كف الأذى

"اللهم صل على محمد وآله.. وامنعني عن أذى كل مؤمن ومؤمنة ومسلم ومسلمة1.. اللهم إني أعوذ بك من ملكة الحمية2 اللهم إني أعوذ بك من مباهات المكثرين3 اللهم صل على محمد وآله.. واعصمني من
Thursday, June 14, 2018
الوقت المقدر للدراسة:
مؤلف: علی اکبر مظاهری
موارد بیشتر برای شما
كف الأذى
كف الأذى


"اللهم صل على محمد وآله.. وامنعني عن أذى كل مؤمن ومؤمنة ومسلم ومسلمة1.. اللهم إني أعوذ بك من ملكة الحمية2 اللهم إني أعوذ بك من مباهات المكثرين3 اللهم صل على محمد وآله.. واعصمني من الفخر"4.
أ- في رحاب الدعاء:
في هذه الفقرة المباركة يشير عليه السلام إلى قبح إيذاء المؤمن أو المؤمنة وهو أمر عدّه الفقهاء من كبائر الذنوب ونطق به الكتاب في قوله عز من قائل: "وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً"5 فأيما مؤمن يعمل راجياً ما عند اللَّه من الثواب في عمله وخائفاً من العقاب، يخشى ربّه ويراقب نفسه في سرّه وعلانيته عليه الابتعاد كل البعد عن المواطن المسببّة لإيذاء الآخرين سواء كان الإيذاء في القول أو العمل أو الموقف أو أي شكل من الأشكال، حيث لا يجوز أن يصدر منه هكذا أمر فضلاً عن أن يكون سبباً من الأسباب المؤدية إلى الإيذاء والتحذير منه شديد سواء ما في الآيات كما تقدم أو الروايات كما في قوله صلى الله عليه وآله وسلم: "من آذى مؤمناً فقد آذاني"6، فالذي يؤذي أي مؤمن من إخوانه فهو لا يؤذيه وحده فحسب بل الأذية والاعتداء يصلان إلى نفس النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وما أقبح أن يكون الرجل مؤذياً لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم عن طريق إيذاء أخيه، وهناك تعابير أخرى في ألسنة الروايات لا تقل أهمية عما ذكر بما يستفاد منها إن من يؤذي أخاه فقد أعلن محاربة الخالق عزّ وجلّ أو جهّز لمحاربته كما جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "قال اللَّه تبارك وتعالى: من أهان لي ولياً فقد أرصد لمحاربتي"7.
ب- الإيذاء ذل وهوان:
قد يخبر رجل صديقه بأن ثالثاً قد تناوله وتحدث عنه بما لا يرضيه فيبادر إلى اتخاذ قرار بإيذائه دون تثبت أو تبيّن أو مكاشفة ويُحاول إزعاجه والتضييق عليه في عمله وربما إطلاق الشتائم والكلمات المعرّضة به ظناً منه أنه بذلك يسعى إلى إعزاز نفسه وإذلال الآخر وإهانته مع أنه لم يعلم شي‏ء عن حاله أنه تعرض له بالسوء أولا وعلى أسوء التقادير لو كان ذلك فإن خلق المؤمن يدعوه إلى العفو والصفح الجميل أو تكذيب الواشي الذي يبغي الفتنة والوقيعة بين الطرفين وعدم إعارة إذن له لا أن تأخذ منه حمية العصبية مأخذها ويطلق العنان للنفس في جموحها وطغيانها لتستبيح من كرامة الآخرين ما تستبيحه ويكون الإيذاء وسيلة إلى إعادة الاعتبار لأن كل ذلك هراء حيث لا يمكن أن يكون المؤذي عزيزاً والمهين كريماً بل هو على الدوام ذليل ووضيع كما قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم عنه: "أذل الناس من أهان الناس"8، وعن أمير المؤمنين عليه السلام: "لا يحل لمسلم أن يروّع مسلماً"9.
فالواجب على الإنسان إذا واجه مشكلة من هذا القبيل أن يعالجها بالشكل الايجابي كما علمنا أئمتنا عليهم السلام: "ضع أمر أخيك على أحسنه.. إن المؤمن لا يتهم أخاه المؤمن.. كذّب سمعك وبصرك عن أخيك فإن شهد عندك خمسون قسامة، أنه قال وقال: لم أقله فصدقه وكذبهم"10.
ولا يسوغ لمجرد السماع أن يبادر المؤمن إلى الاهانة اللسانية أو الإيذاء بأي نحو كان لأنه ليس ثمة كرامة أو مكانة انتهكت وإنما يكون ذلك باعتماد هذا الأسلوب المذموم.
