"اللهم صلِّ على محمد وآله، وحلّني بحلية الصالحين وألبسني زينة المتقين في بسط العدل، وكظم الغيظ، وإطفاء النائرة، وضم أهل الفرقة، وإصلاح ذات البين، وإفشاء العارفة، وستر العائبة ولين العريكة، وخفض الجناح، وحسن السيرة، وسكون الريح، وطيب المخالقة، والسبق إلى الفضيلة، وإيثار التفضل"1.
الصحيفة السجادية
أ- في رحاب الدعاء:
يعرّفنا الإمام زين العابدين عليه السلام من خلال هذه الفقرة الرائعة من دعائه في مكارم الأخلاق على الأسس والخطوط العامة المرتبطة بالصلاح والإصلاح التي من خلالها يمكن للإنسان أن يسلك خطّ الإيمان في العمل سواء في علاقته مع ربه سبحانه أو مع نفسه أو مع الناس وأن يكون داعياً إلهياً بتجسيد تلك المفاهيم التي كانت لأجلها الرسالة وعمل لها الأنبياء والأولياء على امتداد أعمارهم ومهامهم فعن النبي صلى الله عليه و آله وسلم: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق"2 وفي هذا السبيل كان من عطاءاتهم ما يفوق تصورنا ومن تضحياتهم ما يعجز عنه الكثير منّا، وما ذلك إلا لعظمة وقداسة هذا الأمر بما يحمل من أبعاد في الحياة.
ومن جملة ما ورد في هذا الدعاء المبارك حسن الخلق الذي عبَّر عنه عليه السلام بطيب المخالقة: وهو موضوع حديثنا في هذا الدرس وعليه نسلّط الضوء من خلال الاستعانة بالمأثور عن النبي الأكرم صلى الله عليه و آله وسلم وعترته الطاهرة عليهم السلام ضمن الحديث عن أهميته وما يترتب عليه في الحياة الدنيا وفي الحياة الآخرة.
ب- الإسلام وحسن الخلق:
اختصر النبي صلى الله عليه و آله وسلم المسافة في مقام بيانه لأهمية الخلق الحسن ومكانته في الدين الحنيف بثلاث كلمات هي: "الإسلام حسن الخلق" كاشفاً في هذا التعريف عن المعنى الكبير والدور المحوري لبناء الشخصية الإسلامية عبر الأخلاق الفاضلة وأنه بالابتعاد عنها وإتباع الرذائل لا يمكن أن نجد الإسلام الذي جاءنا به حياً نابضاً في النفوس، بل على العكس إِن التخلي عن مكارم الأخلاق وإتباع سبيل الهوى، وهجران العمل بالواجبات والسنن يعتبر حرباً على الإسلام وإن كان دون التفات إلى هذا الواقع الخطير.
ومما يؤكد على أهمية حسن الخلق أنه إذا أردنا أن نتعرف على المؤمن فليس المطلوب هو الاطلاع على هويته الشخصية ومعرفة انتمائه إلى أي بلد أو عائلة وتفصيل نسبه وإنما المطلوب أن نقرأ عنوان صحيفته وهو حسن الخلق فإنه كاف ووافٍ في التعريف عنه يقول أمير المؤمنين عليه السلام: "عنوان صحيفة المؤمن حسن خلقه"3.
وعن الإمام الحسن عليه السلام: "أن أحسن الحسن الخلق الحسن"4.
وفي الحديث: "أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً"5.
ج- ما هو حسن الخلق؟
الخَلق والخُلق عبارتان مستعملتان يقال: فلان حسن الخَلق والخُلق أي حسن الظاهر والباطن، فيراد بالخلق الصورة الظاهرة، ويراد بالخُلق الصورة الباطنة وهي عبارة عن هيئة للنفس راسخة تصدر عنها الأفعال بسهولة من غير حاجة إلى فكر ورويّة، فإن صدرت عنها الأفعال الجميلة المحمودة عقلاً وشرعاً سميت الهيئة خُلقاً حسناً، وإن صدرت منها الأفعال القبيحة سميت الهيئة التي هي المصدر خلقاً سيئ6.
وقد فسّره أهل البيت عليهم السلام من خلال الإشارة إلى المصاديق بطريقتهم السهلة غير المعقّدة التي تصف الدواء لكل داء وتشكّل الحل في الجانب الخلقي فأوضحوا موارد عديدة لحسن الخلق منها:
1- البدء بالتحية:
يقول أمير المؤمنين عليه السلام: "إن بذل التحية من محاسن الأخلاق"7.
2- ترك الغضب:
"جاء رجل إلى رسول اللَّه صلى الله عليه و آله وسلم من بين يديه فقال: يا رسول اللَّه ما الدين؟ فقال: حسن الخلق، ثم أتاه عن يمينه فقال: ما الدين؟ فقال: حسن الخلق، ثم أتاه من قبل شماله فقال: ما الدين؟ فقال: حسن الخلق، ثم أتاه من ورائه، فقال: ما الدين؟ فالتفت إليه وقال: أما تفقه؟ الدين هو أن لا تغضب"8.
