حديث الثقلين

أخرج هذا الحديث جمع كبير من الحفّاظ والمحدّثين والمؤرّخين وغيرهم، واعترف بعضهم بصحته وتواتره، وقد أخرجوه بألفاظ متعددة متقاربة، منها:
Monday, April 23, 2018
الوقت المقدر للدراسة:
مؤلف: علی اکبر مظاهری
موارد بیشتر برای شما
حديث الثقلين
 حديث الثقلين


أخرج هذا الحديث جمع كبير من الحفّاظ والمحدّثين والمؤرّخين وغيرهم، واعترف بعضهم بصحته وتواتره، وقد أخرجوه بألفاظ متعددة متقاربة، منها:
"إني تارك فيكم الثقلين...".
"إني تارك فيكم أمرين...".
"إني تارك فيكم خليفتين..."(1).
ولكننا تعودنا منذ نعومة أظفارنا على ترديد الحديث الذي قيل إنَّ النبي (صلى الله عليه وآله) قد قاله في حجة الوداع، وهو قوله (صلى الله عليه وآله): "... كتاب الله وسنّتي" والذي تمسّك به البعض مفسراً قول النبي بالحث على التمسك بالقرآن والسنّة النبوية والتي يقصد بها كتب الحديث المعروفة المتداولة عند الجمهور، لكن حديث "وسنّتي" ذكره مالك بن أنس في الموطأ بغير إسناد فلا يمكن تقبله، وكذلك أورده ابن هشام في سيرته بدون إسناد أيضاً، وهما أقدم المصادر التي ذكرته، وقد حاول البعض من المتأخرين أن يورده مسنداً، ولكن تلك الأسانيد ضعيفة وفي بعضها وضاعون، منهم سيف بن عمر!
وقد خرج الحافظ ابن حجر المكي برأي أقرب الى الصواب حين قال:- بعد ايراد حديث الثقلين-: وفي رواية "كتاب الله وسنتي"، وهي المراد من الأحاديث المقتصرة على الكتاب، لأن السنّة مبينة له، فاغنى ذكره عن ذكرها، والحاصل أن الحث وقع على التمسك بالكتاب وبالسنّة وبالعلماء بهما من أهل البيت، ويستفاد من مجموع ذلك بقاء الاُمور الثلاثة إلى قيام الساعة، ثمّ اعلم أن لحديث التمسّك بذلك طرقاً كثيرة وردت عن نيف وعشرين صحابياً.. وفي بعض تلك الطرق أنه قال ذلك بحجة الوداع بعرفة، وفي اُخرى أنه قاله بالمدينة في مرضه وقد امتلأت الحجرة بأصحابه، وفي اُخرى أنه قال ذلك بغدير خم، وفي اُخرى أنه قال لما قام خطيباً بعد انصرافه من الطائف.. ولا تنافي، إذ لا مانع من أنه كرر عليهم ذلك في تلك المواطن وغيرها اهتماماً بشأن الكتاب العزيز والعترة الطاهرة...
