العين هي نعمة إلهيّة كبرى للإنسان، إذ يبصر بها ما حوله من المخلوقات والأشياء فيستثمرها، وبها يقرأ الكتب ويرى الآخرين ويرى جمال الكون وعجائبه، إلا أنّها ومع كلّ هذا فقد تكون وبالاً على الإنسان في آخرته إذا لم يحسن استخدامها ضمن الحدود الّتي وضعها الله تعالى لها، فعن أمير المؤمنين عليّ عليه السلام: "كم من نظرة جلبت حسرة"1.
ارتباط العين بالقلب
إنّ كلّ ما تمعن به العين النظر لا بدّ وأن تنطبع صورته في عقل الإنسان وقلبه، ويترك آثاراً في روحيّته ونفسيّته، حتّى لو نسيه في فترات معيّنه، إلّا أنّ آثاره الباطنيّة قد تبقى لتؤثّر بشكل غير مباشر، أو لتتفعّل في أوقات وظروف معيّنة، ولذا فإنّ هذا الأمر خطير على الإنسان، فالعين هي من أبواب حصن النفس، وفتح هذا الباب ليدخل منه كلّ صالح وطالح إلى النفس النظيفة سيتسبّب بتلوّثها، ولذا ورد عن الإمام عليّ عليه السلام: "العيون طلائع القلوب2"ويقول تعالى في كتابه العزيز: ﴿قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ*وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ﴾3.
النظر المحرَّم
وقد أكّدت الكثير من الروايات الشريفة على خطورة هذا النظر على روح الإنسان المؤمن وقلبه، لدرجة أنّها تفسد الإيمان وتنسي الآخرة والحساب، ففي الحديث عن الإمام عليّ عليه السلام: "إذا أبصرت العين الشهوة عمي القلب عن العاقبة"4.
وعن الإمام الصادق عليه السلام: "إنّ عيسى بن مريم عليه السلام قال لأصحابه: إيّاكم والنظرة فإنّها تزرع في القلب الشهوة وكفى بها لصاحبها فتنة، طوبى لمن جعل بصره في قلبه ولم يجعل بصره في عينه"5.
عواقب النظر المحرّم
إنّ جزاء النظر المحرّم عند الله تعالى شديد جدّاً بحيث إنّ بعض الروايات عبّرت عن صور عجيبة للّذي يملأ عينيه من النظر الحرام ومن هذه العواقب:
1- يملأ عينيه ناراً: ففي الرواية عن الرسول الأكرم صلى الله عليه واله: "من ملأ عينه من حرام ملأ الله عينه يوم القيامة من النار، إلّا أن يتوب ويرجع"6.
2- الحسرة يوم القيامة: فعن الإمام عليّ عليه السلام: "كم من نظرة جلبت حسرة"7، والله أعلم بمقدار هذه الحسرة والندامة الّتي ستعتري الإنسان يوم القيامة حين يرى النعيم ويُمنع منه لأجل نظرة إلى حرام،
يقول تعالى: ﴿وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ﴾8.
3- الغضب الإلهيّ: فعن الرسول الأكرم صلى الله عليه واله: "اشتدّ غضب الله عزَّ وجلَّ على امرأة ذات بعل ملأت عينها من غير زوجها أو غير ذي محرم منها"9.
آثار غضّ البصر
كما أنّ للنظر إلى الحرام عواقب قد ذكرنا بعضاً منها فإنّ لغضّ البصر عن محارم الله تعالى آثاراً حميدة في الدنيا والآخرة، ومن هذه الآثار:
1- حلاوة العبادة: فإنَّ الشيطان يسعى جاهداً ليوقع الإنسان في المحرّمات، الّتي يسهل الوقوع بها تحت ضغط الشهوات، كالنظر المحرّم، فعندما ينتصر الإنسان على شيطانه بعد جهاد النفس يجد حلاوة الانتصار من جهة ويزداد إيمانه رسوخاً وقلبه نوراً من جهة أخرى، كما يحصل للجيوش الّتي أنهكها التعب بعد انتصارها، وقد ورد في الحديث الشريف عن رسول الله صلى الله عليه واله: "ما من مسلم ينظر امرأة أوّل رمقة ثمّ يغضّ بصره إلّا أحدث الله تعالى له عبادةً يجد حلاوتها في قلبه"10.
