عبيد الله بن زياد

ولّاه معاوية بن أبي سفيان إمارة البصرة سنة 55 للهجرة ، وكان عمره 22 سنة. وكان عبيد الله ، غلاما ، سفيها ، جبانا ، سفاكا للدماء ، وبقي أميرا على البصرة حتّى مات معاوية
Tuesday, March 27, 2018
الوقت المقدر للدراسة:
مؤلف: علی اکبر مظاهری
موارد بیشتر برای شما
عبيد الله بن زياد
 

ولّاه معاوية بن أبي سفيان إمارة البصرة سنة 55 للهجرة ، وكان عمره 22 سنة. وكان عبيد الله ، غلاما ، سفيها ، جبانا ، سفاكا للدماء ، وبقي أميرا على البصرة حتّى مات معاوية (1).
ولما سمع يزيد بن معاوية بأن الحسين بن عليّ عليه‌السلام قد أرسل ابن عمّه مسلم (2) بن عقيل إلى الكوفة ، أمر عبيد الله بن زياد ، بالتوجّه (حالا) إلى الكوفة لمعالجة الموقف (3). فذهب ابن زياد إلى الكوفة سنة 60 للهجرة ، وقد جمعت له ولاية (المصرين) (4). فتمكن عبيد الله من إلقاء القبض على مسلم بن عقيل (بعد أن تفرّق عنه أصحابه ، ولم يبق معه أحد) (5). وجيء بمسلم بن عقيل إلى قصر الإمارة وأصعدوه إلى أعلى القصر ، فقطعوا رأسه ، ورموه إلى الناس ، ثمّ أتبعوه بجسده ، ثمّ بعث عبيد الله برأس مسلم إلى الشام ، وصلب جسده بالكوفة. فكان مسلم بن عقيل : أوّل قتيل صلبت جثته من بني هاشم ، وأوّل رأس حمل من رؤوسهم إلى الشام (6).
ثمّ قتل هاني بن عروة. وصلب ايضا ، وفي ذلك قال الشاعر (7) :
فإن كنت لا تدرين ما الموت فانظري / إلى هاني في السوق وابن عقيل
تري جسدا قد غيّر الموت لونه / ولفح دم قد سال كلّ مسيل

عبيد الله بن زياد

ثم جاء الحسين عليه‌السلام إلى كربلاء فحوصر فيها من قبل جيوش عبيد الله بن زياد وكان القائد العام على تلك الجيوش هو : عمر بن سعد بن أبي وقّاص ، وبعد معركة غير متكافئة في العدّة والعدد ، قتل الحسين عليه‌السلام مع جميع أصحابه وأولاده وأخوته في تلك المعركة ، والّتي سميت ب (واقعة كربلاء) أو (يوم الطفّ) ، فأهتزّ لها ضمير العالم الأنساني ولا زالت تلك الذكرى خالدة في نفوس المسلمين وغيرهم ، وستبقى خالدة إلى يوم الدين.
أما بنو أمية ومن ساندهم في تلك الواقعة فستبقى وصمة عار في تاريخهم (الأسود) إلى قيام الساعة.
ثم بعد ما قتل الحسين عليه‌السلام وجميع أصحابه ، قطعوا رؤوسهم ، وحملوها على الرماح إلى عبيد الله بن زياد في الكوفة ، ومع الرؤوس كان آل بيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سبايا إلى ابن مرجانة يتقدّمهم شمر بن ذي الجوشن (وقيل غيره) فيقول مخاطبا عبيد الله بن زياد (8) :
أوقر ركابي فضة أو ذهبا / إنّي قتلت الملك المحجبا
قتلت خير الناس أمّا وأبا / وخيرهم إذ ينسبون نسبا
وعند ما أدخلت السبايا والرؤوس إلى عبيد الله بن زياد بالكوفة ، كانت السيدة زينب بنت الأمام عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام قد جلست متنكرة بين السبايا فقال عبيد الله بن زياد : من هذه الجالسة؟ فلم تكلّمه ، فقال : ثلاثا ، وهي لا تكلّمه ، فقيل له : إنّها زينب بنت فاطمه (9).
فقال عبيد الله بن زياد : الحمد لله الّذي فضحكم ، وقتلكم ، وأكذب أحدوثتكم. فقالت له زينب (عليها‌السلام) : الحمد لله الّذي أكرمنا بمحمّد ، وطهرنا تطهيرا ، لا كما تقول ، وإنّما يفتضح الفاسق ، ويكذب الفاجر.
فقال لها ابن زياد : فكيف رأيت صنع الله بأهل بيتك؟ قالت عليه‌السلام : كتب عليهم القتل ، فبرزوا إلى مضاجعهم ، وسيجمع الله بينك وبينهم ، فتختصمون عنده ، فغضب ابن زياد وقال : لقد شفى الله غيظي من طاغيتك ، والعصاة المردة من أهل بيتك. فبكت (سلام الله عليها) وقالت : (لعمري لقد قتلت كهلي ، وأبرزت أهلي وقطعت فرعي ، فإن يشفيك هذا فقد اشتفيت.
فقال لها ابن زياد : هذه (شجاعة) لعمري لقد كان أبوك شجاعا. وقيل إنّه قال : هذه (سجّاعة).
فقالت له (عليها‌السلام) : ما للمرأة والسجاعة (10)!!
ثم نظر أبن زياد إلى الإمام عليّ بن الحسين (زين العابدين عليه‌السلام) فقال له : ما أسمك؟. قال : عليّ بن الحسين. قال ابن زياد : أولم يقتل عليّ بن الحسين؟. فسكت الإمام عليه‌السلام ولم يجبه. فقال له ابن زياد : مالك لا تتكلّم؟
فقال الإمام عليه‌السلام : كان لي أخ يقال له أيضا (عليّ) قتله الناس. قال ابن زياد : إنّ الله قتله. فسكت الإمام عليه‌السلام ولم يجبه أيضا. فقال له ابن زياد : مالك لا تتكلّم!! فقال الإمام عليه‌السلام : (اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها)(11) ، (وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ)(12)

