الحمد لله رب العالمین، والصلاة والسلام على سیدنا ونبینا محمد وآله الطیبین الطاهرین.
قال إمامنا وسیدنا أمیر المؤمنین علیه أفضل الصلاة والسلام: (لا تخلو الأرض من قائم لله بحجّة إمّا ظاهراً مشهوراً وإمّا خائفاً مغموراً لئلا تبطل حجج الله وبیناته).(1)
یؤکد الإمام أمیر المؤمنین فی کلامه هذا على أنّ الأرض منذ خلقها الله سبحانه وتعالى وجعل فیها خلیفة (إِنِّی جاعِلٌ فِی الأْرْضِ خَلِیفَةً)(2) منذ ذلک الوقت الذی قضى فیه وقرّر سبحانه وتعالى أن یجعل فی الأرض خلیفة، ما ترک الأرض خالیة من قائم لله بحجّة، لأنّه لله الحجّة على عباده بصورة عامة.
والرسل والأنبیاء الذین یبعثهم الله سبحانه وتعالى، همم حجج الله على بریّته، ومعنى ذلک کما یقول الذکر الحکیم: (إِنَّا أَوْحَیْنا إِلَیْکَ کَما أَوْحَیْنا إِلى نُوحٍ وَالنَّبِیِّینَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَیْنا إِلى إِبْراهِیمَ وَإِسْماعِیلَ وَإِسْحاقَ وَیَعْقُوبَ وَالأْسْباطِ وَعِیسى وَأَیُّوبَ وَیُونُسَ وَهارُونَ وَسُلَیْمانَ وَآتَیْنا داوُدَ زَبُوراً . وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْناهُمْ عَلَیْکَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَیْکَ وَکَلَّمَ اللَّهُ مُوسى تَکْلِیماً رُسُلاً مُبَشِّرِینَ وَمُنْذِرِینَ)(3) ما هو الهدف... ( لِئَلَّا یَکُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَکَانَ اللَّهُ عَزِیزًا حَکِیمًا)(4)
ما کان الله سبحانه وتعالى یعذب الناس، ویحاسب الناس إلاّ بعد أن یقیم الحجّة علیهم. ومن جملة إقامة الحجة علیهم، إرسال الرسل والأنبیاء وأوصیاء الأنبیاء. ویُعرَف هؤلاء جمیعاً بالدرجة الأولى بماذا؟ بالعقل، لذلک یقول الإمام الکاظم صلوات الله وسلامه علیه: (إنّ لله على الناس حجتین حجة ظاهرة وحجّة باطنة، أمّا الحجة الظاهرة فهی الرسل والأنبیاء والأئمة، وأمّا الحجة الباطنة فالعقول)(5) الله تعالى یحاسب الناس على قدر عقولهم، لأنّ الله أول ما خلق العقل فقال له: أقبل فأقبل، قال له: أدبر فأدبر، فقال: (وعزّتی وجلالی ما خلقت خلقاً أحبّ إلیّ منک. بک أثیب وبک أعاقب).(6)
هذا یعنی أن العقل مطیع لله. الفطرة العقلیة السلیمة تأخذ بعنق الإنسان لیخضع لله تعالى ویعترف بوحدانیته وبصفاته. وفی نفس الوقت بواسطة العقل یعرف الإنسان نبیّه، یعرف رسوله، ثم یعرف الأوصیاء الذین یأتون من بعد الرسل. هذا بواسطة العقل الذی هو حجة داخلیة باطنیة.
والحجّة الخارجیة، نفس الأنبیاء والرسل والأوصیاء والأئمة، لأن هؤلاء حجج الله تعالى على بریّته.