2- راحة القلب: ففي الحديث عن الإمام عليّ عليه السلام: "من غضّ طرفه أراح قلبه"11، ولعلّ راحة القلب تأتي بسبب التخلّص من هذا المرض القاتل للحسنات والذي يجرّ صاحبه إلى النار.
3- الحصانة: وهي تحفظ الإنسان من الوقوع في الذنوب، ففي الحديث عن الإمام الصادق عليه السلام: "ما اعتصم أحد بمثل ما اعتصم بغضّ البصر، فإنّ البصر لا يغضّ عن محارم الله إلّا وقد سبق إلى قلبه مشاهدة العظمة والجلال"12.
كيف تعالج آفة النظر؟
إنّ الذي يحفظ الإنسان ويمنعه من الوقوع في النظرة الحرام، ويعيده إلى الصواب، إذا وقع - لا سمح الله - في الانحراف، هما أمران أساسان:
أ- تقوى الله: إنّ الارتباط بالله تعالى وتقوى الله تعالى هما الأمر الأساس في حفظ الإنسان وابتعاده عن المحرّمات، وقد تمّ التأكيد على تقوى الله في موضوع النظر وأمراضه، وعن أمير المؤمنين عليه السلام حينما سُئل: بِمَ يُستعان على غمض البصر؟ فقال: "بالخمود تحت سلطان المطّلع على سرِّك"13، فإن كنّا عباداً لله تعالى فعلينا أن نقوم بواجبات العبوديّة من إطاعة أوامر الله تعالى والتجنّب عمّا نهى عنه ومن ذلك غضّ البصر، وإن كنّا عباداً لرغباتنا وشهواتنا ومتطلّباتها -والعياذ بالله من أن نكون كذلك - فقد خرجنا من دائرة العبوديّة لله تعالى إلى عبوديّة الشيطان وجنوده! ويصدق حينئذٍ قول إبليس: ﴿قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ *إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ﴾14.
ب- الحياء: فالحياء حاجز آخر يقف أمام انحراف الإنسان، وفي رواية عن رسول الله صلى الله عليه واله: "الحياء شعبة من الإيمان"15، وعنه صلى الله عليه واله: "إذا لم تستح فافعل ما شئت"16.
الوسوسة
من مواعظ الإمام الخمينيّ قدس سره في كتاب "الأربعون حديثاً":
... ويجب على كلّ من يشكّ في حصول الوسوسة عنده، أن يكون مثل الناس العوامّ، في عرض عمله على العلماء والفقهاء، والاستفهام منهم بأنّه هل ابتلي عمله بمرض الوسوسة أم لا؟ لأنه كثيراً ما يكون الإنسان الوسواسيّ غافلاً عن حاله ومعتقداً بأنّه معتدل وأنّ الآخرين غير مكترثين بالدين ولكنّه إذا فكّر قليلاً لوجد أنّ مصدر هذا الاعتقاد هو الشيطان وإلقاءاته الخبيثة، لأنّه يرى بأنّ العلماء والفقهاء الكبار ومن الّذين يؤمن بعلمهم وعملهم بل ويكونون مراجع المسلمين في أخذ مسائل الحلال والحرام منهم يعملون بما يُغاير عمله ولا يستطيع القول بأنّ الملتزمين غالباً والعلماء والفقهاء لا يحفلون بدين الله وأنّ الإنسان الوسواسيّ وحده يتقيّد بالدين.
