السؤال: ما هی الفروق التی یمکن تصوّرها بین المفاهیم التالیة: النبی، الرسول، الإمام؟
الجواب: انّ لفظ «النبی» مأخوذ من «النبأ» بمعنى الخبر الخطیر و العظیم و یکون معناه اللغوی: هو الحامل للخبر العظیم أو المخبر عنه.[1]
لقد أُطلق لفظ «النبی» فی القرآن الکریم على الأشخاص الذین تلقّوا الوحی الإلهی من اللَّه سبحانه، و بطرق مختلفة، و هذه هی حقیقة «النبی»، وکلّ ما ذکر للنبی من صفات و خصائص و ممیزات فی الکتب اللغویة أو التفسیریة أو الحدیثیة، فإنّها جمیعاً خارجة عن مفهوم «النبی»، و لا دخل لها فی حقیقته، و لا ینطبق علیها لفظ «النبی» و إنّما تستفاد تلک المعانی من قرائن خارجیة.
یقول الشیخ الطوسی فی تعریفه: «إنّه مؤد من اللَّه بلا واسطة من البشر».[2]
ف «النبی» بمعنى متلقّی «النبأ» أو المخبر عن اللَّه سبحانه، و أمّا لفظ «الرسول»- إذا کانت رسالته من اللَّه لا من البشر[3] فحینئذٍ تکون رسالته فی إطار مفهوم النبوة- فیکون معنى «الرسول»: هو عبارة عمّن تحمّل رسالة من إبلاغ کلام أو تنفیذ عمل من جانب اللَّه سبحانه.
و بعبارة أُخرى: أنّ هذین المفهومین «النبوة» و «الرسالة» حینما یشیران إلى خصوصیة أو خصوصیات من تلقّى الوحی من الأنبیاء، فحینئذٍ إذا لوحظ خصوصیة حمل النبأ و تلقّی الوحی فقط فهذا هو النبی، و أمّا إذا لوحظت خصوصیة تبلیغ الوحی و نشره فحینئذٍ یطلق على صاحبها مفهوم الرسول.
هذا هو المعنى الحقیقی والواقعی لکلا المفهومین، وإنّ جمیع ما ذکر من الخصوصیات والممیزات فی کتب اللغة والتفسیر والکلام لهذین المفهومین لا علاقة له بالمعنى الحقیقی لهما.
«فالنبی» و «الرسول» وفقاً لهذه النظریة لیس لهما إلّا مهمة الإنذار والتحذیر والتبلیغ والإرشاد فقط لا الأمر والنهی و إصدار الأوامر والمقرّرات و إنّما وظیفتهم انعکاس الوحی الإلهی و نشر الأوامر والنواهی الإلهیة، ولقد وصف القرآن الکریم الأنبیاء والرسل و بصورة کلّیة حیث قال سبحانه: «... فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِیِّینَ مُبَشِّرینَ وَمُنْذِرِینَ ...».[4]
و قال تعالى فی خصوص النبی الأکرم صلى الله علیه و آله و سلم: «فَذَکِّرْ إِنَّما أَنْتَ مُذَکِّرٌ* لَسْتَ عَلَیْهِمْ بِمُصَیْطِرٍ».[5]
فهاتان الآیتان وبالإضافة إلى قوله تعالى: «... فَإِنْ تَوَلَّیْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّما عَلى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبینُ».[6]
تشیران- بالإضافة إلى ما قلنا سابقاً من أنّ النبی لا یأمر ولا ینهى من تلقاء نفسه- إلى حقیقة أُخرى وهی: انّ حقیقة دور الأنبیاء ودعوتهم هو الإرشاد والهدایة.
إنّ الأنبیاء الإلهیّین حینما یتحرکون فی دائرة النبوة والرسالة یسعون وبجد للهدایة وبیان الخطوط الحمراء للشریعة والنواهی والأوامر الإلهیة، و بیان طریق السعادة و الفلاح للناس منطلقین فی ذلک کلّه من تلقّی الوحی والأوامر الإلهیة، و لیس لهم فی هذا المجال نظر و رأی بصورة مستقلّة عن الوحی وکلّ ما یقولونه و یفعلونه هو کلام اللَّه و أوامره، فهم فی الواقع ترجمان للوحی الإلهی.
و فی الحقیقة انّه لا یوجد فی هذه الساحة إلّا هاد و مرشد واحد و قائد متفرّد وهو اللَّه سبحانه و تعالى، وانّ سلسلة الأنبیاء والرسل مأمورون له سبحانه، وانّ من ینقاد فی هذه الأُمّة ویؤمن فإنّما ینقاد له سبحانه ویؤمن به، و کذلک من یعصی و یتمرد و یکفر فإنّما یکفر باللَّه سبحانه و یتمرّد علیه سبحانه و لیس للأنبیاء طاعة و لا عصیان خاص بهم بصورة مستقلة، و قد عبّر القرآن عن هذه الحقیقة بقوله: «مَنْ یُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ ...».[7]
و ذلک لأنّ الآمر الحقیقی هو اللَّه، والرسول متلقٍّ لکلامه سبحانه ومترجم لوحیه.
