ليس تطفلا من الإسلام أن يعنى في تشريعاته بشؤون الجسم كما يعني بشؤون الروح.. لان ترمز بعض أحكامه إلى الناحية الصحية لبدن الإنسان.. فهو الدين الذي أعلن من أول يوم أنه دين الدنيا والآخرة والمادة والروح، وليس كبقية الأديان التي كانت تصرح بتحيزها إلى أحد الجانبين على حساب الآخر..الإسلام يؤمن بأن العقل السليم في الجسم السليم، وبأن الإنسان الذي تتوفر لديه الصحة والحيوية في جسمه بالإضافة إلى سلامة نحره وطهارة روحه.. هذا الإنسان يستطيع أن يقوم بدوره في الحياة خير قيام، وحينما يتحدث القرآن الكريم عن المؤهلات القيادية لطاغوت - عليه السلام- يقول: ( وزاد. بسطة في العلم والجس )
لذا وضع الإسلام أحكامه الوقائية لتجعل الإنسان بعيدا عن متناول المرض والإصابة والوقاية خير من العلاج، فحظر على الإنسان المواد التي تعمل للفتك بصحته وإن كانت تبدأ بأسلوب خفي ضئيل لتتفاقم فيما بعد..
فحرم الميتة والدم ولحم الخنزير والنجاسات والمسكرات ولبس الذهب والحرير (بالنسبة للرجال)..
ولكن ليست المواد الضارة هي المصادر الوحيدة للأمراض! فحتى المواد النافعة قد تسبب للإنسان أمراضا خطيرة! وذلك حينما يفقد التوازن في تناولها.
فأكثر الأمراض يكون سببها هو فقدان الاعتدال في الأكل والشرب والجنس. يقول أحد الأطباء:" إن معظم الناس يحفرون قبورهم بأسنانهم " وقام بعض الأطباء بدراسة دقيقة حول الإنسان المعاصر وأسلوب التغذية وصرح بعدها: بأن الناس يأكلون ثلاثة أضعاف حاجتهم وهم بذلك يجلبون الأمراض لأنفسهم ".
فكيف يخطط الإسلام للوقاية من هذا المرض الخطير؟
انه يضع تعاليمه الحكيمة لتوعية الناس نحو تغذية أفضل لتجنب مضاعفات الغذاء، فهذا القرآن الكريم يخاطب الناس: ( وكلو واشربوا ولاتسرفو) ويقول- صلى الله عليه وآله وسلم- المعدة بيت الداء
ولكي يتعلم الإنسان كيف يتغلب على هذه المشكلة، ويتدرب على التوازن والاعتدال في أكله وشربه فقد فرض عليه الصوم حيث يمتنع هو من نفسه وباختياره عن الطعام والشراب قليلة وكثير مهما كان الطعام شهيا أو كان هو جائعا.
وتستمر به هذه الفترة التدريبية لمدة شهر يتعود خلالها على التوازن ويتمرن على ضبط النفس وتنظيم الغذاء فيأكل ليعيش لا يعيش ليأكل..ومن ناحية أخري فالصوم يتيح للجهاز الهضمي والذي يعمل باستمرار فرصة ارتياح وهدوء بعد تعب طويل يستعيد فيها نشاطه ليعود بعدها إلى العمل..
وكذلك فان الصوم- كما يقرر الأطباء- يقضي على البؤر الصديدية التي تتكون داخل الجسم وتصب إفرازاتها السامة في الدم غير أن الإنسان قد لا يشعر بها حتى يتضاعف خطرها.. وفي الصوم عندما تقل المواد الغذائية في الجسم وتدب الأجهزة الداخلية في الاستهلاك فتحتوي تلك الخلايا وتريح الإنسان من خطرها.
ويعرض الأطباء قائمة من الأمراض التي يمكن أن يستعان بالصوم في علاجها: كاضطراب الهضم- البدانة- أمراض القلب- القلق- التوتر العصبي- البول السكري- ارتفاع ضغط الدم- تذوب الشحم ا لزائد…وبالتالي، نجد كلمة الرسول الأعظم- صلى الله عليه وآله- ترتسم أمامنا بخط الواقع العريض: صوموا تصحو .ويقول أمير المؤمنين علي عليه السلام : الصيام أحد الصحيتين،، .