وعندما يدرك ضرورة إصلاح العمل يدخلُ مرحلة العمل، والعمدة في هذه المرحلة عدم الاهتمام بالوساوس الشيطانيّة والأوهام الّتي تلقى عليه، فمثلاً إذا كان مجتهداً ومبتلَى بالوسوسة في الوضوء فليتوضّأ مع غَرفة واحدة رغم وسوسة الشيطان، إنّ الشيطان يوسوس ويقول بأنّ هذا العمل ليس بصحيح ولكن يواجهه بأنّ عملي لو لم يكن صحيحاً, لوجب أن لا يكون عمل رسول الله صلى الله عليه واله والأئمّة الطاهرين عليهم السلام والفقهاء جميعاً صحيحاً لأنّ رسول الله صلى الله عليه واله والأئمّة الطاهرين قد توضّأوا في فترة طويلة تقرب من ثلاثمائة سنة، وكانت كيفيّة وضوء جميعهم واحدة فإذا كان عملهم باطلاً، فليكن عملي باطلاً أيضاً وإذا كنت مقلّداً لمجتهد فأجب الشيطان بأنّني أعمل على ضوء فتوى المجتهد، فإذا كان وضوئي باطلاً فلا يؤاخذني ربّي عليه، ولا تكون عليّ حجّته.
وإذا أوقعك الشيطان الملعون في الشكّ قائلاً بأنّ المجتهد لم يقل هكذا فافتح رسالته العمليّة وتأكّد من صحّة العمل، فإذا لم تعبأْ بإلقاءاته عدّة مرات وعملت على خلاف رأيه غدا آيساً منك، ونرجو أن تكون المعالجة النهائيّة لمرضك كما ورد هذا المعنى في الأحاديث الشريفة:
فعن الكافي بإسناده عن زرارة وأبي بصير قالا: "قُلْنَا لَهُ: الرَّجُلُ يَشُكُ كَثيراً في صَلاَتِهِ حَتَّى لا يَدْري كَمْ صَلّى وَلاَ مَا بِقِيَ عَلَيْهِ؟ قَالَ: يُعيدُ. قُلْنَا لَهُ: فَإِنَّهُ يَكْثُر عَلَيْهِ ذلِكَ، كُلَّمَا أَعَادَ شَكّ. قَالَ: يَمْضِي فِي شَكِّهِ، ثُمّ قال: لاَ تُعَوِّدُوا الخَبِيثَ مِنْ أَنْفُسِكُمْ بِنَقْضِ الصّلاةِ فَتُطْمِعوهُ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ خَبِيثٌ يَعْتَادُ لِمَا عُوِّدَ، فَلْيَمْضِ أَحَدُكُمْ فِي الوَهْمِ وَلاَ يُكْثِرَنَّ نَقْضَ الصَّلاَةِ فَإِنَّهُ إِذَا فَعَلَ ذلِكَ مَرّاتٍ لَمْ يَعُدْ إِلَيْهِ الشَّكّ. قَالَ زُرَارَةُ: ثُمّ قَالَ: إِنَّمَا يُريدُ الخَبيثُ أَنْ يُطاعَ فَإِذَا عُصِيَ لمْ يَعُدْ إِلَى أَحَدِكُمْ".
وبإسناده عن أبي جعفر عليه السلام قالَ: "إذا كَثُرَ عَلَيْكَ السَّهْوُ فَامْضِ فِي صَلاَتِكَ فَإِنَّهُ يُوشِكُ أَنْ يَدَعَكَ إِنَّمَا هُوَ مِنَ الشَّيْطَانِ".
ومن الوضوح بمكان أنّك إذا خالفت الشيطان فترة من الزمان، ولم تُلْقِ بالاً لوساوسه لانقطع طمعه عنك وعادت الطمأنينة والسكون إلى نفسك، ولكن في غضون أيّام تصدّيك للشيطان تضرّع إلى ساحة الحقّ المتعالي والتجئ إلى ذاته المقدّس من شرّ ذاك الملعون وشرّ النفس، واستعذ بالله منه وهو يعينك عليه...
المصادر :
1- ميزان الحكمة، محمدي الريشهري، ج4، ص3289.
2- م. ن، ج4، ص3288.
3- النور:30-31.
4- ميزان الحكمة، محمدي الريشهري، ج4، ص3288.
5- م. ن.
6- م. ن، ج4، ص3291.
7- م. ن، ج4، ص3289.
8- مريم: 39.
9 ميزان الحكمة، محمدي الريشهري، ج4، ص3291.
10- م. ن، ج4، ص3292.
11- م. ن، ج4، ص3289.
