
نبدأ بذكر الإمامة بحسب اللغة؛ لأنّ ذلك يوضّح معنى الإمامة في العقيدة.
الإمام في اللغة هو الذي يتقدّم على غيره، ويقتدي به من خَلْفَه من الناس، ولذلك يُطلق على من يصلّي الناس خَلْفَه بالإمام؛ لأنّه يتقدّم على غيره ويقتدي به المصلّون خَلْفَه.
ومن هذا المعنى اللغويّ، كان معنى الإمامة في العقيدة، فالإمام في العقيدة هو من له الرئاسة العامّة في أمور الدين والدنيا، فتشمل كافّة النواحي الحياتيّة للإنسان، وهذا المنصب ثابت للأئمّة (عليهم السلام) بما أنّهم خلفاء عن رسول الله(صلى الله عليه واله وسلم)، فلهم ما كان لرسول الله(صلى الله عليه واله وسلم)من الولاية على الناس وعلى شؤونهم.
الإمام هو الّذي له الولاية والرئاسة في أمور الدين والدنيا على الناس كافّة، خلافة عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم
1ـ دور الإمام
من خلال التعريف المتقدِّم للإمام، وكونه خليفة رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم)، وبملاحظة ما تقدَّم من دور الأنبياء(عليهم السلام)، يتّضح لنا دور الأئمّة (عليهم السلام) وهو عبارة عن
أ ـ بيان المعارف الدينيـّة والإلهيـّة، من العقائد والمفاهيم والأحكام الشرعيّة. باعتبارهم يشكّلون المرجعيّة الدينيّة.
ب ـ إدارة المجتمع الإسلاميّ، والدولة الإسلاميّة، من خلال الحكم بين الناس وإقامة العدل، وحفظ الثغور، لأنّهم يمثّلون المرجعيّة السياسيّة والإداريّة.
ج ـ تربية النفوس وتزكيتها، بتربية الناس على التقوى والعمل الصالح، واتّخاذهم أسوة يُقْتَدى بها.
الإمام هو الذي له الولاية والرئاسة في أمور الدين والدنيا على الناس كافّة، خلافة عن رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم).
2 ـ الدليل على الإمامة
هل خَتْمُ النبوّة بنبوّة النبيّ محمّد(صلى الله عليه واله وسلم)يمكَّن الناس من الاستغناء عن هداية السماء، ويجعلهم يمتلكون القدرة على إدارة مصالحهم؟
إنّ الجواب عن هذا السؤال، هو الذي يوضِّح لنا الدليل على ضرورة وجود الإمام.
فالناس لا يمكنهم الوصول إلى كلّ ما يريده الله عزّ وجلّ منهم في ما يتعلّق بأمور الدنيا والآخرة؛ لأنّهم لا يمتلكون الأدوات الكافية للوصول إلى ذلك، فعقل الإنسان مهما سما يبقى عاجزاً عن إدراك كلّ شيء، وما جاء من النبيّ ونتيجة للظروف التي أحاطت به، من حروب ومعارك ونفاق، ليس كافياً لبيان كلّ شيء للناس كافّةً.
ولذا، كان لا بدّ من وجود إنسان، لقّنه النبيّ كلّ ما يحتاج إليه الناس، ويملك الكفاءة والقدرة على القيام بالدور المنوط به. وهذا لا يتوفّر إلّا في الإمام. ولذلك اقتضت الضرورة وجوده.وكما تقدّم في دليل النبوّة، فإنّ مقتضى اللطف الإلهيّ بالناس، أن يعيّن لهم شخصاً يرجعون إليه، ويهتدون بهَدْيِهِ.وقد تقدّم أيضاً، أنّ الله عزّ وجلّ لا يمكنه أن يعذّب إنساناً على معصيته وعدم طاعته، إلّا أن يلقي عليه الحجّة، بأن يعيِّن له من يرجع إليه في بيان ما يريد، ولذا كان الأئمّة(عليهم السلام) حججَ الله على عباده، وإلى هذا يشير كلام أمير المؤمنين:"لا تَخْلو الأَرْضُ مِنْ قَائِمٍ للهِ بِحُجّةٍ. إِمّا ظاهِراً مَشْهوراً أَوْ خَائِفاً مَغْموراً لِئَلا تَبْطُلَ حُجَجُ اللهِ وَبَيِّنَاتُهُ"1.
