سرية اُسامة

أورد المحدّثون والمؤرّخون نبأ سرية اُسامة باختلاف في بعض الألفاظ فيها، ويمكن استشفاف بعض الاُمور من بين تلك الاختلافات في بعض الألفاظ، وقد أورد ابن أبي الحديد رواية كاملة عن الجوهري بسنده، قال: إن رسول الله
Tuesday, April 3, 2018
الوقت المقدر للدراسة:
مؤلف: علی اکبر مظاهری
موارد بیشتر برای شما
سرية اُسامة
سرية اُسامة


أورد المحدّثون والمؤرّخون نبأ سرية اُسامة باختلاف في بعض الألفاظ فيها، ويمكن استشفاف بعض الاُمور من بين تلك الاختلافات في بعض الألفاظ، وقد أورد ابن أبي الحديد رواية كاملة عن الجوهري بسنده، قال: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، في مرض موته أمّر اُسامة بن زيد بن حارثة على جيش فيه جلّة المهاجرين والأنصار، منهم أبو بكر، وعمر، وأبو عبيدة بن الجراح، وعبدالرحمان بن عوف، وطلحة والزبير، وأمره أن يغير على مؤتة حيث قُتل أبوه زيد، وأن يغزو وادي فلسطين، فتثاقل اُسامة وتثاقل الجيش بتثاقله، وجعل رسول الله (صلى الله عليه وآله) في مرضه يثقل ويخف، ويؤكد القول في تنفيذ ذلك البعث، حتى قال له اُسامة: بأبي أنت واُمي، أتأذن لي أن أمكث أياماً حتى يشفيك الله تعالى؟
فقال: "اُخرج وسر على بركة الله". فقال: يا رسول الله، إن أنا خرجت وأنت على هذه الحال، خرجتُ وفي قلبي قرحة منك، فقال: "سِر على النصر والعافية". فقال: يا رسول الله، إني أكره أن أسأل عنك الركبان، فقال: "انفذ لما أمرتك به"، ثم اُغمي على رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وقام اُسامة فتجهز للخروج، فلما أفاق رسول الله (صلى الله عليه وآله)، سأل عن اُسامة والبعث، فاُخبر أنهم يتجهزون، فجعل يقول: "انفذوا بعث اُسامة، لعن الله من تخلف عنه"! وكرر ذلك، فخرج اُسامة واللواء على رأسه، والصحابة بين يديه، حتى إذا كان بالجرف، نزل معه أبو بكر وعمر وأكثر المهاجرين، ومن الأنصار: اُسيد بن حضير، وبشير بن سعد، وغيرهم من الوجوه، فجاءه رسول اُم أيمن يقول له: ادخل فان رسول الله يموت. فقام من فوره فدخل المدينة واللواء معه، فجاء به حتى ركزه بباب رسول الله، ورسول الله قد مات في تلك الساعة. قال: فما كان أبو بكر وعمر يخاطبان اُسامة الى أن ماتا إلاّ بالأمير(1).
وهناك اُمور ينبغي الالتفات إليها، منها: أن النبي (صلى الله عليه وآله) قد أمّر اُسامة بن زيد وهو شاب دون العشرين على جيش فيه جلة المهاجرين القرشيين، وفي مقدمتهم أبو بكر وعمر وأبو عبيدة، وفي رواية الطبري: وأوعب مع اُسامة المهاجرون الأولون(2)
وعند ابن الأثير: منهم أبو بكر وعمر(3)
وفي رواية ابن سعد: فلم يبق أحد من وجوه المهاجرين الأولين والأنصار إلاّ انتدب في تلك الغزوة، فيهم أبو بكر الصدّيق، وعمر بن الخطاب، وأبو عبيدة بن الجراح، وسعد بن أبي وقاص، وسعيد بن زيد، وقتادة بن النعمان، وسلمة بن أسلم بن حريش(4).
وعند الذهبي: فلم يبق أحد من المهاجرين والأنصار إلاّ انتدب في تلك الغزوة، فيهم أبو بكر وعمر وأبو عبيدة..(5)
ويبدو من الروايات التي ذكرت ذلك، أن البعض قد تذمروا من تأمير اُسامة عليهم، وطعنوا في إمارته، رغم أن النبي (صلى الله عليه وآله) هو الذي أمّره بنفسه!
أما سيف بن عمر، فقد أورد له الطبري روايتين، قال في احداهما: فقال المنافقون في ذلك. وقال في الاُخرى: وقد أكثر المنافقون في تأمير اُسامة(6).
