الإعجاز العلمی هو ذلک العلم الذی یبحث فی معجزات القرآن الکریم والسنة النبویة المطهرة والتی لم تظهر إلا حدیثاً فی عصر العلم. فالله تبارک وتعالى أنزل القرآن لیکون کتاباً صالحاً لکل زمان ومکان، وأودع فیه من الحقائق العلمیة ما یعجز البشر عن الإتیان بمثله.
فالقرآن یتمیز بأسلوبه الرائع والمختصر فی عرض الحقیقة العلمیة، وفی کلمات قلیلة نجد حقائق علمیة غزیرة، وهنا یکمن الإعجاز. هذه الحقائق والتی تتجلى فی عصرنا هذا لم تکن معروفة لأحد زمن نزول القرآن. ولکن اکتشافات العلماء أظهرت هذه المعجزات. ولابد أن یکون هناک ضوابط لهذا العلم لنبقى بعیدین عن الأخطاء کما یحدث فی بعض المقالات التی نجد أصحابها یبالغون فیها ویبتعدون کثیراً عن معنى الآیة.
ومن أهم هذه الضوابط أو الأسس:
1- یجب أن نعلم ونستیقن لدى البحث فی إعجاز القرآن من الناحیة العلمیة أن العلم تابع للقرآن، ولیس العکس. فالباحث فی الإعجاز العلمی ینبغی علیه أن یعطی ثقته لکتاب الله أولاً، ثم یبحث فی کتب ومؤلفات وتجارب البشر عن حقائق علمیة تتوافق مع الحقائق القرآنیة.2- ینبغی أن ندرک بأن تفسیر ودلالات آیات الإعجاز العلمی تتطور مع تقدم العلوم دون أن تتناقض مع العلم، وهذه معجزة بحدّ ذاتها أنک تجد الحقائق العلمیة التی تحدث عنها القرآن مفهومة وواضحة لکل عصر من العصور. بینما مؤلفات البشر تصلح لعصرها فقط. وهذا یدفعنا لمزید من البحث عن دلالات جدیدة لآیات القرآن العظیم.
3- بما أن الله تعالى قد أنزل القرآن باللغة العربیة فیجب علینا ألا نخرج خارج معانی الکلمة فی قوامیس اللغة، وإذا لم نستطع التوفیق بین الآیة القرآنیة وبین الحقیقة العلمیة، فنتوقف عن التدبر، حتى یسخّر الله لهذه الآیة من یتدبرها ویقدم لنا التفسیر الصحیح والمطابق للعلم الیقینی.
وهذا یدعونا إلى الحذر وعدم التسرع وألا نقول فی کتاب الله برأینا، بل یجب أن نستند إلى التفسیر واللغة والدعاء بإخلاص، لأن کشف معجزات القرآن هو عطاء من الله تعالى. ویجب أن یکون عملنا هذا خالصاً لوجه الله لا نبتغی به شیئاً من عرض الدنیا.
إذا توافقت نظریة ما مع القرآن فهذا یعنی أن النظریة صحیحة، وإذا خالفت هذه النظریة نص القرآن الکریم فهذا یعنی أن النظریة خاطئة، أی أن القرآن هو المیزان، ولیست النظریات العلمیة. لأننا نعلم فی العلوم التجریبیة أنه لا توجد حقائق مطلقة أبداً. بل إنک تظن أحیاناً أن هذه النظریة صحیحة مئة بالمئة ولکن بعد سنوات یأتی من یکتشف أن هنالک نقص فی أو خلل فی بناء هذه النظریة. بینما فی کتاب الله عز وجل، مهما تقدم الزمن ومهما تطور العلم فإنک لا تجد أی تناقض أو خلل أو نقص فی البناء القرآنی العلمی.
4- أن تکون الحقیقة العلمیة غیر معروفة زمن نزول القرآن من قبل البشر. وأن القرآن قد سبق العلماء إلى الحدیث عن هذه الحقیقة. وهنا تکون المعجزة أقوى، ولکن لا یمنع أن نجد بعض الحقائق العلمیة المذکورة فی القرآن والتی کان الناس یدرکون شیئاً منها قدیماً، مثل فوائد العسل، فهذا الأمر معروف منذ آلاف السنین، فجاء القرآن وأکَّده وهذا نوع من أنواع الإعجاز، إذ أن البشر فی ذلک الزمن لم یکونوا قادرین على تحدید الصواب من الخطأ، والتمییز بین الأسطورة والحقیقة. ولکن القرآن تحدث فقط عن الحقائق الصحیحة، ولو کان القرآن کلام بشر لامتزج فیه الحق بالباطل، واختلطت الأساطیر بالحقائق.