وقال (تنبيه): سمى رسول الله (صلى الله عليه وآله) القرآن وعترته -وهي بالمثناة الفوقية الاهل والنسل والرهط الأدنون- (ثقلين)، لأن الثَّقَل: كل نفيس خطير مصون، وهذان كذلك، إذ كل منهما معدن للعلوم اللدنية والأسرار والحكم العلية والأحكام الشرعية، ولذا حث (صلى الله عليه وآله) على الاقتداء والتمسّك بهم والتعلم منهم، وقال: "الحمد لله الذي جعل فينا الحكمة أهل البيت"، وقيل: سميّا ثقلين لثقل وجوب رعاية حقوقهما، ثم الذين وقع الحث عليهم منهم إنما هم العارفون بكتاب الله وسنّة رسوله، إذ هم الذين لا يفارقون الكتاب إلى الحوض، ويؤيده الخبر السابق:
"ولا تعلموهم فانهم أعلم منكم"، وتميزوا بذلك عن بقية العلماء لأن الله أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً، وشرّفهم بالكرامات الباهرة والمزايا المتكاثرة، وقد مرّ بعضها، وسيأتي الخبر الذي في قريش وتعلّموا منهم فانهم أعلم منكم، فاذا ثبت هذا العموم لقريش فأهل البيت أولى منهم بذلك، لأنهم امتازوا عنهم بخصوصيات لا يشاركهم فيها بقية قريش، وفي أحاديث الحثّ على التمسّك بأهل البيت إشارة الى عدم انقطاع متأهل منهم للتمسّك به إلى يوم القيامة، كما أن الكتاب العزيز كذلك، ولهذا كانوا أماناً لأهل الأرض كما يأتي، ويشهد لذلك الخبر السابق: "في كل خلف من اُمتي عدول من أهل بيتي...الخ"، ثم احق من يتمسك به منهم إمامهم وعالمهم علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، لما قدّمناه من مزيد علمه ودقائق مستنبطاته..(2)
في الحقيقة أن التمعّن في دلالة حديث الثقلين يثبت الوصية لعلي بن أبي طالب وأهل بيته، ومهما حاول البعض التملص من دلالة الحديث واختراع التأويلات له، فإنّ تصرف النبي (صلى الله عليه وآله) في يوم الغدير ينسف كل تلك التمحلات، فان النبي (صلى الله عليه وآله) قد ألبس علي بن أبي طالب -بعد ذكر الحديث- عمامة للدلالة على تتويجه، قال الزبيدي: ومن المجاز: (عُمّمَ): أي سُوِّدَ، لأن تيجان العرب العمائم، فكلما قيل في العجم: تُوّجَ من التاج، قيل في العرب: عُمِّمَ. قال: وفيهم إذا عُمم المعمّم.
وكانوا إذا سوّدوا رجلا عمموه عمامة حمراء، وكانت الفرس تُتوّج ملوكها، فيقال له: المتوّج(3).
وقد جاء عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): "العمائم تيجان العرب"(4).
وعن علي بن أبي طالب قال: عمّمني رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوم غدير خم بعمامة، فسدلها خلفي.
وفي رواية: فسدل طرفها على منكبي، ثم قال: "إنّ الله أمدّني يوم بدر وحنين بملائكة يتعممون هذه العمّة"(5).
وعن عبد الرحمان بن عدي البحراني، عن أخيه عبدالأعلى بن عدي: أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) دعا علي بن أبي طالب، فعمّمه وأرخى عذبة العمامة من خلفه(6).
وعن ابن عباس، قال: لما عمّم رسول الله (صلى الله عليه وآله) علياً بالسحاب، قال له: "يا علي العمائم تيجان العرب"(7).
وقال الحلبي: كان له (صلى الله عليه وآله) عمامة تسمى (السحاب)، كساها علي بنأبي طالب كرم الله وجهه فكان ربما طلع عليه علي كرم اللهوجهه، فيقول (صلى الله عليه وآله): "أتاكم علي في السحاب، يعني عمامته التي وهبها له (صلى الله عليه وآله) "(8).

دفع الألباني لدلالة الحديث

أورد الشيخ ناصر الدين الألباني طرق حديث الثقلين وأثبت صحته، ونعى على البعض من غير المطلعين - من حملة شهادة الدكتوراه- تضعيفهم للحديث لعدم استيعابهم طرقه، ووصفهم بالناشئين الذين ليست لهم قدم راسخة في العلم، إلاّ أنه بعد ذلك يعود ليقع في خطأ لا يقل عن أخطائهم، حيث يقول: واعلم أيها القارئ الكريم، أن من المعروف أن الحديث مما يحتج به الشيعة، ويلهجون بذلك كثيراً، حتى يتوهم بعض أهل السنّة أنهم مصيبون في ذلك، وهم جميعاً واهمون في ذلك. وبيانه من وجهين:
الأوّل: أن المراد من الحديث في قوله (صلى الله عليه وآله): "عترتي" أكثر مما يريده الشيعة، ولا يردّه أهل السنّة، بل هم مستمسكون به، ألا وهو أن العترة فيه هم أهل بيته (صلى الله عليه وآله)، وقد جاء ذلك موضحاً في بعض طرقه كحديث الترجمة "وعترتي أهل بيتي"، وأهل بيته في الأصل هم نساؤه (صلى الله عليه وآله)، وفيهن الصدّيقة عائشة رضي الله عنهم جميعاً، كما هو صريح في قوله تعالى في (الأحزاب): (إنَّما يُريدُ اللهُ ليُذهِبَ عَنكُم الرِّجسَ أَهلَ البيتِ وَيُطهّركم تَطهيراً)(9) بدليل الآية التي قبلها والتي بعدها: (يا نِساءَ النبيّ لستُنَّ كأحد مِنَ النساءِ إنْ اتقيتُنَّ...) الاية.