ـ الأئمـّة هم حجج الله على عباده، لأنـّهم المرجع في تحديد ما يريده الله عزّ وجلّ، فلا يصحّ لأحد أن يعتذر عن ارتكابه للمعصية بالجهل بعد وجود الأئمـّة (عليهم السلام).
3 ـ تعيين الإمام
إذا عرفنا هذا كلّه، ندرك شيئاً آخر، وهو أنّ الله عزّ وجلّ بيده تعيين الإمام، وبذلك تكون الإمامة تعيين إلهيّ، ووظيفة الرسول هي بيان ذلك التعيين للناس. ولذا فقد أمر الله عزّ وجلّ نبيّه الخاتم صلى الله عليه واله وسلم أن يبلّغ الناس يوم غدير خمّ في حجّة الوداع. بتنصيب أمير المؤمنين عليه السلام خليفة وإماماً من بعده فقال سبحانه:﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ﴾2وبعد هذا البلاغ نزل قوله تعالى:﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً﴾3 فكان كمال الدين وتمام النعمة بولاية أمير المؤمنين عليه السلام الصادرة من الله عزّ وجلّ..
وهذا ما أكّده رسول الله(صلى الله عليه واله وسلم)، لمّا جاءه رجلٌ من بني عامر يريد الإسلام، فقال لرسول الله(صلى الله عليه واله وسلم):"أرأيْتَ إنْ بايعناك على أمرك ثمّ أظهرك الله على من خَالَفَك، أيكون لنا الأمر من بعدك؟ قال: الأمْرُ إِلى اللهِ يَضَعُهُ حَيْثُ يَشاءُ"4.
وقد صرّح النبيّ صلى الله عليه واله وسلم غير مرّة بأمر الإمامة والخلافة وذلك في بعض أحاديثه وعند تفسيره لبعض الآيات, ومنها قوله تعالى:﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ الله وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ﴾5.
حيث ورد في تفسير أولي الأمر بأنّهم الأئمّة الإثنا عشر من ذريّة النبيّ صلى الله عليه واله وسلم، ففي الرواية عن جابر الأنصاريّ قال: سألت النبيّ صلى الله عليه واله وسلم عن قوله:﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ الله وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ﴾6عرفنا الله ورسوله، فمن أولي الأمر؟ قال (صلى الله عليه واله وسلم):"هُمْ خُلَفائي يا جَابِرُ وَأَئِمَّةُ المُسْلِمينَ بَعْديِ أَوَّلُهُمْ عَليُّ بنُ أبي طالِب(عليه السلام) ثُمَّ الحَسَنُ، ثُمَّ الحُسَيْنُ، ثُمَّ عَليُّ بنُ الحُسَيْنِ، ثُمَّ مُحَمّد بنُ عَليٍّ المَعْروفُ في التَّوْراة بِالبَاقِرِ، وَسَتُدْركُهُ يا جابِرُ فإذا لَقيتَه فَأَقْرئْهُ مِني السلامَ. ثُمَّ الصادِقُ جَعْفَرُ بنُ مَحَمّد، ثُمَّ موسى بْنُ جَعْفَرٍ، ثُمَّ عَليُّ بنُ موسى، ثُمَّ مُحَمّدُ بْنُ عَليٍّ، ثُمَّ عَليُّ بْنُ مُحَمّدٍ، ثُمَّ الحَسَنُ ابْنُ عَليٍّ، ثُمَّ سَمِّيِي وَكَنيِّي حُجَّةُ اللهِ في أرْضِهِ وَبَقْيَتُهُ في عِبادِهِ ابْنُ الحَسَنِ ابْنُ عَليٍّ الذي يَفْتَحُ اللهَ على يَدِهِ مَشارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَها. ذاكُ الَّذي يَغيبُ عَنْ شيعَتِهِ، غَيبَةً لا يَثْبُتُ عَلى الْقَوْلِ في إِمَامتِهِ إِلا مَنْ امْتَحَنَ اللهُ قَلْبَهَ بِالإِيمانِ"7.
نضيف إلى هذه الرّواية، روايات كثيرة أخرى، منها
أ ـ حديث الثقلين: ففي الرواية عن رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم):"إنّي تارِكٌ فيكُمُ الثقَلَيْنِ ما إِنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهما لَنْ تَضِلُّوا بَعْدِي: كتابَ اللهِ، وَعِتْرَتي أَهْلَ بَيْتي، وَإِنَّهُما لَنْ يَفْتَرِقا حَتَّى يرِدا عَليَّ الحَوْضَ"8.