5- بالنسبة للإعجاز العلمی فی السنة النبویة، فیجب أن یکون الحدیث الشریف صحیحاً، أو بمرتبة الحسن، ولا یمکن الاعتماد على الأحادیث الضعیفة، إلا إذا توافقت مع العلم الحدیث. فالحدیث الضعیف لا یعنی أنه غیر صحیح إنما هنالک احتمال قلیل لصحته، ولذلک یجب عدم إهماله فی البحث العلمی.
6- یجب أن یعلم من یبحث فی إعجاز القرآن أن خیر من یفسر القرآن هو القرآن نفسه، ثم یأتی بعد ذلک أحادیث الرسول الأعظم علیه الصلاة والسلام، ثم اجتهادات الصحابة والتابعین رضوان الله علیهم، ثم من تبعهم من العلماء والأئمة الثقات رحمهم الله ورضی عنهم جمیعاً.
7- کما ینبغی الإحاطة بدلالات الآیة ومعانیها المتعددة وألا نخرج خارج قواعد اللغة العربیة ولا نضع تأویلات غیر منطقیة بهدف التوفیق بین العلم والقرآن، بل یجب أن نعلم بأن المعجزة القرآنیة تتمیز بالوضوح والتفصیل التام، ولا تحتاج لالتفافات من أجل کشفها. یقول تعالى: (الر کِتَابٌ أُحْکِمَتْ آَیَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَکِیمٍ خَبِیرٍ) (1)
8- ینبغی أن نعلم بأن المعجزة العلمیة هی هدف ولیست غایة لحد ذاتها، فهی هدف للتقرب من الله تعالى وزیادة الیقین به وبلقائه. ونتذکر قصة سیدنا إبراهیم علیه السلام. یقول تعالى: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِیمُ رَبِّ أَرِنِی کَیْفَ تُحْیِی الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَکِنْ لِیَطْمَئِنَّ قَلْبِی قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّیْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَیْکَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى کُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ یَأْتِینَکَ سَعْیًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِیزٌ حَکِیمٌ) (2)
سؤال: ما هو العمل إذا حدث تناقض بین القرآن والعلم؟
قبل کل شیء یجب أن نعلم بأن الذی أنزل القرآن هو نفسه الذی خلق الکون، فلا یمکن أبداً أن یخلق الله شیئاً ثم یتحدث عنه فی القرآن بشکل یخالف حقیقة هذا المخلوق. إذن عندما نفهم الحقیقة الکونیة ونفهم الحقیقة القرآنیة فهماً صحیحاً فسوف نجد التطابق التام. بل إن وجود تناقض أو اختلاف بین الحقیقة العلمیة الثابتة والواضحة وبین آیة من آیات القرآن یعنی أن الحقیقة العلمیة فیها شک أو غیر صحیحة لأن العلم یجب أن یطابق القرآن وإذا رأینا الآیة تتطابق تماماً مع العلم فهذا یعنی أن الآیة صحیحة ومنزلة من عند الله تعالى، وهذا ما تحدث عنه الله بوضوح عندما قال: (أَفَلَا یَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ وَلَوْ کَانَ مِنْ عِنْدِ غَیْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِیهِ اخْتِلَافًا کَثِیرًا) (3). ولکننا قد نجهل التفسیر الدقیق للآیة القرآنیة فلا یجوز لنا أن نحمّل الآیة غیر ما تحتمله من الدلالات والمعانی، وأن نبنی عقیدتنا على لغة الحقائق العلمیة. ولکن إذا کانت النظریة العلمیة تتفق مع القرآن تماماً فیمکن الاستئناس بها، أما إذا خالفت القرآن بشکل صریح فلا یجوز لنا أن نعتقد بصحتها.سؤال: ما هی فوائد الإعجاز العلمی؟
1- زیادة الإیمان لدى المؤمن.2- إقناع الملحدین بصدق القرآن العظیم، وأن التوافق بین العلم والقرآن هو دلیل وبرهان مادی ملموس فی عصر العلم على أن القرآن لم یُحرّف وأن الله قد حفظه کما نزل منذ 1400 سنة.
