علاقة الإنسان بالرب
ومن اللازم علي الإنسان في هذا الشهر المبارك أن يحسن علاقته مع الله سبحانه، وذلك بأن يتدارك ما مضي من عمره ويستعدّ لما يأتي، ويتعاهد نفسه بتوجيهها إلي الطريق المستقيم والسبيل القويم، وإلاّ فإنّه يأتي يوم القيامة وهو يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدّمْتُ لِحَيَاتِي(1) ويعضّ علي يديه كما قال تعالي: وَيَوْمَ يَعَضّ الظّالِمُ عَلَيَ يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتّخَذْتُ مَعَ الرّسُولِ سَبِيلاً(2).
وقد نقل أنّ آخر آية نزلت(3) علي رسول الله صلي الله عليه و اله هي قوله تعالي: وَاتّقُواْ يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَي الله(4) وهو أعظم يوم، حيث عبّر عنه القرآن الكريم: يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيباً السّمَآءُ مُنفَطِرٌ بِهِ كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولاً(5).
علاقة الإنسان بالكون
بل ينبغي للإنسان أن يحسن علاقته حتّي مع الكون، وإلي ذلك يشير الإمام علي عليه السلام قائلاً: فإنّكم مسؤلون حتي عن البقاع والبهائم(6).
وقد ورد عن الإمام الحسن عليه السلام قال: واعلم أنّ في حلالها حساباً، وفي حرامها عقاباً، وفي الشبهات عتاباً(7)، فكلّ مثقال ذرة من خير أو شرّ يحاسب الإنسان عليه فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرّةٍ شَرّاً يَرَهُ(8).
وفي الحديث: إنّ رجلاً جاء إلي رسول الله صلي الله عليه و اله وأسلم ثمّ أمر النبي صلي الله عليه و اله أحد المسلمين أن يعلّمه القرآن، فعلّمه الصحابي سورة إِذَا زُلْزِلَت(9) ولعلّ وجهه أن يتنبّه المسلم الجديد لما ينتظره غداً ليأخذ حذره، ولمّا أتمّ السورة قام المسلم الجديد يريد الذهاب، فقال له المسلم المعلّم: هذه سورة من السور الكثيرة اجلس حتّي أُعلّمك سوراً أُخري.
فقال المسلم الجديد: اكتفيت بهذا القدر، فإني قد عرفت كلّ ما يريد منّي الإسلام.
قال المعلّم: من أين عرفت كلّ ذلك؟
قال المسلم الجديد: من قوله سبحانه: فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرّةٍ شَرّاً يَرَهُ(10) وهل أبقت الآية بعد ذلك شيئاً (11)؟!
علاقة الإنسان بالمجتمع
كما ينبغي للإنسان في شهر رمضان المبارك أن يقوّي علاقته بالمجتمع من سائر بني جنسه، فإنّ علاقة الإنسان ببني نوعه من أكثر العلاقات تشابكاً.
أمّا إذا لم يعتن الإنسان بهذه الأُمور فإنّه يندم في الدنيا قبل الآخرة، ويجتذب لنفسه الحسرات الشديدة في الآخرة حينما يقف في عرصات يوم القيامة ويحاسب عن أُمور.. منها عمره فيما أفناه، ففي الحديث عن رسول الله صلي الله عليه و اله: لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتّي يسأل عن أربع: عن عمره فيم أفناه، وشبابه فيم أبلاه، وعن ماله من أين كسبه وفيما أنفقه، وعن حبّنا أهل البيت(12).
بالطبع فإنّ العمر يشمل صغر الإنسان إلي يوم موته وإن كان البلوغ الشرعي يبدأ من نهاية السنة التاسعة في البنات والخامسة عشرة في البنين، إلاّ أنّه قبل ذلك هناك نوع من التكليف أيضاً فلا يحقّ للإنسان أن يأتي بالمنكرات مثل: القتل والجرح والزنا واللواط والسحق وإيذاء الناس وغيرها إذا كان مميّزاً، وقد فصّل الفقهاء ذلك في الكتب الفقهية، وذهبوا إلي أن المميّز يأتي بالصلاة والخيرات علي نحو التمرين بل والاستحباب أيضاً.
ثم إنّ العمر وإن كان يشمل مرحلة الشباب ولكن ذكره في الحديث كذكر الخاص بعد العام، فإن مرحلة الشباب بالذات يسأل الإنسان عنها، لأنّها وقت النشاط والحركة والابتداء في الخير أو النزوع إلي الشرّ والعياذ بالله.
