يجب على الإنسان المسلم أن يحدّد علاقاته بالآخرين ضمن الأُطُر الشرعيّة حتّى ينجو من الوقوع في المعصية من حيث لا يدري، وعليه أن يلتفت إلى هذه الأمور: (الاختلاط، النظر المحرّم، المزاح) لما لها من أثر سلبي وسيِّئ على حياة الإنسان المسلم، وبما تقدّمه من أرضية خَصْبة للوقوع في الحرام وانحراف السلوك والاستدراج إلى حياة اللهو والترف والفسوق.
الاختلاط
المقصود من الاختلاط هو اجتماع الرّجال والنّساء في مكانٍ واحدٍ سواءً في بيت أو سوق أو طريق، ولئن كان الاختلاط ضروريّاً في بعض الأحيان باعتبار أنّ الإنسان يعيش في المجتمع الذي لا يخلو من ذلك، ولكنْ على المؤمن أن يقتصر على موارد الضرورة ويقلّل منه قدر الإمكان.
على المؤمن أن يقتصر على موارد الضرورة في الاختلاط، ويقلّل منه قدر الإمكان.
الخلوة المحرّمة
الإسلام حرّم خلوة الرّجل الأجنبيّ مع المرأة الأجنبيّة، ففي رواية عن الإمام الصادق(عليه السلام):"لا يَخْلو بِامْرَأَةٍ رَجُلٌ، فَما مِنْ رَجُلٍ خَلا بِامْرَأَةٍ إَلّا كانَ الشّيطانُ ثَالِثَهُما"1.
ويقول الإمام الخمينيّ قدس سره:"إذا اجتمعَ الرّجلُ والمرأةُ في محلّةٍ خَلْوَةٍ، بحيثُ لَمْ يوجدْ أحدٌ هناكَ، وَلا يَتَمَكَّنُ الغيرُ مِنَ الدُّخولِ، فإِنْ كانا يَخافانِ مِنَ الوقوعِ في الحرامِ يَجِب عَلَيْهِما ترْكُ المَكانِ"2.
النظر
شدّد الإسلام على مسألة النظر واعتبر أن العين تزني وأنّ زناها هو النّظر الحرام، لذلك أمر الله تعالى بغضّ النّظر حيث قال سبحانه:﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللهَ خَبِير بِمَا يَصْنَعُونَ﴾3.وعن الإمام الصادق(عليه السلام):"النّظرةُ سهمٌ من سهامِ إبليسَ مسمومٌ. وكَمْ مِنْ نّظرةٍ أَوْرَثَتْ حَسْرَةً طويلةً"4.
وعنه(عليه السلام):"النّظرةُ بعَدَ النّظرةِ تَزْرَعُ في القلبِ الشّهوةَ وَكَفى بِها لِصاحِبِها فِتْنَةً"5.
بالطبع ليس كل نظر حرام، لأنّ النّظر تارةً يكون إلى المُماثل وأخرى إلى غير المماثل.
النظر إلى المـُماثل: يجوز أن ينظر الرجل إلى مماثله أي الرجل، وكذا المرأة إلى المرأة، لكن ما عدا العورة وبدون تلذّذ وريبة، وإلّا فالنّظر إلى العورة مطلقاً أو إلى سائر البدن مع تلذّذ وريبة محرّم6.
النظر إلى غير المماثل: فإمَّا أن يكون إلى المحارم كالأمّ والأخت والعمّة والخالة، فهنا يجوز النظر إلى ما عدا العورة وبدون تلذّذ وريبة7.
ـ وإمّا أن يكون الى غير المحارم، فهنا لا يجوز نظر الرّجل إلى ما عدا الوجه والكفّين من المرأة الأجنبيّة من شعرها وسائر جسدها، سواءً كان بتلذّذ وريبة أم لا، وكذلك لا يجوز النظر إلى الوجه والكفّين مع تلذّذ وريبة 8.ولا يجوز للمرأة النظر إلى الرجل الأجنبيّ كالعكس ما عدا الوجه والكفّين9 10.
"النـّظرة بعد النـّظرة تزرع في القلب الشـّهوة وكفى بها لصاحبها فتنة".
اللمس
كلّ من يحرم النّظر إليه يحرم مسّه، فلا يجوز مسّ الأجنبي الأجنبيّة وبالعكس، فلا يجوز مصافحة المرأة الرّجل ولا الرجل المرأة الأجنبيّة11.
عن النبيّ(صلى الله عليه واله وسلم):"مَنْ صافَحَ امرأَةً تَحْرُمُ عَلَيْهِ فَقَدْ باءَ بِسَخَطٍ مِنَ الله، وَمَنِ الْتَزَمَ حَراماً قُرِنَ في سِلَسِلَةٍ مِنْ نارٍ مَعَ الشّيطانِ فَيَقْذِفانِهِ في النّارِ" 12.