وتخصيص الشيعة (أهل البيت) في الآية بعلي وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم دون نسائه (صلى الله عليه وآله) من تحريفهم لآيات الله تعالى انتصاراً لأهوائهم... الخ.
والوجه الآخر: أن المقصود من أهل البيت إنما هم العلماء الصالحون منهم، والمتمسكون بالكتاب والسنّة.. الخ(10)
إن من العجب أن يتهم الألباني غيره باتباع الهوى وينسى نفسه، فان مقالته هذه لا ينبغي أن تصدر عمن يدعي العلم والتبحر في علم الحديث، وعتابه لاُولئك الذين يفتون بغير علم، ينطبق عليه بصورة أكبر، لأنه يعلم ولكنه يحرّف الحقائق من باب التعصب ليس إلاّ، إذ أن ما يدعيه من شمول نساء النبي (صلى الله عليه وآله) بأهل البيت ترده الروايات الصحيحة، ولم يقل بمقالة الألباني إلاّ بعض المتَّهمين بمناصبة أهل البيت، لذا أجد لزاماً علي أن استعرض الروايات التي جاءت بهذا الخصوص وأترك الحكم فيها للقارئ.

أهل البيت

لقد تبيّن أن الحديث النبوي الشريف قد تعرّض لعملية تزييف كبيرة، بأمر من معاوية وبني اُمية حتى انتهاء دولتهم، ثم استمر بعد ذلك عدة قرون، وكانت إحدى أساليب التزييف هي وضع أحاديث في مقابل الأحاديث الصحيحة انتقاصاً من علي وأهل البيت عامة، بصرف فضائلهم الى غيرهم من الصحابة، وبخاصة الخلفاء الثلاثة الاُوَل، أو الى بعض زوجاته، ولعلك تلاحظ معي أن الألباني عندما يذكر زوجات النبي (صلى الله عليه وآله) في أهل البيت، فانه يخص عائشة بالذكر دون سواها، وكان للسياسة الإعلامية الاُموية اليد الطولى في اختلاق الفضائل لعائشة، لا لسبب إلاّ لأنها زوجة النبي الوحيدة التي حاربت علي بن أبي طالب. وقد كان الهدف من إدخال زوجات النبي في أهل البيت، هو إضفاء الشرعية على عمل عائشة لاعتبارها تمثل هي الاُخرى الثقل الثاني الذي أمر النبي (صلى الله عليه وآله) بالتمسك به كالتمسك بالثقل الأول الذي هو كتاب الله، وبالتالي تصبح عائشة حجة في مسائل الدين والشريعة، ويصبحعملها بالتأليب على عثمان والدعوة لقتله، واشعال الفتنة بين المسلمين، ومن ثم ضرب بعضهم ببعض في حرب ضروس سقط فيها الاُلوف منهم، عملا مشروعاً، وتدور الدائرة على علي بن أبي طالب، ويصبح عمله عملا تهوّرياً، ويكون هو المسؤول الأول عما حدث في حرب الجمل وما تبعها.
فنلاحظ من ذلك أن إدخال أزواج النبي (صلى الله عليه وآله) في جملة أهل البيت الذين أمر النبي بالتمسك بهم كان لهذه الأهداف، إلاّ أن الواقع يكذب ما يدعيه الألباني من المعاصرين، وعكرمة وعروة وغيرهما من القدامى الذين كانوا يقولون بذلك، وإليك مقارنة بين الروايات التي جاءت في ذلك:
1 - عن اُم سلمة(رض) أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال لفاطمة(رض): "ائتني بزوجك وابنيه"، فجاءت بهم، فألقى رسول الله (صلى الله عليه وآله) عليهم كساء فدكياً، ثم وضع يده عليهم، ثم قال: "اللهم هؤلاء أهل محمد -وفي لفظ آل محمد- فاجعل صلواتك وبركاتك على آل محمد كما جعلتها على آل إبراهيم إنك حميد مجيد". قالت اُم سلمة(رض): فرفعت الكساء لأدخل معهم، فجذبه من يدي وقال: "إنك على خير"!(11).