ج- الصبر على الأذى فوز وكرامة:
ربما يتأذى أحدنا من غيره حين يعمد إلى الاعتداء عليه من خلال غصبه بعض حقوقه أو وصفه بما لا يليق به وهنا مشكلة ثانية غير الأولى فما السبيل الذي ينبغي إتباعه؟
والجواب هو التحمل والصبر على الأذى الذي هو سبيل الصالحين وخُلُق الأنبياء والصديقين قال تعالى: "فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لاَكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِم"11 وهنا لا بد أن يكون الصبر لوجه اللَّه تعالى ورجاء نيل رضاه والقرب منه.
ولنا بذلك اسوة برسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم الذي تحمل ما تحمل من ألوان العذاب والإيذاء فصبر وشكر ولم يأل جهداً عن متابعة مهمته الإلهية في نشر رسالة الإسلام حتى قال‏صلى الله عليه وآله وسلم: "ما أوذي أحد مثل ما أوذيت في اللَّه"12.
د- كفّ الأذى من كمال العقل:
إذا أردنا أن نقرأ شخصية ما من جانب الاتّزان والعقلانية يمكننا ذلك من خلال الاطلاع على سيرتها في العلاقة مع الآخرين فإن كانت تبادر إلى إيذائهم فهي ناقصة وإن كان الآخرون آمنين من آذاها، راضين عن العلاقة معها لأنها لا تعتدي فهي كاملة وناجحة ولها عقل راجح ومن الصحيح تقويمها على ضوء ذلك إضافة إلى ثوابت الشخصية المؤمنة.
يقول مولانا زين العابدين عليه السلام: "كفّ الأذى من كمال العقل وفيه راحة للبدن عاجلاً وآجلاً"13.
هـ- جزاء ايذاء المؤمن:
1- محاربة اللَّه له:
عن الصادق عليه السلام: "قال اللَّه عزّ وجلّ: ليأذن بحرب مني من آذى عبدي المؤمن"14.
2- إخافته يوم القيامة:
يقول رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم: "من نظر إلى مؤمن نظرة يخيفه بها أخافه اللَّه تعالى يوم لا ظل إلا ظله"15.
3- لا كفارة له:
في الحديث: "من أحزن مؤمناً ثم أعطاه الدنيا لم يكن ذلك كفارته ولم يؤجر عليه"16.
و- ما يترتب على كف الأذى:
1- الفوز بالنعيم المقيم:
عن الصادق عليه السلام: "فازوا واللَّه الأبرار، أتدري من هم؟ هم الذين لا يؤذون الذر"17.
2- كف الأيادي عنه:
في الحديث: "من كف يده عن الناس فإنما يكف عنهم يداً واحدة ويكفون عنه أيادي كثيرة"18.
3- راحة البدن عاجلاً وآجلاً:
كما تقدم الحديث عن مولانا السجاد عليه السلام حيث قال: "كف الأذى من كمال العقل وفيه راحة البدن عاجلاً وآجلاً"19.
4- التصدّق على نفسه:
يقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "كف أذاك عن الناس فإنه صدقة تصدّق بها على نفسك"20.
من فقه الاسلام
س: ما هو حكم اعداد وبيع الصور المنسوبة للرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وأمير المؤمنين عليه السلام والإمام الحسين عليه السلام من أجل وضعها في المراكز الحكومية؟
ج: لا مانع فيه شرعاً في نفسه ولكن بشرط أن لا يشتمل على أمور تسبب الإهانة والهتك بنظر العرف وأن لا يتنافى مع شأن أولئك العظماء عليهم السلام21.
س: هل يجوز إتباع الإنكار بالسب والكذب والاهانة؟
ج: لا يجوز اشفاع الإنكار بما يحرم وينكر كالسب والكذب والإهانة، نعم لو كان المنكر مما يهتم به الشارع ولا يرضى بحصوله مطلقاً كقتل النفس المحترمة وارتكاب القبائح والكبائر الموبقة جاز، بل وجب المنع والدفع ولو مع استلزامه ما ذكر لو توقف المنع عليه22.