أما عند المؤرخين الآخرين، فقد قال بعضهم: فتكلم قوم وقالوا: يستعمل هذا الغلام على المهاجرين الأولين!(7).
فسيف بن عمر ينسب الطعن في إمارة اُسامة الى المنافقين، بينما تجمع المصادر الاخرى على أن تلك المقالة قد صدرت عن قوم أو ناس، دون تحديد هوياتهم، إلاّ أن في صحيح البخاري رواية توضح الأمر بشكل جلي، فقد أخرج عن ابن عمر قال: أمّر رسول الله (صلى الله عليه وآله) اُسامة على قوم فطعنوا في إمارته، فقال: "إن تطعنوا في إمارته فقد طعنتم في إمارة أبيه من قبله، وأيم الله لقد كان خليقاً للإمارة، وإن كان من أحب الناس إلي، وإن هذا لمن أحب الناس إليَّ بعده"(8).
فهذه الرواية توضح أن الطاعنين على اُسامة وعلى أبيه من قبله، هم نفس القوم الذين اُمّر عليهم اُسامة، وهم جلّة المهاجرين الأولين، وبالخصوص القرشيين الذين ذُكرت أسماؤهم من قبل، مما يدل على وجود النعرة القبلية وحبّ الفخر حتى عند كبار الصحابة منهم ممن كانوا ينظرون باحتقار ليس إلى اُسامة بسبب صغر سنه -كما قد يتوهم البعض- بل وعلى أبيه -الذي لم يكن صغيراً حتماً- وإنما كان مولى لرسول الله (صلى الله عليه وآله)، ولم يكن قرشياً، رغم كونه من أوائل السباقين الى الإسلام، وفي بعض الروايات أنه كان أسبق من أبي بكر!
والأمر الآخر الذي يلفت الانتباه، هو أن النبي (صلى الله عليه وآله) قد جهّز هذه السرية في هذا الوقت بالذات، وأرسلها الى حدود الروم الجنوبية في فلسطين دونما ظهور أية بادرة عن وجود حشود عسكرية رومية، أو خطر من تلك الجهة البعيدة عن عاصمة الإسلام، وتوضح رواية ابن سعد ذلك، إذ قال: فلما كان هلال شهر ربيع الآخر سنة إحدى عشرة، خرج اُسامة فسار إلى أهل أبنى عشرين ليلة! فشنّ عليهم الغارة، وكان شعارهم (يا منصور أمِتْ)،فقتل من أشرف له، وسبى من قدر عليه، وحرّق في طوائفها بالنار، وحرّق منازلهم وحروثم ونخلهم، فصارت أعاصير من الدخاخين، وأجال الخيل في عرصاتهم، وأقاموا يومهم ذلك في تعبئة ما أصابوا من الغنائم.. وبلغ هرقل وهو بحمص ما صنع اُسامة، فبعث رابطة يكونون بالبلقاء، فلم تزل هناك حتى قدمت البعوث الى الشام في خلافة أبي بكر وعمر(9).
فيتبيّن من ذلك، أن النبي (صلى الله عليه وآله)، قد أراد أن يتخذ التدابير الكافية لاستخلاف علي بن أبي طالب قبيل وفاته بقليل، فأنفذ هذا البعث الى تلك البلاد البعيدة في الوقت الذي كان بعض المرتدين يشكّلون خطراً أكبر على المدينة! وأوعب في ذلك البعث رجالات قريش الذين يتوقع منهم منافسة علي على الأمر، وأمّر عليهم شاباً صغيراً ليس من قريش، ولا ممن تهمه أهداف قريش ومطامعها، حتى يكونوا تحت امرته بعد عودتهم الى المدينة، فلا يقدروا على تغيير شيء أو القيام بما يسمى في الاصطلاح الحديث بانقلاب عسكري للإطاحة بحكومة علي، وشدّد النبي على انفاذ البعث، ولعن المتخلفين عنه(10)
ولكن تدابيره لم تنفع في استنهاض الهمم، فاُسامة كان لا يعرف مرمى النبي من ذلك، وجرفته عاطفته وحبّه للنبي إلى التثاقل على أمل أن يجده بارئاً، ولاقى ذلك هوىً في نفوس القوم الذين كانوا يحرصون على التأخير، بعد أن فهموا غرض النبي من كل ذلك!