لما یقول الإمام أمیر المؤمنین سلام الله علیه فی حدیثه هذا: (لا تخلو الأرض من قائم لله بحجّة...) سواء أکان على مستوى رسول أو نبی أو وصی، إمّا ظاهراً مشهوراً إذا استتبت له الأمور وإما خائفاً مغموراً. لماذا؟
لئلا تبطل حجج الله وبیناته، لأن الله تعالى یحتج برسله وبأنبیائه، ومن بعد دور الأنبیاء بالأوصیاء على آیاته وعلى بیناته، یحتج على العباد، حتى لا یقول العباد: (رَبَّنا لَوْ لا أَرْسَلْتَ إِلَیْنا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آیاتِکَ وَنَکُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِینَ)(7)
أو أن یقولوا: (رَبَّنا لَوْ لا أَرْسَلْتَ إِلَیْنا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آیاتِکَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزى)(8) لأن القانون الإلهی هو: (وَما کُنَّا مُعَذِّبِینَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً)(9)
والرسول یبلغ رسالة السماء إلى الناس، وله عمر طبیعی فإذا أراد أن یمضی، أی قربت وفاته یجب علیه أن یعیّن للناس خلیفة، إماماً، وصیاً، مرجعاً، لأن النبی أمین هذه الأمة.
أی إنسان أمین إذا کان أمیناً على أغنام، إذا کان أمیناً على أرض، إذا کان أمیناً على مدرسة، إذا کان أمیناً على بیت، إذا کان أمیناً على رعیة، لا یترکهم هملاً.
ومن قال هذا ونسب الترک لرسول الله، فقد کذب على رسول الله، وعمله یدل على کذبه. هل أنّ أبا بکر کان أکثر حرصاً على الإسلام ؟ إذ أنه ما ترک الأمة کما یقولون هملاً إلاّ وعیّن عمر؟ هل أنّ عمر أولى بالأمانة من رسول الله، بحیث تطلب منه عائشة أن یعیّن ویطلب منه عبد الله أن یعیّن ثم یعین بطریقة خاصة، طریقة الشورى؟ هل أن معاویة أکثر أمانة على الأمة من رسول الله؟ بحیث یعیّن ولی عهد (یزید بن معاویة) نغله.
قضیة طبیعیة جداً أن الرسول أمین (الرسول الأمین)، وأمین على التبلیغ، تبلیغ رسالة السماء، أمین على مستقبل الأمة، فلا بدّ أن یعیّن من بعده مرجعاً للناس، کفواً کریماً حتى لا یتشتت أمر الناس.
ثم إن النبی مسؤول عن مستقبل أمته، کما هو مسؤول فی أیام حیاته عن أمته.
ولذلک کان یقول صلى الله علیه وآله: (إئتونی بدواة وکتف کی أکتب لکم کتاباً لن تضلّوا بعدی أبداً)(10) ولذلک کان یقول: (إنی ترکت فیکم ثقلین، أو مخلف فیکم، أو تارک فیکم - حسب اختلاف الروایات - ما إن تمسکتم بهما لن تضلوا بعدی أبداً. وإنهما لن یفترقا حتى یردا علیّ الحوض فانظروا کیف تخلفوننی فیهما)(11) فالنبی مسؤول عن هذا الأمر الخطیر ولا یمکن أن یغفل عنه أو یتغافل.
انظر إلى تأریخ الأنبیاء السابقین، کل نبی کان یخبر عن الأنبیاء الذین سیأتون بعد ذلک. فی حدیث إبراهیم، فی أحادیث موسى، أحادیث عیسى، ومثلهم حبیب الله محمد صلى الله علیه وآله، هنا هل أخبر النبی صلى الله علیه وآله بالأئمة من بعده؟ هل أخبر عن الدور الذی یقوم به قادة الأمة وخلفاؤه الراشدون بالحق؟ نعم أخبر.
