"اللهم صل على محمد وآل محمد.. وأعزني ولا تبتلني بالكبر1.. ولا ترفعني في الناس درجة إلا حططتني عند نفسي مثلها، ولا تحدث لي عزاً ظاهراً إلا أحدثت لي ذلة باطنة عند نفسي بقدره2 اجعلني اللهم.. ألين جانبي لهم تواضعاً.. اللهم صل على محمد وآله وارزقني مثل ذلك منهم"3.
أ- في رحاب الدعاء:
في هذه المقطوعة الفريدة التي تمثّل نهجاً تربوياً أخلاقياً رائداً يوضح الإمام السجّاد عليه السلام أن العزة لا تتحقق بالتكبر والاستعلاء على الآخرين وإنما العزة في التواضع والتخشّع وعلى المؤمن أن لا تأخذه المكانة بين الناس إلى إحداث علو باطني في نفسه سرعان ما تنبئ عنه الأفعال والأقوال حين تعكس الصورة الظاهرية ذلك الباطن المملوء بالترهات التي لا حقيقة لها عندما يعود الإنسان إلى حقيقة أمره ومعرفة ما هو خطره؟! (ما أنا يا سيدي وما خطري) ويظهران لا واقعية وصدق يدعوان إلى هذا التكبر، بناءً على ذلك، يكون المستقيم هو من عرف نفسه وظلّ متهماً لها بالتقصير رغم قيامه بما يجب عليه والتزامه بالآداب ولا ينظر إلى أصحابه أو سائر من يعاشرهم على أنه أفضل منهم وهم أدنى منه، نتيجة ما تحدّثه به نفسه أو يسرح به خياله فيحس أنه طار في الهواء أو غاص إلى غور الماء وهو لا يزال واقفاً مكانه ولكل ذلك أسباب سوف نتحدث عنها بالتفصيل إن شاء اللَّه تعالى، فالمطلوب هو أن لا يرى أنه فوق الناس بل يشكر اللَّه على كل نعمة فضّله اللَّه بها عليهم من علم أو جاهٍ أو مال ويعلم أن هذا كله من اللَّه وإن شاء اللَّه سلبه تلك النعم.
فالتواضع والتخشّع ولين الجانب من أشرف الخصال الحميدة في الإسلام وأفضل العبادة.
ب- التواضع المذموم:
بعد أن عرفنا ما للتواضع من أهمية وتأثير في أن يعيش الإنسان صادقاً مع نفسه وربّه وكذلك مع الناس، لا بد أن نعرف حدود التواضع كي لا نقع فريسة للجهل حينما نتواضع لمن لا ينبغي التواضع له كالكافر المحارب الذي يتربص بالمؤمنين الدوائر، واللَّه تعالى يقول: "فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ"4 فهناك قسم من التواضع مذموم وهو ما يكون للظالمين وأصحاب النفوذ والمصالح المادية لأجل الوصول إلى مآرب غير شرعية أو الحصول على رضا المخلوقين وثنائهم ومدحهم، مع أن التواضع الذي تحث عليه الشريعة هو ما يراد به وجه اللَّه تعالى.
يقول أمير المؤمنين عليه السلام: "من أتى غنياً فتواضع له لغناه ذهب ثلثا دينه"5.
وفي الحديث: "أيّما مؤمن خضع لصاحب سلطان أو من يخالفه على دينه طلباً لما في يديه أخمله اللَّه ومقته عليه ووكله إليه، فإن هو غلب على شيء من دنياه وصار في يده منه شيء نزع اللَّه البركة منه، ولم يؤجره على شيء ينفقه في حج ولا عمرة ولا عتق"6.
ج- كيف أتواضع؟
ربما يتراءى للبعض أن يلين جانبه إلى حد أنه يكسر أو يتعاطى مع الآخر بطريقة لا تنسجم مع بناء الشخصية الإيمانية ودورها في المجتمع فلأجل تلافي الوقوع بمشاكل ناشئة من ضياع الأساليب المرغوبة والسبل المطلوبة كان لأهل البيت عليهم السلام بيانهم الوافي في هذا الجانب حيث بيّنوا وحدّدوا الطريقة المثلى في هذا الشأن ضمن رسم بيانين الأول عام بحيث يشكل ميزاناً وضابطة في سلوك التواضع والثاني خاص بحيث يدلّل وينبّه على موارد معينة تجمل فيها هذه الفضيلة.
أما الأول: كما ورد عن مولانا الرضا عليه السلام لما سئل عن حد التواضع: "أن تعطي الناس من نفسك ما تحب أن يعطوك مثله"7.
وأما عن أمير المؤمنينعليه السلام: "حسب المرء من تواضعه معرفته بقدره"8.