2 - عن أبي سعيد الخدري(رضي الله عنه) قال: لما دخل علي(رضي الله عنه) بفاطمة(رض)، جاء النبي (صلى الله عليه وآله) أربعين صباحاً الى بابها يقول: "السلام عليكم أهل البيت ورحمة الله وبركاته، الصلاة رحمكم الله، إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا، أنا حرب لمن حاربتم، أنا سلم لمن سالمتم".
3 - قال السيوطي: وأخرج إبن مردويه عن اُم سلمة قالت: نزلت هذه الآية في بيتي (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً)، وفي البيت سبعة: جبريل، وميكائيل (عليهما السلام)، وعلي وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم، وأنا على باب البيت، قلت: يا رسول الله، ألست من أهل البيت؟ قال: "إنك إلى خير، إنك من أزواج النبي"(12).
4 - قالت عائشة: خرج النبي (صلى الله عليه وآله) غداة وعليه مرط مرجّل من شعر أسود، فجاء الحسن بن علي فأدخله، ثم جاء الحسين فدخل معه، ثم جاءت فاطمة فأدخلها، ثم جاء علي فأدخله، ثم قال: "إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً"(13).
5 - عن سعد بن أبي وقاص، قال: أمر معاوية بن أبي سفيان سعداً فقال: ما منعك أن تسبّ أبا تراب؟ فقال: أما ما ذكرت ثلاثاً قالهن رسول الله (صلى الله عليه وآله) فلن أسبّه، لأن تكون لي واحدة منهن أحب إلي من حمر النعم، سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول له وقد خلّفه في بعض مغازيه، فقال له علي: يا رسول الله، خلفتني مع النساء والصبيان! فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله): "أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى، إلاّ أنه لا نبوة بعدي"، وسمعته يقول يوم خيبر: "لأعطين الراية رجلا يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله"، قال: فتطاولنا لها فقال: "ادعوا لي علياً"، فاُتي به أرمد، فبصق في عينه ودفع الراية إليه، ففتح الله عليه. ولما نزلت هذه الآية (فَقُل تَعالَوا نَدعُ أبناءَنا وأَبناءكُمْ) دعا رسول الله (صلى الله عليه وآله) علياً وفاطمة وحسناً وحسيناً فقال: "اللهم هؤلاء أهلي"(14).
6 - عن واثلة بن الأسقع (رض) قال: جاء رسول الله (صلى الله عليه وآله) الى فاطمة ومعه حسن وحسين وعلي حتى دخل، فأدنى علياً وفاطمة فأجلسهما بين يديه، وأجلس حسناً وحسيناً، كل واحد منهما على فخذه، ثم لف عليهم ثوبه وأنا مستدبرهم، ثم تلا هذه الآية (إنما يريد الله...)(15)
7 - عن ابن عباس(رضي الله عنه) قال: شهدنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) تسعة أشهر، يأتي كل يوم باب علي بن أبي طالب(رضي الله عنه)، عند وقت كل صلاة فيقول: "السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أهل البيت، (إنما يريد الله...)، الصلاة يرحمكم الله" كل يوم خمس مرات!(16).
والروايات في ذلك أكثر مما ذكرت، ولكنني ساُورد الآن الروايات المقابلة لها، والتي جمعها السيوطي في تفسيره، قال:
أخرج ابن أبي حاتم وابن عساكر من طريق عكرمة(رضي الله عنه) عن ابن عباس(رضي الله عنه) في قوله: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت) قال: نزلت في نساء النبي (صلى الله عليه وآله) خاصة، وقال عكرمة(رضي الله عنه): من شاء باهلته أنها نزلت في أزواج النبي (صلى الله عليه وآله)!