12- ميزان الحكمة، محمدي الريشهري، ج4، ص3293.
13- بحار الأنوار، العلّامة المجلسي، ج101، ص41.
14- ص: 82 -83.
15- مستدرك الوسائل، الميرزا النوري، ج 8، ص466.
16- م. ن.
ارتباط العين بالقلب
إنّ كلّ ما تمعن به العين النظر لا بدّ وأن تنطبع صورته في عقل الإنسان وقلبه، ويترك آثاراً في روحيّته ونفسيّته، حتّى لو نسيه في فترات معيّنه، إلّا أنّ آثاره الباطنيّة قد تبقى لتؤثّر بشكل غير مباشر، أو لتتفعّل في أوقات وظروف معيّنة، ولذا فإنّ هذا الأمر خطير على الإنسان، فالعين هي من أبواب حصن النفس، وفتح هذا الباب ليدخل منه كلّ صالح وطالح إلى النفس النظيفة سيتسبّب بتلوّثها، ولذا ورد عن الإمام عليّ عليه السلام: "العيون طلائع القلوب2"ويقول تعالى في كتابه العزيز: ﴿قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ*وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ﴾3.
النظر المحرَّم
وقد أكّدت الكثير من الروايات الشريفة على خطورة هذا النظر على روح الإنسان المؤمن وقلبه، لدرجة أنّها تفسد الإيمان وتنسي الآخرة والحساب، ففي الحديث عن الإمام عليّ عليه السلام: "إذا أبصرت العين الشهوة عمي القلب عن العاقبة"4.
وعن الإمام الصادق عليه السلام: "إنّ عيسى بن مريم عليه السلام قال لأصحابه: إيّاكم والنظرة فإنّها تزرع في القلب الشهوة وكفى بها لصاحبها فتنة، طوبى لمن جعل بصره في قلبه ولم يجعل بصره في عينه"5.
عواقب النظر المحرّم
إنّ جزاء النظر المحرّم عند الله تعالى شديد جدّاً بحيث إنّ بعض الروايات عبّرت عن صور عجيبة للّذي يملأ عينيه من النظر الحرام ومن هذه العواقب:
1- يملأ عينيه ناراً: ففي الرواية عن الرسول الأكرم صلى الله عليه واله: "من ملأ عينه من حرام ملأ الله عينه يوم القيامة من النار، إلّا أن يتوب ويرجع"6.
2- الحسرة يوم القيامة: فعن الإمام عليّ عليه السلام: "كم من نظرة جلبت حسرة"7، والله أعلم بمقدار هذه الحسرة والندامة الّتي ستعتري الإنسان يوم القيامة حين يرى النعيم ويُمنع منه لأجل نظرة إلى حرام،
يقول تعالى: ﴿وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ﴾8.
3- الغضب الإلهيّ: فعن الرسول الأكرم صلى الله عليه واله: "اشتدّ غضب الله عزَّ وجلَّ على امرأة ذات بعل ملأت عينها من غير زوجها أو غير ذي محرم منها"9.
آثار غضّ البصر
كما أنّ للنظر إلى الحرام عواقب قد ذكرنا بعضاً منها فإنّ لغضّ البصر عن محارم الله تعالى آثاراً حميدة في الدنيا والآخرة، ومن هذه الآثار:
1- حلاوة العبادة: فإنَّ الشيطان يسعى جاهداً ليوقع الإنسان في المحرّمات، الّتي يسهل الوقوع بها تحت ضغط الشهوات، كالنظر المحرّم، فعندما ينتصر الإنسان على شيطانه بعد جهاد النفس يجد حلاوة الانتصار من جهة ويزداد إيمانه رسوخاً وقلبه نوراً من جهة أخرى، كما يحصل للجيوش الّتي أنهكها التعب بعد انتصارها، وقد ورد في الحديث الشريف عن رسول الله صلى الله عليه واله: "ما من مسلم ينظر امرأة أوّل رمقة ثمّ يغضّ بصره إلّا أحدث الله تعالى له عبادةً يجد حلاوتها في قلبه"10.
