
انبرى بعض الحفّاظ لإيراد الأسباب التي أدّت الى شيوع الوضع في الحديث، فذكر ابن الجوزي مثلا في كتابه (الموضوعات) أقسام الحديث، فجعلها ستة أقسام، سادسها الموضوعات، ثم قسّم الرواة عدة أقسام، فذكر منهم الوضّاعين ممن تعمّد الكذب، وقسمهم أربعة أقسام:
أوّلها: الزنادقة الذين قصدوا إفساد الشريعة وإيقاع الشك في قلوب العوام والتلاعب بالدين... ثم يروي عن حماد بن زيد قوله: وضعت الزنادقة على رسول الله (صلى الله عليه وآله) أربعة عشر ألف حديث.
وثانيها: قوم كانوا يقصدون وضع الحديث نصرة لمذهبهم، ويروي عن عبدالله بن يزيد المعري، عن رجل من أهل البدع رجع عن بدعته فجعل يقول: انظروا هذا الحديث ممن تأخذونه فإنّا كنا إذا رأينا رأياً جعلنا له حديثا، ويروي عن ابن لهيعة أنه سمع شيخاً من الخوارج تاب ورجع وهو يقول: إن هذه الأحاديث دين، فانظروا عمن تأخذون دينكم فإنا كنا إذا هوينا أمراً صيّرناه حديثاً، كما ويروي مثل ذلك عن شيخ من الرافضة أيضاً.
وأما القسم الثالث من الوضّاعين، فهم الذين وضعوا الأحاديث في الترغيب والترهيب ليحثوا الناس على الخير ويزجروهم عن الشر.
والقسم الرابع، فيذكر منهم من وضع الأسانيد لكل كلام حسن، ويروي عن محمد بن سعيد قوله: لا بأس إذا كان كلام حسن أن تضع له إسناداً.
والقسم الخامس فهم أصحاب الأغراض الذين يضعون الحديث تقرّباً للسلطان... الخوأما القسم السادس، فهم الذين وضعوا أحاديث في ضد الإغراب ليُطلبوا ويسمع منهم...
هذه هي مجمل الأسباب التي يراها ابن الجوزي من دواعي وضع الحديث.
وقد ذهب معظم من تحدث عن مشكلة الوضع والوضّاعين الى ذكر هذه الأسباب للوضع.
أما الزنادقة فلا يخفى خطرهم، إذ أنهم لم يقتصروا على تزييف الحديث النبوي الشريف، بل تعدوه الى تزييف مجمل تراث الإسلام وتاريخه، وقلب الحقائق فيه متبعين في ذلك أساليب في غاية الخبث، ولقد كانوا من الذكاء والفطنة بحيث إنهم نجحوا في إظهار الحق باطلا والباطل حقاً، كما بيناه في الفصول السابقة من الكتاب، وإذا كان خط هؤلاء الزنادقة متماشياً مع الخط الاُموي في تزييف التاريخ الاسلامي -كما أثبتنا- فان الخط الاُموي الذي سار عليه الاعلام الرسمي للدولة، قد طال الحديث النبوي الشريف أيضاً، فكانتاُولى الأسباب التي أدت الى انتشار الوضع في الحديث، هي السياسة الاُموية ذاتها، إذ أن تزييف التراث الإسلامي في جانب واحد لا يمكن أن يحقق الغرض المنشود، فلابد من أن يطال التزييف جميع نواحي هذا التراث حتى يتكامل العمل ويتحقق الهدف، وقد أوردنا في أحد الفصول من هذا الكتاب ما نقله ابن الحديد عن المدائني في كتابه الأحداث عن النسخة الموحدة التي بعثها معاوية الى عمّاله بعد عام الجماعة، والتي تضمنت مراحل عديدة من خطة العمل المطلوب اتباعها، وكما يلي: منع رواية شيء من فضائل علي بن أبي طالب وعدم إجازة أحد من شيعته، وعلى العكس من ذلك، تقريب شيعة عثمان وإجازة كل من يروي شيئاً في فضله، وقد مرّ ذلك في الفصل الخامس من هذا الكتاب مع بعض الشواهد التي تؤيده، ونعود الآن الى استكمال القصة، لمعرفة المرحلة الثانية، وهي قول المدائني:
ثم كتب -أي معاوية- الى عمّاله: أن الحديث في عثمان قد كثر وفشا في كلّ مصر وفي كل وجه وناحية; فاذا جاءكم كتابي هذا فادعوا الناس الى الرواية في فضائل الصحابة والخلفاء الأوّلين، ولا تتركوا خبراً يرويه أحد من المسلمين في أبي تراب، إلاّ وتأتوني بمناقض له في الصحابة، فان هذا أحبّ إليّ وأقرُّ لعيني، وأدحض لحجة أبي تراب وشيعته، وأشدّ عليهم من مناقب عثمان وفضله.