3- إن الإعجاز العلمی وسیلة لتوسیع مدارک المؤمن وزیادة معرفته العلمیة، ولکن على أساس إیمانی، ولیس کما یقدمها لنا الغرب على أساس من الإلحاد. فهم یردون کل شیء للطبیعة، ونحن ینبغی أن نصحح هذه العقیدة فنرد کل شیء لله القائل: (اللَّهُ خَالِقُ کُلِّ شَیْءٍ وَهُوَ عَلَى کُلِّ شَیْءٍ وَکِیلٌ) (4).
4- الإعجاز العلمی وسیلة للدعوة إلى الله تعالى وتعریف غیر المسلمین بهذا الدین الحنیف.
5- إظهار عظمة القرآن وعظمة الأحادیث الشریفة، وأن القرآن یحوی جمیع العلوم.
سؤال: لماذا لا نکتشف هذه الحقائق قبل الغرب؟
هذا السؤال یتکرر کثیراً، فالقرآن مادام یحوی کل هذه الحقائق العلمیة فلماذا لا نکتشفها نحن المسلمون ونسبق الغرب إلیها، وأقول: إن السبب هو تقصیرنا وإهمالنا لکتاب الله وللبحث العلمی. والدلیل على ذلک أن أجدادنا رحمهم الله عندما تدبروا القرآن وعملوا بما فیه واستجابوا للتعالیم الإلهیة التی تأمرهم أن یسیروا فی الأرض ویفتشوا عن أسرار الخلق، صنعوا أعظم حضارة علمیة فی التاریخ، وهذا باعتراف الغرب نفسه.
و أفضل طریقة للنهوض بأمتنا أن نلجأ إلى کتاب الله وسنة نبیه، وأن نبنی علومنا على أساس إیمانی، والله تعالى یعطی من یشاء من فضله فهو القائل: (قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِیَدِ اللَّهِ یُؤْتِیهِ مَنْ یَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِیمٌ / یَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ یَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِیمِ) (5)
ضوابط خاصة بأبحاث الإعجاز العددی
منذ أکثر من ألف سنة بحث کثیر من علماء المسلمین فی الجانب الرقمی للقرآن الکریم، فعدُّوا آیاته وسورَه وأجزاءَه وکلماته وحروفَه، وحاول بعضهم تحدید منتصف القرآن. وغالباً ما کانت الإحصاءات تتعرض لشیء من عدم الدقة بسبب صعوبة البحث، وعدم وجود وسائل دقیقة للإحصاء. وإذا تتبعنا الکتابات الصادرة حول هذا العلم منذ زمن ابن عربی وحساب الجُمَّل، وحتى زمن رشاد خلیفة ونظریته فی الرقم (19)، لوجدنا الکثیر من الأخطاء والتأویلات البعیدة عن المنطق العلمی.وقد یکون من أهم الأخطاء التی یقع فیها من یبحث فی هذا العلم ما یُسمّى بالترمیزات العددیة، أی إبدال کل حرف من حروف القرآن الکریم برقم، وجمع الأرقام الناتجة بهدف الحصول على توافق مع رقم ما، أو للحصول على تاریخ لحدث ما. وقد یکون من أکثر أنواع الترامیز شیوعاً ما سُمّی بحساب الجُمّل. فقد دأب کثیر من الباحثین على إقحام حساب الجُمّل فی کتاب الله تعالى، فما هی حقیقة هذا النوع من الحساب؟
ویُعتبر هذا النوع من الحساب الأقدم بین ما هو معروف فی الإعجاز العددی. ویعتمد على إبدال کل حرف برقم، فحرف الألف یأخذ الرقم 1، وحرف الباء 2، وحرف الجیم 3، وهکذا وفق قاعدة "أبجد هوّز". وتختلف هذه القاعدة من حضارة لأخرى، فنجد أن کل شعب من الشعوب القدیمة یحاول أن یعطی لحروف أبجدیته أرقاماً محددة لا ندری على أی أساس تم ترتیبها.
وإننی أوجه سؤالاً لکل من یبحث فی هذه الطریقة: ما هو الأساس العلمی لهذا الترقیم؟ وأظن بأنه لا یوجد جواب منطقی أو علمی عن سبب إعطاء حرف الألف الرقم 1، وحرف الباء الرقم 2،... لماذا لا یکون الباء 3 مثلاً؟ إن هذا الحساب لم یقدّم أیة نتائج مقنعة، وإن کنا نلاحظ أحیاناً بعض التوافقات العددیة الناتجة عن هذا الحساب. ولکن إقحام حساب الجمّل فی کتاب الله تعالى، قد یکون أمراً غیر شرعی، وقد لا یُرضی الله تعالى. لذلک فالأسلم أن نبتعد عن هذا النوع وما یشبهه من ترمیزات عددیة للأحرف القرآنیة، والتی لا تقوم على أساس علمی أو شرعی، حتى یثبُت صِدْقُها یقیناً.