يوم الخميس الحزين

أحسّ النبي (صلى الله عليه وآله) بأن وصاياه باستخلاف علي -بين تصريح وتلويح- لم تجد نفعاً في إقناع كبار الصحابة القرشيين بالانصياع لأوامره، فكان التدبير اللاحق العملي هو إبعادهم عن المدينة بتجنيدهم في سرية اُسامة، ولكن البعث كان متثاقلا، وخشي النبي (صلى الله عليه وآله) أن تفوت الفرصة بموته قبل انفاذ البعث، فقرر عند ذلك أن يتخذ إجراءً عملياً يقطع الطريق على محاولات الاحباط القرشية، وتدوين الوصية كتابة بحيث لا يبقى مجال للتشكيك والطعن -كما في إمارة اُسامة- فانتهز النبي (صلى الله عليه وآله) وجود كبار الصحابة في بيته لعيادته في مرضه، فدعا بصحيفة ليكتب فيها ما أراد، ولكن المعارضة الشديدة ظهرت بعد أن أحس اُولئك النفر بمرمى النبي من كتابة ذلك الكتاب، وقصة الكتاب ذكرها المؤرخون والمحدّثون، واتفقوا على رواية القصة بتصرف في ألفاظها وإسقاط بعضها -لظروف خاصة- ويمكن الخروج بنتيجة الأمر من خلال المقارنة وتحليل بعض الفاظها. ولنبدأ برواية ابن أبي الحديد المعتزلي عن الجوهري بسنده، قال:
لما حضرت رسول الله (صلى الله عليه وآله) الوفاة، وفي البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): "ائتوني بدواة وصحيفة أكتب لكم كتاباً لا تضلّون بعدي"، فقال عمر كلمة معناها أن الوجع قد غلب على رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ثم قال: عندنا القرآن، حسبنا كتاب الله. فاختلف من في البيت واختصموا، فمن قائل يقول: القول ما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ومن قائل يقول: القول ما قال عمر! فلما أكثروا اللغط واللغو والاختلاف، غضب رسول الله، فقال: "قوموا، إنه لا ينبغي لنبيّ أن يُختلف عنده هكذا"، فقاموا، فمات رسول الله (صلى الله عليه وآله) في ذلك اليوم، فكان ابن عباس يقول: إن الرزية كل الرزية ما حال بيننا وبين كتاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) -يعني الاختلاف واللغط-.
قال ابن أبي الحديد: هذا الحديث قد خرّجه الشيخان محمّد بن إسماعيل البخاري، ومسلم بن الحجاج القشيري في صحيحهما، واتفق المحدّثون كافة على روايته(11).
نستدل من هذه الرواية على أن عمر بن الخطاب هو الذي اعترض على النبي في كتابة ذلك الكتاب، وانه قد قال كلمة معناها أن النبي قد غلبه الوجع، وهذا يعني انه قد تفوّه بكلمة نُقلت بالمعنى ولم تورد الكلمة بلفظها.
أما البخاري فقد أورد الرواية في عدّة مواضع من صحيحه باختلاف بعض ألفاظها، ففي إحداها: فقال بعضهم إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد غلبه الوجع، وعندكم القرآن، حسبنا كتاب الله...(12)
وفي رواية اُخرى: قال عمر: إن النبي (صلى الله عليه وآله) غلبه الوجع...(13)
وفي رواية اُخرى: قال عمر: إن النبي (صلى الله عليه وآله) غلبه الوجع، وعندكم القرآن، فحسبنا كتاب الله...(14)
لكن البخاري صرّح بالكلمة التي أبدلت بغلبه الوجع في روايات اُخرى، منها:
فقالوا: ما شأنه، أهجر؟ استفهموه، فذهبوا يردون عليه(15).
وعند الطبري، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: يوم الخميس وما يوم الخميس! قال: ثم نظرت إلى دموعه تسيل على خديه كأنها نظام اللؤلؤ، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): "ائتوني باللوح والدواة -أو بالكتف والدواة- أكتب لكم كتاباً لا تضلون بعده"، قال: فقالوا: إن رسول الله يهجر!(16).
فيتبيّن من مقارنة هذه الروايات أن عمر بن الخطاب قد اعترض على النبي (صلى الله عليه وآله) وقال إنه يهجر، أي يهذي! مما أغضب النبي (صلى الله عليه وآله) فطردهم من مجلسه.
أما الأمر الآخر في هذه الروايات، فهو حذف بعض ما جاء فيها، ففي بعضها: وأوصى بثلاث، قال: "اُخرجوا المشركين من جزيرة العرب، وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت اُجيزهم"، وسكت عن الثالثة عمداً، أو قال: فنسيتها!(17).
وفي رواية: والثالثة خير، إما أن سكت عنها، وإما أن قالها فنسيتها(18).
