره- ولكن علماء الجمهور تخبطوا مرة اُخرى وناقضوا أنفسهم بأنفسهم كما ناقض بعضهم البعض، وخير من نستشهد به هو الحافظ ابن حجر الهيتمي المكي إذ يقول- في معرض رده احتجاج الشيعة بحديث الغدير-:
وبالجملة، فما زعموه مردود من وجوه.. أحدها أن فرق الشيعة اتفقوا على اعتبار المتواتر فيما يُستدل به على الإمامة، وقد عُلم نفيه لما مرّ من الخلاف في صحة الحديث(2)
بل الطاعنون في صحته جماعة من أئمة الحديث وعدوله المرجوع إليهم فيه كأبي داود السجستاني، وأبي حاتم الرازي وغيرهم، فهذا الحديث مع كونه آحاداً، مختلف في صحته، فكيف ساغ لهم أن يخالفوا ما اتفقوا عليه من اشتراط التواتر في أحاديث الإمامة ويحتجون بذلك؟ ما هذا إلاّ تناقض قبيح وتحكّم لا يعتضد بشيء من أسباب الترجيح(3).
فابن حجر المكي يرد صحة الحديث -اعتماداً على أقوال بعض العلماء- مع أنه يقول قبل ذلك بقليل، وفي الصفحة ذاتها:
وجواب هذه الشبهة التي هي أقوى شبههم يحتاج الى مقدمة وبيان الحديث ومخرجيه، وبيان أنه حديث صحيح لا مرية فيه! وقد أخرجه جماعة كالترمذي والنسائي وأحمد، وطرقه كثيرة جداً! ومن ثم رواه ستة عشر صحابياً! وفي رواية لأحمد أنه سمعه من النبي (صلى الله عليه وآله) ثلاثون صحابياً، وشهدوا به لعلي لمّا نوزع أيام خلافته...! وكثير من أسانيدها صحاح وحسان، ولا التفات لمن قدح في صحته! ولا لمن ردّه بأن علياً كان باليمن لثبوت رجوعه منها وإدراكه الحج مع النبي (صلى الله عليه وآله)، وقول بعضهم أن زيادة "اللهم وال من والاه" موضوعة مردود، فقد ورد ذلك من طرق صحَّح الذهبي كثيراً منها!(4).
فأي تناقض هذا الذي نجده في كلام ابن حجر! يعترف أولا بصحة الحديث، بل بتواتره -لأن رواية ثلاثين صحابياً له يكفي للقول بتواتره -ثم يعود فيتنكر للحديث، ويناقض نفسه.
إن من الانصاف القول إن خطبة النبي (صلى الله عليه وآله) في الغدير ينبغي أن تكون متواترة(5)
لأن النبي (صلى الله عليه وآله) ألقاها في العام الحادي عشر من الهجرة بعد رجوعه من حجة الوداع بأيام قليلة، وقبل وفاته بأقل من ثلاثة أشهر، وذلك بعد أن بلغ الإسلام ذروته في ذلك الوقت، ودانت الجزيرة العربية بكافة قبائلها -تقريباً- للإسلام، ولأن ذلك الموسم قد شهده ما بين 45 - 120 الف مسلم -حسب اختلاف الروايات-، وقبل تفرق الناس بعد أداء مناسك الحج، إذ يروي ابن كثير عن الطبري: أنه (عليه السلام) وقف حتى لحقه من بعده، وأمر بردّ من كان تقدّم، فخطبهم... الحديث(6).
