حقيقة الموت والاجل

قال تبارك وتعالى: ﴿حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا﴾ .
Monday, June 11, 2018
الوقت المقدر للدراسة:
مؤلف: علی اکبر مظاهری
موارد بیشتر برای شما
حقيقة الموت والاجل
حقيقة الموت والاجل


قال تبارك وتعالى: ﴿حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا﴾ .
يُجمعُ بنو البشر على حقيقةٍ قطعيّةٍ غير قابلةٍ للإنكار، ألا وهي الموت ووقوع انقطاع حياة الإنسان في هذه الدنيا، في حين يقع الاختلاف والافتراق في تحديد حقيقة وماهيّة هذا الهادم للّذات وطبيعته ولابدّيّة وحتميّة وقوعه، وهنا ينقسم الآدميّون إلى معسكرين، الأوّل وهو المعسكر المادي والإلحادي المُنكر لوجود الباري عزّ وجل، والمؤمن بأنَّ الكون والخلق إنّما كانا صنيعة الصدفة والانفجارات الكونيّة!!
وهؤلاء يُنكرون كُلَّ ما جاءت به الشرائع والديانات من بيانٍ لفلسفة الموت وحقيقته وما وراءه من إيابٍ وحساب وثواب وعقاب، وبعبارةٍ أخرى هم لا يعتقدون بقضية المعاد والعالم الثاني من رأس، ولهذا عمدوا إلى البحث عن حقيقة الموت لتفادي وقوعه وحدوثه وتخليداً لحياتهم المهدّدة بالانقطاع والانهدام. وفي هذا السياق انتشرت المئات من الأبحاث العلميّة والنظريّات التحليليّة الموصلة ـ وبحسب المعتقد المادي المعتمد على التجربة والأبحاث المخبريّة ـ إلى أنَّ الموت عبارة عن نتيجةٍ حاصلة من حالاتٍ مَرَضيّة تصيب خلايا وذرّات البدن وتودي بالجسد إلى فقدان مناعته وفاعليّته وذلك من خلال أسباب عديدة منها انتشار السموم والبكتيريا الخفيّة في أنحاء الأنسجة المكوّنة لأعضاء الجسد، وانتشار المواد الهلاميّة الزلاليّة الساكنة وغير الفاعلة في الجسد مكان المواد الموّلدة للطاقة (الروح)، ويحدث من جرّاء ذلك خمودٌ في أنحاء البدن، وتوقفٌ عن الحركة والتفاعل وهذا هو (الموت).
وفي الحقيقة يسعى أصحاب هذه المقولات من خلال هذه الأبحاث والدراسات للوصول إلى أمرين أساسييّن:
الأوَّل: التشكيك في حتميّة ظاهرة الموت، والقول إنَّهُ أمرٌ غير قطعيّ ويقينيّ الوقوع والحدوث.
والثاني: السعي إلى إيجاد حلول تحول دون حصول هذه الأمراض منعاً لوقوع الموت وسعياً للوصول إلى الخلود الدائم الأبدي المنشود.
أمَّا الطرف المقابل للمعسكر الأوّل وهم أصحاب الفكر الديني، فإنَّهم يُقدّمون قراءةً ومقاربةً أخرى حول قضية الموت، هي نظرة الإسلام إلى الموت بغَضّ النظر عن مقولة الماديّين وأصحاب وأتباع الديانات الأخرى.
فالإسلام في نفس الوقت الذي يتحدّث فيه عن حتميّة ولابدّيّة وقوع الموت كما في قوله تبارك وتعالى: ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ ، ممّن يسعى للنجاة والمفرّ منه، كما في قوله عزّ وجلّ: ﴿أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ﴾ ، ويقدّم مقاربةً فكريّةً
عميقة لحقيقة الموت نستخلص منها ـ ولضرورة إيجاز المقال والاقتصار على الاختصار بحسب ما يتيحه المجال ـ أنَّ الموت عبارةٌ عن تحريرٍ للروح من أسر الجسد, لتلقى جزاءها وحسابها، وأنَّهُ عبارة عن قنطرةٍ من دار ممر إلى دار مقر، فالإنسانُ في حياته الدنيا تحت اختبارٍ وامتحانٍ وابتلاء، لتظهر نتائج أعماله وأفعاله يوم الحساب التالي لسفر الموت، وفي هذا قال تبارك وتعالى: ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ﴾ ، وقال عزّ من قائل: ﴿إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ﴾ .
فإذاً، قضية حتميّة الموت، والنشر والحشر، والمعاد والحساب، والثواب والعقاب، من الأمور التي لا تقبل الإنكار في الإسلام، وكثيراً ما تحدّث القرآن الكريم عن هذه الحقائق بشكل لا يبقي أي مجالٍ للتشكيك بحقانيّتها وصدقها.