مبالغات یجب الابتعاد عنها
یُلاحظ على معظم الباحثین فی الإعجاز العددی أنهم یرکزون بحثهم فی الأرقام، ویضخّمون حجم النتائج التی وصلوا إلیها، ویُغفلون بقیة جوانب الإعجاز القرآنی، کالإعجاز البلاغی والتشریعی، ألیس فی ذلک مبالغة ینبغی الابتعاد عنها؟ إن هذه الملاحظة موجودة فعلاً، ولها ما یبررها! فالبحث عن معجزة رقمیة فی کتاب هو القرآن لا یحوی أیة معادلات أو أرقام باستثناء أرقام السور والآیات، هذه المهمة صعبة للغایة، وتتطلب من الباحث أن یکرس کل وقته وجهده وعمله لهذا البحث الشائک. وتزداد المهمة صعوبة إذا علمنا أنه لا توجد بعد مراجع أو ضوابط لهذا العلم الناشئ.وعلى کل حال ینبغی على من یبحث فی الإعجاز العددی أن یهتم ویستفید من بقیة وجوه الإعجاز القرآنی، ویدرک بأن المعجزة الرقمیة ما هی إلا جزء یسیر من بحر إعجاز کتاب الله تعالى. ویدرک أیضاً أن الإعجاز العددی تابع للإعجاز البیانی وکلاهما قائم على الحروف والکلمات. فکل آیة من آیات القرآن الکریم تتمیز بوجود إعجاز بیانی فیها وتتمیز أیضاً بوجود بناء رقمی محکم لحروفها وکلماتها.
ما هی الفوائد التی یقدمها الإعجاز العددی؟
قد یقول البعض ما الفائدة من دراسة لغة الأرقام فی القرآن الکریم لاسیما أن هناک علوماً قرآنیة کالفقه والعبادات والأحکام والقصص والتفسیر جدیرة بالاهتمام أکثر؟ أولاً وقبل کل شیء یجب أن نبحث عن منشأ الاتجاه السائد لدى شریحة من الناس، ومنهم علماء وباحثون، للتقلیل من شأن المعجزة الرقمیة فی القرآن الکریم. فنحن نعلم جمیعاً الأهمیة الفائقة للغة الأرقام فی العصر الحدیث، حتى یمکن تسمیة هذا العصر بعصر التکنولوجیا الرقمیة، فقد سیطرت لغة الرقم على معظم الأشیاء التی نراها من حولنا. وبما أن القرآن هو کتاب صالح لکل زمان ومکان فلابدّ أن نجد فیه إعجازاً رقمیاً یتحدّى کل علماء البشر فی القرن الواحد والعشرین.الإعجاز العددی هو أسلوب جدید فی کتاب الله یناسب عصرنا هذا، الهدف منه هو زیادة إیمان المؤمن کما قال تعالى: (وَیَزْدَادَ الَّذِینَ آمَنُوا إِیمَاناً) (6) .هذه المعجزة هی وسیلة أیضاً لتثبیت المؤمن وزیادة یقینه بکتاب ربه لکی لا یرتاب ولا یشک بشیء من هذه الرسالة الإلهیة الخاتمة، کما قال تعالى: (وَلا یَرْتَابَ الَّذِینَ أُوتُوا الْکِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ). ولکن الذی لا یؤمن بهذا القرآن ولا یقیم وزناً لهذه المعجزة ما هو ردّ فعل شخص کهذا؟ یخبرنا البیان الإلهی عن أمثال هؤلاء وردّ فعلهم: (وَلِیَقُولَ الَّذِینَ فِی قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْکَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلاً) (7). هذا هو حال الکافر یبقى على ضلاله حتى یلقى الله تعالى وهو على هذه الحال.