فقال ابن زياد : أنت والله منهم. ثمّ أمر بقتله ، فتعلقت به السيدة زينب عليه‌السلام وقالت يابن زياد : حسبك منّا ، أما رويت من دمائنا؟! وهل أبقيت منا أحدا؟. ثمّ قالت له : اسألك بالله ، ان كنت مؤمنا ، فاقتلني معه إذا قتلته. فعفا عنه (13). وممّا قيل في رثاء الحسين عليه‌السلام نذكر هذه الأبيات (14) :
فإنّ قتيل الطفّ من آل هاشم / أذلّ رقابا من قريش فذلت
فإن يتبعوه عائذ البيت يصبحوا / كعاد تعمت عن هداها فضلت
ألم تر أنّ الأرض أضحت مريضة / بقتل حسين والبلاد اقشعرت
فلا يبعد الله الديار وأهلها / وإن أصبحت منهم برغمي تخلت
وقال مسلم بن قتيبة يرثي الحسين عليه‌السلام :
عين جودي بعبرة وعويل / واندبي إن ندبت آل الرسول
واندبي تسعة لصلب عليّ / قد أصيبوا وخمسة لعقيل
وابن عمّ النبيّ عونا أخاهم / ليس بما ينوب بالمخذول
وسمّي النبيّ غودر فيهم / قد علوه بصارم مصقول
واندبي كهلهم فليس إذا ما / عد في الخير كهلهم كالكهول
ولمّا وصل خبر مقتل الحسين عليه‌السلام إلى المدينة خرجت بنت لعقيل بن أبي طالب مع نسوة من آل البيت (عليهم‌السلام) وهي تقول : (15)
ماذا تقولون إن قال النبيّ لكم / ماذا فعلتم وأنتم آخر الأمم
بعترتي وبأهلي بعد مفتقدي / نصف أسارى ونصف ضرجوا بدم
ما كان هذا جزائي إذ نصحت لكم / أن تخلفوني بشر في ذوي رحم
ثم أمر عبيد الله بن زياد بحمل الرؤوس ، وآل بيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سبايا إلى يزيد بن معاوية في الشام ، وعند ما أدخلت عترة آل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سبايا ، وهم مكبّلين بالحبال ، فرح يزيد فرحا شديدا وقال :
ليت أشياخي ببدر شهدوا / جزع الخزرج من وقع الأسل
لعبت هاشم بالملك فلا / ملك جاء ولا وحي نزل

