
إنّ هاهنا سؤالين في مجال البحث عن الله والإيمان به، ينبغي أن نبحث عنهما قبل كلّ شيء، هما:
1- ما الّذي يبعث الإنسان للبحث عن وجود مبدئ العالم وصانعه؟
2- ماذا يترتّب على معرفة صانع العالم والإيمان به، وبالتّالي، الإيمان بالدين الإلهي؟
والجواب عن السؤال الأوّل بوجوه ثلاثة:
1- لزوم دفع الضّرر المحتمل:
إنّ هناك عاملاً روحيّاً يحفّزنا للبحث عن هذه الأمور الخارجة عن إطار المادّة والمادّيات، وهو أنّ هناك مجموعة كبيرة من رجالات الإصلاح والأخلاق الدينية فدوا أنفسهم في طريق إصلاح المجتمع وتهذيبه وتوالوا على مدى القرون والأعصار، ودعوا المجتمعات البشريّة إلى الاعتقاد بالله سبحانه وصفاته الكمالية، وادّعوا أنّ له تكاليف على عباده ووظائف وضعها عليهم، وأنّ الحياة لا تنقطع بالموت، وإنّما يُنقل الإنسان من دار إلى دار، وأنّ من قام بتكاليفه فله الجزاء الأوفى، ومن خالف واستكبر فله النّكاية الكبرى.
هذا ما سمعته آذان أهل الدنيا من رجالات الوحي والإصلاح، ولم يكن هؤلاء متَّهمين بالكذب والاختلاق، بل كانت علائم الصدق لائحة من خلال حياتهم وأفعالهم وأذكارهم، عند ذلك يدفع العقل الإنسان المفكّر إلى البحث عن صحّة مقالتهم دفعاً للضرر المحتمل أو المظنون الذي يورثه أمثال هؤلاء.
2- لزوم شكر المنعم:
لا شكّ أنّ الإنسان في حياته غارق في النعم، وهذا ممّا لا يمكن لأحد إنكاره، ومن جانب آخر إنّ العقل يستقلّ بلزوم شكر المنعم، ولا يتحقّق الشكر إلاّ بمعرفته .
وعلى هذين الأمرين يجب البحث عن المنعم الّذي غمر الإنسان بالنعم وأفاضها عليه، فالتعرّف عليه من خلال البحث إجابة لهتاف العقل ودعوته إلى شكر المنعم المتوقف على معرفته.
3- استجابة لنداء الفطرة:
إنّ الإنسان بفطرته يبحث عن علل الحوادث، فما من حادثة إلا وهو يبحث عن علّتها ويشتاق إلى الوقوف عليها، عندئذٍ ينقدح في ذهنه السؤال عن علّة العالم ومجموع الحوادث. هل هناك علّة موجدة للعالم الكوني وراء العلل والأسباب المادّية أم لا؟ فالبحث عن وجود صانع العالم فطري للإنسان .
دور الدِّين الإلهي في حياة الإنسان
الدين منظومة فكريّة تقود الإنسان إلى الكمال والترقّي في جميع المجالات المهمّة بالنسبة إلى حياة الإنسان منها:
أ- تقويم الأفكار والعقائد وتهذيبهما عن الأوهام والخرافات.
ب- تنمية الأصول الأخلاقية.
ج- تحسين العلاقات الاجتماعية.
د- إلغاء الفوارق القومية.
وإليك تبيين وجه قيادة الدِّين في هذه المآرب الأربعة:
أمّا في المجال الأوّل: فإنّ الدّين يفسِّر واقع الكون بأنّه إبداع موجود عال قام بخلق المادة وتصويرها وتحديدها بقوانين وحدود، كما أنّه يفسِّـر الحياة الإنسانية بأنّها لم تظهر على صفحة الكون عبثاً ولم يخلق الإنسان سدى، بل لتكوّنه في هذا الكوكب غاية عليا يصل إليها في ظلّ تعاليم الأنبياء والهداة المبعوثين من جانب الله تعالى.