أما الملاّ علي القاري، فيأتي بعجب آخر، إذ أنه في معرض تعداده لبعض المسائل التي اشتهرت والصواب خلافها يقول:
ومنها أن يدّعى على النبي (صلى الله عليه وآله) أنه فعل أمراً ظاهراً بمحضر من الصحابة كلهم، وأنهم اتفقوا على كتمانه ولم يفعلوه، كما يزعم أكذب الطوائف(7)أنه (صلى الله عليه وآله) أخذ بيد علي بمحضر من الصحابة كلهم وهم راجعون من حجة الوداع، فأقامه بينهم حتى عرفه الجميع ثم قال: "هذا وصيي وأخي والخليفة من بعدي، فاسمعوا له وأطيعوا"! ثم اتفق الكل على كتمان ذلك وتغييره ومخالفته، فلعنة الله على الكاذبين!(8).
لا أدري عن أي شيء يصدر كلام القاري هذا، أعن جهل حقيقي بالحديث -لأن الحديث الذي رواه ليس هو حديث الغدير كما يزعم، بل هو حديث آخر سنأتي على ذكره فيما بعد- أم عن تجاهل لعدم استيفاء التحقيق في الموضوع لقلة أهميته عنده؟! وهذا هو الراجح عندي.
أما الباقلاني فيقول -في معرض احتجاجه على الشيعة- في باب: الكلام في إبطال النص وتصحيح الاختيار:
ثم يقال لهم: كيف لم تستدلوا على إثبات النص لأبي بكر(رضي الله عنه)بقوله(صلى الله عليه وآله): "يؤم الناس أبو بكر"، وقوله: "يأبى الله إلاّ أبا بكر"، وقوله "اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر"، وقوله "لا ينبغي لقوم يكون فيهم أبو بكر أن يتقدمهم غيره"، وقوله "إيتوني بدواة وكتف اكتب لأبي بكر كتاباً لا يخلتف عليه اثنان"، وقوله (صلى الله عليه وآله): "انتما من الدين بمنزلة السمع والبصر من الرأس"، وقوله: "لو كنت متخذاً خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا، ولكن صاحبكم خليل الرحمان"، وقوله: "إن تولوها أبا بكر تجدوه ضعيفاً في بدنه قوياً في أمر الله، وإن تولوها عمر تجدوه قوياً في بدنه قوياً في أمر الله، وإن تولوها علياً تجدوه هادياً مهدياً". وعلموا بهذه البنية والترتيب أنه قصر التنبيه على النص عليه، وبقوله: "الخلافة بعدي الى ثلاثين"، وقوله: "إن يطع الناس أبا بكر وعمر رشدوا وارشدت اُمتهم، وإن يعصوهما غووا وغوت اُمتهم"، وقوله: "خير اُمتي أبو بكر وعمر"، وقوله: "من أفضل من أبي بكر؟ زوجني إبنته وجهزني بماله وجاهد معي ساعة الخوف"، وقوله في عمر: "لو كان بعدي نبي لكان عمر"، و "لو لم اُبعث فيكم لبعث عمر"! و "إن الله ضرب بالحق على لسان عمر وقلبه، يقول الحق وإن كان مرّاً" و "إن منكم لمحدّثين ومكلّمين، وإن عمر منهم" في نظائر هذه الأخبار والفضائل التي يطول تتبعها، فكيف لم تقولوا بالنص عليهما؟!
فان قالوا: كل هذه الأخبار آحاد غير ثابتة، قيل لهم: فما الذي يمنع خصومكم على هذه الدعوى في أخباركم؟(9).
إن الباقلاني يريد أن يساوي بين الأحاديث التي قيل إنها نص في علي بن أبي طالب، وبين التي تدّعي النص على أبي بكر وحتى عمر أيضاً، بالادعاء أن الأخبار التي جاءت من الفريقين هي أخبار آحاد، فبذلك تتساوى الكفة بين الحجتين، لكن الحقيقة أن الباقلاني أغفل أمراً مهماً ألا وهو: أن الأحاديث في النص على أبي بكر وعمر هي فعلا روايات آحاد إلاّ أن الأحاديث التي يشمّ منها النص على علي -كحديث الغدير- فهي متواترة، اعترف بذلك أئمة الفن المبرّزون، وقد مرّ اعتراف الذهبي بتواتره، وأورده الكتاني في نظم المتناثر من الحديث المتواتر(10).