3- اجتناب الحرام:
عن أمير المؤمنين عليه السلام: "حسن الخلق في ثلاث: اجتناب المحارم، وطلب الحلال، والتوسّع على العيال"9.
4- لين الجانب:
وهو عبارة عن التواضع وعدم التكلف في المعاشرة.
5- طيب الكلام:
وهو اختيار الكلمات التي تؤدي إلى نمو المودة ومراعاة آداب الخطاب.
6- اللقاء بالبشر:
وهو إبداء السرور والارتياح وطلاقة الوجه بخلاف العبوس والانزعاج.
في الحديث عن الصادق عليه السلام لما سئل عن حد حسن الخلق؟: "تلين جانبك، وتطيّب كلامك، وتلقى أخاك ببشر حسن"10.
7- الإلفة والمودة:
يقول الرسول الأكرم صلى الله عليه و آله وسلم: "ألا أنبئكم بخياركم؟ قالوا: بلى يا رسول اللَّه قال: أحسنكم أخلاقاً، الموطئون أكنافاً، الذين يألفون ويؤلفون"11.
والذي يجمع ما تقدم أن حسن الخلق هو مراعاة الحقوق والآداب التي حثّ عليها الإسلام في التعامل مع الآخرين إضافة إلى القيام بالواجبات الشرعية والالتزام بالتكاليف الإلهية الموجهة إلى الفرد والمجتمع.
د- ما يترتب على حسن الخلق؟
إن الذي يترتب على حسن الخلق من ثمرات وآثار غير مختص بأحد العالمين دون الآخر بل يشمل كلا العالمين الدنيوي والأخروي، فلنبحر في سفينة العترة الطاهرة عليهم السلام مع وقع كلامهم عليهم السلام بما فيه من روعة البيان وجميل المعاني.
- الآثار الدنيوية
1- زيادة الرزق:
عن الصادق عليه السلام: "حسن الخلق يزيد في الرزق"12 وفي الحديث: "في سعة الأخلاق كنوز الأرزاق"13.
2- طول العمر:
كما جاء في الحديث: "إن البر وحسن الخلق يعمران الديار ويزيدان في الأعمار"14.
3- كثرة المحبّين:
يقول النبي الأعظم صلى الله عليه و آله وسلم: "من حسن خلقه كثر محبوه وآنست النفوس به"15.
4- ذهاب الخطيئة:
في الحديث: "الخلق الحسن يميت الخطيئة كما تميت الشمس الجليد"16.
- الآثار الأخروية
1- ثواب المجاهد:
عن النبي صلى الله عليه و آله وسلم: "إن اللَّه تبارك وتعالى ليعطي العبد من الثواب على حسن الخلق كما يعطي المجاهد في سبيل اللَّه يغدو عليه ويروح"17.
2- عظيم الدرجات:
عنه صلى الله عليه و آله وسلم: "أن العبد ليبلغ بحسن خلقه عظيم درجات الآخرة وشرف المنازل وإنه لضعيف العبادة"18.
3- أثقل ما يوضع في الميزان:
عنه صلى الله عليه و آله وسلم: "ما من شيء أثقل في الميزان من خلق حسن"19.
4- أجر الصائم القائم:
في الحديث: "إن صاحب الخلق الحسن له مثل أجر الصائم القائم"20.
هـ- حسن الخلق وظيفة عامة:
قد يقال إن الخلق الحسن أمر مطلوب ولكن ليس مع جميع الناس وإنما خاصة مع المؤمنين أو مع فئة معينة وهذا ليس بصحيح لأن تعاليم أهل البيت عليهم السلام أكدت على ضرورة تحلينا بهذه الفضيلة مع الجميع ومما أوصانا به أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: حسّن مع جميع الناس خلقك حتى إذا غبت عنهم حنوا إليك وإذا مت بكوا عليك وقالوا: "إنا للَّه وإنا إليه راجعون" ولا تكن من الذين يقال عند موتهم: "الحمد للَّه رب العالمين"21.
من فقه الاسلام
س: هل يجب رد سلام الأطفال؟
ج: يجب رد سلام الأطفال المميزين من الذكور والإناث كما يجب رد سلام الرجال والنساء.
س: لو سمع شخص السلام ولم يرده لغفلة أو لأي سبب آخر بحيث حصل فصل قليل فهل يجب الرد بعد ذلك؟
ج: لو كان التأخير بمقدار لا يصدق معه جواب السلام ورد التحية لم يجب.