هذه عشرات الروایات تخبر عن هذا المعنى.:
أولاً: روایة جابر بن عبد الله الأنصاری رضوان الله تعالى علیه، یقول: لما نزل قوله تعالى (یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا أَطِیعُوا اللَّهَ وَأَطِیعُوا الرَّسُولَ وَأُولِی الأْمْرِ مِنْکُمْ) یقول: سألت النبی صلى الله علیه وآله قلت: یا رسول الله عرفنا الله ورسوله فمن أولوا الأمر الذین قرن الله طاعتهم بطاعتک؟ فقال: هم خلفائی یا جابر وأئمة المسلمین من بعدی أولهم علی بن أبی طالب، ثم الحسن، ثم الحسین، ثم علی بن الحسین، ثم محمد بن علی المعروف فی التوراة بالباقر، وستدرکه یا جابر فإذا لقیته فاقرأه عنی السلام ثم الصادق جعفر بن محمد ثم موسى بن جعفر، ثم علی بن موسى، ثم محمد بن علی، ثم علی بن محمد، ثم الحسن بن علی، ثم سمیّی وکنیّی _ یعنی اسمه على اسم رسول الله صلى الله علیه وآله وکنیته أبو القاسم على کنیة النبی _ حجّة الله فی أرضه وبقیته فی عباده ابن الحسن بن علی ذاک الذی یفتح الله _ تعالى ذکره _ على یدیه مشارق الأرض ومغاربها.(12)
الروایات تقول أن المؤمنین یسلّمون على الإمام إذا ظهر، یقولون: السلام علیک یا بقیة الله فی أرضه وبقیته فی عباده، فهذا یعنی أنّ النبی صلى الله علیه وآله کان مسؤولاً أمام الله وأمام أمته عن تشخیص أولیائه، وخصوصاً بالنسبة إلى الإمام المهدی عجل الله فرجه الشریف، باعتبار أنّ هناک حوادث تجری، تختلف عن حوادث بقیة الأئمة، ولذلک أکّد على قضیته أکثر فأکثر، حتى یکون الناس على یقین من أمرهم. (13)
(یفتح الله على یدیه مشارق الأرض ومغاربها) ذاک الذی یغیب، لأن القضیة غیر طبیعیة. یعنی لو کان الإمام سلام الله علیه مباشرة یأتی بعد والده الإمام الحسن العسکری فالقضیة طبیعیة، أمّا أنه یغیب هذه المدة الطویلة وإن لم تکن مستحیلة لا عقلاً ولا علمیاً ولا عملیاً، بل هناک وقائع حدثت وهذا التأریخ بین أیدینا یذکر المعمّرین وهناک السجستانی عنده کتاب المعمّرون. بالعشرات یذکر أعمارهم.
دع عنک هؤلاء جمیعاً. نحن والقرآن الذی هو مسلّم به عند کل الفرق الإسلامیة.
ونحن حدیثنا مع المسلمین، لما یقول سبحانه وتعالى عن نبی الله نوح علیه السلام: (فَلَبِثَ فِیهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلاَّ خَمْسِینَ عاماً)(14)
معنى ذلک أن النبی مبعوث لجیل ولیس مبعوثاً لعدة أجیال أی أن أعمار ذلک الزمان کانت بهذا الشکل _ هذا واحد _، ثم یقول: عمره خمسون سنة لما بعث، و950 سنة الدعوة إلى الطوفان، وبعده خمسین سنة بقی فی الدنیا ثم مضى. یعنی ألفاً وخمسین سنة. بعض الروایات تقول أکثر من هذا 1500 سنة وبعض الروایات تزید عمره إلى 2500 سنة.
دع عنک هذا الزائد، لنفرض 1050 سنة فالذی یعیش 1050 سنة معناه لیس وحده یعیش هذه المدة، لا بدّ أن هناک عشرات مثله یعیشون.