وقال ابن الجزري - بعد ايراده رواية في حديث الغدير-:
هذا حديث حسن من هذا الوجه، صحيح من وجوه كثيرة، متواتر عن أمير المؤمنين علي، وهو متواتر أيضاً عن النبي (صلى الله عليه وآله)، رواه الجم الغفير عن الجم الغفير، ولا عبرة بمن حاول تضعيفه ممن لا اطلاع له في هذا العلم(11).
وقد مرّ بنا قول ابن كثير بأن الطبري قد جمع طرق حديث الغدير في مجلدين، وهذا يعطينا فكرة واضحة عن كثرة طرق هذا الحديث.
وقال الألباني -بعد تخريجه لبعض روايات حديث الغدير-:
كان الدافع لتحرير الكلام على الحديث وبيان صحته، أنني رأيت شيخ الإسلام ابن تيمية قد ضعف الشطر الأول من الحديث، وأما الشطر الثاني فزعم أنه كذب! وهذا من مبالغاته الناتجة في تقديري من تسرعه في تضعيف الأحاديث قبل أن يجمع طرقها ويدقق النظر فيها(12).
2 - لما تبين عدم إمكانية دفع الحديث -لتواتره- حاول البعض أن يتأوّل متنه، وذلك بمحاولة صرف كلمة الولي أو المولى التي وردت في الحديث الى معنىً يُفهم منه غير المقصود بالنص، وقد أطال البعض في ذلك الى الحد الذي يسأم القارئ منه، حتى إن ابن حجر الهيتمي المكي يعترف بذلك في قوله:
وبالجملة، فما زعموه مردود من وجوه نتلوها عليك -وإن طالت- لمسيس الحاجة إليها، فاحذر أن تسأمها أو تغفل عنها!(13).
وردّ سبط ابن الجوزي على تلك المحاولات بقوله:
فأما قوله: "من كنت مولاه"، فقال علماء العربية: لفظة المولى ترد على وجوه (وبعد أن يعدد تلك الوجوه) يقول: والعاشر بمعنى الأولى، قال الله تعالى:
(فَاليومَ لا يُؤخذُ مِنكُمْ فِديَةٌ وَلا مِنَ الذينَ كَفرُوا مَأواكُم النارُ هِيَ مَولاكُم)، أي أولى بكم، وإذا ثبت هذا لم يجز حمل لفظة المولى في هذا الحديث على مالك الرق، لأن النبي (صلى الله عليه وآله) لم يكن مالكاً لرق علي (عليه السلام) حقيقة، ولا على المولى المُعتق لأنه لم يكن معتقاً لعلي، ولا على المعتق لأن علياً (عليه السلام) كان حراً، ولا على الناصر لأنه (عليه السلام) كان ينصر من ينصر رسول الله (صلى الله عليه وآله) ويخذل من خذله، ولا على ابن العم لأنه كان ابن عمه، ولا على الحليف لأن الحلف يكون بين الغرباء للتعاضد والتناصر، وهذا المعنى موجود فيه، ولا على المتولي لضمان الجريرة لما قلنا أنه انتسخ ذلك، ولا على الجار لأنه يكون لغواً من الكلام وحوشي منصبه الكريم من ذلك، ولا على السيد المطاع لأنه كان مطيعاً له يقيه بنفسه ويجاهد بين يديه.