فان لكل عبادة من عبادات الإسلام ولكل شعيرة من شعائره روحا عظيمة ومحتوى كبيرا فإذا ما جردت شعائر الإسلام وعباداته من روحها ومحتوياتها وتشبث الناس بالممارسات الفارغة والإطارات الشكلية فان ذلك يعني قتل أهداف الدين وسحق رسالته العظيمة ومنع تفاعله مع الحياة.
ويصبح الدين حينئذ وجود شكلي أجوف لا يقدم !حياة أي خدمة مفيدة مما يحدث رد فعل ضد الدين لدى أي ملاحظ بسيط حين ينظر إلى الدين كتقاليد عقيمة وعادات بالية ليس إلا أي دور في الحياة ولا تقدم أي اثر في المجتمع.وهذه هي مشكلة الدين في الوقت الحاضر حيث يهتم اغلب المتدينين بمظاهر الدين وشكلياته وممارساته العبا دية دون أن ينتبهوا إلى أهداف هذه المظاهر وغايات هذه الممارسات فيحاولون تحقيقها.. ونشأ الجيل الجديد فتعرف على الدين من خلال هذه الممارسات الجوفاء والتي سئمها ومجّها أخيراً واخذ يتجه يمينا ويسارا بحثاً عن أيديولوجية أخري تتفاعل مع الحياة وتتبنى قضايا الإنسان وتعالج مشاكله.
يقول الأمام أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب عليه السلام: " إلا وان للإسلام غايات فانتهوا به إلى غاياته "لا- نهج البلاغة-. فالصلاة مثلا عبادة عظيمة تحظى باهتمام خاص من الشريعة الإسلامية ولكنه ليس المقصود من الصلاة مجرد الحركات والألفاظ بل النفسية الملتزمة التي تزرعها الصلاة في نفس المصلي عن طريق التفكير والتأمل لأعمال الصلاة وتلاواتها، يقول تعالى ( إن الصلاة تنهى عن ا!شاء والمنكر )
هذا هو هدف الصلاة فإذا أدى المصلي واجبات الصلاة الشكلية من حركات وألفاظ ولكنه لم يسمح للصلاة أن تتفاعل في نفسه لتزرع هدفها السامي فصلاته حينئذ لا قيمة لها بل هي ويل ووبال عليه. يقول تعالى: ( فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون، يعني عن أهداف صلاتهم غافلون )
والصوم له هدف أسا لصي أيضا وهو تنمية الإرادة وتدريبها عند الإنسان حتى يضمكن من مقاومة الانحراف ويتقي المعاصي. يقول الله تعالى: ( يا أيها الذين أمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون ). أي من أجل أن تحصلوا على ملكة التقوى، فإذا امتنع الصائم عن المفطرات دون أن يراعي هذا الهدف كان صيامه عبثا كما يؤكد الحديث الشريف كم من صائم ليس له من صومه إلا جوعه وعطشه ".والحج هو الآخر شعيرة لها رسالة عظيمة في حياة المجتمع الإسلامي، وآثار فعالة في مختلف جوانب الحياة. يقول الله تعالى ( وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق ليشهدوا منافع لهم وليذكروا اسم الله في أيام معلومات ). أما إذا اقتمر الحج على طقوس ومناسك هي أشبه بالألغاز- حينما تنفصل عن رسالتها- فلشر هو ذلك الحج المطلوب من قبل الله وإنما هو حج مزيف.
وهكذا كل شعائر الإسلام وعباداته..
وأمامنا في هذا الحديث عبادة مهمة يؤكد عليها الإسلام ويلح في التشجيع عليها وهي تلاوة القرآن الكريم..