وأما الثاني: ما جاء عن الصادق عليه السلام: "التواضع أن ترضى من المجلس بدون شرفك وأن تسلّم على من لاقيت، وأن تترك المراء وإن كنت محقاً، ورأس الخير التواضع"9.
فمن التواضع أن يسلّم على كل من يمرّ به، وأن يجلس في منتهى المجلس أو في الأماكن الخلفية في الاحتفالات العامة والمناسبات الدينية وإن كان مكانه في الأماكن الأمامية وأن لا يدخل في نفسه شيء سواء قدّم أو أخرّ نتيجة الازدحام والضيق أو انصراف اهتمام الداعين له عن تبجيله جراء انشغالهم بغيره وهذا مما لا يسبب إهانة ولا منقصةً.
د- ما يستعان به على التواضع:
هناك أمور يمكننا أن نستعين بها على التواضع وتشكل أسباباً مهمة مساعدة على الابتعاد عن التكبر والاستعلاء الذي كثيراً ما ينشأ من تولّي المسؤوليات، ومخالطة وجهاء الناس، ومعاشرة الأغنياء، وقلّة مخالطة الأكفاء. ومدح الناس، ونفوذ الأمر، ومحادثة النفس وإعجابها بكل ما يصدر منها وغير ذلك من الآفات الخدّاعة التي تؤدي إلى التشاغل عن الفضائل بل ربما إلى فعل الرذائل، مع أن المطلوب إذا زكّي الرجل أن يقول كما ورد في خطبة المتقين لأمير المؤمنين عليه السلام: إذا زكي أحدهم خاف مما يقال له، فيقول: "أنا أعلم بنفسي من غيري، وربي أعلم بي من نفسي، اللهم لا تؤاخذني بما يقولون، واجعلني أفضل مما يظنون واغفر لي ما لا يعلمون"10.
والأمور المساعدة على التواضع هي:
1- سلامة الصدر: عن أمير المؤمنين عليه السلام: "لا يستعان.. على التواضع إلا بسلامة الصدر"11.
2- العلم والتفقه: في الحديث: "التواضع ثمرة العلم"12.
وروي: "إذا تفقّه الرفيع تواضع"13.
3- تعظيم الخالق سبحانه: يقول مولى المتقين عليه السلام: "وأنه لا ينبغي لمن عرف عظمة اللَّه أن يتعظّم، فإن رفعة الذين يعلمون ما عظمته أن يتواضعوا له"14.
هـ- ثمرات التواضع: إن اعتماد التواضع مسلكاً يؤدي إلى نتائج فيها من الخير الكثير على أصعدة مختلفة نستعرضها ضمن البيان النوراني لأهل بيت العصمة عليه السلام وهي:
1- انتشار المودة بين الناس: يقول أمير المؤمنين عليه السلام: "ثمرة التواضع المحبة، ثمرة الكبر المسبّة"15.
2- السلامة والأمان بين الناس: عنه عليه السلام: "التواضع يكسبك السلامة"16.
3- المهابة والاحترام: في الحديث: "التواضع يكسوك المهابة"17.
وعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "إن التواضع يزيد صاحبه رفعة، فتواضعوا يرفعكم اللَّه"18.
4- الصحة والعافية: فيما ورد: "من تواضع قلبه للَّه لم يسأم بدنه من طاعة اللَّه"19.
5- انتظام الأمور:
عن أمير المؤمنين عليه السلام: "بخفض الجناح تنتظم الأمور"20.
6- حكمة القلب:
في الحديث: "إن الزرع ينبت في السهل ولا ينبت في الصفا، فكذلك الحكمة تعمر في قلب المتواضع ولا تعمر في قلب المتكبّر الجبّار، لأن اللَّه جعل التواضع آلة العقل، وجعل التكبر من آلة الجهل"21.
7- نشر الفضيلة:
عنه عليه السلام: "التواضع ينشر الفضيلة، التكبر يظهر الرذيلة"22.
8- الطاعة والشكر للخالق تعالى:
في الحديث: "بالتواضع تتم النعمة"23.
ومن الواضح أن هذه الآثار ليست فردية فقط بل تعني حياة المجتمع وعمرانه بالشكل الأفضل كما يشرحه النبي صلى الله عليه وآله وسلم قائلاً: "إن اللَّه تعالى أوحى إليّ أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد ولا يبغي أحد على أحد"24.
من فقه الاسلام
س: ما هو حكم السجود والتيمم على الاسمنت أو البلاط (الموزاييك)؟ج: لا إشكال في السجود عليهما والتيمم بها.
س: هل هناك إشكال في الاستفادة من تربة السجود التي اسوّدت واتسخت بحيث تغطي التربة طبقة من الأوساخ تحول بين الجبهة والتربة؟
ج: إذا كان الوسخ عليها بمقدار يشكل وجود حاجب بين الجبهة والتربة فالسجود باطل وكذا الصلاة.
