
النبيّ هو الواسطة بين الله سبحانه وبين البشر، ووظيفة النبيّ الإخبار عن الله، أوامره ونواهيه.
دور الأنبياء عليهم السلام:"إرشاد الناس إلى ما فيه سعادتهم في الدنيا والآخرة".
معنى النبوّة:
نستعمل اليوم كلمة أنباء، ونريد بذلك الأخبار، فنشرة الأنباء، هي نشرة الأخبار، الّتي يطّلع من خلالها الإنسان على الأحداث المحيطة به، فالنبأ هو الخبر.
ومُفْرَدة النبيّ هي أيضاً تُستعمل بهذا المعنى، ولكنّ الخبر الّذي يُخبر به النبيّ مُختلِف، لأنّه إخبار عن السماء أو قل هو إخبار عن الله العظيم المتعال.
وذلك انّ الإنسان لمّا كان بحاجة إلى من يُظهر له الطريق ليَسلُكَها إلى ربّه وكان عاجزاً عن معرفة الطريق بنفسه، وكان عاجزاً عن الاتصال بالله عزّ وجلّ، كان لا بدّ له من واسطة تؤمِّن له هذا الاتصال، وهذه الواسطة هي النبيّ.
ووظيفة النبيّ، هي أن يخبر الناس بما يريده الله عزّ وجلّ منهم، من أوامر ونواهي، ويحثّهم على معرفة الله.
النبوّة العامـّة:
1ـدور الأنبياء عليهم السلام
إذا أردنا أن نختصر دور الأنبياء، فيمكن القول بأنّ دورهم هداية الناس إلى السعادة الحقيقيّة، والكمال الإنسانيّ.
وهذه السعادة، ترتبط بالدنيا والآخرة، ولذا كان إرشاد الناس إلى ما فيه كمالهم الروحيّ والمعنويّ هدفاً من الأهداف، وكذلك إرشادهم إلى القوانين المنظِّمة لحياتهم الدنيويّة.
وهذا الدور يقوم به الأنبياء عليهم السلام من خلال:
1ـ الدّعوة إلى توحيد الله
قال تعالى:﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ﴾1.
وفي الرّواية عن أمير المؤمنين عليه السلام:"لِيَعْلَمِ الْعِبادُ رَبَّهُمْ إِذْ جَهِلوهُ، وَلْيُقِرُّوا بِهِ بَعْدَ إِذْ جَحَدوهُ، ولْيُثْبِتوهُ بَعْدَ إِذْ أَنْكَروهُ"2.
2 ـ تعليم الناس المعارف الإلهيـّة وتزكية النفوس وتربيتها:
قال تعالى:﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ﴾3.
3 ـ إقامة القسط في المجتمع والحكم بين الناس:
قال تعالى:﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ﴾4.
وإقامة العدل بين الناس كما تَتوقّف على معرفة العدل، تَتوّقف أيضاً، على تحقيق ذلك بين الناس، ووظيفة الأنبياء عليهم السلام هي القيام بكلا الأمرين، فكما أنّه عليهم إرشاد الناس إلى العدل، فإنّ عليهم أيضاً إقامة حكومة العدل.
وقال تعالى:﴿كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ﴾5.
فللنبيّ الكلمة الفصل فيما يختلف فيه الناس، سواء كان ذلك في الأمور الخاصّة، أم في الأمور العامّة من سياسيّة واجتماعيّة وغيرها...
4 ـ إتمام الحجـّة على العباد:
قال تعالى:﴿رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا﴾6.
وذلك لأنَّ الإنسان سيُحاسَب في يوم القيامة، على كلّ فعلٍ قام به، ولا يمكن محاسبة الجاهل الّذي لم يطّلع على شيء من أحكام الله، أمّا بعد إرسال الرسل، فإنّ الحجّة تتمّ على العباد؛ لأنّ الحساب الإلهيّ لا يكون إلّا بعد بيان الحقّ لهم. يقول تعالى:﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً﴾7.
إستنتاج
يقوم الأنبياء بربط الناس بالله عزّ وجلّ، وتزكية نفوسهم، وإقامة العدل، والحكم بين الناس، وبهم تتمّ الحجّة على العباد.
2ـ الدليل على النبوّة
لكي نُثبت الدليل على ضرورة بعثة الأنبياء لا بدَّ وأن نعتمد الخطوات التالية:
أ ـ إنّ من صفات الله عزّ وجلّ، أنّه حكيم، والحكيم هو الّذي لا يفعل فعلاً عبثاً، وبلا غاية، فكلّ فعل يَصدُر منه يكون لغاية، ومن ذلك خلق الإنسان.
ب ـ إنّ الهدف من خلق الإنسان هو وصول الإنسان إلى كماله المنشود.