2- راحة القلب: ففي الحديث عن الإمام عليّ عليه السلام: "من غضّ طرفه أراح قلبه"11، ولعلّ راحة القلب تأتي بسبب التخلّص من هذا المرض القاتل للحسنات والذي يجرّ صاحبه إلى النار.
3- الحصانة: وهي تحفظ الإنسان من الوقوع في الذنوب، ففي الحديث عن الإمام الصادق عليه السلام: "ما اعتصم أحد بمثل ما اعتصم بغضّ البصر، فإنّ البصر لا يغضّ عن محارم الله إلّا وقد سبق إلى قلبه مشاهدة العظمة والجلال"12.
كيف تعالج آفة النظر؟
إنّ الذي يحفظ الإنسان ويمنعه من الوقوع في النظرة الحرام، ويعيده إلى الصواب، إذا وقع - لا سمح الله - في الانحراف، هما أمران أساسان:
أ- تقوى الله: إنّ الارتباط بالله تعالى وتقوى الله تعالى هما الأمر الأساس في حفظ الإنسان وابتعاده عن المحرّمات، وقد تمّ التأكيد على تقوى الله في موضوع النظر وأمراضه، وعن أمير المؤمنين عليه السلام حينما سُئل: بِمَ يُستعان على غمض البصر؟ فقال: "بالخمود تحت سلطان المطّلع على سرِّك"13، فإن كنّا عباداً لله تعالى فعلينا أن نقوم بواجبات العبوديّة من إطاعة أوامر الله تعالى والتجنّب عمّا نهى عنه ومن ذلك غضّ البصر، وإن كنّا عباداً لرغباتنا وشهواتنا ومتطلّباتها -والعياذ بالله من أن نكون كذلك - فقد خرجنا من دائرة العبوديّة لله تعالى إلى عبوديّة الشيطان وجنوده! ويصدق حينئذٍ قول إبليس: ﴿قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ *إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ﴾14.
ب- الحياء: فالحياء حاجز آخر يقف أمام انحراف الإنسان، وفي رواية عن رسول الله صلى الله عليه واله: "الحياء شعبة من الإيمان"15، وعنه صلى الله عليه واله: "إذا لم تستح فافعل ما شئت"16.
الوسوسة
من مواعظ الإمام الخمينيّ قدس سره في كتاب "الأربعون حديثاً":
... ويجب على كلّ من يشكّ في حصول الوسوسة عنده، أن يكون مثل الناس العوامّ، في عرض عمله على العلماء والفقهاء، والاستفهام منهم بأنّه هل ابتلي عمله بمرض الوسوسة أم لا؟ لأنه كثيراً ما يكون الإنسان الوسواسيّ غافلاً عن حاله ومعتقداً بأنّه معتدل وأنّ الآخرين غير مكترثين بالدين ولكنّه إذا فكّر قليلاً لوجد أنّ مصدر هذا الاعتقاد هو الشيطان وإلقاءاته الخبيثة، لأنّه يرى بأنّ العلماء والفقهاء الكبار ومن الّذين يؤمن بعلمهم وعملهم بل ويكونون مراجع المسلمين في أخذ مسائل الحلال والحرام منهم يعملون بما يُغاير عمله ولا يستطيع القول بأنّ الملتزمين غالباً والعلماء والفقهاء لا يحفلون بدين الله وأنّ الإنسان الوسواسيّ وحده يتقيّد بالدين.
وعندما يدرك ضرورة إصلاح العمل يدخلُ مرحلة العمل، والعمدة في هذه المرحلة عدم الاهتمام بالوساوس الشيطانيّة والأوهام الّتي تلقى عليه، فمثلاً إذا كان مجتهداً ومبتلَى بالوسوسة في الوضوء فليتوضّأ مع غَرفة واحدة رغم وسوسة الشيطان، إنّ الشيطان يوسوس ويقول بأنّ هذا العمل ليس بصحيح ولكن يواجهه بأنّ عملي لو لم يكن صحيحاً, لوجب أن لا يكون عمل رسول الله صلى الله عليه واله والأئمّة الطاهرين عليهم السلام والفقهاء جميعاً صحيحاً لأنّ رسول الله صلى الله عليه واله والأئمّة الطاهرين قد توضّأوا في فترة طويلة تقرب من ثلاثمائة سنة، وكانت كيفيّة وضوء جميعهم واحدة فإذا كان عملهم باطلاً، فليكن عملي باطلاً أيضاً وإذا كنت مقلّداً لمجتهد فأجب الشيطان بأنّني أعمل على ضوء فتوى المجتهد، فإذا كان وضوئي باطلاً فلا يؤاخذني ربّي عليه، ولا تكون عليّ حجّته.