حالة الإنسان عند الموت

من جملة الأمور التي وردت في الكتاب الكريم حالة الإنسان عند مواجهته الواقعيّة للموت فيراه رأي العين، ويذكر لنا القرآن الكريم نوعاً من الخطاب والحوار بين هذا الإنسان الذي وصل إلى هذه الحقيقة التي لا مفرّ منها، وبين خالقه وبارئه صاحب السلطة والقدرة على محاسبته ونشر كتابه بما يحوي من صالح الأعمال وطالحها.
يقول تبارك وتعالى: ﴿حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ﴾ ، لكن يتفاجئ الإنسان ويصطدم باستحالة العودة، فاليوم حسابٌ ولا عمل، وقد أغفل عُمُراً كاملاً من إمكانيّة العمل دون حساب، فيأتيه الجواب: ﴿كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا﴾، والنتيجة: ﴿فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ﴾ ، وهنا يكرّر الله عزّ وجلّ الاستنكار لأهل التمرّد والعصيان، فيسألهم سؤال مستنكر: ﴿أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ﴾ ، فيكون جوابهم واعترافهم بشقائهم وضلالهم راجين الله عزّ وجلّ أن يخرجهم من ورطتهم وعذابهم، واعدين إيّاه عدم العود إلى الظلم والمعصيّة، ليأتيهم الجواب كالصاعقة المحرقة لآمالهم والباعثة لآلامهم: ﴿قَالَ اخْسَؤُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ﴾ .
بعد هذا الحوار الصريح والباعث للخوف والرهبة، ينبغي لكُلّ عاقلٍ أن يقف مليّاً عند هذه الآيات الكريمات، فالمحتمل بل المقطوع به خطيرٌ جداً، ألا وهو جهنم والنيران وبئس المهاد والخزي العظيم.

كيف نغتنم أعمارنا؟

لو أراد المرءُ النجاة ـ ولو وفق قاعدة عبادة التجار ـ فما عليه إلا أن يغتنم عمره في هذه الدنيا بالعمل الصالح، فأوّل شيءٍ يحاسب عليه هو عمره، حيث يقال له في أيّ شيء أفنيت عمرك؟ فإن قال: في المعاصي والملاهي وليس له جواب غير هذا، كان مستحقاً أن يكون نزيل جهنم خالداً فيها,ليكون هو ومن معه ﴿يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ﴾ ، فيأتيهم الجواب: ﴿أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم...﴾?!! ﴿فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ﴾ وإن قال: في العبوديّة لله تعالى والطاعة له كان في عداد ﴿الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِّن فَوْقِهَا غُرَفٌ مَّبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ﴾ .
ولقد ورد هذا المعنى في الكثير من الروايات الصادرة عن أهل بيت العصمة والطهارة عليهم السلام، فعن النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم، أنَّهُ قال: "لَا تَزُولُ قَدَمُ عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ أَرْبَعٍ عَنْ جَسَدِهِ فِيمَا أَبْلَاهُ وَعَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ..." ، ومن هذا المنطلق ينبغي على كُلِّ عاقلٍ ضنينٍ بنفسه من الهلاك والعذاب أن يحرص على عمره وأيامه التي منحها الله عزّ وجلّ له في هذه الحياة فيستنفذها في زراعة الخير والصلاح فيها ليحصد الفلاح والنجاح في الآخرة، فقد "علم أرباب القلوب أنَّ الدنيا مزرعة الآخرة، والقلب كالأرض، والإيمان كالبذر فيه، والطاعات جارية مجرى تقليب الأرض وتطهيرها، ومجرى حفر الأنهار وسياقة الماء إليها،والقلب المستغرق بالدنيا كالأرض السبخة التي لا ينمو فيها البذر، ويوم القيامة الحصاد، ولا يحصد أحد إلا ما زرع، ولا ينمو زرع إلا من بذر الإيمان، وقلّما ينفع إيمان مع خبث القلب وسوء أخلاقه، كما لا ينبو بذر في أرض سبخة.. .
من هنا لا ينبغي أن يغفل المرء عن أيامه المتصرِّمة فتسير به دون أن يدري بمسيرها ومقصدها، وإنّما يجب أن يحسبها حساباً دقيقاً لا يفوت معه لحظةٌ، حساباً أشدّ وأحرص من حساب ماله وربحه وتجارته, وفي هذا ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "كُنْ عَلَى عُمُرِكَ أَشَحَّ مِنْكَ عَلَى دِرْهَمِكَ وَدِينَارِك" , لأنَّه كُلُّ رأس ماله بل كُلُّه الذي ينقضي بانقضائه، فعن أمير المؤمنين عليه السلام أنَّهُ قال: "إِنَّمَا أَنْتَ عَدَدُ أَيَّام، فَكُلُّ يَوْمٍ يَمْضِي عَلَيْكَ يَمْضِي بِبَعْضِكَ" ، وعنه عليه السلام أيضاً، قال: "إِنَّ الليْلَ وَالنَّهَارَ يَعْمَلَانِ فِيكَ فَاعْمَلْ فِيهِمَا، وَيَأْخُذَانِ مِنْكَ فَخُذْ مِنْهُمَا" ، فعمرك مجموع أيام وكلّما انقضى منه يومٌ نقص عمرك وذهب جزءٌ منك.