( وإذا قرىء القرآن فاستمعوا له وانصتوا لعلكم ترحمون ) (1)
! وأمرت أن أكون من المسلمين وأن أتلو القرآن ! سورة النمل (ورتل القرآن ترتيلا " سورة المزمل...
( فاقرأوا ما تيسر من القرآن ) سورة المزمل.
( وقرأنا فرقناه لتقرأه على مكث ونزلناه تنزيلا ) سورة الإسراء
بأسنانهم إلى مجموعة ضخمة من الأحاديث:
فعنه- صلى الله عليه وآله- " نوروا بيوتكم بتلاوة القرآن. فأن البيت إذا كثر فيه تلاوة القرآن كثر خيره ومتع أهله أضاء لأهل السماء كما تضيء نجوم السماء لأهل الدنيا" .
وعن الأمام الصادق- عليه السلام-" القرآن عهد الله إلى خلقه فقد ينبغي للمرء المسلم أن ينظر في عهده وان يقرأ منه في كل يوم خمسين آية،، .
وعن الإمام الصادق- عليه السلام أيضاً " ما يمنع التاجر منكم المشغول في سوقه إذا رجع إلى منزله أن لأصنام حتى يقرأ سورة من القرآن فيكتب له مكان كل آية يقرأها عشر حسنات وتمحى عنه عشر سيئات.
وفي هذا الشهر المبارك- شهر رمضان- يتضاعف اهتمام الإسلام بهذه العبادة أضعافا مضاعفة.. حتى إن الرسول الأعظم (صلی الله عليه وآله وسلم ) يقول: من تلا فيه آية من القرآن كان له مثل أجر من ختم القرآن في غيره من الشهور.. ويقول الإمام أبو جعفر الباقر- عليه السلام- لكل شيء ربيع وربيع القرآن شهر رمضان " .ولكن لماذا كل هذا الاهتمام الذي يوليه الإسلام لتلاوة القرآن؟ ما هو الهدف الذي يكمن وراء هذه العبادة هل هو لمجرد التلاوة أم ماذا-؟
أن كثيرا من الناس يقرءون القرآن وبطوون صفحاته تلاوة وتجويدا وتلحينا وخاصة في هذا الشهر الكريم، ولكن هل يعرفون جيدا ما هو هدف الإسلام من هذه العبادة؟ وهل يعون هذا الهدف ويحرصون على تحقيقه؟ أم يتعاملون مع هذه العبادة معاملة شكلية سطحية؟ من الملاحظ إن بعض من يقرأ القرآن يقرأه قراءة تجارية على شكل ختمات يأخذ مقابل كل ختمة آجرا وما يهمه من التلاوة ليس إلا إنهاء الختمة لإبراء الذمة واخذ الأجرة حلالا!!
كما إن بعضا يقرأ القرآن للعادة والمجاملة حيث جرت عادة الناس إن يقرءوا في مجالس العزاء (الفواتح) اجزاءا من القرآن فهو يساير الناس في عادتهم ويقرأ جزءا للمجاملة وبحسب العادة وليس له من تلاوته أي هدف آخر !!
وبعض آخر يقرأ القرآن لطلب الثواب بتلاوة حروف الآيات فقط !!
وكل هذه الأهداف الساذجة تعتبر تزييفا للهدف الأساسي من تلاوة القرآن فما هو ذلك الهدف؟
إن الهدف الرئيسي المتوخى من تلاوة القرآن هو تحقيق الغاية التي أنزل من أجلها فما هي تلك الغاية؟
إنها أولا: صياغة نفس الإنسان صياغة جيدة وكنس رواسب الشر والانحراف ومعالجة أمراض الفساد.. ويؤكد القرآن هذا الهدف بقوله: ( يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين ) سورة يونس.
وهدف القرآن ثانيا: بناء المجتمع بناء حضاريا تقدميا سعيدا بكل ما لهذه الكلمات من معنى وهذا لا يتأتى إلا بمكافحة الظلم والظلام ونشر العلم والوعي ليعرف المجتمع الطريق الأفضل للتقدم والحياة .. يقول الله تعالى: ( كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد ).وهدف القرآن ثالثا: تنظيم علاقة الإنسان بالكون والحياة عن طريق اكتشاف قوانين الحياة وسنن الكون والتفكر فيها ومن ثم تفجير ثروات الكون والاستفادة منها..