ویقول سبحانه وتعالى عن یونس علیه السلام: (فَلَوْ لا أَنَّهُ کانَ مِنَ الْمُسَبِّحِینَ لَلَبِثَ فِی بَطْنِهِ إِلى یَوْمِ یُبْعَثُونَ)(15) - أی بطن الحوت - یعنی هل الحوت میت وهو میت؟ ما الفائدة إذا کان هکذا ؟ فالناس کلهم من آدم أعمارهم طویلة إلى الحشر. فإذن هو حی والسمکة أیضاً حیّة (للبث فی بطنه إلى یوم یبعثون) فالله قادر أن یمدّ الحوت بهذا العمر المدید، ویمد یونس علیه السلام بهذا العمر المدید.
ثم عندنا إبلیس علیه اللعنة (قالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِی إِلى یَوْمِ یُبْعَثُونَ قالَ فَإِنَّکَ مِنَ الْمُنْظَرِینَ)(16) یعنی ممهلین إلى یوم الوقت.
نأتی إلى الفرق الإسلامیة الأخرى تعترف الفرق الإسلامیة بأنّ عیسى علیه السلام حی یزرق عند الله، وینزل إذا جاء الإمام المهدی المنتظر عجل الله فرجه، وکذلک إدریس علیه السلام والخضر معروف أیضاً. وبعضهم یعتبر إلیاس أیضاً من جملة الأنبیاء الذین أطال الله أعمارهم وهؤلاء قبل الإمام المهدی قبل ولادة الإمام المهدی منذ آلاف السنین. فلماذا استنکر على الله أن یمد فی عمر الإمام المهدی؟
والقضیة طبعاً غیر طبیعیة ترجع إلى مصلحة یراها الله تعالى، ومصلحة یعرفها الله سبحانه وتعالى. ولکن لیس على الله بعزیز.
لهذا یقول النبی صلى الله علیه وآله فی هذا الحدیث الشریف: (ذاک الذی یغیب عن شیعته وأولیائه غیبة لا یثبت فیها على القول بإمامته إلاّ من امتحن الله قلبه للإیمان).(17)
هناک مقاطع فی حیاة الناس یفتنون فیها، الناس یمتحنون. (أَحَسِبَ النَّاسُ أَن یُتْرَکُوا أَن یَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا یُفْتَنُونَ)(18) فإذن یمتحنون بأشکال متعددة.
امتحن الله عباده فی قضیة عیسى علیه السلام (خَلَقْناکُمْ مِنْ ذَکَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناکُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا)(19) قضیة طبیعیة، لکن أراد الله أن یثبت شیئاً، وأراد أن یمتحن العباد بولادة عیسى من أمّ دون أب، (إِنَّ مَثَلَ عِیسى عِنْدَ اللَّهِ کَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ کُنْ فَیَکُونُ)(20) فالذی یؤمن بأن الله خلق آدم وحواء من تراب، یؤمن بأن الله تعالى خلق عیسى من أمّ دون أب. فصار الامتحان.
وبالنسبة إلى الإمام المهدی کذلک. هذا نوع من أنواع الامتحان. إذا کانت عشرات الأحادیث یرویها السنة والشیعة فی وجود الإمام المهدی وفی حسبه ونسبه، وفی غیبته وطول عمره. فإذن هنا الامتحان، لیعرف المؤمن بالغیب، المؤمن بالله وبما جاء به رسول الله، من غیر المؤمن.