وفي زمن عبيد الله بن زياد ، جاء مرداس (ابو بلال الخارجيّ) ومعه أربعون رجلا ، فأرسل عبيد الله إليهم أسلم بن زرعة الكيلاني ، ومعه ألفي رجل ، فدارت معركة بين الطرفين ، في مكان يقال له (آسك) انهزم فيها أسلم واصحابه. فقال أحد شعراء الخوارج في ذلك (16) :
أألف مؤمن منكم زعمتم / ويقتلهم بآسك أربعونا
كذبتم ليس ذاك كما زعمتم / ولكن الخوارج مؤمنونا
هم الفئة (17) قد علمتم / على الفئة الكثيرة ينصرونا
وقيل إنّ عبد الله بن مغفل ، قد مرض فعاده عبيد الله بن زياد وقال له : هل توصي شيئا؟
فقال له ابن مغفل : (لا تصلّي عليّ ، ولا تقم على قبري) (18).
ولمّا مات يزيد بن معاوية بن أبي سفيان سنة 64 للهجرة ، وكذلك مات ابنه معاوية «الثاني» بعد أربعين يوما من وفاة أبيه يزيد ، كان عبيد الله ابن زياد في البصرة ، فخطب بالناس وأعلمهم بموت يزيد وابنه ولم يكن بعدهما ولي عهد ، وأنّ الأمر أصبح شورى ، عندها بايعه أهل البصرة.
فكتب عبيد الله بن زياد إلى عمرو بن حريث «خليفته على الكوفة» يطلب منه أن يأمر أهل الكوفة أن يحذوا حذو أهل البصرة ، ولمّا سمع أهل الكوفة بذلك ثاروا وطردوا عمرو بن حريث ، وولّوا عليهم أميرا لحين استتباب الوضع. (19)
وعند ما علم أهل البصرة بثورة أهل الكوفة ، ثاروا هم أيضا ، وعيّنوا أميرا هو (عبد الله بن الحارث) فذهب عبيد الله إلى بيت المال في البصرة ، وأخذ كل ما فيه ، ثمّ ذهب إلى سعد بن الأطول بن عبد الله وطلب منه أن يحميه من أهل البصرة ، فقال له سعد : (عشيرتي ليست بالبصرة ، عشيرتي بالشام). (20) عندها هرب ابن زياد إلى الشام ، تاركا أمّه بالبصرة ، ونجا بنفسه ، فهجاه ابن مفرغ بقصيدة نقتطف منها : (21)
أعبيد هلا كنت أوّل فارس / يوم الهياج دعا بحتفك داع
أسلمت أمك والرماح تنوشها / يا ليتني لك ليلة إلا فزاع
إذ تستغيث وما لنفسك مانع / عبد تردّده بدار ضياع
هلا عجوزك إذ تمدّ بثديها / وتصيح ألا تنزعنّ قناعي
ليس الكريم بمن يخلّف أمه / وقناته في المنزل الجعجاع
كم يا عبيد الله عندك من دم / يسعى ليدركه بقتلك ساع

 عبيد الله بن زياد

وقال أيضا :
أقرّ بعيني أنّه عقّ أمّه / دعته فولّاها أسته وهو يهرب
وقال : عليك الصبر كوني سبية / كما كنت أو موتي ، فذلك أقرب
وقد هتفت هند : بماذا أمرتني / ابن لي وحدثني إلى أين أذهب؟
فقال : اقصدي للأزد في عرصاتها / وبكر فما إنّ عنهم متجنب
إلى آخر القصيدة.
ولمّا وصل عبيد الله بن زياد إلى (دمشق) ذهب إلى مروان بن الحكم ، ومعه مائة رجل من الأزد ، وأقنعه بأنه (أي مروان) أولى الناس بالخلافة من ابن الزبير ، ثمّ بايعه ، فجمع مروان الأمويين والمروانيين ، وتمّت له البيعة وذلك في سنة 64للهجرة ، ثمّ سار بجيشه نحو الضحّاك بن قيس الفهريّ ، فدارت معركة بين الطرفين ، قتل فيها الضحّاك ، وتمّت البيعة لمروان بن الحكم في دمشق.
ثم توجه عبيد الله بن زياد إلى العراق في جيش كبير ، فكانت له معركة مع التوابين انتصر فيها عليهم ، وقتل زعيمهم سليمان بن صرد الخزاعي سنة 65 للهجرة ، وسميت تلك المعركة ب (عين الوردة).
وفي سنة 66 للهجرة ، ثار المختار بن عبيد الثقفيّ بالكوفة ، مناديا : يا لثارات الحسين ، فالتف حوله الكثير من المؤيدين والمناصرين ، ومن الناقمين على بني أميّة ، فأرسل إبراهيم بن مالك الأشتر في عشرين ألف لقتال عبيد الله بن زياد ، فالتقت الجيوش في منطقة (الزاب) وحصلت معركة عنيفة بين الطرفين قتل فيها عبيد الله بن زياد ، وأرسل برأسه إلى الإمام عليّ بن الحسين (زين العابدين) عليه‌السلام في المدينة ، ولمّا وضع الرأس بين يديه ، كان الإمام عليه‌السلام يتغدّى ، فذكر أباه الحسين عليه‌السلام وترحّم عليه ، ثمّ قال : (جيء برأس أبي عبد الله إلى ابن زياد وهو يتغدّى ، وأتينا برأس عبيد الله بن زياد ونحن نتغدّى) (22). وقتل مع عبيد الله بن زياد : حصين بن نمير ، وشرحبيل بن ذي الكلاع ، وانهزم الشاميّون شرّ هزيمة ، كان ذلك سنة 67 للهجرة بالخازر.
وبعد ما قتل عبيد الله بن زياد هجاه ابن مفرغ الحميرّيّ فقال : (23)
إنّ الّذي عاش ختارا بذمته / وعاش عبدا قتيل الله بالزاب
العبد للعبد لا أصل ولا طرف / ألوت به ذات أضفار وأنياب
إنّ المنايا إذا ما زرن طاغية / هتكن عنه ستورا بين أبواب
ما شقّ جيب ولا ناحتك نائحة / ولا بكتك جياد عند أسلاب
لا يترك الله أنفا تعطسون به / بني العبيد شهودا غير غياب
أقول بعدا وسحقا عند مصرعه / لأبن الخبيثة وابن الكودن الكابي