فقرئت كتبه على الناس، فرويت أخبار كثيرة في مناقب الصحابة مفتعلة لا حقيقة لها، وجدّ الناس في رواية ما يجري هذا المجرى، حتى أشادوا بذكر ذلك على المنابر، واُلقي إلى معلّمي الكتاتيب، فعلّموا صبيانهم وغلمانهم من ذلك الكثير الواسع حتى رووه، وتعلّموه كما يتعلّمون القرآن، وحتى علّموه بناتهم ونساءهم وخدمهم وحشمهم، فلبثوا بذلك ما شاء الله!
ثم كتب إلى عمّاله نسخة واحدة الى جميع البلدان: انظروا من قامت عليه البيّنة أنه يحب علياً وأهل بيته، فامحوه من الديوان، وأسقطوا عطاءه ورزقه، وشفع ذلك بنسخة اُخرى: من اتهمتموه بموالاة هؤلاء القوم; فنكّلوا به، واهدموا داره، فلم يكن البلاء أشد ولا أكثر منه بالعراق، ولا سيما الكوفة، حتى إن الرجل من شيعة علي (عليه السلام) ليأتيه من يثق به، فيدخل بيته، فيلقي إليه سرّه، ويخاف من خادمه ومملوكه، ولا يحدّثه حتى يأخذ عليه الأيمان الغليظة ليتمكّن عليه; فظهر حديث كثير موضوع، وبهتان منتشر; ومضى على ذلك الفقهاء والقضاة والولاة، وكان أعظم الناس في ذلك بليّة القرّاء المراؤون، والمستضعفون الذين يُظهرون الخشوع والنُّسُك فيفتعلون الأحاديث ليحظوا بذلك عند ولاتهم ويقرّبوا مجالسهم، ويصيبوا به الأموال والضياع والمنازل; حتى انتقلت تلك الأخبار والأحاديث إلى أيدي الديّانين الذين لا يستحلّون الكذب والبهتان، فقبلوها ورووها وهم يظنون أنها حق، ولو علموا أنها باطلة لما رووها ولا تديّنوا بها...
قال ابن أبي الحديد: وقد روى ابن عرفة المعروف بنفطويه -وهو من أكابر المحدّثين وأعلامهم(1)
في تاريخه ما يناسب هذا الخبر وقال: إن أكثر الأحاديث الموضوعة في فضائل الصحابة اُفتعلت في أيام بني اُمية، تقرّباً إليهم بما يظنون أنهم يُرغمون به اُنوف بني هاشم(2).
هذه الوثيقة التاريخية المهمة التي تكشف عن الكثير من غوامض الاُمور، والتي لولا أن ابن أبي الحديد قد أوردها في شرحه لنهج البلاغة لما وصلتنا بسبب فقدان معظم الاُصول التاريخية المهمة للمدائني وابن عرفة، ومنها نستطيع أن نفهم لماذا أخرج المحدّثون روايات سدّ الأبواب غير باب أبي بكر، وحديث الخلّة والمنّة وروايات صلاة أبي بكر وغيرها في كتبهم مسلّمين بصحتها، حتى تلقتها الاُمة على أنها واقع غير مشكوك فيه، وكيف وقع الفقهاء أيضاً ضحية لها كالمحدّثين.
وقد أوردنا بعض الشواهد -فيما مضى- على صحة ما جاء في كتاب الأحداث للمدائني من انتقاص علي ومدح عثمان في كتب التاريخ المعروفة، وكيف أن الزنادقة قد وجدوا أمامهم أرضاً ممهّدة للحط من مكانة علي وشيعته، ثم جاء دور الوضّاعين في اختلاق الروايات المنسوبة الى النبي (صلى الله عليه وآله) في ذلك، وللأسف فان بعض الصحابة قد اشتركوا في ذلك - دعماً لمعاوية وبني اُمية- وهو الأمر الذي أوقع المحدّثين في هذا الفخ اعتقاداً منهم بعدالة الصحابة جميعاً وتنزههم عن الكذب، كما أن المحدّثين قد وثّقوا بعض التابعين واعتقدوا عدالتهم، ولم يلتفتوا الى علاقة اولئك التابعين بمعاوية وبني اُمية، وأن بعضهم كانوا يقتاتون على موائدهم، أو بدافع الحقد على علي بن أبي طالب لأنه قاتل آباءهم وإخوانهم وربما قتلهم، ولكي نثبت صحة مدّعانا، فإننا سنورد الأمثلة على ذلك.