هكذا استثمر لحظات عمرك

العمر أيّها العزيز! ساعاتٌ معدودات مقسّمةٌ على الأيام، واليوم ليلٌ ونهار، ليلٌ تنامه ونهارٌ تقضي فتراته في أشغال وأعمال شتى، وساعات الاغتنام والاكتساب للآخرة قليلةٌ جدّاً ولهذا ينبغي وكما قيل أن يكون لك في كلّ شيءٍ نيّة تتقرّب بها إلى الله عزّ وجلّ، في نومك وعملك وعبادتك وساعات أكلك وسهرك وسمرك واستراحتك، بل في كُلِّ شؤونك وحالاتك، وعليك أن تستفيد من الفراغ تثقيلاً لميزانك، بالعمل والمواظبة والمراقبة تعود عليك العوائد وتستفيد لنفسك الفوائد، وإلّا حقّ عليك أن تكون ملوماً ومغبوناً، فإتلاف العمر والإصرار على تضييعه وتفويته خسارةٌ لا تعوّض وسفهٌ بنظر العقلاء، أعاذنا الله وإيّاك من السفه والخسران.
والوقت يا أخي! كالسيف إن لم تقطعه ـ بالاستفادة منه ـ قطعك بالمضي والتجاوز عنك، فاغتنم وقتك بالعمل، واختر لنفسك أفضل الأعمال وأنفعها.
اجعل وقتاً للطاعة والعبادة والذكر والمناجاة, فإنَّهُ من أقبل على الله عزّ وجلّ أقبل الله عليه، واعمل لدنياك بما فيه صلاحك ونجاحك ومرضاة ربّك، من درسٍ وتحصيلٍ وبناءٍ لحياةٍ شخصيّة وتأسيسٍ لعائلةٍ وتربيةٍ للأبناء بما يعود بالفائدة

عليك وعلى محيطك العائلي ومجتمعك الأوسع.