وعنه (صلى الله عليه واله وسلم):"مَنْ صافَحَ امرأَةً تَحْرُمُ عَلَيْهِ فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ الله عَزَّ وَجَلَّ"13.
المزاح وكثرة الضحك
المزاح بين المؤمنين ومفاكهتهم مع المحافظة على الجوّ الإسلاميّ والروحيّة الإيمانيّة، مطلوب لما فيه من إدخال سرور على المؤمنين.عن الإمام الصادق(عليه السلام):"ما مِنْ مُؤْمِنٍ إِلاّ وَفيهِ دُعابَةٌ، قيلَ وَما الدُّعابَةُ؟ قال(عليه السلام): المُزاحَ"14.
ولكن إذا خرج المزاح عن حدّه يصبح مذموماً، كما روي عن أمير المؤمنين(عليه السلام):"ما مَزَحَ رَجُلٌ مَزْحَةً إَلاَّ مَجَّ مِنْ عَقْلِهِ مَجَّة"15. والمقصود به المزاح الذي يُسْقِطُ الهيبة والوقار.
ولكنّ المزاح مع النساء أمر مبغوض عند الله تعالى، لأنّه من أسهل الأبواب لدخول إبليس اللعين إلى قلب الرجل والمرأة وكسر حاجز الحياء بينهما، وقد ورد في رواية عنه(عليه السلام):"مَنْ فاكَهَ امْرَأَةً... حَبَسَهُ الله بِكُلِّ كَلِمَةٍ في الدّنيا أَلْفَ عامٍ" 16.
استنتاج
على الإنسان المسلم أن يحدّد علاقاته بالآخرين ضمن الأُطُر الشرعيّة حتّى ينجو من الوقوع في المعصية من حيث لا يدري، وعليه أن يلتفت إلى الابتعاد عن الأمور المحرّمة لما لها من أثر سلبيّ وسييء على حياة الإنسان المسلم.
امتحانٌ لِعالِمَيْن
خرج العالمان الكبيران (الشيخ البهائيّ العامليّ) و(السيّد مير محمّد باقر الداماد) في موكب الشاه عبّاس الصفويّ إلى رحلة للصيد والاستراحة. والمعروف أنّ العالِمَيْنِ المذكورَيَنِ كانا ممّن يستعين بهما الحاكم الصفوي في إيران لتطبيق أحكام الشريعة الإسلاميّة.
كان السيّد مير محمّد بديناً، وكان جواده يمشي متباطئاً. بينما الشيخ البهائي تميّز بالنحافة وجواده سريع الحركة!
أراد الشاه عبّاس أن يمتحن علاقة هذين العالِمَين القلبيّة ببعضهما.
فاقترب الشاه من السيّد. وقال له:انظر إلى جواد الشيخ، إنّه ليس من الأدب والوقار أن يقود الشيخ جواده بهذه الطريقة!
فقال له السيّد مير محمّد:"كلامك صحيح، ولكنّ الجواد الذي يركبه سماحة الشيخ البهائي يفعل ذلك لسروره بالشيخ، لأنّه يحمل عَلماً كبيراً على ظهره"!
وبعد قليل دنا الشاه من الشيخ البهائي، وقال له:"انظر ليس من المفروض أن يكون العالم سميناً يعجز الجواد عن حمله"!
فردّ عليه الشيخ:"أجل، السمنة ليس شيئاً جيِّداً، ولكنَّ بطء حركة جواد السيّد مير محمّد ليس من سمنة السيّد، إنّما لِثْقِل عِلم السيد"!
يقال أنّه: نزل الشاه عبّاس من جواده فوراً، وسجد لله سجدة الشكر، لكونه يعاصر عالِمين في هذه الدرجة من الأخوّة وصفاء القلب.
المصادر :
1- مستدرك الوسائل، ج14، ص265.
2-توضيح المسائل، م2445.
3- النور: 30.
4- أصول الكافي،الشيخ الكليني ج5، ص559.
5- وسائل الشيعة،الحر العاملي ج2، ص192.
6- تحرير الوسيلة، ج2، ص217، م16.
7- م.ن، ج2، ص217، م17.
8- م.ن، ج2 ص217 م18.
9- م.ن، م19.
10-الإمام الخامنائي: يجوز لها النظر إلى ما تعارف كشفه عند الرجال كالرأس والرقبة واليدين والقدمين ونحو ذلك.
11-تحرير الوسيلة، ج2، ص217، م20.
12- بحار الأنوار، 101، ص32.
13-مستند الشيعة، ج16، ص60.
14- شرح أصول الكافي، ج11، ص144.
15-م.ن، ج11، ص144.
16-وسائل الشيعة، ج20، ص198.