تزييف المثالب
إن الحلقة الاُولى للتزييف -وكما ذكر ابن أبي الحديد عن المدائني- كانت تتلخص في الحطّ من مكانة علي بن أبي طالب، بافتعال روايات تنسب الى النبي (صلى الله عليه وآله) على أنها من حديثه تكشف عن مطاعن في علي بن أبي طالب، فقد أخرج المحدّثون عن عمرو بن العاص، قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) ـجهاراً غير سرّ -يقول: "إن آل أبي فلان ليسوا لي بأولياء، إنما وليّي الله وصالح المؤمنين"(3).
وأخرجه البخاري وفيه: "إن آل أبي -قال عمرو في كتاب محمد بن جعفر بياض- ليسوا بأوليائي..." الحديث(4).
قال ابن حجر في شرحه:
نقل ابن التين عن الداودي أن المراد بهذا النفي من لم يُسلم منهم، أي فهو من إطلاق الكل وإرادة البعض، والمنفي على هذا المجموع لا الجميع، وقال الخطابي: الولاية المنفيّة ولاية القرب والاختصاص لا ولاية الدين، ورجح ابن التين الأول وهو الراجح، فان من جملة آل أبي طالب: علياً وجعفراً وهما من أخصّ الناس بالنبي (صلى الله عليه وآله) لما لهما من السابقة والقدم في الإسلام ونصر الدين، وقد استشكل بعض الناس صحة هذا الحديث لما نُسب الى بعض رواته من النصب، وهو الانحراف عن علي وآل بيته...
وبعد أن يورد أسماء بعض رواة الحديث، يقول:
لكن الراوي عن بيان وهو عنبسة بن عبدالواحد، اُموي قد نُسب الى شيء من النصب، وأما عمرو بن العاص -وإن كان بينه وبين علي ما كان- فحاشاه أن يُتّهم...(5)
فنفهم من كلام ابن حجر وما نقل عن غيره، أن آل فلان -الذين تجنب بعض المحدّثين ذكرهم -هم في الحقيقة آل أبي طالب عمّ النبي (صلى الله عليه وآله)، ووالد علي بن أبي طالب، وقد ذكر ابن أبي الحديد أسماءهم في نقله للحديث(6).
ومحاولة ابن حجر لتبرئة عمرو بن العاص باتهام غيره من الرواة لا تجدي نفعاً، فان من يعمل أعمال عمرو -كما بيّنا بعضها- لا يتورّع عن غير ذلك، وليس عمرو بن العاص وحده في ذلك، فان سمرة بن جندب -وهو صحابي أيضاً- قد أدّى دوره في ذلك المسلسل. فقد روى ابن أبي الحديد قال: قال أبو جعفر: وقد روي أن معاوية بذل لسمرة بن جندب مائة الف درهم حتى يروي أن هذه الآية نزلت في علي بن أبي طالب: (وَمنَ الناسِ مَنْ يُعجِبكَ قَولهُ في الحياةِ الدُّنيا وَيُشهدُ اللهَ عَلى مَا في قَلبهِ وَهوَ أَلدُّ الخِصامْ * وَإذا تولّى سعى في الأَرضِ ليُفسِدَ فيها وَيُهلِكَ الحَرثَ والنَّسلَ وَاللهُ لا يُحِبُّ الفَساد)(7).
وأن الآية الثانية نزلت في ابن ملجم، وهي قوله تعالى: (وَمنَ النّاسِ مَن يَشري نَفسُه ابتِغاءَ مَرضاتِ اللهِ)(8)
فلم يقبل، فبذل له مائتي الف درهم فلم يقبل، فبذل ثلاثمائة الف فلم يقبل، فبذل له أربعمائة الف فقبل، وروى ذلك(9).
كما وأخرج المحدّثون عن ابن عمر، قال: كنا في زمن النبي (صلى الله عليه وآله) لا نعدل بأبي بكر أحداً، ثم عمر، ثم عثمان، ثم نترك أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله) لا نفاضل بينهم(10).