س: امرأة كانت تسجد على التربة وجبهتها مغطاة بالحجاب خاصة موضع السجود، فهل يجب عليها إعادة تلك الصلوات؟
ج: لا يجب الإعادة فيما إذا لم تكن حين السجود ملتفتة إلى وجود الحائل.
س: ما هو التكليف الشرعي عند سماع آيات السجدة فيما إذا لم يكن القارئ حاضراً وكان الاستماع بواسطة الإذاعة أو جهاز التسجيل؟
ج: استماع آيات السجدة عبر الشريط الصوتي لا يوجب السجود وأما عند استماعها من الإذاعة أو من المكبّر بصورة البث المباشر الحي، فتجب السجدة على الأحوط.
س: ما هو حكم السجود على حجر المرمر الذي يغطي أرض المشاهد الشريفة؟
ج: السجود على حجر المرمر لا إشكال فيه25.
قال تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لاَئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيم"26.
عن الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم: "مالي لا أرى عليكم حلاوة العبادة؟ قالوا وما حلاوة العبادة؟ قال التواضع"27.
صبّ الأب على الأب
يقول الإمام العسكري عليه السلام:
"أعرف الناس بحقوق إخوانه وأشدّهم قضاءً لها أعظمهم عند اللَّه شأناً، ومن تواضع في الدنيا لإخوانه فهو عند اللَّه من الصدّيقين، ومن شيعة عليّ بن أبي طالب عليه السلام حقّاً، ولقد ورد على أمير المؤمنين أخوان له مؤمنان: أب وابن، فقام إليهما وأكرمهما وأجلسهما في صدر مجلسه وجلس بين يديهما، ثمّ أمر بطعام فاحضر فأكلا معه، ثمّ جاء قنبر بطست وإبريق خشب ومنديل لييبس وجاء ليصبّ على يد الرجل، فوثب أمير المؤمنين عليه السلام وأخذ الإبريق ليصبّ على يد الرجل، فتمرّغ الرجل، في التراب وقال: يا أمير المؤمنين! اللَّه يراني وأنت تصبُّ على يدي؟ قال: اقعد واغسل فإنّ اللَّه عزّ وجلّ يراك وأخوك الذي لا يتميّز منك ولا يتفضّل عليك يخدمك، يريد بذلك في خدمته في الجنّة مثل عشرة أضعاف عدد أهل الدنيا، وعلى حسب ذلك في مماليكه فيها.
فقعد الرجل فقال له عليّ عليه السلام: أقسمت عليك بعظم حقّي الذي عرفته وبجّلته وتواضعك للَّه؛ حتّى جازاك عنه بأن ندبني لما شرّفك به من خدمتي لك، لمّا غسلت مطمئنّاً كما كنت تغسل لو كان الصابّ عليك قنبر، ففعل الرجل ذلك، فلمّا فرغ ناول الإبريق محمّد بن الحنفيّة وقال: يا بنيّ لو كان هذا الابن حضرني دون أبيه لصببت على يده، ولكنّ اللَّه عزّ وجلّ يأبى أن يسوّي بين ابن وأبيه إذا جمعهما مكان، لكن قد صبّ الأب على الأب فليصبّ الابن على الابن، فصبّ محمّد بن الحنفية على الابن. ثمّ قال الحسن بن علي العسكري عليه السلام: فمن اتّبع عليّاً عليه السلام على ذلك فهو الشيعيّ حقاً"28.
المصادر :
1- الصحيفة السجادية دعاء 20، ص81، س8.
2- الصحيفة السجادية دعاء 20، ص82، س1.
3- الصحيفة السجادية دعاء 26، ص110، س1.
4- المائدة:54.
5- ميزان الحكمة، حديث: 21849.
6- ثواب الأعمال، 1 294 2.
7- عيون أخبار الرضا عليه السلام: 2-50-192.
8- ميزان الحكمة، حديث: 21837.
9- م.ن. حديث: 21838.
10- نهج البلاغة، خطبة المتقين.
11- البحار، ج78، ص59 7.
12- غرر الحكم: 301.
13- ميزان الحكمة، حديث: 21886.
14- نهج البلاغة، الخطبة: 147.
15- ميزان الحكمة، حديث: 21860.
16- م.ن. حديث: 21861.
17- م.ن. حديث: 21862.
18- م.ن. حديث: 21872.
19- م.ن. حديث: 21863.
20- م.ن. حديث: 21864.
21- م.ن. حديث: 21866.
22- م.ن. حديث: 21868.
23- م.ن. حديث: 21867.
24- م.ن. حديث: 21870.
25- أجوبة الاستفتاءات، ج1، ص148 147 146.
26- المائدة:54.
27- تنبيه الخواطر، ج1، ص201.
28- البحار، ج75، ص117.