لا تجعل للفراغ وضياع الوقت والعمر سبيلاً إليك, فإنَّ في ذلك بغضاً من الربّ وشدّةً في الحساب، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إنّ الله يبغض الصحيح الفارغ، لا في شغل الدنيا ولا في شغل الآخرة" ، وقال: "أشدّ الناس حساباً يوم القيامة المكفي الفارغ" ، وعن أمير المؤمنين عليه السلام: "وَاعْلَمْ أَنَّ الدُّنْيَا دَارُ بَلِيَّةٍ لَمْ يَفْرُغْ صَاحِبُهَا فِيهَا قَطُّ سَاعَةً إِلَّا كَانَتْ فَرْغَتُهُ عَلَيْهِ حَسْرَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ" ، وعن سيّد
الساجدين عليه السلام في دعائه: "وَاشْغَلْ قُلُوبَنَا بِذِكْرِكَ عَنْ كُلِّ ذِكْرٍ، وَأَلْسِنَتَنَا بِشُكْرِكَ عَنْ كُلِّ شُكْرٍ، وَجَوَارِحَنَا بِطَاعَتِكَ عَنْ كُلِّ طَاعَةٍ. فَإِنْ قَدَّرْتَ لَنَا فَرَاغاً مِنْ شُغْلٍ فَاجْعَلْهُ فَرَاغَ سَلَامَةٍ لَا تُدْرِكُنَا فِيهِ تَبِعَةٌ، وَلَا تَلْحَقُنَا فِيهِ سَأْمَةٌ، حَتَّى يَنْصَرِفَ عَنَّا كُتَّابُ السَّيِّئَاتِ بِصَحِيفَةٍ خَالِيَةٍ مِنْ ذِكْرِ سَيِّئَاتِنَا، وَيَتَوَلَّى كُتَّابُ الْحَسَنَاتِ عَنَّا مَسْرُورِينَ بِمَا كَتَبُوا مِنْ حَسَنَاتِنَا" .
واعلم أنَّ الندم على ما فات لا يرجعه ولا يعوّض الخسارة، ومقولة: لو أنَّ الزمان يعود لفعلت كذا، وليت الشباب يعود يوماً لأجتهد في تحصيل الطاعة والثواب ليومٍ لا ينفع مالٌ ولا بنون لا إمكانيّة لترجمته وحصوله، ومن هذا المنطلق الأجدر بنا أن نعمل اليوم وأن نسعى لأن يكون يومنا أحسن حالاً من أمسنا، وأن يكون غدنا أحسن من يومنا، وأن نقيّم أحوالنا ونحاسب أنفسنا، وأن لا نركن إليها ونغفل عنها طرفة عين أبداً، فإنَّ أنفسنا شيطانٌ باطنيٌّ وهو أعدى أعدائنا، وإبليس الرجيم من خلفها ظهير، يساندها ويسوّل لها.

