* إن مذهباً یثبت نفسه من کتب مخالفیه أحق أن یتبع ، وإن مذهبا یحتج علیه بما فی کتبه فیلجأ للتأویل والتحویر أحق أن یتجنب عنه
* التکفیر و الصیاح و الجعجعة سلاح الضعیف ، و لیست هذه الصفحة للضعفاء بل لحقائق و براهین تستحق منک وقفة لتأملها و إدراک أبعادها.
* لدینا حقائق ربما تنشر لأول مرة من کتب الصحاح و کتب التاریخ .
* نحن نطالب المسلمین بالوحدة ، و نسعى لها لکن الوحدة تکون على کتاب الله و سنة رسوله ، لا على حساب کتاب الله و سنة رسوله.
و لهذا اخترنا الأدلة القاطعة من کتاب الله و کتب علماء أهل السنة طریقةً لحل الخلاف و منهجاً لبیان الحقیقة .
متى بدأ التشیع :
لا بد من الرجوع إلى بدایة التشیع وبذرته التاریخیة واستظهار ما إذا کانت سنخیتها تتحد مع الفکر الإسلامی أم لا .
ثم ما هو حجمها أی البنیة الشیعیة یوم ولادتها .
وما هی أرضیة تکوینها .
وهل هی عملیة عاطفیة أم عملیة عقلائیة انتهى إلیها معتنقوها بمعاناة وتقییم واعیین .
ولما کانت هذه الأمور مما اختلف فیه تبعا لاستنتاج الباحثین ومزاجهم ومسبقاتهم وما ترجح لدیهم بمرجح من المرجحات فلا بد من تقدیم نماذج من آراء الباحثین فی هذه المواضیع تکون المادة الخام ثم یبقى على القارئ أن یستشف الحقیقة من وراء ذلک ویکون له رأیا یجتهد فی أن یکون موضوعیا .
إن المؤرخین والباحثین عندما یحددون فترة نشوء التشیع یتوزعون على مدى یبتدئ من أیام النبی صلی الله علیه وآله وسلم ونهایاته بعد مقتل الامام الحسین علیه السلام .
وسأستعرض لک نماذج من آرائهم فی ذلک
أ - رأی یرى أنهم تکونوا بعد وفاة النبی علیه الصلاة والسلام .
وممن یذهب لهذا :
أولا : ابن خلدون : فقد قال : إن الشیعة ظهرت لما توفی الرسول وکان أهل البیت یرون أنفسهم أحق بالأمر وأن الخلافة لرجالهم دون سواهم من قریش ولما کان جماعة من الصحابة یتشیعون لعلی ویرون استحقاقه على غیره ولما عدل به إلى سواه تأففوا من ذلک ( 1 ) الخ .
ثانیا : الدکتور أحمد أمین فقد قال : . وکانت البذرة الأولى للشیعة الجماعة الذین رأوا بعد وفاة النبی أن أهل بیته أولى الناس أن یخلفوه ( 2 ) " .
ثالثا : الدکتور حسن إبراهیم فقد قال : ولا غرو فقد اختلف المسلمون أثر وفاة النبی (صلی الله علیه وآله وسلم ) فیمن یولونه الخلافة وانتهى الأمر بتولیة أبی بکر وأدى ذلک إلى انقسام الأمة العربیة إلى فریقین جماعیة وشیعیة ( 3 ).
رابعا : الیعقوبی قال : ویعد جماعة من المتخلفین عن بیعة أبی بکر هم النواة الأولى للتشیع ومن أشهرهم سلمان الفارسی وأبو ذر الغفاری والمقداد بن الأسود والعباس بن عبد المطلب ( 4 ) .
وتعقیبا على ذکر المتخلفین عن بیعة الخلیفة أبی بکر قال الدکتور أحمد محمود صبحی : إن بواعث هؤلاء مختلفة فی التخلف فلا یستدل منها على أنهم کلهم من الشیعة : وقد یکون ما قاله صحیحا غیر أن المتخلفین الذین ذکرهم المؤرخون أکدت کتب التراجم على أنهم شیعة وستأتی الإشارة لذلک فی محلها من الکتاب ( 5 ) .
خامسا : المستشرق جولد تسیهر قال : إن التشیع نشأ بعد وفاة النبی صلی الله علیه وآله وسلم وبالضبط بعد حادثة السقیفة ( 6 ) .
ب - : الرأی الذی یذهب إلى أن التشیع نشأ أیام عثمان ومن الذاهبین لذلک : جماعة من المؤرخین والباحثین منهم : ابن حزم وجماعة آخرون ذکرهم بالتفصیل یحیى هاشم فرغل فی کتابه ( 7 ) وقد استند إلى مبررات شرحها .
ج - : الرأی الذی یذهب إلى تکون الشیعة أیام خلافة الإمام علی ( علیه السلام ) ، ومن الذاهبین إلى هذا الرأی النوبختی فی کتابه فرق الشیعة ( 8 ) .
وابن الندیم فی الفهرست حیث حدده بفترة واقعة البصرة وما سبقها من مقدمات کان لها الأثر المباشر فی تبلور فرقة الشیعة وتکوینها ( 3 ) .