و أمّا قوله سبحانه: «وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلّا لِیُطاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ ...».[8]
فلا یعنی أنّ للنبی أو للرسول إطاعة وعصیاناً مستقلًا عن إطاعة اللَّه ومعصیته سبحانه، بل أنّ جملة «بِإِذْنِ اللَّهِ» تشیر إلى أنّ الرسول لیس هو المطاع الواقعی، بل المطاع الواقعی هو اللَّه سبحانه و تعالى، و إطاعة الرسول تبعاً لإطاعة اللَّه.
و إذا أردنا أن نعبّر عن هذه الحقیقة بمصطلح علمی لابدّ من القول: إنّ إطاعة اللَّه سبحانه لها موضوعیة، و أمّا إطاعة الرسول فمأخوذة على نحو الطریقیة، و نحن إنّما نطیع الرسول لأنّ إطاعته هی عین إطاعة اللَّه سبحانه و طریق إلیها لا أنّها شیء آخر.
إلى هنا تبین لنا المعنى الحقیقی للفظ النبی والرسول، وقد حان الوقت لبیان المقام المعنوی الآخر الذی ینتظر هاتین الطائفتین، فکلّما أُدخل النبی والرسول بوتقة الاختبار و تعرض لسلسلة من الاختبارات والابتلاءات الصعبة بحیث استطاع أن یرتقی بکمالاته واستعداداته من مرحلة القوة إلى الفعلیة، و یصل فی مجال العشق الإلهی إلى مرحلة الذوبان والوله، بدرجة یهیمن العشق الإلهی على قلبه وأحاسیسه ومشاعره و یفرغ قلبه من کلّ شیء إلّا اللَّه سبحانه، فحینما یصل إلى هذه المرحلة من العشق والذوبان المطلق فی الذات الإلهیة یجتبیه اللَّه سبحانه و ینصبه لمقام إدارة أُمور الأُمّة بالإضافة إلى مقامی تلقی الوحی والتبلیغ والتبشیر والإنذار، وهذا المقام هو مقام الإمامة الذی یمتلک من خلاله حق الأمر والنهی والتکلیف والردع و إدارة المجتمع بالصورة الصحیحة لیوصله إلى حدّ الکمال.
کذلک لیس لأیّ إنسان (مهما کانت درجة کماله) حق الولایة على الآخرین، بل الولایة حق للَّه سبحانه وتعالى وحده. نعم یمکن أن یمنح اللَّه- و لمصالح معینة واعتماداً على ولایته المطلقة- هذا الحق للإنسان الکامل الذی اجتاز الاختبار وتقلّبات الحیاة بنجاح و یمنحه مقام الإمامة والولایة والطاعة والقیادة بحیث یمتلک حق الأمر والنهی والتکلیف و تکون له طاعة مستقلة.
و لا شکّ أنّ هذا المقام غیر مقام النبوة والرسالة الذی یتلخّص فی تلقّی الوحی وتبلیغ الأحکام والأوامر الإلهیة، فإذا وصل إلى مقام الإمامة فحینئذٍ یرتقی إلى منزلة و مرتبة أُخرى، و هی تحمّل مسؤولیة و قیادة الأُمّة و تنظیم المجتمع و إدارة شؤونهم کما قلنا.
ففی النبوة والرسالة المجردتین عن الإمامة تکون إطاعة الرسول هی عین إطاعة اللَّه سبحانه، ولا یوجد- أبداً- نوعان من الطاعة، ولکن حینما یرتقی الرسول إلى مقام الإمامة وینال وسام النصب الإلهی لمنصب الإمامة، یکون حینئذٍ له حقّ الأمر والنهی، وتکون له طاعة مستقلة.[9].[10]
مصادر:
[1] - إذا کانت صیغة« نبی» لازمة فحینئذٍ تعطی المعنى الأوّل، وإذا کانت متعدّیة فحینئذٍ تشیر إلى المعنى الثانی، وإن کان الظاهر هو المعنى الثانی والذی ینسجم بنحو ما مع معنى« الرسول».
[2] - الرسائل العشر: 111، وعبارة الشیخ تحکی عن أنّه أخذ لفظ« النبی» متعدیاً لا لازماً، وتحکی أنّه نفى فی مفهوم النبی وساطة البشر لا وساطة الملائکة.
[3] - کقوله:« فلمّا جاءه الرسول»( یوسف: 50) حیث أشارت الآیة إلى الرسول الذی بعثه عزیز مصر إلى یوسف علیه السلام.
[4] - البقرة: 213.
[5] - الغاشیة: 21- 22.
[6] - المائدة: 92.
[7] - النساء: 80.
[8] - النساء: 64.
[9] منشور جاوید: 5/ 250- 253.
[10] - الفکر الخالد، ج1، الشیخ جعفر السّبحانی، ص: 381- 385.
مصدر: مکتب سماحة آیة الله العظمی مکارم الشیرازی