ج ـ الإنسان عاجز بمفرده عن الوصول إلى طريق كماله، لأنّه لا يملك الأدوات الكافية لذلك، ولذا كان الاختلاف الشديد بين الناس في تحديد ذلك الطريق.
د ـ لا بدّ للإنسان، من هداية تأتيه من السماء وترشده إلى ما فيه صلاحه وهداه، وطريق كماله.
إستنتاج
عَجْزُ الإنسان عن الوصول إلى طريق كماله، دليل على ضرورة أن يبعث الله أنبياء يرشدونه إلى ذلك.
3ـ صفات لا بد للنبـيّ أن يتحلـّى بها
لا يمكن لكلّ إنسان أن يصل إلى مقام النبوّة؛ لأنّ هذا المقام لا يصل إليه إلّا من تتوفّر فيه بعض الشروط والصفات الخاصّة، منها:
1ـ الكمال العقليّ، فلا بدّ وأن يكون النبيّ أكمل قومه عقلاً.
2ـ الصفات اللازمة للتبليغ وهداية الناس وإرشادهم، كحسن التدبير والإدارة، والشجاعة والصبر.
3ـ العصمة عن ارتكاب المعاصي، وذلك لأنّ الناس لا تثق بشخص يرتكب المعصية، فإنّ من يرتكب الذنب قد يكذب في بيان المعارف الإلهيـّة فيُضلّ الناس ولا تتحقّق الهداية الّتي هي الغرض من بعثة النبي، كما أنّه لا يصلح أن يكون قدوةً لهم.
4ـ العصمة عن الخطأ والنسيان، لأنّ الإنسان الّذي يخطئ وينسى، يُحتمل أن يقع ذلك منه في بيان المعارف الإلهيـّة فلا يثق به الناس.
ولذا وصف الله عزّ وجلّ الأنبياء بأنّهم مصطفون:﴿إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ * ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾8.
إعجاز القران
عن هشام بن الحكم قال: اجتمع ابن أبي العوجاء وأبو شاكر الدّيْصاني الزنديق وعبد الملك البصيري وابن المُقَفَّع عند بيت الله الحرام، يستهزؤون بالحاجّ ويطعنون بالقرآن.فقال ابن أبي العوجاء: تعالَوا ننقض كلّ واحد منا ربع القرآن وميعادنا من قابل في هذا الموضع نجتمع فيه وقد نقضنا القرآن كلّه، فإنّ في نقض القرآن إبطال نبوّة محمّد، وفي إبطال نبوّة محمّد إبطال الإسلام وإثبات ما نحن فيه، فاتّفقوا على ذلك وافترقوا، فلمّا كان من قابل اجتمعوا عند بيت الله الحرام، فقال ابن أبي العوجاء: أمّا أنا فمفكّر منذ افترقنا في هذه الآية:﴿فَلَمَّا اسْتَيْأَسُواْ مِنْهُ خَلَصُواْ نَجِيًّا﴾.
فما أقدِر أن أضمّ إليها في فصاحتها وجميع معانيها شيئاً، فشغلتني الآية عن التفكّر في ما سواها.
فقال عبد الملك: وأنا منذ فارقتكم مفكّر في هذه الآية:﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ﴾، ولم أقدر على الإتيان بمثلها.
فقال أبو شاكر: وأنا منذ فارقتكم مفكّر في هذه الآية:﴿لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ﴾، ولم أقدر على الإتيان بمثلها.
فقال ابن المقفع: يا قوم إنّ هذا القرآن ليس من جنس كلام البشر، وأنا منذ فارقتكم مفكّر في هذه الآية:﴿وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءكِ وَيَا سَمَاء أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاء وَقُضِيَ الأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾، لم أبلغ غاية المعرفة بها، ولم أقدر على الإتيان بمثلها.
قال هشام بن الحكم:... مَرَّ بهم جعفر بن محمّد الصادق عليه السلام فقال:﴿قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا﴾، فنظر القوم بعضهم إلى بعض وقالوا: لئن كان للإسلام حقيقة لما انتهت أمر وصيّة محمّد صلى الله عليه واله وسلم إلّا إلى جعفر بن محمّد عليه السلام، والله ما رأيناه قطّ إلّا هبناه واقشعرّت جلودنا لهيبته، ثمّ تفرّقوا مقرِّين بالعجز9.
المصادر :
1- النحل: 36.
2-نهج البلاغة، الخطبة 147.
3-الجمعة: 2.
4-الحديد: 25.
5-البقرة: 213.
6-النساء: 165.
7-الإسراء: 15.
8-آل عمران: 33 و 34.
9- الاحتجاج، الشيخ الطبرسيّ، ج2، ص 142