وصيةٌ من أب عجوز يريد بكم خيراً

يقول العارف الكامل والعالم العامل الإمام الراحل الخميني المقدّس ـ أعلى الله مقامه:
1- اقضوا أعماركم بالأعمال الحسنة:
"إنَّ الجنَّة والنار من أعمالنا، ولذلك، عليكم أن تقضوا العمر الشريف الذي منحكم الله تبارك وتعالى إيَّاه بالأعمال الحسنة ولا تهدروه! ولمّا كان الله تبارك وتعالى مطّلعاً على الحقائق من أنّ أيّ عمل يعمله الإنسان هنا سيراه هناك ـ هداكم للقيام بالأعمال المفيدة للمجتمع ولأنفسكم ـ لذا، فإنّ عقل الإنسان يقضي بألّا يُهدر العمر، والأفضل من ذلك ألا ينفقه المرءُ في طريق الشرّ فيكون هناك وبالاً عليه!" .
2- حيل الشيطان مع الكهول والشباب:
"كم يحدث أن يتّبع الشيطان الباطني معنا ـ نحن الكهول ـ خدعاً تختلف عن تلك التي يتبعها معكم أنتم الشباب. إنَّهُ يتّبع معنا سلاح اليأس من الحضور وذكر الله، ويلفتنا أنَّهُ لا فائدة من العمل ما دام العمر قد انقضى ولا يمكن إصلاحنا، وأنَّ أيام الشباب التي هي أيام التجوّل والتحرّك قد انتهت، وأنَّ أيام الضعف والكهولة قد حلّت ولا يمكن فيها الإصلاح, لأنَّ جذور الأهواء والمعاصي متغلغلة في جميع أركان الإنسان، ومدّت فروعها وجذورها فيه، وبذلك يحول دون توفيقك للحضور في ساحته جلّ وعلا، ويحدثك أن لا جدوى من العمل، والأفضل أن تستفيد أكثر من ملذات الدنيا في هذه الأيام المعدودة والأخيرة التي بقيت من عمرك! وأحياناً يتّبع معنا ـ نحن الكهول ـ الأساليب نفسها التي يتّبعها معكم أنتم الشباب، حيث يقول لكم: أنتم شباب ولا بدَّ أن تتصرّفوا في هذه المرحلة من العمر ـ وهي مرحلة الشباب مرحلة التمتع بالملذات ـ طبقاً لشهواتكم‏ وستتوبون‏ إن‏ شاء الله‏ في‏ أواخر العمر، وأنَّ باب رحمة الله مفتوح، وأنَّ الله أرحم الراحمين، وأنَّهُ مهما تكن الذنوب أكبر وأكثر فإنَّ فُرَصَ الندم والعودة إلى الحقّ في أواخر العمر تكون أكبر، وسيزداد التوجّه نحو الله المتعال وسيتضاعف الاتصال به، وكم من الناس قد تمتّعوا بملذات الشباب عندما كانوا في سن الشباب، وقضوا أيام كهولتهم وأواخر عمرهم بالعبادة والذكر والأدعية وزيارة الأئمّة عليهم السلام والتوسّل وطلب الشفاعة منهم، ورحلوا عن هذه الدنيا بسعادة!!كذلك فإنّنا نواجه أيضاً بمثل هذه الوساوس، وهي: أنَّهُ لا يعرف بالضبط أنَّك ستموت قريباً، وأنَّ الفرصة لا زالت أمامك فتمتّع بها حتّى الأيام المعدودة الأخيرة من عمرك، وآنذاك يمكنك أن تتوب لأنَّ باب شفاعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم مفتوح، وأنَّ المولى أمير المؤمنين عليه السلام لن يدع أحباءه يتعذّبون يوم القيامة، وستراه عند لحظات الموت، وسيأخذ بيدك في تلك اللحظات، والكثير من هذه الأقوال التي تطرق أذن الإنسان دوماً!!
3- التوبة في مرحلة الشباب:
ولدي: "الآن وأنا أتحدَّث معك، وأنت شاب، ينبغي أن تعرف أنَّ التوبة في مرحلة الشباب أسهل، وأنَّ إصلاح النفس
وتهذيب الروح يكون أسرع في هذه المرحلة. لأنَّ التأثّر بالأهواء النفسيّة واللهاث وراء الجاه والغرور والتكبّر على الآخرين
يكون أكثر وأشدّ عند الكهول مقارنة بالشباب، حيث إنَّ روح الشباب لطيفة وسهلة التغيير، كما أنَّ الشباب يتأثرون
أكثر من الكهول بالمواعظ التي تلقى في مجالس الوعظ والإرشاد والأخلاق، لذا يجب على الشباب أن ينتبهوا كثيراً ولا
ينخدعوا بالوساوس الشيطانيّة والنفسيّة، فالموت قريب من الشباب بقدر ما هو قريب من الكهول، فأي شاب يمكنه أن يطمئن أنه سيصل إلى مرحلة الكهولة؟ وأي إنسان مصون من حوادث الدهر"؟
4- اصلاح النفس مرحلة الشباب:
بني: "لا تدع الفرصة تفوتك، واسع إلى إصلاح نفسك وأنت في مرحلة الشباب. كذلك يجب على الكهول أن يعلموا أنَّهم ما داموا أحياء في هذه الدنيا فإنَّ بإمكانهم التكفير عن ذنوبهم ومعاصيهم، ولو انتقلوا من هذه الدنيا فإنَّ الأمور تخرج من أيديهم" .

وفي الختام قصةٌ وعِبْرَة

يروى أنَّ روح الله عيسى بن مريم (على نبيّنا وآله وعليهما الصلاة والسلام) كان ماشياً في جبل، فرأى رجلاً يتعبّد تحت صخرةٍ، فقال له عيسى عليه السلام: ألا بنيت لك بيتاً تتعبّد فيه؟، فقال له الرجل: وهل هذا العمر القصير يستحق أن أضيّعه في البناء؟!! لقد قال لي أحد الأنبياء إني سأعيش سبعمائة سنة، وهذه مدّةٌ قد لا تكفيني لأحرز فيها رضا ربّي!!!
فقال له عيسى عليه السلام: وكيف بك إذا رأيت أهل آخر الزمان لا يعيشون أكثر من سبعين سنة وهم يفنون أعمارهم ببناء القصور؟!! فقال الرجل: ما أشدّ جهلهم! لو أدركت زمانهم لجعلته سجدةً واحدةً!!
المصادر :
راسخون2018
 


نظرات کاربران
ارسل تعليقاتك
با تشکر، نظر شما پس از بررسی و تایید در سایت قرار خواهد گرفت.
متاسفانه در برقراری ارتباط خطایی رخ داده. لطفاً دوباره تلاش کنید.