وهذا الحديث يذكرنا بجملة من الأحاديث المزعومة التي ذكرناها فيما سبق من احتجاج بعض متكلّمي الجمهور بها للدلالة على النص على الخلفاء الثلاثة، وقد ذكرنا من بينها الحديث المزعوم حول صعود النبي (صلى الله عليه وآله) جبل اُحد مع الخلفاء الثلاثة وما قاله النبي في ذلك، وقد أخرجه البخاري أيضاً في فضائل عثمان(11)
ورائحة السياسة الاُموية تفوح من هذه الأحاديث التي علّقنا عليها فيما سبق، وقد ردّ ابن عبدالبرّ هذا الحديث رغم صحة اسناده، فقال:
من قال بحديث ابن عمر (وذكر الحديث)، وهو الذي أنكره ابن معين وتكلّم فيه بكلام غليظ، لأن القائل بذلك قد قال بخلاف ما اجتمع عليه أهل السنّة من السلف والخلف من أهل الفقه والأثر: أن علياً أفضل الناس بعد عثمان(رضي الله عنه)، وهذا مما لم يختلفوا فيه، وإنما اختلفوا في تفضيل علي وعثمان، واختلف السلف أيضاً في تفضيل علي وأبي بكر، وفي إجماع الجمع الذي وضعنا، دليل على أن حديث ابن عمر وهم وغلط، وأنه لا يصح معناه وإن كان اسناده صحيحاً...!(12)
لكن الحديث دخل في صحيح البخاري! ودخل معه أكثر من ذلك، فعن المسور بن مخرمة قال: إن علياً خطب بنت أبي جهل، فسمعت بذلك فاطمة فأتت رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقالت: يزعم قومك أنك لا تغضب لبناتك! وهذا علي ناكح بنت أبي جهل! فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) -فسمعته حين تشهد يقول- "أما بعد، أنكحتُ أبا العاص بن الربيع، فحدّثني وصدقني، وإن فاطمة بضعة مني، وإني أكره أن يسؤها، والله لا تجتمع بنت رسول الله وبنت عدو الله عند رجل واحد"! فترك علي الخطبة، وزاد محمد بن عمرو بن طلحة عن ابن شهاب عن علي عن مسور: سمعت النبي (صلى الله عليه وآله) -وذكر صهراً له من بني عبد شمس- فأثنى عليه في مصاهرته إياه فأحسن وقال: "حدثني فصدقني، ووعدني فوافى لي"!(13).
فبناء على هذا الحديث المزعوم، يكون علي بن أبي طالب قد حدّث النبي فلم يصدقه، ووعده فلم يف بوعده! ولا أدري هل كان علي قد وعد النبي بأن لا يتزوج على ابنته امرأة اُخرى أم لا، وهل كان ذلك من شروط العقد! وعندما نناقش هذا الحديث يتبين لنا ثلمه، فلماذا ينهى النبي (صلى الله عليه وآله) أن يتزوج عليّ ابنة عدو الله أبي جهل -وهي قد أسلمت والإسلام يجب ما قبله، فضلا عن أنها ليست مسؤولة عن عمل أبيها- بينما نجد النبي نفسه يتزوج اُم حبيبة بنت أبي سفيان الذي كان وقتها ألدّ أعداء الله ورسوله، وحامل راية المشركين في كل معركة، فان كان الزواج بابنة عدو الله محرّماً، فقد كان حرياً بالنبي (صلى الله عليه وآله) أن يكون اُسوة في ذلك، وأن يرشد اُمته لهذا الأمر، أما إذا كانت دعوى المصححين للحديث بأن النبي (صلى الله عليه وآله) قد قال ذلك غيرة منه على ابنته وإكراماً لمشاعرها، فمنع علياً أن يأتيها بضرّة، فان هذا الاحتجاج أيضاً ليس في محله، لأننا نجد في كتب الحديث والسيرة، أن علياً -عندما بعثه النبي الى اليمن- قد استصفى لنفسه جارية مما أثار حفيظة بعض الصحابة وشكوه الى النبي (صلى الله عليه وآله)، ولكن النبي أقرّ علياً على عمله، وغضب من الذين شكوه لذلك.
وفضلاً عن هذا وذاك فان هذه مسألة شخصية، ولو صحّ ذلك فقد كان يكفي أن يأتي النبي (صلى الله عليه وآله) الى علي بن أبي طالب في بيته ويعاتبه على نيّته على هذا الزواج بدلاً من أن يصعد المنبر ويشهّر بعلي على رؤوس الأشهاد بشكل يتنافى مع أخلاق النبي المعروفة.