وفي مقابل هذا التفسير الديني لواقع الكون والحياة الإنسانيّة تفسير المادّي القائل بأنّ المادّة قديمة بالذّات وهي التي قامت فأعطت لنفسها نظماً، وإنّه لا غاية لها ولا للإنسان القاطن فيها وراء هذه الحياة المادية، وهذا التفسير يقود الإنسان إلى الجهل والخرافة، إذ كيف يمكن للمادّة أن تمنح نفسها نظماً؟! وهل يمكن أن تتّحد العلّة والمعلول، والفاعل والمفعول، والجاعل والمجعول؟
ومن هنا يتبيّن أنّ التكامل الفكري إنّما يتحقّق في ظلّ الدِّين، لأنّه يكشف آفاقاً وسيعة أمام عقله وتفكّره.
وأمّا في المجال الثاني: فإنّ العقائد الدينية تُعدّ رصيداً للأصول الأخلاقية، إذ التقيّد بالقيم ورعايتها لا ينفك عن مصاعب وآلام يصعب على الإنسان تحمّلها إلاّ بعامل روحي يسهِّلها ويزيل صعوبتها له، وهذا كالتضحية في سبيل الحقّ والعدل، ورعاية الأمانة ومساعدة المستضعفين، فهذه بعض الأصول الأخلاقية التي لا تنكر صحّتها، غير أنّ تجسيدها في المجتمع يستتبع آلاماً وصعوبات، والاعتقاد بالله سبحانه وما في العمل بها من الأجر والثواب خير عامل لتشويق الإنسان على إجرائها وتحمّل المصائب والآلام.
وأمّا في المجال الثالث: فإنّ العقيدة الدينيّة تساند الأصول الاجتماعية، لأنّها تصبح عند الإنسان المتديّن تكاليف لازمة، ويكون الإنسان بنفسه مقوداً إلى العمل والإجراء، أي إجراء التكاليف والقوانين الاجتماعية في شتّى الحقول.
وأمّا في المجال الرابع: فإنّ الدين يعتبر البشر كلّهم مخلوقين لمبدأ واحد، فالكل بالنسبة إليه حسب الذّات والجوهر كأسنان المشط، ولا يرى أيّ معنى للمميّزات القوميّة والتفاريق الظاهريّة.
فهذه بعض المجالات الّتي للدّين فيها دور وتأثير واضح، أفيصحّ بعد الوقوف على هذه التأثيرات المهمة أن نهمل البحث عنه، ونجعله في زاوية النسيان؟
نعم ما ذكرنا من دور الدِّين وتأثيره في الجوانب الحيويّة من الإنسان إنّما هو من شؤون الدين الحقيقي الذي يؤيّد العلم ويؤكّد الأخلاق ولا يخالفهما، وأمّا الأديان المنسوبة إلى الوحي بكذب وزور فخارجة عن موضوع بحثنا.
المفاهيم الرئيسة
- هناك ثلاثة أمور تدعو إلى البحث عن وجود خالق لهذا العالم:
1- لزوم دفع الضرر المحتمل، حيث أخبرنا الأنبياء عليهم السلام بوجود عقاب أخروي إن لم نطع خالق العالم.
2- لزوم شكر المنعِم، حيث إنَّ شكر المنعِم متوقّف على معرفته.
3 - استجابة لنداء الفطرة، حيث إنّها تدعو الإنسان إلى معرفة خالق هذا الكون ومبدئه.
- يترتّب على الإيمان بخالق للعالَم وبالتّالي الإيمان بالدِّين الإلهي فوائد عديدة، منها:
1- تقويم الأفكار والعقائد وتهذبيها عن الأوهام والخرافات.
2- تنمية الأصول الأخلاقية.
3- تحسين العلاقات الاجتماعية.
4- إلغاء الفوارق القومية.
- وهذه الفوائد وغيرها تدعونا إلى البحث عن الخالق وبالتّالي عن الدِّين الحقّ.
المصادر :
راسخون 2018