فهذه الرواية واضحة وصريحة، من قوله (تمسّكتم بهما)، بأنّ الرجوع إلى القرآن وإلى أهل البيت هو الضامن لاستمرار الإنسان في خطّ الهداية، أمّا الرجوع إلى أحدهما فغير كافٍ بل لعلّه يكون موجباً للضلال.
ب ـ حديث السفينة:"إِنَّما مَثَلُ أَهْلِ بَيْتي في هَذِهِ الأُمَّةِ مَثْلُ سَفينَةِ نوحٍ في لُجَّةِ الْبَحْرِ مَنْ رَكَبِها نَجا، وَمَنْ تَخَلَّفَ عَنْها غَرِقَ وهوى"9.
فكما تكون السفينة أماناً من الغرق، كذلك أهل البيت (عليهم السلام)، هم أمان من الدخول إلى النار.
إستنتاج
حيث تعود ضرورة الإمامة إلى حاجة الناس إلى الهداية الإلهيـّة، ولمعرفة ما يريده الله، كان تعيين الإمام من قبل الله عزّ وجلّ، ووظيفة الرسول بيان ذلك التعيين للناس.
لماذا جعل الله لنا القلب؟
دخل هشام بن الحكم مسجد البصرة يوماً، فوجد عَمرو بن عبيد قد اجتمع حوله الناس يسألونه، فقعد آخر القوم، وقال:أيّها العالم أنا رجل غريب، أتأذن لي فأسألك عن مسألة؟
قال عمرو: إسأل.
قال: هشام ألك عين؟
قال: يا بنيّ أيّ شيء هذا من السؤال؟
قال هشام: هذه مسألتي.
فقال عمرو: يا بنيّ سل، وإن كانت مسألتك حمقاء.
قال هشام: ألك عين؟ قال: نعم. قال: فما تصنع بها؟ قال: أرى بها الألوان والأشخاص.
قال: ألك أنف؟ قال: نعم. قال: فما تصنع به؟ قال: أشمّ به الرائحة.
قال: ألك لسان؟ قال: نعم. قال: فما تصنع به؟ قال: أتكلّم به.
قال: ألك أذن؟ قال: نعم، قال: فما تصنع بها؟ قال أسمع بها الأصوات.
قال: ألك يدان؟ قال: نعم، قال فما تصنع بهما؟ قال: أبطش بهما، وأعرف بهما الليِّن من الخشن.
قال: ألك رجلان؟ قال: نعم، قال: فما تصنع بهما؟ قال: أنتقل بهما من مكان إلى مكان.
قال: ألك فم؟ قال: نعم. قال: فما تصنع به؟ قال: أعرف به المطاعم والمشارب على اختلافها.
قال: ألك قلب؟ قال: نعم، قال: فما تصنع به؟ قال: أميّز به كل ما ورد على هذه الجوارح.
قال هشام: أفليس في هذه الجوارح غنى عن القلب؟ قال: لا.
قال: وكيف ذلك وهي صحيحة سليمة؟
قال عمرو: يا بنيّ إنّ الجوارح إذا شكَّت في شيء أو شمّته أو رأته أو ذاقته ردَّته إلى القلب، فتيقّن بها اليقين وأبطل الشكّ.
قال: فإنَّما أقام الله عزّ وجلّ القلب لشكّ الجوارح؟ قال: نعم، قال: لا بدّ من القلب وإلّا لم تستيقِن الجوارح، قال: نعم.
قال: يا أبا مروان، إنّ الله تبارك وتعالى لم يترك جوارحكم حتّى جعل لها إماماً يصحّح لها الصحيح وينفي ما شكّت فيه، ويترك هذا الخلق كلّه في حيرتهم وشكّهم واختلافهم، لا يقيم لهم إماماً يردّون إليه شكّهم وحَيْرَتهم، ويقيم لك إماماً لجوارحك تردّ إليه حَيْرَتك وشكّك؟
المصادر :
1- نهج البلاغة، الحكمة 147.
2- المائدة: 67.
3- المائدة: 3.
4- بحار الأنوار، العلّامة المجلسي، ج28، ص 272.
5- النساء: 59.
7-بحار الانوار,العلامة المجلسي,ج22,ص289
8- م. ن. ج 2، ص 100.
9- م. ن. ج 22، ص 408.
10- الكافي، الشيخ الكليني، ج1، ص 170.