الوالدان

لقد جاء الاهتمام القراني معبّراً عن المرتبة السامية للوالدين، ومؤكداً في كثير من اياته على التعامل معهما بالبر والإحسان "وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا"
Monday, March 12, 2018
الوقت المقدر للدراسة:
مؤلف: علی اکبر مظاهری
موارد بیشتر برای شما
الوالدان
الوالدان


لقد جاء الاهتمام القراني معبّراً عن المرتبة السامية للوالدين، ومؤكداً في كثير من اياته على التعامل معهما بالبر والإحسان "وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا"(1)
ولم يوصي اللَّه الوالد بأبنائه كما أوصاهم به، ذلك أن الأب يرى أن ولده بضعة منه يحرص على سعادته ولو بحرمان نفسه ويؤثره عليه لو بمكابدة الصعاب ولأن الابن بعض الأب كما جاء عن أمير المؤمنين عليه السلام مخاطباً ولده الحسن عليه السلام: "ووجدتك بعضي بل وجدتك كلي، حتى كأن شيئاً لو أصابك أصابني وكأن الموت لو أتاك أتاني، فعناني من أمرك ما يعنيني من أمر نفسي"(2 )
أما الولد فهو بحاجة إلى الوصية المكررة ليلتفت الجيل الذاهب في معارج الحياة، بعدما سكب عصارة عمره وروحه أن يعوّض الوالدين بعض ما بذلاه ولو وقف عمره عليهما وخصوصاً الأم حيث يقول النبي‏ صلى الله عليه وآله: "بر الوالدة على الوالد ضعفان".