نرى الیوم الهجوم العدوانی على الإسلام وعلى کتاب الله تعالى، لدرجة أن بعض أعداء الإسلام یسعى للتشکیک فی القرآن ودعوة المسلمین للتخلی عنه وإبداله بکتاب من صنعهم أسموه (الفرقان الحق) وهنا تتجلى المهمة الصعبة للإعجاز العددی فی إثبات صدق کلام الله تعالى عندما یقول: (أَفَلا یَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ کَانَ مِنْ عِنْدِ غَیْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِیهِ اخْتِلافاً کَثِیراً) (8) فالتناسق والإعجاز العددی الذی نراه فی القرآن لا یمکن أن یوجد فی أی کتاب بشری، ولو أننا قمنا بدراسة هذا الفرقان المزیف من الناحیة الرقمیة لم ولن نجد أی نظام أو إحکام عددی بل على العکس سوف نجده هو وغیره من کتب البشر غیر قابل للدراسة الرقمیة على الإطلاق.
هذا. ودرءاً لهذه الشبهات وحرصاً على کتاب الله تعالى، فإنه لا بد من وضع مجموعة من الأسس والقواعد تکون مرتکزاً للباحثین فی دراساتهم الرقمیة، ووسیلة لکل من أحب أن یتأکد من صدق هذه الدراسات لیکون القلب مطمئناً ونبنی عقیدتنا على أسس صلبة ومتینة.
ضوابط الإعجاز الرقمی
یتألف أی بحث علمی کما نعلم من ثلاثة عناصر، وهی المعطیات والمنهج والنتائج. فالمعطیات هی الأساس الذی یقوم علیه البحث ، فإذا کانت هذه المعطیات صحیحة وکان المنهج المتبع فی التعامل معها صحیحاً فلابدّ عندها أن تکون النتائج التی سیقدمها البحث صحیحة أیضاً. أما إذا کانت المعطیات غیر دقیقة أو غیر صحیحة وکان المنهج المتبع فی التعامل معها أیضاً متناقضاً ولا یقوم على أساس علمی، فإن النتائج بلا شکّ ستکون ضعیفة وغیر مقنعة، وربما تکون خاطئة. وحتى تکون أبحاث الإعجاز العددی صحیحة ویطمئن القلب إلیها، یجب أن توافق العلم والشرع، أی یجب أن تحقق الضوابط التالیة:ضوابط خاصة بمعطیات البحث
بالنسبة لمعطیات البحث یجب أن تأتی من القرآن نفسه، ولا یجوز أبداً أن نُقحِم فی کتاب الله عزّ وجلّ مالا یرضاه الله تعالى. وهذا ما جعل الکثیر من الأبحاث تفقد مصداقیتها بسبب اعتماد الباحث على أرقام من خارج القرآن الکریم، کما حدث فی حساب الجُمَّل. فعندما نبدّل حروف اسم (الله) جلّ وعلا بأرقام، فنبدّل الألف بالواحد، واللام بثلاثین، واللام الثانیة بثلاثین، والهاء بخمسة، وهذه هی قیم الحروف فی حساب الجُمّل، ونَخْرُج بعد ذلک بعدد یمثل مجموع هذه الأرقام هو: 1 + 30 + 30 + 5 = 66، والسؤال: ماذا یعبّر هذا العدد 66؟! وهل یمکن القول بأن اسم (الله) یساوی 66 ؟ بل ما علاقة هذا الرقم باسم (الله) تبارک وتعالى؟إن کتاب الله تعالى غزیر بالعجائب والأسرار فلا حاجة للجوء إلى غیره، فنحن نستطیع أن نستنبط من کتاب الله تعالى آلاف الأرقام. ففی آیة واحدة نستطیع أن نستخرج الکثیر والکثیر من المعطیات أو البیانات الرقمیة الثابتة، مثلاً: عدد کلمات هذه الآیة، عدد حروف الآیة، تکرار کل حرف من حروف هذه الآیة، تکرار کل کلمة من کلمات الآیة فی القرآن.... وهکذا أرقام لا تکاد تنتهی، کلها من آیة واحدة، فتأمل کم نستطیع استخراج أرقام من القرآن کلِّه؟
کما ینبغی أن تکون طریقة استخراج المعطیات القرآنیة ثابتة وغیر متناقضة أبداً. فقد دأب کثیر من الباحثین على استخراج أیة أرقام تصادفه أو تتفق مع حساباته، فتجده تارة یعدّ الحروف کما تُکتب وفق الرسم القرآنی، وتارة یعدُّ حروفاً أخرى کما تُلفظ، وتارة یخالف رسم القرآن بهدف الحصول على أرقام محددة تتفق مع حساباته، وغیر ذلک مما لا یقوم على أساس علمی أو شرعی.
