القرب من الله تعالى

ينبغي للمرء بعد أن يزيل أمراض نفسه، أن يسعى لتكميلها وتربيتها، حتّى تغدو قادرة على حثّ الخطى في طريق السير والسلوك إلى الله تعالى. ولمّا كانت طبيعة النفس البشريّة في حركة دائمة، وهي إمَّا أن تتحرّك في الصراط
Tuesday, April 10, 2018
الوقت المقدر للدراسة:
مؤلف: علی اکبر مظاهری
موارد بیشتر برای شما
القرب من الله تعالى
 القرب من الله تعالى


ينبغي للمرء بعد أن يزيل أمراض نفسه، أن يسعى لتكميلها وتربيتها، حتّى تغدو قادرة على حثّ الخطى في طريق السير والسلوك إلى الله تعالى. ولمّا كانت طبيعة النفس البشريّة في حركة دائمة، وهي إمَّا أن تتحرّك في الصراط المستقيم، أو أن تنحرف في طريق الضلال.
ولمّا كان القرب من الله تعالى هو غاية المنى، لا بدّ لمن جعل القرب هدفاً أن يسعى لتزكية نفسه، لأنَّه لا قرب بلا تزكية, ومن هنا فإنَّ العبد كلّما زكَّى نفسه، كلّما حاز على درجة من درجات القرب، وإذا ارتقى في سبيل القرب، فليس إلَّا لأنَّه أفلح في تزكية نفسه وتهذيبها.
أنواع القرب
توجد أنواع عديدة للقرب، منها:
1- القرب المكانيّ: وهو تقارب شيئين من حيث المكان.
2- القرب الزمانيّ: وهو تقارب شيئين من حيث الزمان.
وهذه المعاني قطعاً ليست هي المقصودة في تعبيرنا "القرب من الله".
3- القرب المجازيّ: كأن نقول إنَّ فلاناً قريب من فلان بمعنى أنّه يحبّه.
4- القرب الحقيقيّ: وهو نحو رابع مختلف عمّا سبق، يظهر معناه من خلال النفس البشريّة، بأنّها في حركة مستمرّة حقيقية وواقعيّة. من هنا كان لا بدّ لها في حركتها هذه على الصراط المستقيم من أن تصل إلى مقام القرب.
إذاً، القرب هو بمعنى: تكامل النفس وارتقائها المعنويّ والروحيّ، وبلوغها تلك الدرجات العالية في سيرها وسلوكها إلى الله تعالى. يقول تعالى: ﴿إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ * كِتَابٌ مَّرْقُومٌ﴾ .
ا

لسابقون هم المقرّبون

بعد أن عرفنا معنى القرب، نرجع إلى القرآن الكريم لتحديد من هم المقرّبون، فنجده يقسّم البشر يوم القيامة إلى فئات ثلاث:
1- أصحاب الميمنة: وهم السعداء، وهم الذين كتبت لهم النجاة من العذاب.
2- أصحاب المشأمة: وهم الأشقياء, وهم المعذّبون بالنار.
3- السابقون: وهم الذين نالوا درجة القرب الإلهيّ.
يقول تعالى: ﴿وَكُنتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً * فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ * وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ * وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ * فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ﴾ .
شروط القرب
لكي يصل الإنسان إلى درجة القرب الإلهيّ عليه أن يحقِّق شروطه: وهي عبارة عن المعرفة والإيمان.
فإنَّ المعرفة والإيمان بالله تعالى هما أساس التكامل والقرب الإلهيّ، إنَّ من لا يعرف هدفه، والمصير الذي يؤول إليه، ولا يؤمن بهما، فإنَّه لن يسعى للتزكية والقرب من الله تعالى، وبالتالي فإنَّه لن يقطع مسافة على الصراط المستقيم, وبما أنَّه في الدنيا لم يطوِ الطريق فإنَّه في الآخرة لن يجوز الصراط.
يقول تعالى: ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ .
ويقول تعالى: ﴿أَفَمَن يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّن يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾ .
إنَّ من لا يعرف الآخرة ولا يؤمن بها، فإنَّه لن يسعى لقطع المسافة على الصراط المستقيم، بل سيضلّ عنه، ومن يضلّ عنه في الدنيا فإنَّه لن يتجاوزه في الآخرة. ولذا على السالك أن يسعى لتقوية إيمانه وزيادة علمه حتّى يرتقي أكثر في مقام القرب.
يقول تعالى: ﴿وَإِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ﴾ .
العمل والإيمان
وثمّة شرط ثالث للقرب, وهو العمل المقرون بالإيمان، فإنَّ عمل الإنسان حتّى لو كان عملاً صالحاً فإنَّه لن يثمر تلك الحياة الطيّبة إذا لم يكن مقروناً بالإيمان، فالإيمان شرط أساس لوصول الإنسان إلى الحياة الطيّبة: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً﴾ .
والطيِّب لا يبقى في الأسفل بل يصعد إلى الله تعالى، حيث مقام القرب، يقول تعالى: ﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ﴾ .
وعليه: فإنَّ الإيمان بالله تعالى وبالمعاد، والمعرفة بهما، يساعدان الإنسان على الوصول إلى مقام القرب الإلهيّ، ولا يمكن أن يصل إلى درجات القرب من لم يطهّر نفسه من دنس المعاصي ومساوىء الأخلاق، فالتزكية أساس لمن عزم على أن يكون من المقرَّبين.