ولذا یقول النبی الکریم صلى الله علیه وآله وسلم: (ذاک الذی یغیب عن شیعته وأولیائه غیبة لا یثبت فیها على القول بإمامته إلاّ من امتحن الله قلبه للإیمان. قال جابر: فقلت له: یا رسول الله فهل ینتفع الشیعة به فی غیبته؟ - لأن المتعارف أن الإمام أو النبی أو الرسول ظاهر للناس ینتفعون منه هذا إذا کان حاضراً أمّا إذا کان غائباً فهل ینتفع منه؟ - فقال: إی والذی بعثنی بالنبوة إنهم ینتفعون به ویستضیئون بنور ولایته فی غیبته کانتفاع الناس بالشمس وإن تجللها السحاب).(21)
معنى ذلک أنّ القضیة لیست منوطة بحضوره فقط، وإنما هو فی غیبته، ووجوده برکة وخیر، فإنّ الله سبحانه وتعالى یحفظ الأرض ومن علیها ببرکة الإمام الحجة (لو خلیت الأرض من حجة لساخت بأهلها)(22) ، ولذلک کان النبی صلى الله علیه وآله یقول: (النجوم أمان لأهل السماء وأهل بیتی أمان لأهل الأرض، فإذا ما ذهبت النجوم أتى أهل السماء ما یکرهون).(23)
وهنا أودّ أن ألفت النظر إلى شیء مهم، وهو: (إِذَا الشَّمْسُ کُوِّرَتْ وَإِذَا النُّجُومُ انْکَدَرَتْ) مثال ذلک. کله یدل على انتهاء العالم، فالملائکة عندها علامة وهی أن هذه النجوم ما دامت مستقرّة فالحیاة مستقرة، أما إذا تناثرت النجوم وإذا ذهبت الشمس والقمر وسیّرت الجبال، کل ذلک علامة على انتهاء العالم وقیام الساعة.
کذلک بالنسبة إلى الأرض (وأهل بیتی أمان لأهل الأرض فإذا ذهب أهل بیتی أتى أهل الأرض ما یکرهون).
لذلک: فإنّ القائلین برجعة المعصومین - طبعاً بالجملة لیس بالتفصیل، کیف یرجعون؟ من یرجع ومن لا یرجع؟ مهما کان على کل حال - بعد ظهور الإمام الحجة المنتظر یستندون إلى هذا لأنه لابد أن یکون.. فإنّ بعض الروایات تقول: (ما منّا إلاّ مسموم أو مقتول)(24) ، فحتى الإمام المهدی عجل الله فرجه تکتب له الشهادة. یمنحه الله تعالى الشهادة، مع أنه یقضی على الظالمین، لکن لو بقی ظالم واحد أیضاً یفجع الأمة بقتل الإمام.
لکن هل تنتهی الدنیا؟ لا، فلابدّ من وجود معصوم حجّة لله تعالى على الخلق یقوم مقام الإمام المهدی، حتى یحکم فی العباد، إلاّ أن یشاء الله سبحانه وتعالى للأرض وما علیها أن تنتهی، فینتهی أهل البیت ویأتی أهل الأرض ما یکرهون.
فالنبی صلى الله علیه وآله وسلم لما یتحدث عن انتفاع الناس بوجود الإمام یقول: (لو خلیت الأرض من الحجة لساخت)، والأرض أو المنطقة التی علیها حجة سواء أکان رسولاً أو نبیاً أو إماماً لا تعذّب. ولما أراد الله أن ینزل العذاب على قوم یونس، یونس انسحب من المنطقة. وإلاّ مع وجود یونس لا ینزل العذاب.
قضیة لوط علیه السلام کذلک. إبراهیم یقول (إِنَّ فِیها لُوطاً)(25) یقول للملائکة الذین أخبروه بأنهم جاءوا لیعذبوا قوم لوط، لیقضوا علیهم، قال: إن فیها لوطاً.
یعنی کیف ینزل العذاب ولوط نبی الله موجود. هناک حجة على الخلق. فأخبروه بأن یخرج بعائلته إلاّ امرأته، إذاً بالحجة استقرار الأرض والسماء بهذا المعنى.