س: لو ترك الزوج بعض حقوق زوجته أو همّ بطلاقها لكراهته لها فبذلت له مالاً أو بعض حقوقها الواجبة لاستمالته هل يصح ذلك ويحل له؟
ج: لو ترك الزوج بعض حقوقها الغير الواجبة أو هم بطلاقها لكراهته لها لكبر سنها أو غيره أو هم بالتزويج عليها فبذلت له مالاً أو بعض حقوقها الواجبة من قسم أو نفقة استمالة له صح ذلك وحلّ له، وأما لو ترك بعض حقوقها الواجبة أو آذها بالضرب أو الشتم وغير ذلك فبذلت مالاً أو تركت بعض حقوقها ليقوم بما ترك من حقها أو ليمسك عن أذيتها أو ليخلعها فتخلص من يده حرم عليه ما بذلت وإن لم يكن من قصده إلجاؤها بالبذل على الأقوى23.
قال تعالى: "وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللهِ وَلَقَدْ جَاءكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ"24.
عن أمير المؤمنين عليه السلام: "المؤمن نفسه منه في تعب والناس منه في راحة"25.
قصة سعد بن معاذ
هو سعد بن معاذ بن النعمان الأشهلي الخزرجي أبو عمرو سيد الأوس توفي السنة الخامسة بعد غزوة الخندق بشهرين.
وفي أمالي الصدوق بإسناده عن ابن سنان عن الصادق عليه السلام قال:
"اتي رسول اللَّه‏ صلى الله عليه وآله وسلم فقيل له: إن سعد بن معاذ قد مات، فقام رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم وقام أصحابه معه، فأمر بغسل سعد وهو قائم على عضادة الباب، فلما أن حنط وكفن وحمل على سريره تبعه رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم بلا حذاء ولا رداء؛ ثم كان يأخذ يمنة السرير مرة ويسرة السرير مرّة حتى انتهى به إلى القبر، فنزل رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم حتى لحده وسوى اللبن عليه، وجعل يقول: ناولوني حجراً؛ ناولوني تراباً رطباً، يسد به ما بين اللبن؛ فلما أن فرغ وحثا التراب عليه وسوى قبره، قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم: إني لأعلم أنه سيبلى ويصل البلى إليه؛ ولكن اللَّه يحب عبداً إذا عمل عملاً أحكمه، فلما أن سوّى التربة عليه قالت أُم سعد: يا سعد هنيئاً لك الجنة. فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم: يا أُم سعد! مه، لا تجزمي على ربك. فإن سعداً قد أصابته ضمة. قال: فرجع رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم ورجع الناس؛ فقالوا له: يا رسول اللَّه لقد رأيناك صنعت على سعد ما لم تصنعه على أحد، إنك تبعت جنازته بلا رداء ولا حذاء. فقال صلى الله عليه وآله وسلم إن الملائكة كانت بلا رداء ولا حذاء فتأسيت بها. قالوا: وكنت تأخذ يمنة السرير مرة ويسرة السرير مرة. قال: كانت يدي في يد جبرائيل آخذ حيث يأخذ، قالوا: أمرت بغسله وصليت على جنازته ولحدته في قبره ثم قلت: إن سعداً قد أصابته ضمة! قال: فقال صلى الله عليه وآله وسلم: نعم إنه كان في خلقه مع أهله سوء".
المصادر :
1- الصحيفة السجادية دعاء رقم 39، ص‏149، س‏2.
2- الصحيفة السجادية دعاء رقم 8، ص‏45، س‏3.
3- الصحيفة السجادية دعاء رقم 8، ص‏45، س‏6.
4- الصحيفة السجادية دعاء رقم 20، ص‏81، س‏10.
5- الأحزاب:58.
6- البحار، ج‏67، ص‏72.
7- الكافي، ج‏2، ص‏351.
8- أمالي الصدوق، 28.
9- عيون أخبار الرضا عليه السلام 71 2.
10- المصباح، ج‏2.
11- آل عمران: 195.
12- ميزان الحكمة، حديث: 464.
13- تحف العقول: 283.
14- الكافي، ج‏2، ص‏350.
15- البحار، ج‏75، ص‏150.
16- م.ن.
17- البحار، ج‏78، ص‏193.
18- الخصال، ج‏1، ص‏17.
19- تحف العقول، 283.
20- البحار، ج‏75، ص‏54.
21- أجوبة الاستفتاءات، ج‏2، ص‏42، س‏115.
22- تحرير الوسيلة، ج‏1، ص‏478.
23- تحرير الوسيلة، ج‏2، ص‏306.
24- الأنعام:34.
25- ميزان الحكمة، حديث: 463.
 


نظرات کاربران
ارسل تعليقاتك
با تشکر، نظر شما پس از بررسی و تایید در سایت قرار خواهد گرفت.
متاسفانه در برقراری ارتباط خطایی رخ داده. لطفاً دوباره تلاش کنید.