حقوق الوالدين

1- حق الأب:
قد أفاض أهل البيت عليهم السلام في بيان حقوق الأبوين ووجوب شكرهم وطاعتهم إلا فيما يغضب اللَّه سبحانه إذ لا طاعة للمخلوق في معصية الخالق ومما جاء في رسالة الحقوق: "وحق أبيك أن تعلم أنه أصلك، وإنه لولاه لم تكن فمهما رأيت في نفسك مما يعجبك فاعلم أن أباك أصل النعمة عليك فيه فاحمد اللَّه واشكره على قدر ذلك ولا قوة إلى باللَّه"(3)
2- حق الأم:
ومما قاله عليه السلام في حق الأم: "فحق أمك أن تعلم أنها حملتك حيث لا يحمل أحد أحداً، وأطعمتك من ثمرة قلبها ما لا يطعم أحد أحداً وأنها وقتك بسمعها وبصرها ويدها ورجلها وشعرها وبشرها وجميع جوارحها مستبشرة فرحة، محتملة لما فيه مكروهها وألمها وثقلها وغمها، حتى دفعتها عنك يد القدرة وأخرجتك إلى الأرض، فرضيت أن تشبع وتجوع هي، وتكسوك وتعرى وترويك وتظمى وتظلّك وتضحى، وتنعمك ببؤسها وتلذذك بالنوم بأرقها وكان بطنها لك وعاء وحجرها لك حواء، وثديها لك سقاء، ونفسها لك وقاء تباشر حر الدنيا وبردها لك ودونك"(4)
إن هذا البيان ليترك الأثر البليغ في النفس الإنسانية مما لا يحوجنا إلى التعليق عليه والتذييل.
يقول الشاعر:
لأمك حق لو علمت كبيرُ / كثيرك يا هذا لديه يسيرُ
فكم ليلة باتت بثقلك تشتكي / لها من جراحها أنة وزفيرُ
وفي الوضع لو تدري عليها شقة / فمن غصص كاد الفؤاد يطيرُ
ج- بين الحقوق والواجبات
قد يفرض المنطق أن من له حق على أحد ما إنما يثبت له من حقه بقدر ما يؤدي إلى الطرف الاخر من حقوق ويقوم له بما عليه من واجبات وهذا المنطق لا يجوز تطبيقه على العلاقة مع الأبوين بحال ونحن إذا عرفنا ما لهما من حقوق لا بد من بيان ما علينا من واجبات مع الأخذ بعين الاعتبار أنه لو افترضنا أن الأبوين تعدّيا وقصّرا في واجبك فإن حقهما عليك طبيعي لا يسقطه شي‏ء، وكبير لا يعادله شي‏ء، فلقد تحملا الضيق والشدة لتكون في سعة، والذل والهوان من أجل سعادتك، وكم رأينا البعض من الاباء يجرؤون على ارتكاب الحرام من أجل أبنائهم؟!
د- الواجبات
أولاً الحب: وهو عاطفة فطرية أوجدتها القدرة الربانية في قلب الولد يجب تنميتها، وكلما ازداد إدراك المرء وشعوره بذلك كان كاشفاً عن نموّه.
ثانياً الشكر: وهو أن يكون أداؤه حق الشكر بلا منّ ولا ضجر، بل بالعطف والصبر، لأن أداء هذا لا يعادل شيئاً مما قاما به والمراد به البرّ بهما لا حسن القول معهما فقط كما هو بيّن في قوله سبحانه: "وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً إما يبلغنّ عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريماً واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغير"(5)
وعن النبي صلى الله عليه وآله: "بر الوالدين أفضل من الصلاة والصدقة والصوم والحج والعمرة والجهاد في سبيل اللَّه"(6) وللبرّ بهما اثار يأتي بيانها إن شاء اللَّه.
ثالثاً الطاعة: وهي مقرونة بطاعة اللَّه سبحانه وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله: "رضا الرب في رضا الوالد وسخط الرب في سخط الوالد"(7)، ودليل على إخلاصه وحبه لهما في السرّ والعلانية.
رابعاً الاحترام: وإنما يكون ذلك حاكياً عما في الضمير والسريرة لهما من الشأن والمكانة بطريق الفعل والدعاء وغيرهما ويكفيك ما جاء عن الصديقة الطاهرة عليها السلام: "ما استطعت أن أكلم رسول اللَّه صلى الله عليه وآله من هيبته"(8) مع أنها أحب الخلق إليه وروحه التي بين جنبيه.
وفي الصحيفة السجادية(اللهم اجعلني أهابهما هيبة السلطان العسوف وأبرهما بر الأم الرؤوف واجعل طاعتي لوالدي وبري بهما أقرّ لعيني من رقدة الوسنان واثلج لصدري من شربة الظمان...)(9)
وبهذا يتضح واجب الدعاء لهما.
هـ - آثار البر بالوالدين
1- طول العمر:
عن الباقر عليه السلام: "بر الوالدين وصلة الرحام يزيدان في الأجل"(10)
2- زيادة الرزق:
عن النبي صلى الله عليه وآله: "إن أهل بيت ليكونون بررة فتنمو أموالهم وإنهم لفجار"(11)
3- كفارة للذنب:
جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله فقال: يا رسول اللَّه ما من عمل قبيح إلا قد عملته فهل لي من توبة؟ فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: "فهل من والديك أحد حي"؟ قال: أبي قال: فاذهب فبرّه(12).
4- جنة يوم الحساب:
عن إبراهيم بن شعيب قال: قلت لأبي عبد اللَّه عليه السلام: إن أبي قد كبر جداً وضعف، فنحن نحمله إذا أراد حاجة فقال عليه السلام: "إن استطعت أن تلي ذلك منه فافعل ولقّمه بيدك فإنه جنة لك غد"13.
5- تحت ظلّ العرش:
رأى موسى بن عمران عليه السلام رجلاً تحت ظلّ العرش فقال: "يا رب من هذا الذي أدنيته حتى جعلته تحت ظل العرش فقال اللَّه تبارك وتعالى: يا موسى هذا لم يكن يعق والديه..."(14)
المصادر :
1- الأحقاف/15.
2- نهج البلاغة، ج‏3، ص‏38.
3- رسالة الحقوق.
4- رسالة الحقوق.
5- سورة الإسراء، الايتان/23-24
6- شرح رسالة الحقوق، ص‏505، ج‏1.
7- شرح رسالة الحقوق، ص‏494، ج‏1.
8- م. ن، ص‏497.
9- الصحيفة السجادية.
10- البحار، ج‏71، ص‏83.
11- بحار الأنوار، ج‏71، ص‏82.
12- مستدرك الوسائل، ج‏15، ص‏180.
13- الكافي، ج‏2، ص‏162.
14- البحار، ج‏13، ص‏353.
 


ارسل تعليقاتك
با تشکر، نظر شما پس از بررسی و تایید در سایت قرار خواهد گرفت.
متاسفانه در برقراری ارتباط خطایی رخ داده. لطفاً دوباره تلاش کنید.