الأستاذ عبد الحمید فاضل والسیدة إکرام عزیز
فی عصرنا الحدیث أصبح العلم هو المعجزة لدى البشر وهو المرجع الأساسی فی الحیاة، وأخذ الإنسان یتسابق بکل ما یملک من قوة للوصول الى حافات العلوم وتحقیق المعجزة فی کل مجالات الحیاة، لکن هیهات أن تصل البشریة إلى السعادة المطلقة بالمادیات فقط دون الإیمان بالله وبکتبه ورسله وأولیائه، ولکن واقع الحال هو أن المادیات تغدو فی آخر الزمان الصفة الغالبة على معتقدات الناس فلا یوجد إلا القلیل ممن یؤمن بالغیب وما وراء الطبیعة فکل شیء مقنن وما لا یقره العلم لاتؤمن به الغالبیة العظمى من الناس، حتى یصبح هذا التقدم العلمی والمعرفی سبباً للطغیان والاستکبار والقهر واستعباد البشریة، فیکون الظلم والجور، من ملامح عصر الظهور، لذلک یؤید الله سبحانه وتعالى الحجة علیه السلام بعلوم الأولین والآخرین المتجسدة فی علم الکتاب وما أدراک ما علم الکتاب فمن أمتلک جزءاً منه إستطاع أن یعمل ما لا تعمله کل العلوم والتقنیات فی وقتنا المعاصر ( قالَ یا أَیُّهَا الْمَلَؤُا أَیُّکُمْ یَأْتِینِی بِعَرْشِها قَبْلَ أَنْ یَأْتُونِی مُسْلِمِینَ).(1)( قالَ الَّذِی عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْکِتابِ أَنَا آتِیکَ بِهِ قَبْلَ أَنْ یَرْتَدَّ إِلَیْکَ طَرْفُکَ)(2)
هذا یعنی ان الله سبحانه وتعالى عندما یؤید الحجة علیه السلام بجعله طاقة خارقة بما یمتلکه من علوم وما تجری على یده من معجزات، فلا یمکن لکل الجبابرة والطغاة فی عصر الظهور ان یتصدوا لأرادة الله تعالى فی حجته، وفی هذا المعنى قال الإمام الصــادق علیه السلام (العلم سبعة وعشرون حرفــاً فجمیع ما جاءت به الرسل حرفان فلم یعرف الناس حتى الیوم غیر حرفین فإذا قام قائمنا أخرج الخمس وعشرین حرفا فبثها فی الناس وضم الیها الحرفین حتى یبثها سبعة وعشرین حرفاً).(3)
وتکون هذه العلوم کافة والمعجزات الدعامة التی یؤسس علیها الحجة علیه السلام دولته الإسلامیة العالمیة دولة الحق والعدل الإلهی ومن الطبیعی أن یتساءل المرء عن کیفیة فرض الحجة لرسالته على الشعوب غیر المسلمة وغیر المؤمنة وغیر المنصاعة لأمر الله مع ما هی علیه من حیاة مادیة وبعد عن الإیمان والقیم الروحیة ونظرة سیئة الى الإسلام والمسلمین.
ویتم فرض رسالته بإتباع سنة جده الرسول الکریم صلى الله علیه وآله وسلم إذ یعمل بالقوة ـ ونعنی بالقوة کل أشکالها المادیة والمعنویة ـ للقضاء على الظالمین وأسباب الظلم، ویمکننا أن نرجع هذه القوة الى التفوق العلمی وما یفرزه من نوع الأسلحة التی یستخدمها الحجة علیه السلام والتی ـ والله أعلم ـ تفوق حتى الاسلحة الذریة والکتلیة الموجودة فی الوقت الحاضر، فیلحق بالظالمین الکفرة الهزیمة فیجعلهم کعصفٍ مأکول هم وماکنتهم العسکریة وما یدعم هذا ما جاء فی کتاب عالم الملکوت أن للإمام الحجة علیه السلام رجالاً لهم سیوف من حدید غیر هذا الحدید لو ضرب أحدهم بسیفه جبلاً لقده حتى یفصله فی ساعة.(4) وهذا لا یعنی السیف بشکله الحالی وانما یشیر الى قوة سلاح معین ومثل هکذا سلاح لا تستطیع کل أسلحة العالم أن تقاومه.