ضوابط خاصة بمنهج البحث
أما الطریقة التی نعالج بها هذه المعطیات القرآنیة فیجب أن تکون مبنیّة على أساس علمی وشرعی. فلا یجوز استخدام طرق غیر علمیة، لأن القرآن کتاب الله تعالى، وکما أن الله بنى وأحکم هذا الکون بقوانین علمیة محکمة، کذلک أنزل القرآن ورتبه وأحکمه بقوانین علمیة محکمة، وقال عنه: (کِتَابٌ أُحْکِمَتْ آیَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَکِیمٍ خَبِیرٍ) (9)، وقال عنه أیضاً: (لکِنِ اللّهُ یَشْهَدُ بِمَا أَنزَلَ إِلَیْکَ أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلآئِکَةُ یَشْهَدُونَ وَکَفَى بِاللّهِ شَهِیداً ) (10)وقد نرى من بعض الباحثین اتباع منهج غیر علمی، فهو یجمع الحروف تارةً، ثم یطرح أرقام الآیات، وقد یضرب رقم السورة مرةً وأحیاناً یقسّم رقم الآیة وأخرى یحذف الحروف المکررة أو یضیف حروفاً تُلفظ ولا تکتب، حتى تنضبط حساباته لتوافق رقماً محدداً مسبقاً فی ذاکرته. وبعضهم یسوق القارئ سوقاً باتجاه نتیجة وضعها سلفاً فی ذهنه ویحاول أن یثبتها. ولا ننسى أن هناک فریقاً من الباحثین یستخدمون الأرقام القرآنیة للتنبؤ بالغیب الذی لا یعلمه إلا الله تعالى، ومثل هذه الأسالیب غیر المنهجیة مرفوضة، إلا إذا قدّم صاحبها برهاناً مؤکداً على مصداقیتها.
إذن یجب أن یکون المنهج المتبع فی البحث: منهجاً علمیاً یعتمد أسس الریاضیات وقواعدها الثابتة، وعدم إقحام أسالیب غیر علمیة، أن تکون الطریقة المستخدمة لمعالجة المعطیات ثابتة. وعدم التنقل من طریقة لأخرى فی البحث الواحد لأن هذا سیؤدی إلى تدخل المصادفة بشکل کبیر فی نتائج البحث، عدم استخدام طرائق متناقضة فی منهج البحث. کما یجب ألا یکون هنالک تناقض بین طریقة معالجة المعطیات القرآنیة وبین الطرائق العلمیة الثابتة والمؤکدة.
ضوابط خاصة بنتائج البحث
أما نتائج البحث القرآنی فیجب أن تمثّل معجزة حقیقیّة لا مجال للمصادفة فیها. وینبغی على الباحث فی هذا المجال إثبات أن نتائجه لم تأت عن طریق المصادفة، وذلک باستخدام قانون الاحتمالات الریاضی. کما یجب أن یتنبه من یبحث فی الإعجاز العددی إلى أن الأرقام هی وسیلة لرؤیة البناء العددی القرآنی، ولیست هی الهدف ! ویجب أن یبقى بعیداً عن منْزلقات التنبُّؤ بالغیب الذی لا یعلمه إلا الله سبحانه وتعالى. وأن یبتعد عن الاستدلال بهذه الأرقام على تواریخ أو أحداث سیاسیة.ونحن لا ننکر أن القرآن یحوی کل العلوم ویحوی الماضی والمستقبل، ولکن یجب التثبُّت والتأنِّی والانتظار طویلاً قبل أن نستنبط شیئاً من کتاب الله له علاقة بعلم الغیب، فقد یثبُت خطأ هذا الاستنباط مستقبلاً، فنکون بذلک قد وضعنا حجّة فی ید أعداء الإسلام للطعن فی هذا الدین. وبالنتیجة یجب أن تکون نتائج البحث: انتفاء المصادفة نهائیاً عن هذه النتائج، عدم بناء استدلالات غیر علمیة على هذه النتائج مثل علم الغیب إلا بالبرهان القاطع، وأن یکون عدد النتائج کبیراً لإقناع غیر المسلمین بعظمة کتاب الله تعالى.
رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَیْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْکَ رَحْمَةً إِنَّکَ أَنْتَ الْوَهَّابُ
اللهم أرِنا الحقّ حقّاً وارزقنا اتّباعه، وأرِنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه
المصادر :
1- هود: 1
2- البقرة: 260
3- النساء: 82
4- النساء: 82
5- آل عمران: 73-74
6- آل عمران: 73-74
7- المدثر /31
8- النساء: 82
9- هود: 1
10- النساء: 166
/ج