والمراد من الحديث الطاعة المحضة المخصوصة، فتعين الوجه العاشر، وهو الأولى ومعناه من كنت أولى به من نفسه، فعلي أولى به، وقد صرّح بهذا المعنى الحافظ ابو الفرج يحيى بن السعيد الثقفي الاصبهاني في كتابه المسمى بمرج البحرين، فانه روى هذا الحديث باسناده الى مشايخه وقال فيه: فأخذ رسول الله (صلى الله عليه وآله) بيد علي فقال: "من كنت وليّه وأولى به من نفسه فعلي وليه"، فعلم أن جميع المعاني راجعة الى الوجه العاشر، ودل عليه أيضاً قوله (عليه السلام): "ألستُ أولى بالمؤمنين من أنفسهم"، وهذا نص صريح في إثبات إمامته وقبول طاعته، وكذا قوله (صلى الله عليه وآله): "وأدر الحق معه حيث دار وكيف ما دار"، فيه دليل على أنه ما جرى خلاف بين علي (عليه السلام) وبين أحد من الصحابة إلاّ والحق مع علي (عليه السلام)، وهذا باجماع الاُمة، ألا ترى أن العلماء إنما استنبطوا أحكام البغاة من وقعة الجمل وصفين(14).
كما اعترف عدد من متكلمي الجمهور بورود لفظة المولى بمعنى الأولى، منهم التفتازاني الذي قال:
إنَّ المولى قد يُراد به المعتق والحليف والجار وابن العم والناصر والأولى بالتصرف، قال الله تعالى: (مَأواكُمُ النّارُ هِيَ مَولاكُمْ): أي أولى بكم، ذكره أبو عبيدة، وقال النبي (صلى الله عليه وآله): "أيّما امرأة نُكحت بغير إذن مولاها..."، أي الأولى بها والمالك لتدبير أمرها، ومثله في الشعر كثير.
وبالجملة، استعمال (المولى) بمعنى المتولّي والمالك للأمر والأولى بالتصرف شائع في كلام العرب، منقول عن كثير من أئمّة اللغة، والمراد أنه اسم لهذا المعنى، لا أنه صفة بمنزلة الأولى ليُعترض بأنه ليس من صيغة أفعل التفضيل وأنه لا يستعمل استعماله(15).
ويقيناً فانه لو لم يكن معنى المولى هو الذي نعتقده لما احتج به علي بن أبي طالب في رحبة مسجد الكوفة لمّا نوزع في أمر الخلافة، وكان غرضه في ذلك أن يُفهم الناس أن حديث الغدير لم يكن إلاّ نصاً عليه بالخلافة، ويدل على ذلك رواية أبي الطفيل للحادثة، حيث قال: جمع عليّ(رضي الله عنه) الناس في الرحبة، ثم قال لهم: أنشد الله كل امري مسلم سمع رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول يوم غدير خم ما سمع لمّا قام. فقام كثير من الناس. قال أبو نعيم - فقام ناس كثير- فشهدوا حين أخذ بيده فقال للناس: "أتعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟" قالوا: نعم يا رسول الله قال: "من كنت مولاه فهذا مولاه، اللهم والِ من والاه وعادِ من عاداه". قال: فخرجتُ كأن في نفسي شيئاً، فلقيت زيد بن أرقم فقلت له: إني سمعت علياً يقول كذا وكذا؟ قال: فما تنكر؟ قد سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول ذلك له(16).
فلو لم يكن في معنى قول النبي (صلى الله عليه وآله) ما يدل على النص لما أنكر ابن الطفيل ذلك حتى سأل زيد بن أرقم عن صحة ذلك، ولو كان معنى المولى احد المعاني التي احتج بها بعض علماء الجمهور كالناصر وغيره، لما أثار استغراب ابن الطفيل.