س: لو سلم شخص على جماعة قائلاً: السلام عليكم جميعاً وكان أحدهم يصلي فهل يجب عليه الرد حتى ولو رد الحاضرون؟
ج: لا يجوز ردها إذا كان في الصلاة، وأما لو لم يكن في الصلاة فالأحوط الرد إذا كانت قولاً وعدت عرفاً تحيته.
س: لوسلم شخص عدة مرات في وقت واحد، أو سلم عدة أشخاص فهل يكفي الرد مرة واحدة للجميع؟
ج: في الأول يكفي الجواب مرة واحدة، وفي الثاني يكفي الجواب الواحد بصيغة تشمل الجميع بقصد رد سلامهم.
س: يلقي أحد الأشخاص التحية بلفظ سلام بدلاً عن سلام عليكم فهل رد سلامه واجب؟ وإذا قال غير البالغ سلام عليكم فهل يجب رد التحية؟
ج: إذا صدق عليه عرفاً أنه تحية وسلام وجب الرد وإذا كان ملقي السلام طفلاً مميزاً فيجب رد السلام22.
قال تعالى: "أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ"23
عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "إن أحبكم إليّ وأقربكم مني يوم القيامة مجلساً أحسنكم خلقاً وأشدّكم تواضعاً"24.
النبي صلى الله عليه وآله وسلم و ابنة حاتم الطائي
ذُكر أن عدي ابن حاتم الطائي كان يعادي النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فبعث النبي صلى الله عليه و آله وسلم علياً إلى طي، فهرب عدي بأهله وولده ولحق بالشام، وخلّف أُخته سنانة فأسرتها خيل رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم فلما أُتي بها إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم قالت: يا محمد هلك الوالد، وغاب الرافد، فإن رأيت أن تخلّي عني، ولا تشمت بي أحياء العرب، فإن أبي كان سيد قومه؛ يفك العاني، ويقتل الجاني، ويحفظ الجار، ويحمي الذمار، ويفرج عن المكروب، ويطعم الطعام، ويفشي السلام، ويحمل الكَلّ، ويعين على نوائب الدهر، وما أتاه أحد في حاجة فردّه خائباً، أنا بنت حاتم الطائي.قال لها النبي صلى الله عليه وآله وسلم: يا جارية هذه صفات المؤمنين حقاً، لو كان أبوك مسلماً لترحّمنا عليه، خلّوا عنها فإن أباها كان يحب مكارم الأخلاق.
وقال فيها: "ارحموا عزيزاً ذل وغنياً افتقر، وعالماً ضاع بين جهال".
فأطلقها ومنّ عليها، فاستأذنته في الدعاء له، فأذن لها، وقال لأصحابه اسمعوا وعوا، فقالت: أصاب اللَّه ببرّك مواقعه، ولا جعل لك إلى لئيم حاجة، ولا سلب نعمة عن كريم قوم إلاَّ وجعلك سبباً في ردّها عليه.
فلما أطلقها صلى الله عليه وآله وسلم رجعت إلى قومها، فأتت أخاها عدياً وهو بدومة الجندل، فقالت له: يا أخي أئت هذا الرجل قبل أن تعلقك حبائله، فإني قد رأيت هدياً ورأياً سيغلب أهل الغلبة رأيت خصالاً تعجبني. رأيته يحب الفقير، ويفك الأسير، ويرحم الصغير ويعرف قدر الكبير، وما رأيت أجود ولا أكرم منه صلى الله عليه وآله وسلم. وإني أرى أن تلحق به، فإن يك نبياً فللسابق فضله، وإن يك ملكاً فلن يذل في عز اليمن، فقدم عدي إلى النبيصلى الله عليه وآله وسلم فألقى له وسادة محشوة ليفاً، وجلس النبي صلى الله عليه وآله وسلم على الأرض، فأسلم عدي بن حاتم، وأسلمت سنانة بنت حاتم المتقدم ذكرها، وكانت من أجود نساء العرب".
المصادر:
1- الصحيفة السجّادية، ص83.
2- بحار الأنوار، ج68، ص382.
3- ميزان الحكمة، حديث/4994.
4- م.ن. حديث/4989
5- أمالي الطوسي، 227 140.
6- المحجة البيضاء، ج5، ص96.
7- غرر الحكم: 3404.
8- ميزان الحكمة، حديث/5030.
9- م.ن. حديث/5029.
10- م.ن. حديث/5027.
11- م. ن. حديث/5031.
12- م. ن. حديث/5070.
13- م.ن. حديث/5079.
14- م.ن. حديث/5077.
15- غرر الحكم/9131.
16- الكافي، ج2، ص10، حديث 7.
17- م.ن. ص 101، حديث 12.
18- المحجة البيضاء، ج5، ص93.
19- البحار، ج71، ص383، حديث 17.
20- ميزان الحكمة، حديث 5013.
21- مرآة الرشاد، ص82.
22- أجوبة الاستفتاءات ج1، ص149.
23- إبراهيم:24.
24- ميزان الحكمة، حديث/5023.