
قد وردت أحادیث کثیرة تنهى عن تکفیر المسلم الذی أقر بالشهادتین فضلا عمن یمارس الفرائض الدینیة ، وإلیک طائفة من هذه الروایات :
1 . بنی الإسلام على خصال : شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ، والإقرار بما جاء من عند الله ، والجهاد ماض منذ بعث رسله إلى آخر عصابة تکون من المسلمین . . . فلا تکفروهم بذنب ولا تشهدوا علیهم بشرک " . ( 1 )
2 . أخرج أبو داود عن نافع ، عن ابن عمر ، قال : قال رسول الله ( صلى الله علیه وآله وسلم ) : " أیما رجل مسلم أکفر رجلا مسلما فإن کان کافرا وإلا کان هو الکافر " . (2)
3 . أخرج مسلم ، عن نافع ، عن ابن عمر ، أن النبی " صلى الله علیه وآله وسلم " قال : " إذا کفر الرجل أخاه فقد باء بها أحدهما " . ( 3 )
4 . أخرج مسلم ، عن عبد الله بن دینار ، أنه سمع ابن عمر ، یقول : قال رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم : " أیما امرء قال لأخیه یا کافر ، فقد باء بها أحدهما إن کان کما قال ، وإلا رجعت علیه . (4 )
5 . عقد البخاری بابا باسم " المعاصی من أمر الجاهلیة ولا یکفر صاحبها بارتکابها إلا بالشرک " ، یقول النبی صلى الله علیه وآله وسلم : إنک امرء فیک جاهلیة ، وقول الله : ( إِنَّ اللَّهَ لاَ یَغْفِرُ أَن یُشْرَکَ بِهِ وَیَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِکَ لِمَن یَشَاء ) . (5)
6 . أخرج الترمذی فی سننه عن ثابت بن الضحاک ، عن النبی صلى الله علیه وآله وسلم قال : " لیس على العبد نذر فیما لا یملک ، ولا عن المؤمن کقاتله ، ومن قذف مؤمنا بکفر فهو کقاتله " . (6 )
7 . أخرج أبو داود عن أسامة بن زید قال : بعثنا رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم سریة إلى الحرقات ، فنذروا بنا فهربوا فأدرکنا رجلا فلما غشیناه قال : لا إله إلا الله ، فضربناه حتى قتلناه فذکرته للنبی صلى الله علیه وآله وسلم فقال : " من لک بلا إله إلا الله یوم القیامة ؟ " قال : قلت : یا رسول الله ، إنما قالها مخافة السلاح والقتل ، فقال : " أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم من أجل ذلک قالها أم لا ؟ من لک بلا إله إلا الله یوم القیامة ؟ " قال : فما زال یقولها حتى وددت أنی لم أسلم إلا یومئذ . (7 )
8 . لما خاطب ذو الخویصرة الرسول الأعظم صلى الله علیه وآله وسلم بقوله : اعدل ، ثارت ثورة من کان فی المجلس ، منهم خالد بن الولید قال : یا رسول الله إلا أضرب عنقه ؟ فقال رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم : " لا ، فلعله یکون یصلی " فقال : إنه رب مصل یقول بلسانه عندما لیس فی قلبه ، فقال رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم : " إنی لم أؤمر أن أنقب قلوب الناس ولا أشق بطونهم " . (8)
وعلى ضوء هذه الأحادیث المتضافرة والکلمات المضیئة عن الرسول صلى الله علیه وآله وسلم وعلمائنا السابقین المقتفین أثره یعلم أن تکفیر مسلم لیس بالأمر الهین بل هو من الموبقات ، قال سبحانه : ( وَلاَ تَکُونُواْ کَالَّذِینَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَیِّنَاتُ وَأُولَئِکَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِیمٌ ) (9 )
لم یزل المسلمون منذ قرون غرضا لأهداف المستعمرین ومخططاتهم فی بث الفرقة بین صفوفهم وجعلهم فرقا وأمما متناحرة ینهش بعضهم بعضا ، وکأنهم لیسوا من أمة واحدة کل ذلک لیکونوا فریسة سائغة للمستعمرین .
وبالتالی ینهبوا ثرواتهم ویقضوا على عقیدتهم وثقافتهم الإسلامیة بشتى الوسائل ، ولأجل ذلک نرى أنه ربما یشعلون نیران الفتن لأجل مسائل فقهیة لا تمس إلى العقیدة بصلة فیکفر بعضهم بعضا مع أن المسائل الفقهیة لم تزل مورد خلاف ونقاش بین الفقهاء ، فمثلا : فی مسألة قبض الید الیسرى بالیمنى أقوال فمن قائل بالاستحباب ، إلى آخر قائل بالکراهة ، إلى ثالث قائل بالتحریم .
فلکل مجتهد رأیه فلا یجوز لفقیه أن یکفر فقیها أو اتباعه فی مسألة القبض ، وقس على ذلک مسائل کثیرة تعد من الأحکام وللاجتهاد فیها مجال واسع .
ونظیر ذلک بعض المسائل العقائدیة التی لیست من ضروریات الإسلام بل للعقل والاستدلال دور فی تحقیقها ، مثلا : عصمة الأنبیاء قبل البعثة أو بعدها ، أو حدوث القرآن وقدمه ، أو صفاته تعالى عین ذاته أو زائد علیها ، فلیست هذه المسائل محور التوحید والشرک والإیمان والکفر ولکل محقق ، عقیدته ودلیله ولا یجوز لآخر تکفیره ، ویکفی فی ذلک ، الاعتقاد بما جاء به النبی إذا لم یکن من أهل التحقیق .
وبما ذکرنا یعلم أن تکفیر طائفة ، طائفة أخرى لمسائل فقهیة أو عقائدیة لم یثبت کونها من ضروریات الدین ، أمر محظور وزلة لا تغتفر وخدمة للاستعمار الغاشم لا غیر .
ونحن لا نرید الإطالة فی الکلام وتکثیر الأمثلة ، وتکفی فی الاطلاع دراسة وضع المسلمین وتشتتهم ضمن اختلاف بعضهم مع بعض فی فروع فقهیة أو عقائدیة لیست من الضروریات .
المصدر : بحوث قرانیه فی التوحید والشرک/جعفر سبحانی
1- کنز العمال : 1 / 29 ، برقم 30
2- سنن أبی داود : 4 / 221 ، برقم 4687 ، کتاب السنة
3- صحیح مسلم : 1 / 56 ، باب " من قال لأخیه المسلم یا کافر " من کتاب الإیمان .
4- صحیح مسلم : 1 / 57 ، باب " من قال لأخیه المسلم یا کافر " من کتاب الإیمان ، الإمام أحمد فی مسنده : 2 / 22 و 60 و 142 ، وأخرجه الترمذی فی سننه : 5 / 22 برقم 2637 ، کتاب الإیمان . وأخرجه الإ ؟ ؟
5- النساء / 48 .
6- سنن الترمذی : 5 / 22 برقم 2636 ، کتاب الإیمان .
7- سنن أبی داود : 3 / 45 برقم 2643 ، صحیح البخاری : 5 / 144 ، باب بعث النبی أسامة بن زید إلى الحرقات من کتاب المغازی .
8- صحیح البخاری : 5 / 164 ، باب بعث علی وخالد بن الولید من کتاب المغازی . - 3 . آل عمران / 105 .
9- آل عمران /105
/ج