أسباب التكامل والقرب

يمكن الاستفادة من مجموعة وسائل لتكميل النفس وتربيتها، والوصول بها إلى مقام القرب الإلهيّ، وسنشير في الدروس الآتية إلى أهمّها وهي:
الأوّل: التعرّف على طرق الوصول وموانعه.
الثاني: ذكر الله.
الثالث: مكارم الأخلاق.
الرابع: العمل الصالح والصلاة الواجبة والنوافل وصلاة الليل.
الخامس: الجهاد والشهادة.
السادس: الإحسان وخدمة الناس، وغير ذلك ممّا سيأتي إن شاء الله.
الخلاصة
- هناك أنواع من القرب، والقرب الإلهيّ هو تكامل النفس في حركتها على الصراط المستقيم.
- إنَّ الغاية لحركة الإنسان في الحياة هي القرب من الله سبحانه.
- إنَّ تزكية النفس وتربيتها شرط للقرب من الله تعالى.
- المقصود بالقرب تكامل النفس معنويّاً وارتقاؤها روحيّاً.
- يقسَّم البشر يوم القيامة إلى أصحاب الميمنة وأصحاب المشئمة والمقرّبين.

إرشادات الإمام الصادق عليه السلام للبصريّ

كان عنوان البصريّ شيخاً كبيراً، قد أتى عليه أربع وتسعون سنة، قال: كنت أختلف إلى مالك بن أنس سنين، فلمَّا قدم جعفر الصادق عليه السلام المدينة اختلفت إليه، وأحببت أن آخذ عنه كما أخذت عن مالك، فقال لي يوماً: إنّي رجل مطلوب، ومع ذلك لي أوراد في كلّ ساعة من آناء الليل والنهار، فلا تشغلني عن وردي، وخذ عن مالك، واختلف إليه كما كنت تختلف إليه، فاغتممت من ذلك، وخرجت من عنده وقلت في نفسي: لو تفرَّس فيَّ خيراً لما زجرني عن الاختلاف إليه والأخذ عنه، فدخلت مسجد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وسلَّمت عليه، ثمَّ رجعت من الغد إلى الروضة وصلَّيت فيها ركعتين وقلت: أسألك يا الله يا الله أن تعطف عليَّ قلب جعفر عليه السلام وترزقني من علمه ما أهتدي به إلى صراطك المستقيم، ورجعت إلى داري مغتمّاً ولم أختلف إلى مالك بن أنس لما أشرب قلبي من حبّ جعفر عليه السلام، فما خرجت من داري إلَّا إلى الصلاة المكتوبة حتّى عيل صبري، فلما ضاق صدري تنعَّلت وتردَّيت، وقصدت جعفرا عليه السلام، وكان بعدما صلَّيت العصر، فلّما حضرت باب داره استأذنت عليه فخرج خادم له فقال: ما حاجتك؟ فقلت: السلام على الشريف، فقال: هو قائم في مصلّاه، فجلست بحذاء بابه فما لبثت إلّا يسيراً إذ خرج خادم فقال: أدخل على بركة الله، فدخلت وسلَّمت عليه، فردَّ السلام وقال: اجلس غفر الله لك، فجلستُ فأطرق مليّاً، ثمَّ رفع رأسه، وقال: أبو مَن؟ قلت: أبو عبد الله، قال: ثبَّت الله كنيتك ووفّقك. يا أبا عبد الله ما مسألتك؟ فقلت في نفسي: لو لم يكن لي من زيارته والتسليم غير هذا الدعاء لكان كثيراً، ثمَّ رفع رأسه، ثمَّ قال: ما مسألتك؟ فقلت: سألت الله أن يعطف قلبك عليَّ ويرزقني من علمك، وأرجو أنّ الله تعالى أجابني في الشريف ما سألته، فقال: يا أبا عبد الله، ليس العلم بالتعلّم، إنَّما هو نور يقع في قلب مَن يريد الله تبارك وتعالى أن يهديه، فإن أردت العلم فاطلب أوّلاً في نفسك حقيقة العبوديّة، واطلب العلم باستعماله، واستفهم الله يفهمك. قلت: يا شريف، فقال: قل يا أبا عبد الله، قلت: يا أبا عبد الله ما حقيقة العبوديّة؟ قال: ثلاثة أشياء: أن لا يرى العبد لنفسه فيما خوَّله الله ملكاً، لأنَّ العبيد لا يكون لهم ملك، يرون المال مال الله يضعونه حيث أمرهم الله به، ولا يدبّر العبد لنفسه تدبيراً، وجملة اشتغاله فيما أمره تعالى به ونهاه عنه، فإذا لم يرَ العبد لنفسه فيما خوَّله الله تعالى ملكاً، هان عليه الإنفاق فيما أمره تعالى أن ينفق فيه، وإذا فوَّض العبد تدبير نفسه على مدبره هانت عليه مصائب الدنيا، وإذا اشتغل العبد بما أمره الله تعالى ونهاه، لا يتفرغ منهما إلى المراء والمباهاة مع الناس. فإذا أكرم الله العبد بهذه الثلاث هان عليه الدنيا، وإبليس، والخلق، ولا يطلب الدنيا تكاثراً، أو تفاخراً، ولا يطلب ما عند الناس عزّاً وعلوّاً، ولا يدع أيَّامه باطلاً، فهذا أوّل درجة التُقَى، قال الله تبارك وتعالى: ﴿تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾ . قلت: يا أبا عبد الله أوصني، قال: أوصيك بتسعة أشياء، فإنَّها وصيّتي لمريدي الطريق إلى الله تعالى، واللهُ أسأل أن يوفّقك لاستعماله، ثلاثة منها في رياضة النفس، وثلاثة منها في الحلم، وثلاثة منها في العلم، فاحفظها وإيّاك التهاون بها، قال عنوان: ففرغت قلبي له.
فقال: أمَّا اللواتي في الرياضة (تهذيب الأخلاق النفسيّة): فإيّاك أن تأكل ما لا تشتهيه فإنّه يورث الحماقة والبله. ولا تأكل إلَّا عند الجوع، وإذا أكلت فكُل حلالاً وسمِّ الله، واذكر حديث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: "ما ملأ آدميّ وعاءً شرّاً من بطنه،
فإن كان ولا بدّ فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه".
وأمَّا اللواتي في الحلم: فمَن قال لك: إن قلت واحدةً سمعت عشراً فقل: إن قلت عشراً لم تسمع واحدةً، ومَن شتمك فقل له: إن كنت صادقاً فيما تقول فاسأل الله أن يغفر لي، وإن كنت كاذباً فيما تقول فاللهُ أسأل أن يغفر لك، ومَن وعدك بالخنى (الفحش في الكلام) فعده بالنصيحة والرعاء.
وأمَّا اللواتي في العلم: فاسأل العلماء ما جهلت، وإيّاك أن تسألهم تعنتاً وتجربة، وإيَّاك أن تعمل برأيك شيئاً، وخذ بالإحتياط في جميع ما تجد إليه سبيلاً، واهرب من الفتيا هربك من الأسد، ولا تجعل رقبتك للناس جسراً. قم عنّي يا أبا عبد الله فقد نصحت لك ولا تفسد عليّ وردي، فإنّي امرئ ضنين بنفسي، والسلام على من اتبع الهدى".
المصادر :
العلامة المجلسي قدس سره، بحار الأنوار ، ج1، ص 224.
 


ارسل تعليقاتك
با تشکر، نظر شما پس از بررسی و تایید در سایت قرار خواهد گرفت.
متاسفانه در برقراری ارتباط خطایی رخ داده. لطفاً دوباره تلاش کنید.