كما يسأل الإنسان عن المال، حلاله وحرامه، اكتساباً وصرفاً، وقد ذكرنا في (الفقه) أن التشريع الإسلامي يشتمل علي أكثر من خمسين باباً حول المال وشؤونه المتنوّعة ومداخله ومخارجه المختلفة.
وأخيراً فإنّ الناس تسأل عن القيادة (وهم أهل البيت عليهم السلام) حتّي لا يكونوا قد أخذوا بالأربع وتركوا الأصل، كما في الحديث(13).
فإنّ صحّة القيادة التي تبدأ بمحبّة أهل البيت عليهم السلام وتنتهي بطاعتهم في كلّ فعل وترك، صغيراً أو كبيراً، فهي شرط أساسي حتّي في قبول الصلاة والصيام كما دلّت عليه العديد من الروايات ولذا قال سبحانه: مّنْ يُطِعِ الرّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ الله(14).
ثم إن القيادة الشرعية تبدأ بولاية الله سبحانه حيث قال: إِنّمَا وَلِيّكُمُ الله ثم الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله وَرَسُوله ثم الأئمة الطاهرين عليهم السلام وَالّذِينَ آمَنُواْ الّذِينَ يُقِيمُونَ الصّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ وَمَن يَتَوَلّ الله وَرَسُوله وَالّذِينَ آمَنُواْ فَإِنّ حِزْبَ الله هُمُ الْغَالِبُونَ(15).
وتنتهي القيادة الشرعية والولاية الإلهية بالإمام المهدي عليه السلام.
مضافاً إلي لزوم الاعتقاد بسائر الأنبياء والأوصياء عليهم السلام الذين هم من أركان القيادة الشرعية، وقد دلّ علي ذلك متواتر الآيات والروايات.
التأكد من سلامة الدين
من أهمّ الأُمور في شهر رمضان المبارك هو فحص الدين ليكون المرء في سلامة من دينه، كما أشار إلي ذلك أمير المؤمنين عليه السلام فقال: في سلامة من ديني(16)؟
فإنّ الحسنة مع فساد الدين لا تقبل كما في الأحاديث بل في الآيات الشريفة، حيث قال عزوجل إِنّمَا يَتَقَبّلُ الله مِنَ الْمُتّقِينَ(17).
وقال تعالي: قُلْ أَنفِقُواْ طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لّن يُتَقَبّلَ مِنكُمْ إِنّكُمْ كُنتُمْ قَوْماً فَاسِقِينَ وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاّ أَنّهُمْ كَفَرُواْ بِالله وَبِرَسُوله وَلاَ يَأْتُونَ الصّلاَةَ إِلاّ وَهُمْ كُسَالَيَ وَلاَ يُنفِقُونَ إِلاّ وَهُمْ كَارِهُونَ(18).
وينبغي أن يستفيد الإنسان من هذا الشهر علي أحسن وجه، فلا أحد يعلم فقد يكون هذا الشهر المبارك آخر شهر من عمره، والشقي كما في خطبة الرسول صلي الله عليه و اله في آخر جمعة من شعبان هو من حرم غفران الله في هذا الشهر.
المصادر :
1- سورة الفجر: 24.
2- سورة الفرقان: 27.
3- قال الشيخ الطبرسي في (مجمع البيان): هذا آخر آية نزلت من القرآن. وقال جبرئيل: ضعها في رأس الثمانين والمائتين من البقرة. مجمع البيان: ج2 ص214.
4- سورة البقرة: 281.
5-سورة المزمّل: 17-18.
6- نهج البلاغة: الخطب 167 ومن خطبة له عليه السلام في أوائل خلافته.
7- مستدرك الوسائل: ج12 ص52 ب63 ح13489.
8- سورة الزلزلة: 7-8.
9- وهي سورة الزلزلة.
10- سورة الزلزلة: 7 و8.
11- أشار إلي هذه الرواية الطبرسي في مجمع البيان: ج10 ص418.
12- بحار الأنوار: ج7 ص258 ب11 ح1.
13- راجع الكافي: ج2 ص18 باب دعائم الإسلام ح1.
14- سورة النساء: 80.
15- سورة المائدة: 55-56.
16- راجع بحار الأنوار: ج28 ص55 ب2 ح22.
17- سورة المائدة: 27.
18- سورة التوبة: 53-54.