يقول الله تعالى: ( ونزلنا عليك الكتاب نبيانا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين ) سورة النحل.
وقارئ القرآن يجب إن يجعل هذه الأهداف العظيمة للقرآن نصب عينيه ويتدبر في كل آية يتلوها ليرى إلى أهداف هدف من الأهداف الثلاثة ينصب اهتمامها ويحاول إن يستنتج منها رؤية أو فكرة ثم يعرض نفسه وسلوكه على رؤية القرآن وفكرته ليتسنى له تغيير نفسه وصياضها وفق مفاهيم القرآن.
فمثلا: قد يشعر الإنسان من نفسه الرغبة في عدم الأنفاق وبذل المال في سبيل الله بدافع الحرص على الثروة وتوفيرها للفائدة والاستثمار.. وهذا الإنسان حينما يقرأ في سورة آل عمران قوله تعالى: ( ولا يحسبن الذين يبخلون بما أتاهم الله من فضله هو خيرا لهم بل هو شر لهم سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة ودته ميراث السماوات والأرض والله بما تعملون خبير )18- سورة آل عمران.
حينما يقرأ هذه الآية يجب إن يغير نظرته الخاطئة حول الأنفاق فهو ليس خسارة كما إن الاحتفاظ بالمال والحرص عليه لشي خيرا وربحا. وصليا يبادر إلى الأنفاق ويصمم على الاستمرار في البذل والعطاء..
هذا في مجال الهدف الأول للقرآن أما في المجال الثاني فحينما يعيش الإنسان في مجتمع تسرب إليه الفساد والانحراف وغزته تيارات الضلال والجهل وسيطر عليه أهل الظلم والجور فقد يتصور هذا الإنسان إن دوره ينتهي عند حدود نفسه فعليه إن يحافظ على إيمانه وصلاحه ولايهمه بعد ذلك واقع مجتمعه وأوضاعه.. و يأتي هذا الشخص ليقرأ القرآن فيمر عليه قوله تعالى: ( وقكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر واولثك هم المفلحون ) سورة آل عمران.
ويتلو قوله تعالى: ( كانو لايتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون ) سورة المائدة.
بعد إن يقرأ الإنسان المؤمن هذه الآيات هل يصح بعد ذلك الاحتفاظ بنظرته الأنانية السابقة إذا كان يعي ما يقرأ؟
كلا. وإنما يصحح فكرته ويستعد للقيام بدوره في إصلاح المجتمع.
وفي مجال الهدف الثالث أمامنا المثال التالي:
فالعالم الذي يشكك في إمكانية غزو الفضاء ولا يعرف الأخطار والعقبات التي تواجه الرحلة إلى هناك لابد وان يستفيد من القرآن حينما يقرأ قوله تعالى: ( قل انظروا ماذا في السماوات والأرض ) سورة يونس.
وقوله تعالى: ( الم تروا أن الله سخر لكم ما في السماوات وما في الأرض )سورة لقمان-
وقوله تعالى ( يامعشر الجن والانس إن استطعتم إن تنفذوا من اقطار السماوات والأرض فانفذوا لاتنفذون الا بسلطان، فبأي ألاء ربكما تكذبان يرسل عليكما شواظ من نار ونحاس فلا تنتصران ) سورة الرحمن-
فالآيات تفيد بوضوح إمكانية غزو الفضاء فالله يأمرنا بالنظر إلى مافي السماوات والأرض ولايتم النظر بشكل صحيح إلا بالسفر إلى هناك ولا يطلب الله من الشر شيئا!تحيلا. وتقرر الآيات بصراحة إن امحون إنما خلق لأجلنا وأنه بسماواته واراضينه مسخر لنا فلماذا يستحيل علينا الوصول إلى أعماقه؟ وكيف يتأق لنا الاستفادة الكاملة منه ما لم نتعرف على مجاهيله؟ واخيرا فإن القرآن يقدم لنا دعوة مفتوحة لزيارة الفضاء ( أنفذوا في اظار السماوات... ).