ومن برکات وجوده صلوات الله وسلامه علیه: أنه واسطة الفیض الإلهی وبیمینه رزق الورى، أحادیث کثیرة تخبر وتؤکّد أنه فی لیلة القدر (تَنَزَّلُ الْمَلائِکَةُ وَالرُّوحُ فِیها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ).(26) کیف ینزلون؟ بأمر ربهم. على من، على زید على عمر ینزلون؟ على حجة الله فی زمانه. وحجة الله فی زماننا الإمام المهدی المنتظر عجل الله فرجه. ومشیئة الله هکذا أن الملائکة إذا قررت شیئاً تستشیر الإمام، تأخذ نظره بالنسبة للأعمار، وبالنسبة للأرزاق وما شابه ذلک، لأن لیلة القدر تعنی: اللیلة التی یعرف بها قدر الإنسان هل یرتفع أو ینخفض أو یبقى على ما هو علیه. کما هو الحال فی الموظفین کل سنة وسنتین لابد أن یحاسبوا وینظر فی عملهم أنهم فی هذه المدّة ماذا عملوا، أدّوا الواجب بصورة صحیحة سلیمة؟ یعطون ترفیعاً وأما إذا ظهروا مقصرین فینزلون من قدرهم.
البعض یفسرون القدر بهذا المعنى یعرف قدر الإنسان.
فلابد أنّ الإمام سلام الله علیه یعطی رأیه فی هذه الأمور التی یجریها الله تعالى على العباد بمشیئته، عن طریق الإمام. مثلما یقبض الأرواح بواسطة ملک الموت وملک الموت بید الله تعالى. فکل شیء ینسب إلى الله، حتى إذا کان الأمر یقوم به بعض عباده (اللَّهُ یَتَوَفَّى الأْنْفُسَ حِینَ مَوْتِها)(27) ، (قُلْ یَتَوَفَّاکُمْ مَلَکُ الْمَوْتِ الَّذِی وُکِّلَ بِکُمْ)(28) فما دام الله تعالى عین ملک الموت لیقوم بهذا الأمر ففعله یرجع إلى الله سبحانه وتعالى.
والإمام من قبل الله معیّن لیعطی رأیه، فهو واسطة الفیض الإلهی، بیمینه رزق الورى، وبوجوده ثبتت السماء.
بالإضافة إلى هذا هو مرجع للأمة، مرجع للأحکام. لابدّ للعلماء أن یتوصّلوا إلى الإمام بالواسطة، أو بغیر الواسطة عبر هذه السنوات العدیدة التی مرّت على وجود الإمام صلوات الله وسلامه علیه.
وهناک قصص کثیرة، للسید بحر العلوم رضوان الله علیه وغیره من العلماء والمراجع هی دلیل على أن الإمام سلام الله علیه لا یترکهم أبداً.
ثم هو ملجأ العباد فی المشاکل، فی الصعوبات دائماً. العباد المؤمنون یلجؤون إلیه. وهناک قصص متعدّدة حول تلقی الشیعة حلولاً لقضایاهم، فی البحرین فی العراق فی أماکن متعددّة أخرى، على مستوى الفرد أو على مستوى الجماعة، وکیف أنّ الإمام الحجة المنتظر عجل الله فرجه أنقذهم مما کانوا فیه. کثیر من القصص موجودة فی الکتب ویذکرها الأعلام.
فالإمام لم یترک أمته، ولم یترک رعیّته، فإنّ فی غیبته خیر وبرکة کما فی حضوره. لکن طبعاً فی حضوره تکون البرکة أکبر، ولذلک یقول النبی صلى الله علیه وآله: «إی والذی بعثنی بالنبوة إنهم ینتفعون به ویستضیئون بنور ولایته فی غیبته کانتفاع الناس بالشمس وإن تجلّلها السحاب»، بمعنى أنّ الشمس إذا تجللّها السحاب فی النهار منع ظهورها، فهل معنى هذا أنّ النهار یصیر لیلاً؟
لا، هل معنى هذا أنّ أشعة الشمس لا تنفع البشر؟ بل تنفع، حتماً تنفع فالفرق واضح بین اللیل الذی لا توجد فیه شمس وبین النهار الذی توجد فیه شمس لکن الشمس محجوبة، فلا بد أن تعطی ضوءها ولا بد أن تعطی إشعاعاتها وحرارتها والناس ینتفعون.