وأخرج ابن مردويه من طريق سعيد بن جبير(رضي الله عنه) عن ابن عباس(رضي الله عنه)قال: نزلت في نساء النبي (صلى الله عليه وآله).
وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن عكرمة(رضي الله عنه) في قوله: (إنما يريد...)
قال: ليس بالذي تذهبون إليه، إنما هو نساء النبي (صلى الله عليه وآله).
وأخرج ابن سعد عن عروة(رضي الله عنه): (إنما يريد...) قال: يعني أزواج النبي (صلى الله عليه وآله)، نزلت في بيت عائشة(17)
إن نتيجة المقارنة تبدو واضحة تماماً. فادعاء عروة أنها نزلت في نساء النبي (صلى الله عليه وآله) في بيت عائشة، تكذبه الروايات الصحيحة بأنها نزلت في بيت اُم سلمة، وأن تصرف النبي (صلى الله عليه وآله) بمنع اُم سلمة عن الدخول معهم تحت الكساء ليدل على استثناء نساء النبي منهم، كما أن عائشة التي شهدت إحدى الوقائع وروتها كما في صحيح مسلم لم تدع أنها نزلت في نساء النبي قط، وفضلا عن هذا وذاك فان عروة معروف بمواقفه من علي وأهل البيت ومناصبته العداء لهم كما ثبت فيما سبق.
وأما عكرمة، فترجمته تؤكد أنه كان من الخوارج الصفرية، لهذا كان مالك يدلّسه، والخوارج أعداء علي بن أبي طالب، بل ويكفرونه، فلا يستغرب أن يدعي عكرمة على ابن عباس ما يدّعيه.
فلا يعتد باقوال هؤلاء، ولا يمكن قبول رواياتهم أمام هذا الجمع من الروايات الصحيحة التي تثبت عكس مقالاتهم.
وعلى ذكر نزول آية المباهلة، والتي أجمع فيها المفسرون على أن النبي (صلى الله عليه وآله) قد أخذ علياً وفاطمة وحسناً وحسيناً لمباهلة نصارى نجران، إلاّ أن وسائل الإعلام الاُموية لم تدع هذه الحادثة أيضاً دون تزييف، حيث وضع رواية في مقابلها، فقد أخرج إبن عساكر عن جعفر بن محمد عن أبيه في هذه الآية (تعالوا ندع أبناءنا...) الآية. قال: فجاء بأبي بكر وولده، وبعمر وولده، وبعثمان وولده، وبعلي وولده!(18) والعجب أن تنسب هذه الرواية الى جعفر بن محمد الصادق!

استدراك آخر

نقلنا فيما مضى كلام ناصر الدين الألباني في تأويل حديث الثقلين ومعنى أهل البيت، وننقل الآن ما تبقى من كلامه في محاولته ربط حديث الثقلين بحديث كتاب الله وسنّة رسوله، قال:
فتبيّن أن المراد بأهل البيت، المتمسكين منهم بسنّته (صلى الله عليه وآله)، فتكون هي المقصود بالذات في الحديث، ولذلك جعلها أحد الثقلين في حديث زيد بن أرقم المقابل للثقل الاول وهو القرآن، والحاصل أن ذكر أهل البيت في مقابل القرآن في هذا الحديث، كذكر سنّة الخلفاء الراشدين مع سنّته (صلى الله عليه وآله) في قوله: "فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين..."قال الشيخ القاري: "فانهم لم يعملوا إلاّ بسنّتي"، فالاضافة إليهم إما لعلمهم بها، أو لاستنباطهم واختيارها إياها.
إذا عرفت ما تقدّم، فالحديث شاهد قوي لحديث الموطأ بلفظ "تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما، كتاب الله وسنّة رسوله"، وقد خفي وجه هذا الشاهد على بعض من سوّد صفحات من اخواننا الناشئين اليوم في تضعيف حديث الموطأ!(19).