المصادر :
1- ا لأعراف.204
لذا وضع الإسلام أحكامه الوقائية لتجعل الإنسان بعيدا عن متناول المرض والإصابة والوقاية خير من العلاج، فحظر على الإنسان المواد التي تعمل للفتك بصحته وإن كانت تبدأ بأسلوب خفي ضئيل لتتفاقم فيما بعد..
فحرم الميتة والدم ولحم الخنزير والنجاسات والمسكرات ولبس الذهب والحرير (بالنسبة للرجال)..
ولكن ليست المواد الضارة هي المصادر الوحيدة للأمراض! فحتى المواد النافعة قد تسبب للإنسان أمراضا خطيرة! وذلك حينما يفقد التوازن في تناولها.
فأكثر الأمراض يكون سببها هو فقدان الاعتدال في الأكل والشرب والجنس. يقول أحد الأطباء:" إن معظم الناس يحفرون قبورهم بأسنانهم " وقام بعض الأطباء بدراسة دقيقة حول الإنسان المعاصر وأسلوب التغذية وصرح بعدها: بأن الناس يأكلون ثلاثة أضعاف حاجتهم وهم بذلك يجلبون الأمراض لأنفسهم ".
فكيف يخطط الإسلام للوقاية من هذا المرض الخطير؟
انه يضع تعاليمه الحكيمة لتوعية الناس نحو تغذية أفضل لتجنب مضاعفات الغذاء، فهذا القرآن الكريم يخاطب الناس: ( وكلو واشربوا ولاتسرفو) ويقول- صلى الله عليه وآله وسلم- المعدة بيت الداء
ولكي يتعلم الإنسان كيف يتغلب على هذه المشكلة، ويتدرب على التوازن والاعتدال في أكله وشربه فقد فرض عليه الصوم حيث يمتنع هو من نفسه وباختياره عن الطعام والشراب قليلة وكثير مهما كان الطعام شهيا أو كان هو جائعا.
وتستمر به هذه الفترة التدريبية لمدة شهر يتعود خلالها على التوازن ويتمرن على ضبط النفس وتنظيم الغذاء فيأكل ليعيش لا يعيش ليأكل..ومن ناحية أخري فالصوم يتيح للجهاز الهضمي والذي يعمل باستمرار فرصة ارتياح وهدوء بعد تعب طويل يستعيد فيها نشاطه ليعود بعدها إلى العمل..
وكذلك فان الصوم- كما يقرر الأطباء- يقضي على البؤر الصديدية التي تتكون داخل الجسم وتصب إفرازاتها السامة في الدم غير أن الإنسان قد لا يشعر بها حتى يتضاعف خطرها.. وفي الصوم عندما تقل المواد الغذائية في الجسم وتدب الأجهزة الداخلية في الاستهلاك فتحتوي تلك الخلايا وتريح الإنسان من خطرها.
ويعرض الأطباء قائمة من الأمراض التي يمكن أن يستعان بالصوم في علاجها: كاضطراب الهضم- البدانة- أمراض القلب- القلق- التوتر العصبي- البول السكري- ارتفاع ضغط الدم- تذوب الشحم ا لزائد…وبالتالي، نجد كلمة الرسول الأعظم- صلى الله عليه وآله- ترتسم أمامنا بخط الواقع العريض: صوموا تصحو .ويقول أمير المؤمنين علي عليه السلام : الصيام أحد الصحيتين،، .