ولذلک یقول الشاعر:
یا غائباً لم تغب عنّا رعایته ولا یزال بعین اللّطف یرعانا
بظله وهو محجوب منافعه مثاله الشمس عند السحب تغشانا
فیقول النبی الکریم: ویستضیئون بنور ولایته فی غیبته، کانتفاع الناس بالشمس وإن تجلّلها السحاب، یا جابر هذا من مکنون سرّ الله، ومخزون علمه - یعنی هو علم عن المستقبل بهذا التفصیل - فاکتمه إلاّ عن أهله.(29)
لأن هذا الشخص الذی لا یؤمن بقول النبی فی حق وصیّه علی علیه السلام ویخرج علیه ویحاربه، أو یعتقد بأعداء الله أنهم خلفاء على الحق، کیف یتوقع منه أن یتعرّف على قضیة الإمام المهدی وما سیجری له فی مستقبل الزمان؟
هناک حدیث یلفت النظر ، وعلینا أن نأخذ به وأن نؤکّد هذا الحدیث على أعمالنا، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن نکون مصداقاً أو مصادیق لهذا الحدیث الشریف. الإمام زین العابدین علیه السلام یقول لأبی خالد الکابلی: (تمتد الغیبة لولی الله الثانی عشر من أوصیاء رسول الله صلى الله علیه وآله والأئمة من بعده. یا أبا خالد إن أهل زمان غیبته - أنا وأنت ومن سبقنا فی أیام الغیبة ومن سیأتی بعدنا - إن أهل زمان غیبته، القائلین بإمامته، المنتظرین لظهوره، أفضل أهل کل زمان لأنّ الله تبارک وتعالى أعطاهم من العقول والأفهام والمعرفة ما صارت به الغیبة عندهم بمنزلة المشاهدة).(30)
إقرأ قلبک أیها المؤمن. ما هی عقیدتک فی الإمام المهدی؟ هل تؤمن بوجوده وتستنجد به وتندبه وتبکی وتطلب منه أن یعجّل فی ظهوره وتدعو له وتطلب منه أن یدعو لک؟ کل هذه حقائق تدل على الإیمان الذی فی قلبک أیها المؤمن.
الحسین علیه السلام على عظمته ابن رسول الله، قرّة عین النبی، قرّة عین الزهراء، صحابی، وفی نفس الوقت هو من أقرب الأقربین إلى رسول الله، مع هذا لما استنجد الناس واستنصرهم حصل على (اثنین وسبعین) ناصراً.
هناک بعض الأشیاء یجب الاعتقاد بها بصورة إجمالیة ولیس من الضرورة التفصیل کإجمالیة عذاب القبر، إجمالی المعراج، وغیره. هناک آیات وهناک أحادیث تؤکد وجود الإمام المهدی واستمرار وجوده کما فی حدیث النبی الکریم صلى الله علیه وآله وسلم: (وإنهما لن یفترقا حتى یردا علیّ الحوض)(31) من جملة الافتراق ماذا؟ افتراق الزمان، أی أنّه إذا کان فی زمانٍ ما القرآن موجود، والحمد لله القرآن لم یهمل ولم یترک، لم یأتِ زمان لا وجود للقرآن فیه، من یوم بعثة النبی وإلى یومنا هذا وإلى یوم القیامة (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّکْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ)(32) والذکر هو القرآن. فإذاً القرآن موجود فی کل زمان. فإذا قال القائل: ما ولد الإمام فی زمن العسکری، ولا یوجد إمام إلى آخر الزمان، إذا شاء الله تعالى یولد الحجة ثم یظهر. معناه فی هذه الفترة من الزمان الذی مضى وهو مئات السنین، لا وجود لعِدل القرآن، فکیف تفسّر کلام النبی الذی أکد بضرس قاطع أنهما لن یفترقا، ومن جملة الافتراق، الافتراق الزمانی وقد وقع الافتراق حسب ادعاء القائل، وهو عین ما نفاه رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم.