وإذا أوقعك الشيطان الملعون في الشكّ قائلاً بأنّ المجتهد لم يقل هكذا فافتح رسالته العمليّة وتأكّد من صحّة العمل، فإذا لم تعبأْ بإلقاءاته عدّة مرات وعملت على خلاف رأيه غدا آيساً منك، ونرجو أن تكون المعالجة النهائيّة لمرضك كما ورد هذا المعنى في الأحاديث الشريفة:
فعن الكافي بإسناده عن زرارة وأبي بصير قالا: "قُلْنَا لَهُ: الرَّجُلُ يَشُكُ كَثيراً في صَلاَتِهِ حَتَّى لا يَدْري كَمْ صَلّى وَلاَ مَا بِقِيَ عَلَيْهِ؟ قَالَ: يُعيدُ. قُلْنَا لَهُ: فَإِنَّهُ يَكْثُر عَلَيْهِ ذلِكَ، كُلَّمَا أَعَادَ شَكّ. قَالَ: يَمْضِي فِي شَكِّهِ، ثُمّ قال: لاَ تُعَوِّدُوا الخَبِيثَ مِنْ أَنْفُسِكُمْ بِنَقْضِ الصّلاةِ فَتُطْمِعوهُ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ خَبِيثٌ يَعْتَادُ لِمَا عُوِّدَ، فَلْيَمْضِ أَحَدُكُمْ فِي الوَهْمِ وَلاَ يُكْثِرَنَّ نَقْضَ الصَّلاَةِ فَإِنَّهُ إِذَا فَعَلَ ذلِكَ مَرّاتٍ لَمْ يَعُدْ إِلَيْهِ الشَّكّ. قَالَ زُرَارَةُ: ثُمّ قَالَ: إِنَّمَا يُريدُ الخَبيثُ أَنْ يُطاعَ فَإِذَا عُصِيَ لمْ يَعُدْ إِلَى أَحَدِكُمْ".
وبإسناده عن أبي جعفر عليه السلام قالَ: "إذا كَثُرَ عَلَيْكَ السَّهْوُ فَامْضِ فِي صَلاَتِكَ فَإِنَّهُ يُوشِكُ أَنْ يَدَعَكَ إِنَّمَا هُوَ مِنَ الشَّيْطَانِ".
ومن الوضوح بمكان أنّك إذا خالفت الشيطان فترة من الزمان، ولم تُلْقِ بالاً لوساوسه لانقطع طمعه عنك وعادت الطمأنينة والسكون إلى نفسك، ولكن في غضون أيّام تصدّيك للشيطان تضرّع إلى ساحة الحقّ المتعالي والتجئ إلى ذاته المقدّس من شرّ ذاك الملعون وشرّ النفس، واستعذ بالله منه وهو يعينك عليه...
المصادر :
1- ميزان الحكمة، محمدي الريشهري، ج4، ص3289.
2- م. ن، ج4، ص3288.
3- النور:30-31.
4- ميزان الحكمة، محمدي الريشهري، ج4، ص3288.
5- م. ن.
6- م. ن، ج4، ص3291.
7- م. ن، ج4، ص3289.
8- مريم: 39.
9 ميزان الحكمة، محمدي الريشهري، ج4، ص3291.
10- م. ن، ج4، ص3292.
11- م. ن، ج4، ص3289.
12- ميزان الحكمة، محمدي الريشهري، ج4، ص3293.
13- بحار الأنوار، العلّامة المجلسي، ج101، ص41.
14- ص: 82 -83.
15- مستدرك الوسائل، الميرزا النوري، ج 8، ص466.
16- م. ن.