ربيع القرآن
أهم عقبة تعترض طريق الدين وتمنع تفاعله مع الحياة وتحول دون تأثيره في المجتمع هي تجريد الدين من لساله وانتزاع روحه من مما رسا ته....فان لكل عبادة من عبادات الإسلام ولكل شعيرة من شعائره روحا عظيمة ومحتوى كبيرا فإذا ما جردت شعائر الإسلام وعباداته من روحها ومحتوياتها وتشبث الناس بالممارسات الفارغة والإطارات الشكلية فان ذلك يعني قتل أهداف الدين وسحق رسالته العظيمة ومنع تفاعله مع الحياة.
ويصبح الدين حينئذ وجود شكلي أجوف لا يقدم !حياة أي خدمة مفيدة مما يحدث رد فعل ضد الدين لدى أي ملاحظ بسيط حين ينظر إلى الدين كتقاليد عقيمة وعادات بالية ليس إلا أي دور في الحياة ولا تقدم أي اثر في المجتمع.وهذه هي مشكلة الدين في الوقت الحاضر حيث يهتم اغلب المتدينين بمظاهر الدين وشكلياته وممارساته العبا دية دون أن ينتبهوا إلى أهداف هذه المظاهر وغايات هذه الممارسات فيحاولون تحقيقها.. ونشأ الجيل الجديد فتعرف على الدين من خلال هذه الممارسات الجوفاء والتي سئمها ومجّها أخيراً واخذ يتجه يمينا ويسارا بحثاً عن أيديولوجية أخري تتفاعل مع الحياة وتتبنى قضايا الإنسان وتعالج مشاكله.
يقول الأمام أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب عليه السلام: " إلا وان للإسلام غايات فانتهوا به إلى غاياته "لا- نهج البلاغة-. فالصلاة مثلا عبادة عظيمة تحظى باهتمام خاص من الشريعة الإسلامية ولكنه ليس المقصود من الصلاة مجرد الحركات والألفاظ بل النفسية الملتزمة التي تزرعها الصلاة في نفس المصلي عن طريق التفكير والتأمل لأعمال الصلاة وتلاواتها، يقول تعالى ( إن الصلاة تنهى عن ا!شاء والمنكر )
هذا هو هدف الصلاة فإذا أدى المصلي واجبات الصلاة الشكلية من حركات وألفاظ ولكنه لم يسمح للصلاة أن تتفاعل في نفسه لتزرع هدفها السامي فصلاته حينئذ لا قيمة لها بل هي ويل ووبال عليه. يقول تعالى: ( فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون، يعني عن أهداف صلاتهم غافلون )
والصوم له هدف أسا لصي أيضا وهو تنمية الإرادة وتدريبها عند الإنسان حتى يضمكن من مقاومة الانحراف ويتقي المعاصي. يقول الله تعالى: ( يا أيها الذين أمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون ). أي من أجل أن تحصلوا على ملكة التقوى، فإذا امتنع الصائم عن المفطرات دون أن يراعي هذا الهدف كان صيامه عبثا كما يؤكد الحديث الشريف كم من صائم ليس له من صومه إلا جوعه وعطشه ".والحج هو الآخر شعيرة لها رسالة عظيمة في حياة المجتمع الإسلامي، وآثار فعالة في مختلف جوانب الحياة. يقول الله تعالى ( وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق ليشهدوا منافع لهم وليذكروا اسم الله في أيام معلومات ). أما إذا اقتمر الحج على طقوس ومناسك هي أشبه بالألغاز- حينما تنفصل عن رسالتها- فلشر هو ذلك الحج المطلوب من قبل الله وإنما هو حج مزيف.
وهكذا كل شعائر الإسلام وعباداته..
وأمامنا في هذا الحديث عبادة مهمة يؤكد عليها الإسلام ويلح في التشجيع عليها وهي تلاوة القرآن الكريم..
( وإذا قرىء القرآن فاستمعوا له وانصتوا لعلكم ترحمون ) (1)
! وأمرت أن أكون من المسلمين وأن أتلو القرآن ! سورة النمل (ورتل القرآن ترتيلا " سورة المزمل...
( فاقرأوا ما تيسر من القرآن ) سورة المزمل.