وهذا یدل على أنهم علیهم السلام لا یفترقون عن القرآن الکریم. وما دام للقرآن وجود فلابدّ لله من حجة.
على کل حال نسأل الله سبحانه وتعالى أن یعجل فی فرج إمامنا، لأنّ الأحادیث التی تتحدث عن مقدمات ظهور الإمام علیه السلام کثیر من هذه الأحادیث طبّقت، وتحققت کثیر من التنبؤات، وکثیر من الأخبار. ومن غیر الممکن أن ینهض الإمام الحجة المنتظر ولم تکن هناک قاعدة شعبیة مؤمنة تتعاون معه.
فمع کثرة الظلم والجور فی العالم، لکن مع هذا کله لا بد من قاعدة شعبیة، لا بد من قاعدة مؤمنة تتعاون مع الإمام حتى یظهر علیه السلام.
واعتقد أن لا وقت لی حتى أتحدّث عن هذا الموضوع. ولکن انظروا الیوم وارجعوا إلى الوراء، إلى قبل مئة سنة أو قبل خمسین سنة هل فی أوربا، فی أمریکا، فی أفریقیا، فی استرالیا، کانت مجالس حسینیة ومجالس یذکر فیها أهل البیت علیهم السلام؟ هل کان الناس یتحدّثون عن حق أهل البیت کما یتحدث الیوم؟ حتى بعض من کان عدوّاً لأهل البیت قبل حین؟ إقرأ کتب التیجانی واقرأ کتاب إدریس الحسینی ( لقد شیعنی الحسین) واقرأ کتب أحمد یعقوب وغیرها.
والیوم نرى شراسة الوهابیین، وشراسة الاستعمار، وأذناب الاستعمار، کل ذلک بسبب قوتنا. لو أنّ العدو رأى فینا ضعفاً لأهملنا.
المصادر :
(1) نهج البلاغة ج4: 37.
(2) البقرة، الآیة: 30.
(3) النساء، الآیة: 163-164
(4) النساء، الآیة: 165.
(5) الکافی للکلینی ج1: 17.
(6) عوالی اللئالی لابن أبی جمهور ج4: 100. وبحار الانوار ج1: 97.
(7) القصص، الآیة: 47.
(8) طه، الآیة: 134.
(9) الإسراء، الآیة: 15.
(10) المستدرک للحاکم ج3: 477.
(11) البدایة والنهایة لابن کثیر ج5: 228 وج7: 386.
(12) کمال الدین وتمام النعمه للصدوق، ص253.
(13) کمال الدین وتمام النعمة، ص331.
(14) العنکبوت، الآیة: 14.
(15) الصافات، الآیة: 144.
(16) الحجر، الآیة 36 - 37.
(17) ینابیع المودة للقندوزى ج3: 238 و399، کمال الدین للصدوق ص253.
(18) العنکبوت، الآیة: 2.
(19) الحجرات، الآیة: 13.
(20) آل عمران، الآیة: 59.
(21) کمال الدین للصدوق ص253.
(22) بصائر الدرجات للصفار ص508.
(23) مقتضب الأثر للجوهری ص15.
(24) کفایة الأثر للخزاز القمی ص227.
(25) العنکبوت، الآیة: 32.
(26) القدر، الآیة: 4.
(27) الزمر، الآیة: 42.
(28) السجدة، الآیة: 11.
(29) إکمال الدین وإتمام النعمة: 253.
(30) اعلام الورى للطبرسی ج2: 196، وکمال الدین للصدوق ص320.
(31) مسند احمد ج3: 14، 26، 59... وسنن الترمذی ج5: 329، والمستدرک للحاکم ج1: 93، ج3: 109.
(32) الحجر: الآیة 9.
الشیخ باقر المقدسی
/ج