إضافة الى ذلک فأن المعجزات الطبیعیة التی تجری بید الإمام الحجة علیه السلام وبإرادة الله تعالى تسهم بشکل أکبر بالقضاء على الأعداء فما خسف الأرض(5) وإبتلاعها للجیوش المعادیة له وقواعدهم وراداراتهم الا إحدى الأسلحة التی سوف یستخدمها الحجة علیه السلام إن شاء الله.
ولا عجب أیضاً أن تسخر الریح الشدیدة(6) والشهب(7) للقضاء على طائرات وسفن الأعداء الحربیة وأقمارهم الصناعیة التی تعد الیوم إحدى الأسلحة المسیطرة على العالم. ویستمر صراع الحق ضد أعداء الله حتى یقضی على کل الظالمین المتکبرین، وفی هذا یقول الإمام الجواد علیه السلام (ثم لا یزال یقتل أعداء الله حتى یرضی الله ویعلم رضا الله تعالى عنه فی ذلک حین یحس الرحمة بقلبه).(8)
وبذلک یتم له تطهیر الأرض من الظلم والظالمین. ( أَفَغَیْرَ دِینِ اللَّهِ یَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِی السَّماواتِ وَالأَْرْضِ طَوْعاً وَکَرْهاً وَإِلَیْهِ یُرْجَعُونَ).(9)
وبعد ذلک یحکم بین الناس بحکم الله الواقعی الذی یریه إیاه الله تعالى فلا یطلب من أحد شاهداً او بینة أی یستعمل اللدنی(10) ویسعى الإمام الحجة علیه السلام بعد ذلک إلى تحقیق الرفاهیة والغنى والسعادة لکل البشریة اذ یعمل بما أتاه الله من العلم بإصلاح وإعمار الأرض(11) ویؤیده الله فی ذلک. ومن قول للإمام علی علیه السلام فی ذلک اذ قال (لو قام قائمنا لانزلت السماء قطرها ولاخرجت الأرض نباتها)(12) ولذهبت الشحناء من قلوب العباد وأصلحت السباع والبهائم حتى تمشی المرأة من العراق الى الشام لاتضع قدمیها الا على النبات وعلى رأسها مکتلها لایهیجها سبع ولاتخافه).(13)
وهذا یؤکد أن زمن ظهور الإمام علیه السلام یمتاز بالخیر والبرکة والأمان لذا یعیش الإنسان عمراً أطول من ما هو موجود ألآن من أعمار(14)، وهذا ربما ـ والله أعلم ـ یأتی نتیجة لاستخدام الحجة علیه السلام فی زمنه علوماً طبیة إضافة الى الخیر والأمان المتوفر فی زمانه وجاء فی ذلک قول الإمام الباقر علیه السلام إذ قال (من أدرک قائم أهل البیت من ذی عاهة برأت ومن ذی ضعف قوی)(15) حتى لیعیش المرء ألف عام.(16)
ومن الأمور العلمیة الخارجة عن التصور الحالی هو مقدرة الإمام الحجة علیه السلام وأصحابه بالتخاطب بشکل مباشر بحیث لا یکون بینهم وبین الحجة علیه السلام برید إذ یستغلون الأثیر باستخدام وسائل اتصال لا تعرفها البشریة الآن، ویقول فی ذلک الإمام أبو عبد الله علیه السلام (إن قائمنا إذا قام مدّ الله لشیعتنا فی أسماعهم وأبصارهم حتى لا یکون بینهم وبین القائم برید یکلمهم فیسمعون وینظرون إلیه وهو فی مکانه).(17) ویبدو مما تقدم أن هناک الکثیر من الأمور غیر المألوفة للأجیال السابقة ولجیلنا من التقدم العلمی والتکنولوجی سیحصل فی عصر الظهور، ویظهر واستناداً على الأحادیث المتعددة التی أوردنا الیسیر منها أن هذا التقدم یکون فی بعضه کرامات ومعجزات یجریها الله تعالى على ید الحجة علیه السلام وأصحابه علیهم السلام ولکن کثیراً منها تطویر للعلوم الطبیعیة واستثمار لقوانین الله تعالى ونعمه التی أودعها فیما حولنا من مواد الأرض والبحر والسماء.