( وقرأنا فرقناه لتقرأه على مكث ونزلناه تنزيلا ) سورة الإسراء
بأسنانهم إلى مجموعة ضخمة من الأحاديث:
فعنه- صلى الله عليه وآله- " نوروا بيوتكم بتلاوة القرآن. فأن البيت إذا كثر فيه تلاوة القرآن كثر خيره ومتع أهله أضاء لأهل السماء كما تضيء نجوم السماء لأهل الدنيا" .
وعن الأمام الصادق- عليه السلام-" القرآن عهد الله إلى خلقه فقد ينبغي للمرء المسلم أن ينظر في عهده وان يقرأ منه في كل يوم خمسين آية،، .
وعن الإمام الصادق- عليه السلام أيضاً " ما يمنع التاجر منكم المشغول في سوقه إذا رجع إلى منزله أن لأصنام حتى يقرأ سورة من القرآن فيكتب له مكان كل آية يقرأها عشر حسنات وتمحى عنه عشر سيئات.
وفي هذا الشهر المبارك- شهر رمضان- يتضاعف اهتمام الإسلام بهذه العبادة أضعافا مضاعفة.. حتى إن الرسول الأعظم (صلی الله عليه وآله وسلم ) يقول: من تلا فيه آية من القرآن كان له مثل أجر من ختم القرآن في غيره من الشهور.. ويقول الإمام أبو جعفر الباقر- عليه السلام- لكل شيء ربيع وربيع القرآن شهر رمضان " .ولكن لماذا كل هذا الاهتمام الذي يوليه الإسلام لتلاوة القرآن؟ ما هو الهدف الذي يكمن وراء هذه العبادة هل هو لمجرد التلاوة أم ماذا-؟
أن كثيرا من الناس يقرءون القرآن وبطوون صفحاته تلاوة وتجويدا وتلحينا وخاصة في هذا الشهر الكريم، ولكن هل يعرفون جيدا ما هو هدف الإسلام من هذه العبادة؟ وهل يعون هذا الهدف ويحرصون على تحقيقه؟ أم يتعاملون مع هذه العبادة معاملة شكلية سطحية؟ من الملاحظ إن بعض من يقرأ القرآن يقرأه قراءة تجارية على شكل ختمات يأخذ مقابل كل ختمة آجرا وما يهمه من التلاوة ليس إلا إنهاء الختمة لإبراء الذمة واخذ الأجرة حلالا!!
كما إن بعضا يقرأ القرآن للعادة والمجاملة حيث جرت عادة الناس إن يقرءوا في مجالس العزاء (الفواتح) اجزاءا من القرآن فهو يساير الناس في عادتهم ويقرأ جزءا للمجاملة وبحسب العادة وليس له من تلاوته أي هدف آخر !!
وبعض آخر يقرأ القرآن لطلب الثواب بتلاوة حروف الآيات فقط !!
وكل هذه الأهداف الساذجة تعتبر تزييفا للهدف الأساسي من تلاوة القرآن فما هو ذلك الهدف؟
إن الهدف الرئيسي المتوخى من تلاوة القرآن هو تحقيق الغاية التي أنزل من أجلها فما هي تلك الغاية؟
إنها أولا: صياغة نفس الإنسان صياغة جيدة وكنس رواسب الشر والانحراف ومعالجة أمراض الفساد.. ويؤكد القرآن هذا الهدف بقوله: ( يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين ) سورة يونس.
وهدف القرآن ثانيا: بناء المجتمع بناء حضاريا تقدميا سعيدا بكل ما لهذه الكلمات من معنى وهذا لا يتأتى إلا بمكافحة الظلم والظلام ونشر العلم والوعي ليعرف المجتمع الطريق الأفضل للتقدم والحياة .. يقول الله تعالى: ( كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد ).وهدف القرآن ثالثا: تنظيم علاقة الإنسان بالكون والحياة عن طريق اكتشاف قوانين الحياة وسنن الكون والتفكر فيها ومن ثم تفجير ثروات الكون والاستفادة منها..