د - : الرأی الذی یذهب إنی أن ظهور التشیع کان بعد واقعة الطف على اختلاف فی الکیفیة بین الذاهبین لهذا الرأی حیث یرى بعضهم أن بوادر التشیع التی سبقت واقعة الطف لم تصل إلى حد تکوین مذهب متمیز له طابعه وخواصه وإنما حدث ذلک بعد واقعة الطف بینما یذهب ( 4 ) آخرون إلى أن وجود المذهب قبل واقعة الطف کان لا یعدو النزعة الروحیة ولکن بعد واقعة الطف أخذ طابعا سیاسیا وعمق جذوره فی النفوس وتحددت أبعاده إلى کثیر من المضامین ، وکثیر من المستشرقین یذهبون لهذا الرأی وأغلب المحدثین من الکتاب .
یقول الدکتور کامل مصطفى إن استقلال الاصطلاح الدال على التشیع إنما کان بعد مقتل الحسین (علیه السلام) حیث أصبح التشیع کیانا ممیزا له طابعه الخاص .
فی حین یذهب الدکتور عبد العزیز الدوری إلى أن التشیع تمیز سیاسیا ابتداء من مقتل أمیر المؤمنین علی (علیه السلام ) ویتضمن ذلک فترة قتل الحسین (علیه السلام ) حیث یعتبرها امتدادا للفترة السابقة ( 11 ) .
وإلى هذا الرأی یذهب بروکلمان فی تاریخ الشعوب الإسلامیة حیث یقول : والحق أن میتة الشهداء الذی ماتها الحسین ولم یکن لها أی أثر سیاسی هذا على زعمه - قد عملت فی التطور الدینی للشیعة حزب علی الذی أصبح بعد ملتقى جمیع النزعات المناوئة للعرب - وهو زعم باطل - والیوم لا یزال ضریح الحسین (علیه السلام) فی کربلاء أقدس محجة عند الشیعة وبخاصة الفرس الذین ما فتئوا یعتبرون الثواء الأخیر فی جواره غایة ما یطمعون فیه ( 12 ) .
إن رأی بروکلمان بالإضافة لما فیه من دس یخالف ما علیه معظم من ربط ظهور التشیع بمقتل الحسین حیث یذهبون إلى أن التمیز السیاسی للمذهب ولدته واقعة الطف ، بینما یرى بروکلمان أن لا أثر سیاسی للواقعة فهو من قبیل إنکار البدهیات وإنما یقصر أثر الواقعة على تعمیق المذهب دینیا فقط .
وقد شایع بروکلمان فی هذا الرأی جماعة آخرون ذکرهم یحیى فرغل مفصلا فی کتابه (13 ) إن هذه الآراء الأربعة فی نشأة التشیع لا تصمد أمام المناقشة ولا أرید أن أتعجل الرد علیها فسأذکر الرأی الخامس ومنه یتضح تماما أن هذه الآراء تستند إلى أحداث أو مض فیها التشیع نتیجة احتکاکه بمؤثر من المؤثرات فی تلک الفترة التی أرخت بها تلک الآراء ظهور التشیع فظنوه ولد آنذاک بینما هو موجود بکیانه الکامل منذ الصدر الأول . وقد آن الأوان لأعرض لک رأی جمهور الشیعة وخاصة المحققین منهم .
هـ - رأی الشیعة وغیرهم من المحققین من المذاهب الأخرى . حیث ذهب هؤلاء إلى أن التشیع ولد أیام النبی ( ص ) وأن النبی نفسه هو الذی غرسه فی النفوس عن طریق الأحادیث التی وردت على لسان النبی (صلی الله علیه وآله وسلم ) وکشفت عما لعلی ( ع ) من مکانة فی مواقع متعددة رواها إضافة إلى الشیعة ثقاة أهل السنة ومنها : ما رواه السیوطی عن ابن عساکر عند تفسیر الآیتین السادسة والسابعة من سورة النبی بسنده عن جابر بن عبد الله قال کنا عند النبی (صلی الله علیه وآله وسلم) فأقبل علی (علیه السلام ) فقال النبی (صلی الله علیه وآله وسلم ) : والذی نفسی بیده إن هذا وشیعته لهم الفائزون یوم القیامة : فنزل قوله تعالى : ( إِنَّ الَّذِینَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِکَ هُمْ خَیْرُ الْبَرِیَّةِ ) .
وأخرج ابن عدی عن ابن عباس قال لما نزل قوله تعالى : ( إِنَّ الَّذِینَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِکَ هُمْ خَیْرُ الْبَرِیَّةِ ) قال النبی (صلی الله علیه وآله وسلم ) لعلی (علیه السلام ) هم أنت وشیعتک .