ويبدو أن هذا الحديث قد زيد فيه، لأسباب سوف تنكشف فيما بعد، إذ أن الروايات الاُخرى جاءت، أن النبي (صلى الله عليه وآله) قد قال: "إنما فاطمة بضعة مني يؤذيني ما آذاها"(14)
وعن المسور بن مخرمة(رضي الله عنه) أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: "فاطمة بضعة مني، فمن أغضبها اغضبني"(15). فقصة زواج علي من ابنة أبي جهل هي من الزيادات المقصودة في الحديث، بهدف إظهار أن غضب فاطمة والنبي (صلى الله عليه وآله) كان على علي بن أبي طالب وليس منصباً على أحد غيره، ولقد بلغ الحصار الاعلامي على رواية فضائل علي بن أبي طالب حدّاً جعل الكثير من المسلمين - حتى الذين على قدر من العلم- يكادون يجهلون الكثير عنها، إن لم يكن كلها، فعن مالك بن دينار قال: سألت سعيد بن جبير فقلت: يا أبا عبدالله، من كان حامل راية رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: فنظر إليَّ وقال: كأنك رخيّ البال. فغضبت وشكوته الى إخوانه من القرّاء، فقلت: ألا تعجبون من سعيد، إني سألته من كان حامل راية رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فنظر إليَّ وقال إنك لرخيَّ البال! قالوا: إنك سألته وهو خائف من الحجاج، وقد لاذ بالبيت فسله الآن، فسألته فقال: كان حاملها علي(عليه السلام)، هكذا سمعته من عبدالله بن عباس!(16).
وعن أبي إسحاق، سأل رجل البرّاء -وأنا أسمع- قال: أشهد عليٌّ بدراً؟!
قال: بارزَ وظاهرَ!(17).
أفليس عجيباً أن يصل الحصار الاعلامي الذي فرضه بنو اُمية على رواية فضائل علي بن أبي طالب، الى الحد الذي يخفى فيه دوره حتى في معركة بدر، مع أنه أول من خرج للمبارزة، وكان لسيفه الدور الحاسم في رجحان كفة المسلمين في ذلك اليوم الفصل!
هذا بعض ما أردنا توضيحه عن الحرب الاعلامية التي شنّها معاوية على علي بن أبي طالب بعد استلامه السلطة مباشرة، وهي الحلقة الاُولى من المخطط الاُموي. هذا وسيأتي المزيد من الشواهد على استمرار ذلك المخطط الى ما بعد عصر الامويين أيضاً.
فأما الحلقة الثانية من المخطط فكانت بوضع فضائل لعثمان بن عفان لا حقيقة لها، وقد نجح معاوية ومن أعانه على ذلك في نشر تلك الفضائل الموهومة حتى انخدع بها المحدّثون وجمهور المسلمين كافة، ولنذكر بعض الشواهد على ذلك.
المصادر :
1- قال عنه الذهبي في سير أعلام النبلاء 5: 75: الامام الحافظ النحوي العلاّمة الأخباري، إبراهيم بن محمد بن عرفة بن سليمان العتكي الأزدي الواسطي، ولد سنة 244 هـ، صاحب التصانيف، وكان ذا سنيّة ودين، من تصانيفه (تاريخ الخلفاء).
2- شرح نهج البلاغة 11: 44.
3- مسند أحمد 4: 203.
4- صحيح البخاري 8: 7 كتاب الأسباب تبلّ الرحم ببلالها، صحيح مسلم 1: 136 كتاب الايمان: باب موالاة المؤمنين، مسند أحمد 4: 203.
5- فتح الباري 10: 345.
6- شرح نهج البلاغة 11: 42.
7- سورة البقرة: 204، 205.
8- سورة البقرة: 207.
9- شرح نهج البلاغة 5: 73.
10- صحيح البخاري 5: 18 باب مناقب عثمان.
11- المصدر السابق.
12- الاستيعاب 3: 1116.
13- صحيح البخاري 5: 28 باب ذكر أصهار النبي(ص)، منهم أبو العاص بن الربيع، صحيح مسلم 4: 1903.
14- صحيح مسلم 4: 1903.
15- صحيح البخاري 5: 36 باب مناقب فاطمة (عليها السلام).
16- المستدرك 3: 137.
17- صحيح البخاري 5: 96 باب غزوة بدر.