يقول الله تعالى: ( ونزلنا عليك الكتاب نبيانا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين ) سورة النحل.
وقارئ القرآن يجب إن يجعل هذه الأهداف العظيمة للقرآن نصب عينيه ويتدبر في كل آية يتلوها ليرى إلى أهداف هدف من الأهداف الثلاثة ينصب اهتمامها ويحاول إن يستنتج منها رؤية أو فكرة ثم يعرض نفسه وسلوكه على رؤية القرآن وفكرته ليتسنى له تغيير نفسه وصياضها وفق مفاهيم القرآن.
فمثلا: قد يشعر الإنسان من نفسه الرغبة في عدم الأنفاق وبذل المال في سبيل الله بدافع الحرص على الثروة وتوفيرها للفائدة والاستثمار.. وهذا الإنسان حينما يقرأ في سورة آل عمران قوله تعالى: ( ولا يحسبن الذين يبخلون بما أتاهم الله من فضله هو خيرا لهم بل هو شر لهم سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة ودته ميراث السماوات والأرض والله بما تعملون خبير )18- سورة آل عمران.
حينما يقرأ هذه الآية يجب إن يغير نظرته الخاطئة حول الأنفاق فهو ليس خسارة كما إن الاحتفاظ بالمال والحرص عليه لشي خيرا وربحا. وصليا يبادر إلى الأنفاق ويصمم على الاستمرار في البذل والعطاء..
هذا في مجال الهدف الأول للقرآن أما في المجال الثاني فحينما يعيش الإنسان في مجتمع تسرب إليه الفساد والانحراف وغزته تيارات الضلال والجهل وسيطر عليه أهل الظلم والجور فقد يتصور هذا الإنسان إن دوره ينتهي عند حدود نفسه فعليه إن يحافظ على إيمانه وصلاحه ولايهمه بعد ذلك واقع مجتمعه وأوضاعه.. و يأتي هذا الشخص ليقرأ القرآن فيمر عليه قوله تعالى: ( وقكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر واولثك هم المفلحون ) سورة آل عمران.
ويتلو قوله تعالى: ( كانو لايتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون ) سورة المائدة.
بعد إن يقرأ الإنسان المؤمن هذه الآيات هل يصح بعد ذلك الاحتفاظ بنظرته الأنانية السابقة إذا كان يعي ما يقرأ؟
كلا. وإنما يصحح فكرته ويستعد للقيام بدوره في إصلاح المجتمع.
وفي مجال الهدف الثالث أمامنا المثال التالي:
فالعالم الذي يشكك في إمكانية غزو الفضاء ولا يعرف الأخطار والعقبات التي تواجه الرحلة إلى هناك لابد وان يستفيد من القرآن حينما يقرأ قوله تعالى: ( قل انظروا ماذا في السماوات والأرض ) سورة يونس.
وقوله تعالى: ( الم تروا أن الله سخر لكم ما في السماوات وما في الأرض )سورة لقمان-
وقوله تعالى ( يامعشر الجن والانس إن استطعتم إن تنفذوا من اقطار السماوات والأرض فانفذوا لاتنفذون الا بسلطان، فبأي ألاء ربكما تكذبان يرسل عليكما شواظ من نار ونحاس فلا تنتصران ) سورة الرحمن-
فالآيات تفيد بوضوح إمكانية غزو الفضاء فالله يأمرنا بالنظر إلى مافي السماوات والأرض ولايتم النظر بشكل صحيح إلا بالسفر إلى هناك ولا يطلب الله من الشر شيئا!تحيلا. وتقرر الآيات بصراحة إن امحون إنما خلق لأجلنا وأنه بسماواته واراضينه مسخر لنا فلماذا يستحيل علينا الوصول إلى أعماقه؟ وكيف يتأق لنا الاستفادة الكاملة منه ما لم نتعرف على مجاهيله؟ واخيرا فإن القرآن يقدم لنا دعوة مفتوحة لزيارة الفضاء ( أنفذوا في اظار السماوات... ).
المصادر :
1- ا لأعراف.204