
مراحل رحلة الآخرة: يمرّ الإنسان في رحلته إلى يوم القيامة بمحطّات، يشكّل الموت فيها نقطة البداية، وما يلاقيه من مصير في يوم القيامة من الجنّة أو النار هو نقطة النهاية.
أ ـ الموت
يؤمنُ كلّ إنسان في هذه الدنيا أنكر الآخرة أو آمن بها بأنّ مصيره المحتوم هو الموت.
ولكنّ الخطأ يقع في فهم هذه الحقيقة الثابتة، فالبعض يتصوّر أنّ الموت هو الفناء والزوال والانعدام، في حين يتصوّر آخرون أنّ الموت طريق لعالمٍ آخر، هو الذي نطلق عليه عالم الآخرة وهذا هو التصوّر الصحيح.
نعم من لا يرى في الآخرة عالمه المنشود لما ارتكبه في هذه الدنيا من معاصٍ وآثام وظلم، سوف يرى في الموت النهاية؛ لأنّه يرى في ذلك خلاصه، ولكنّه غفل عن أنّه لا مفرّ من الجزاء، الجنّة أو جهنّم.
في الرواية عن الإمام الحسين (عليه السلام):"صَبْراً بني الكِرامِ، فَما المَوْتُ إِلا قَنْطَرَةٌ تَعْبُرُ بِكُمُ عن البُؤْسِ والضُرِّ إلى الجنانِ الواسعةِ والنِعَم الدائِمة، فأيُّكُمْ يَكْرَهُ أَنْ يَنْتَقِلَ مِنْ سِجْنٍ إِلى قَصْرٍ، وَهؤلاءِ أَعْدَاؤُكُمْ كَمَنْ يَنْتَقِلُ مِنْ قَصْرٍ إِلى سِجْنٍ وَعَذابٍ أَليمٍ: إِنَّ أَبي(عليه السلام)
حَدَّثَني عَنْ رَسولِ اللهِ(صلى الله عليه واله وسلم): أنَّ الدُنْيا سِجْنُ المُؤْمِنِ وَجَنَّةُ الكَافِرِ. وَالْمَوْتُ جِسْرُ هَؤُلاءِ إِلى جَنّاتِهِمْ، وَجِسْرُ هَؤُلاءِ إَلى جَحيمِهِمْ"1.
يبدأ عالم الآخرة بلحظة الموت، وينتهي بالمصير الأبديّ من الجنـّة أو النار.
ب- عالمُ البرزخ
تُطْلَق هذه التّسمية على الفترة الفاصلة بين موت الإنسان وقيام القيامة، أي الفترة المستمرّة لهذا الإنسان بين الحياتين: الحياة الدنيويّة والحياة الأخرويّة.
ج ـ سـُؤالُ القَبْرِ
بعد أن يُفَارِق الإنسان هذه الدنيا، ويُوضَع في قبره، فإنّه سيواجه سؤال القبر، وهو قبل سؤال القيامة. إنّه سؤال يتولّاه اثنان من الملائكة، وهو ما ورد في الرّواية عن النبيّ(صلى الله عليه واله وسلم)
:"إنّ ملكين لله تعالى يُقالُ لهما: ناكرٌ ونكيرٌ ينزلانِ على الميّتِ فيسألانِهِ عن ربِّهِ ونبيِّهِ ودينِهِ وإمَامِهِ، فإنْ أجابِ بالحقِّ سلَّموه إلى ملائكةِ النعيمِ، وإن ارتجَّ عليه سلَّموه إلى ملائكةِ العذابِ"2.
ومن هنا سمّيت برزخاً؛ لأنّ البرزخ هو الحاجز والحائل بين شيئين، وهذه المرحلة هي الحاجز بين عالم الدنيا وعالم القيامة.
ويحدّثنا القرآن الكريم عن هذه الحياة، في قوله تعالى:
﴿حتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ ] لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾3.
إنّ هذه المرحلة ـ وكما يحدّثنا القرآن عنها ـ تختلف بين المؤمن والكافر، فهي بالنسبة إلى المؤمن حياة نعيم وسعادة، قال تعالى:
﴿فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ 4.وأمّا بالنّسبة إلى الكافر فهي حياة عذاب وجحيم، قال تعالى:﴿النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَاب﴾5
د ـ يوم القيامة
إنّ لعالم القيامة خصائص وصفات تختلف تماماً عن عالم الدنيا، ولا تصحّ المقايسة بين العالَمين أبداً.
ونحن لا نستطيع معرفة ذلك العالم وصفاته، إلّا من خلال الرجوع إلى القرآن الكريم، ومطالعة آياته التي تحدّث فيها عن الآخرة.
ففي عالم الآخرة يختلّ هذا النظام الكونيّ تماماً كما حدّثنا بذلك القرآن الكريم، قال تعالى:﴿إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ﴾6.
وفي عالم الآخرة ميزان توزن به أعمال العباد عند الحساب،﴿وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِين﴾7.وينقسم الناس فريقين:﴿فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ﴾8
يختلف عالَمُ البرزخ بين المؤمن والكافر، فهو جحيم وعذاب للكافر، ونعيم وراحة للمؤمن.
استنتاج
إنّ لعالم القيامة خصائص وصفات تختلف تماماً عن عالم الدنيا، ففي عالم الآخرة كما يتحدّث القرآن؛ يختلّ النّظام الكونيّ وتوزن أعمال العباد عند الحساب،﴿وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِين﴾.
روح الله
قيل لعيسى بن مريم عليهما السلام:"كيف أصبحت يا روح الله؟قال: أصبحت وربّي تبارك وتعالى من فوقي، والنار أمامي، والموت في طلبي، لا أملك ما أرجو، ولا أطيق دفع ما أكره، فأيّ فقير أفقر منّي؟!9".
عن الصادق (عليه السلام) عن آبائه (عليه السلام) قال:"قال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم): مرّ عيسى بن مريم (عليه السلام) بقبر يُعذَّب صاحبُه، ثمّ مرّ به من قابل فإذا هو ليس يُعذَّب.
فقال: يا ربّ مررت بهذا القبر عام أوّل، فكان صاحبه يُعذَّب، ثم مررت به العام فإذا هو ليس يُعذَّب؟
فأوحى الله عزّ وجلّ إليه: يا روح الله إنّه أدرك له ولد صالح فأصلح طريقاً، وآوى يتيماً، فغفرت له بما عَمِل ابنه"10.
المصادر :
1- بحار الأنوار، العلّامة المجلسي، ج 44، ص 297.
2- الدعوات، قطب الدين الراوندي، ص 280.
3-المؤمنون: 99 و100.
4- آل عمران: 170.
5-غافر: 46.
6-التكوير: 1 إلى 6.
7- الأنبياء: 47.
8-الشورى: 7.
9- بحار الأنوار، العلّامة المجلسي، ج 14، ص 322.
10- م. ن، ج 6، ص 220 - 221.