الهوامش
(1) سورة النمل، آیة 38.
(2) سورة النمل، آیة 40.
(3) العلامة المجلسی، بحار الأنوار، ج52، ص 336، مؤسسة الوفاء، بیروت، 1404هـ.
(4) عبد الله بن محمد بن عباس الزاهد، عالم الملکوت، ص 99، طبعة 1، دار المحجة البیضاء، بیروت، 1998م.
(5) ( أَفَأَمِنَ الَّذِینَ مَکَرُوا السَّیِّئاتِ أَنْ یَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الأَْرْضَ أَوْ یَأْتِیَهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَیْثُ لا یَشْعُرُونَ). سورة النمل، آیة 45.
(6) ( فَیُرْسِلَ عَلَیْکُمْ قاصِفاً مِنَ الرِّیحِ فَیُغْرِقَکُمْ بِما کَفَرْتُمْ ثُمَّ لا تَجِدُوا لَکُمْ عَلَیْنا بِهِ تَبِیعاً). الاسراء، آیة 69.
(7) ( وَ لَقَدْ زَیَّنَّا السَّماءَ الدُّنْیا بِمَصابِیحَ وَجَعَلْناها رُجُوماً لِلشَّیاطِینِ). سورة الملک، آیة 5.
(8) علی الکورانی، عصر الظهور، ص 317، مؤسسة الشهید، بیروت، 2003.
(9) سورة آل عمران، آیة 83.
(10) ( آتَیْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً). سورة الکهف، آیة 65.
(11) فی هذا المورد یذکر الإمام أبی جعفر الباقرعلیه السلام اذ قال (اذا قام قائمنا تطوى له الأرض وتظهر له الکنوز ویبلغ سلطانه المشرق والمغرب ویظهر الله دینه ولو کره المشرکون فلا یبقى خراب الا عمر) انظر بحار الانوار، ج51، ص 117.
(12) لقد سعى الإنسان المعاصر بکل الامکانات العلمیة والتقنیة لاستقلال الأرض الزراعیة وانتاج القوت الا انه فشل فی تحقیق الرفاهیة لکل البشریة فهناک بلدان تعیش فی مجاعة او مهددة بمجاعة.
(13) علی بن عبد الکریم النیلی، منتخب الأنوار، ص 203، مطبعة الخیام، قم، 1401هـ.
(14) یفتخر الإنسان المعاصر بالقضاء على کثیر من الاوبئة والامراض بالتجارب العلمیة وایجاد ابحاث متخصصة فی الجامعات والمستشفیات، کما ظهر علم الهندسة الوراثیة وعلم الجینات الا ان الإنسان المعاصر عجز ولحد الآن على القضاء على کثیر من امراض السطانات ونقص المناعة المکتسبة بحیث أنه لم یستطیع العلم الحدیث أن یتجاوز بعمر الإنسان المعاصر الى القرون.
(15) العلامة المجلسی، بحار الأنوار، ج52، ص 335، مؤسسة الوفاء، بیروت، 1404هـ.
(16) المصدر السابق، ص 337.
(17) المصدر السابق نفسه، ص 335.
/ج