فالراوي -وهو سعيد بن جبير- يدّعي أنه إما أن يكون ابن عباس قد سكت عن الوصية الثالثة، أو يكون قد ذكرها ولكن سعيداً نسيها! ولا يمكن تصوّر وتصديق هذا العذر، بل إن الحقيقة تدل على أن النبي (صلى الله عليه وآله) قد أوصى بشيء مهم وخطير، ولكن ظروف السياسة استدعت اخفاء تلك الوصية لأنها حتماً ستقلب الأوضاع رأساً على عقب، ولا يمكن تخيّل وصية النبي (صلى الله عليه وآله) إلاّ باستخلاف علي بن أبي طالب، ويمكن التحقّق من ذلك بملاحظة قول النبي (صلى الله عليه وآله): "أكتب لكم كتاباً لا تضلون بعده"، وبين قوله يوم الغدير: "إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لا تضلون أبداً، كتاب الله وعترتي أهل بيتي"، فأرشد النبي أصحابه إلى أن التمسك بالثقلين، وهما كتاب الله وعترة النبي (صلى الله عليه وآله)، وعميدهم علي بن أبي طالب قطعاً، هو الطريق للنجاة من الضلال، ولكن عمر بن الخطاب أدرك عرض النبي، فرفض الثقل الثاني، ودعا الى التمسك بالثقل الأول وحده!! وقد حاول بعض علماء الجمهور الاعتذار لعمل عمر بن الخطاب، فقالوا: وإنما أراد عمر التخفيف عن النبي (صلى الله عليه وآله) حين رآه شديد الوجع، لعلمه أن الله قد أكمل ديننا، ولو كان ذلك الكتاب واجباً لكتبه النبي (صلى الله عليه وآله) لهم، ولما أخلّ به(19).
ولكن من حقّنا أن نتساءل: هل كان النبي يجهل أن الله قد أكمل دينه، وفطن عمر بن الخطاب وحده لذلك؟
وهل كان ثمّة ضرر من كتابة ذلك الكتاب بعد أن أخبر النبي (صلى الله عليه وآله)، إنه سوف يعصم الاُمة من الضلال؟
وهل يستلزم التخفيف عن النبي إتهامه بالهذيان؟
وإذا كان الهدف هو التخفيف عن النبي، فلماذا غضب هذا الغضب الشديد وطرد الحاضرين من بيته؟!
بقي أمر أخير، وهو التنبيه على الخطأ الذي ورد في رواية الجوهري، من أن النبي قد توفي في ذلك اليوم وهو الخميس، لأن معظم المصادر تؤرخ وفاته يوم الاثنين.
المصادر :
1- شرح نهج البلاغة 6: 52.
2- تاريخ الطبري 2: 184.
3- الكامل 2: 217 حوادث سنة 11 هـ.
4- الطبقات الكبرى 2: 136 سرية اُسامة بن زيد بن حارثة.
5- تاريخ الاسلام: الغزوات: ص 713.
6- الطبري 2: 184.
7- طبقات ابن سعد 2: 136، تاريخ الإسلام للذهبي الغزوات: 713 وفيه أيضاً عن ابن عمر: فطعن الناس في إمارته، ومثله في صحيح البخاري 6: 19 باب بعث النبي(ص) اُسامة بن زيد.
8- صحيح البخاري 5: 176 المغازي: باب غزوة زيد بن حارثة.
9- الطبقات الكبرى 2: 136.
10- الملل والنحل للشهرستاني 1: 23.
11- شرح نهج البلاغة 6: 51.
12- صحيح البخاري 6: 12 باب مرض النبي(ص) ووفاته، 4: 84 باب فضل الجهاد والسير، باب جوائز الوفد.
13- المصدر السابق 1: 29 كتاب العلم، باب كتابة العلم، والملل والنحل للشهرستاني 1: 22 من المقدمة الرابعة.
14- صحيح البخاري 9: 137 كتاب الاعتصام بالكتاب والسنّة، باب كراهية الخلاف.
15- صحيح البخاري 6: 11، 4: 120 باب الجزية والموادعة مع أهل الحرب، الكامل في التاريخ 2: 320 حوادث سنة 11 هـ.
16- تاريخ الطبري 3: 192 حوادث 11 هـ.
17- صحيح البخاري 6: 11.
18- المصدر السابق 4: 120.
19- تاريخ الإسلام للذهبي: السيرة النبويّة: 552.
 


نظرات کاربران
ارسل تعليقاتك
با تشکر، نظر شما پس از بررسی و تایید در سایت قرار خواهد گرفت.
متاسفانه در برقراری ارتباط خطایی رخ داده. لطفاً دوباره تلاش کنید.