المصادر :
1- تاريخ الطبري ج ٥ / ٢٩٩ والذهبي ـ سير أعلام النبلاء ج ٣ / ٥٤٥ وابن منظور ـ مختصر تاريخ دمشق ج ١٥ / ٣١٤.
2- كتب أهل الكوفة إلى الإمام الحسين عليه‌السلام يدعوه للمجيء اليهم ومبايعتهم إيّاه أرسله الحسين عليه‌السلام إلى الكوفة ليتعرّف على احوالها ، فقتل ، وله مزار كبير بجانب مسجد الكوفة.
3- تاريخ الطبري ج ٥ / ٣٤٨.
4- العسكري ـ الأوائل ص ٢٩٩.
5- قيل إنّ عدد الّذين بايعوا مسلم بن عقيل من اهل الكوفة قد بلغ ثمانية عشر ألف رجل.
6- المسعودي ـ مروج الذهب ج ٣ / ٦٠.
7- ابن سعد ـ الطبقات ج ٤ / ٤٢ وتاريخ الطبري ج ٥ / ٣٥٠.
8- ابن عبد ربه الأندلسي ـ العقد الفريد ج ٤ / ٣٨١ ومحسن الأمين العاملي ـ في رحاب أهل البيت ج ٣ / ١٤٤ وابن العماد ـ الشذرات ص ٢٧٤.
9- ابن الأثير ـ الكامل ج ٤ / ٨٢.
10- تاريخ الطبري ج ٥ / ٤٥٧ وابن الأثير ـ الكامل ج ٤ / ٨٢.
11- سورة الزمر ـ الآية : ٤٢
12- سورة آل عمران ـ الآية : ١٤٥
13- ابن الأثير الكامل ج ٤ / ٨٢
14- ابو الفرج الأصبهاني ـ مقاتل الطالبيين ص / ١٢٢
15- ابن أعثم الكوفي ـ الفتوح. ج ٥ / ٢٤٥. وتاريخ الطبري. ج ٥ / ٤٦٧. والمسعودي ـ مروج الذهب. ج ٣ / ٦٨.
16- أحمد شلبي ـ موسوعة التاريخ الأسلامي ج ٢ / ٢٦٨.
17- الفئة القليلة : تورية ، إشارة إلى الآية الكريمة (كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة).
18- الذهبي ـ سيرة أعلام النبلاء ج ٣ / ٥٤٥.
19- تاريخ الطبري. ج ٥ / ٥٠٤.
20- ابن سعد ـ الطبقات. ج ٧ / ٥٧. وتاريخ ابن خلدون. ج ٣ / ١٣٦.
21- أبو الفرج الأصبهاني ـ الأغاني. ج ١٧ / ٢٨٠.
22- ابن سعد ـ الطبقات. ج ٥ / ١٠٠.
23- أبو الفرج الأصبهاني ـ الأغاني. ج ١٨ / ٢٨٦.

 


ارسل تعليقاتك
با تشکر، نظر شما پس از بررسی و تایید در سایت قرار خواهد گرفت.
متاسفانه در برقراری ارتباط خطایی رخ داده. لطفاً دوباره تلاش کنید.
المقالات ذات صلة