وأخرج ابن مردویه عن علی (علیه السلام) قال : قال لی رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم ) : ألم تسمع قوله تعالى : ( إِنَّ الَّذِینَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ) إلخ هم أنت وشیعتک وموعدی وموعدکم الحوض إذا جاءت الأمم للحساب تدعون غرا محجلین ( 14 ) ومن هنا ذهب أبو حاتم الرازی إلى أن أول اسم لمذهب ظهر فی الإسلام هو الشیعة وکان هذا لقب أربعة من الصحابة أبو ذر وعمار ومقداد وسلمان الفارسی وبعد صفین اشتهر موالی علی بهذا اللقب ( 15 ) .
إن هذه الأحادیث التی مرت والتی أخرجها کل من ابن عساکر وابن عدی وابن مردویه یعقب علیها أحمد محمود صبحی فی کتابه نظریة الإمامة فیقول : ولا تفید الأحادیث الواردة على لسان النبی (صلی الله علیه وآله وسلم ) فی حق علی (علیه السلام) أن لعلی شیعة فی زمان النبی فقد تنبأ النبی بظهور بعض الفرق کإشارته إلى الخوارج والمارقین کما ینسب إلیه أنه قال لعلی إنک تقاتل الناکثین والقاسطین والمارقین .
ولا یدل ذلک على وجود جماعة مستقلة لها عقائد متمایزة أو تصورات خاصة ( 16 ) وأنا ألفت نظر الدکتور أحمد محمود إلى أن الشیعة لا یستدلون على ظهور التشیع أیام النبی (صلی الله علیه وآله وسلم ) بما ورد على لسانه من أحادیث ، فالمسألة کما یسمیها الأصولیون على نحو القضیة الحقیقیة لا الخارجیة ، أی لا یلزم وجودهم بالفعل کما استظهر الدکتور وإنما هی صفات ذکرها النبی (صلی الله علیه وآله وسلم ) للشیعة متى وجدوا وأینما وجدوا ، أما الاستدلال على ظهور الشیعة أیام النبی فمن روایات وقرائن کثیرة یوردونها فی هذا المقام ، أورد قسما منها الدکتور عبد العزیز الدوری واستعرض مصادرها ( 17 ) مع ملاحظة أنه قید التشیع بأنه تشیع روحی کما نص على قسم من أدلتهم على ذلک یحیى هاشم فرغل فی کتابه ( 18 ) .
إن بعض هذه الآراء یرجع بالبدایة الزمنیة فی ظهور الشیعة إلى وقت مبکر فی حیاة النبی (صلی الله علیه وآله وسلم ) حیث التأمت جماعة من الصحابة تفضل علیا (علیه السلام ) على غیره من الصحابة وتتخذه رئیسا ومن هؤلاء عمار بن یاسر وأبو ذر الغفاری وسلمان الفارسی والمقداد بن الأسود وجابر بن عبد الله وأبی بن کعب وأبو أیوب الأنصاری وبنو هاشم الخ ( 19 ) .
ولهذا ذهب الباحثون إلى تخطئة من یؤرخ للتشیع وظهوره بعصور متأخرة مع أن الأدلة التاریخیة متوفرة على وجودهم أیام الرسول صلوات الله علیه وآله : یقول محمد عبد الله عنان فی کتابه تاریخ الجمعیات السریة عند تعلیقه على الحادثة التی روتها کتب السیرة ( 20 ) حین جمع النبی عشیرته عند نزول قوله تعالى : ( وَأَنذِرْ عَشِیرَتَکَ الْأَقْرَبِینَ ) 214 / الشعراء ، ودعاهم إلى اتباعه فلم یجبه إلا علی بن أبی طالب فأخذ النبی برقبته وقال : هذا أخی ووصی وخلیفتی فیکم فاسمعوا له وأطیعوا الخ .
علق محمد عبد الله بقوله : من الخطأ أن یقال : إن الشیعة إنما ظهروا لأول مرة عند انشقاق الخوارج بل کان بدء الشیعة وظهورهم فی عصر الرسول حین أمر بإنذار عشیرته بهذه الآیة .
المصادر :
الدکتور احمد الوائلی
1- تاریخ ابن خلدون ج 3 ص 364
2- فجر الإسلام ص 266
3- تاریخ الإسلام ج 1 ص 371
4- تاریخ الیعقوبی ج 2 ص 104
5- نظریة الإمامة ص 33
6- العقیدة والشریعة ص 174
7- عوامل وأهداف نشأة علم الکلام ج 1 ص 105
8- فرق الشیعة ص 16
9- الفهرست لابن الندیم ص 175
10- الصلة بین التصوف والتشیع ص 23
11- مقدمة فی تاریخ صدر الإسلام ص 72
12- تاریخ الشعوب الإسلامیة ص 128
13- عوامل وأهداف نشأة علم الکلام ج 1 ص 106
14- الدر المنثور للسیوطی ج 6 ص 376
15- روضان الجنات للخونساری ص 88
16- نظریة الإمامة ص 31 .
17- مقدمة فی تاریخ صدر الإسلام ص 72
18- عوامل وأهداف نشأة علم الکلام ج 1 ص 105
19- المصدر السابق ص 106
20- حیاة محمد لهیکل ط مصر الطبعة المؤرخة 1354 ص 104
/ج