3 - تركزت محاولات اُخرى على تجزئة النص وتقطيعه، والادعاء بأن بعض المقاطع من الحديث ليست منه فعلا، كقوله (صلى الله عليه وآله): "وانصر من نصره واخذل من خذله"، وأعتقد أن السبب في ذلك يعود الى رغبة اُولئك في الحفاظ على كرامة بعض الصحابة - الذين يشملهم الدعاء- من الذين خذلوا علياً، سواء في الامتناع عن مبايعته، أو رفض القتال الى جانبه، أو من الذين قاتلوه فعلا، وقد عبّر العلاّمة المقدسي عن ذلك الاتجاه بقوله:
"انصر من نصره، واخذل من خذله"، فان الواقع ليس كذلك، فقد قاتل معه أقوام يوم صفّين فما انتصروا، وأقوام لم يقاتلوا معه فما خُذلوا، كسعد بن أبي وقاص الذي فتح العراق، لم يقاتل معه، وكذا أصحاب معاوية وبنو اُمية الذين قاتلوه، فتحوا كثيراً من بلاد الكفار، ونصرهم الله تعالى، ولا سيما من كان على رأي الشيعة فانهم دائماً مخذولون وأهل السنّة منتصرون...(17)
إننا لو وافقنا المقدسي على اعتبار النصر العسكري مقياساً لنصر الله أو خذلانه، فينبغي عندئذ أن يكون جنكيزخان وحفيده هولاكو من أولياء الله المقرّبين لأنهما اكتسحا الممالك الإسلامية من خوارزم الى شواطىء البحر المتوسط، واقتحموا مدينة بغداد -وهي عاصمة الخلافة الإسلامية- ووطئت خيلهم هامة الخليفة العباسي حامي بيضة الإسلام، وهذه اُمور لابد وان المقدسي يعلمها لأن تاريخ وفاته 888 هـ والمغول فتحوا بغداد قبل ذلك بأكثر من قرنين من الزمان، ولا أدري كيف يفسّر المقدسي وغيره هزيمة المسلمين بقيادة عبدالرحمان الغافقي -القائد الاُموي- أمام جيوش الفرنجة في معركة پواتيه أو بلاط الشهداء، بل وكيف يفسّر هزيمة المسلمين بقيادة النبي (صلى الله عليه وآله) أمام المشركين في معركة اُحد؟!
4 - لم يكن هناك بدٌّ من اللجوء الى طريقة اُخرى، ألا وهي مقابلة النصوص بنصوص مماثلة، فخطبة الغدير يقابلها خطبة النبي على المنبر قبل وفاته بأيام قليلة، وغير ذلك مما مرّ ويأتي، ولقد حققت هذه المحاولة من النجاح ما لم تحققه المحاولات الاُخرى، ثم توّج كل ذلك بالاحتجاج بصلاة أبي بكر أيام مرض النبي (صلى الله عليه وآله) واعتبرها ابن كثير الحجة الدامغة على النص على أبي بكر، وعبّر عن فرحه الشديد بكلام الأشعري حتى تمنى كتابته بماء الذهب. فما هي حقيقة تلك الصلاة، وهل تصلح حجة للدلالة على النص أم لا؟
المصادر :
1- النجم: 23.
2- يعني حديث الغدير
3- الصواعق المحرقة: 64
4- الصواعق المحرقة: 64.
5- قال الذهبي: وصدر الحديث متواتر، أتيقن أن رسول الله(ص) قاله، وأما "اللهم وال من والاه" فزيادة قوية الاسناد، البداية والنهاية 5: 214.
6- البداية والنهاية 5: 213.
7- يعني الشيعة.
8- الأسرار المرفوعة في الأخبار الموضوعة: 413.
9- تمهيد الأوائل وتلخيص الدلائل: 465.
10- ص: 193.
11- أسنى المطالب: 48.
12- سلسلة الأحاديث الصحيحة. المجلد الرابع: 344.
13- الصواعق المحرقة: 64.
14- تذكرة الخواص: 37.
15- شرح المقاصد 5: 273.
16- البداية والنهاية 5: 321.
17- الردّ على الرافضة: 82.
 


ارسل تعليقاتك
با تشکر، نظر شما پس از بررسی و تایید در سایت قرار خواهد گرفت.
متاسفانه در برقراری ارتباط خطایی رخ داده. لطفاً دوباره تلاش کنید.