الحقيقة إن حال الشيخ الالباني أسوأ من حال اُولئك الذين ينتقدهم، فانهـ وهو المحدّث الكبيرـ يلجأ إلى أساليب التأويل غير المنطقي لأجل تصحيح حديث متهافت لا اسناد له، وهو قد وضع في مقابل "وعترتي أهل بيتي" دون شك، أما احتجاجه بحديث "عليكم بسنّتي وسنّة الخلفاء الراشدين..."، فإننا مع افتراضنا صحة الحديث، فإنه يخالف المدّعى منه، فالحديث عن العرباض بن سارية قال: قام فينا رسول الله (صلى الله عليه وآله) ذات يوم، فوعظنا موعظة بليغة وجلت منها القلوب، وذرفت منها العيون، فقيل: يا رسول الله، وعظتنا موعظة مودع، فاعهد إلينا بعهد، فقال: "عليكم بتقوى الله، والسمع والطاعة، وإن عبداً حبشياً، وسترون من بعدي اختلافاً شديداً، فعليكم بسنّتي وسنّة الخلفاء الراشدين المهديين، عضّوا عليها بالنواجذ، وإياكم والاُمور المحدثات، فانّ كل بدعة ضلالة"(20).
المصادر :
1- انظر: صحيح مسلم 2: 237، المستدرك 3: 148 وصححه على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي، مصنف ابن أبى شيبة 11: 452، 10: 505، سنن الترمذي 5: 662، 663 باب مناقب اهل بيت النبي (ص)، سنن الدارمي 2: 342، مسند أحمد 3: 14، 17، 4: 371، 5: 182 - 189، مجمع الزوائد 9: 162، 163، السنن الكبرى للبيهقي 2: 148، مسند الطيالسي 1: 131، 135 كنز العمال ح 872، 947، 942، 873، 943، 945، المشكاة ح 6144، مشكل الآثار 4: 368، 369، تفسير الطبري 5: 190، 205، 210 صحيح ابن خزيمة ح 2357.
2- الصواعق المحرقة، الباب الحادي عشر: في فضائل أهل البيت النبوي: الفصل الأول: 230 وما بعدها.
3- تاج العروس 2: 12.
4- الجامع الصغير للسيوطي 2: 193 ح 5723 وصححه، النهاية لابن الاثير 1: 199.
5- مسند الطيالسي: 23 ح 154.
6- كنز العمال 15: 483 ح 41911، معرفة الصحابة لابي نعيم 1: 301، الرياض النضرة للمحب الطبري 3: 170، شرح المواهب اللدنية للزرقاني 5: 10.
7- الفردوس بمأثور الخطاب للديلمي 3: 87 ح 4246.
8- السيرة الحلبية 3: 341.
9- الأحزاب: 33.
10- سلسلة الأحاديث الصحيحة: المجلد الرابع: ح 1761.
11- مسند احمد 6: 292، 296، 298، 304، المستدرك 3: 146 وقال: هذا حديث صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي في التلخيص، تفسير الطبري 22: 6، مجمع الزوائد 9: 166، سنن الترمذي 5: 61 كتاب المناقب، باب فضل فاطمة بنت محمد (صلی الله عليه وآله وسلم).
12- الدر المنثور 5: 198 تفسير سورة الأحزاب.
13- صحيح مسلم 4: 1883، المستدرك 3: 147، السنن الكبرى للبيهقي 2: 146.
14- صحيح مسلم 4: 1871 كتاب فضائل الصحابة. المستدرك 3: 150.
15- المستدرك 3: 147، 2: 416، وصححه مسند أحمد 4: 107، مجمع الزوائد 9: 166، تفسير الطبري 22: 6.
16- المستدرك 3: 132.
17- الدر المنثور 5: 198.
18- الدر المنثور 2: 40.
19- سلسلة الأحاديث الصحيحة: المجلد الرابع: ص 360.
20- المستدرك 1: 95 - 99 وصحّحه ووافقه الذهبي، جامع الترمذي ح 2676، أبو داود ح 4607، شرح السنّة للبغوي ح 102، ابن ماجة 1: 15 من المقدمة باب اتباع سنّة الخلفاء الراشدين المهديين، مسند أحمد 4: 126 المعجم الكبير للطبراني ح 617.
 


ارسل تعليقاتك
با تشکر، نظر شما پس از بررسی و تایید در سایت قرار خواهد گرفت.
متاسفانه در برقراری ارتباط خطایی رخ داده. لطفاً دوباره تلاش کنید.