أکدت دراسة علمیة أن الإیمان بالله عز وجل والمحافظة على الصلاة وأداء الزکاة والصدقات وصوم رمضان والعمرة والحج وقراءة القرآن الکریم، علاج فاعل لکل الأمراض النفسیة التی قد تصیب الإنسان.
وأوضحت الدراسة بعنوان "الوقایة والعلاج من الأمراض النفسیة فی ضوء السنة النبویة" أن أبرز الأمراض النفسیة هی: القلق، الاکتئاب، الوسواس القهری، الصداع، الخوف من المرض، الأرق.
وأکدت الدراسة أن الإیمان بالله عز وجل هو أول وسیلة لتحقیق الوقایة والعلاج من المرض النفسی: فأول وسیلة تؤمن للإنسان أعلى مستوى من الصحة النفسیة هی تحقیقه الکامل للتوحید ومعنى الشهادتین وابتعاده عن کل أبواب الشرک واجتنابه البدع والخرافات. فالإیمان بالله إذا ما بثَّ فی نفس الإنسان منذ الصغر فإنه یعزز ثقته بنفسه ویمنحه الثبات ویحمیه من الحیرة والتخبط ویکسبه مناعة ووقایة من الإصابة بالأمراض النفسیة.
کان النبی علیه الصلاة والسلام یقول لبلال بن رباح رضی الله عنه: (یا بلال أقم الصلاة أرحنا بها). ویعدّ الوضوء وسیلة مماثلة للوسائل التی یستخدمها أطباء العلاج النفسی لعلاج مرضاهم، بالماء فغسل الأعضاء بشکل مستمر یساهم فی التخفیف من حدة التوتر والتقلیل من وطأة الأحزان والهموم فجسم الإنسان تنتشر فی أجزائه شعیرات عصبیة تتأثر بکل ما یتلقاه العقل والجسد من انفعالات، وتعریض هذه الشعیرات للماء یؤدی لبرودها وتهدئتها.
وأکدت الدراسة أن المحافظة على أداء الصلاة خمس مرات - مع التسبیح والدعاء وذکر الله بعد الفراغ منها- تمدنا بأحسن نظام للتدریب على الاسترخاء والهدوء النفسی مما یساهم فی التخلص من القلق والتوتر العصبی والتی تمتد وتستمر مع المسلم إلى ما بعد الصلاة فترة من الوقت، وقد یواجه - وهو فی حالة الاسترخاء - بعض الأمور أو المواقف المثیرة للمرض النفسی أو قد یتذکرها وتکرار تعرض الفرد لهذه المواقف وهو فی حالة استرخاء، والهدوء النفسی عقب الصلوات یؤدی إلى "الانطفاء" التدریجی للقلق والتوتر، وبذلک یتخلص من القلق الذی کانت تثیره هذه الأمور أو المواقف.
بیَّنت الدراسة أن لقیام اللیل شأن عظیم فی تفریج الهموم وتفریغ الأحزان فی أوقات الأسحار وساعة نزول الله تعالى إلى السماء الدنیا حیث یستفیق المسلم من فراشه لیقف مصلیاً مناجیاً لله یبثه شکواه وینفس عن هموم أثقلت صدره وأرقت مضجعه ویسأله اللطف والشفاء من کل داء.
هناک ملاحظة غریبة وعجیبة جداً فی کتاب الله تعالى، وهی أن أکثر کلمة تکررت فی القرآن هی اسم منزل القرآن عز وجل: الله
وعلى الرغم من تلاوتنا لهذا الکتاب مرات ومرات، لا نشعر بأی خلل أو تکلّف أو رکاکة لغویة أو بلاغیة، ولکن إذا جاء أحد الأدباء وکرر اسمه فی کتابه ولو مرات قلیلة نشعر فوراً بوجود شذوذ ورکاکة فی التألیف والصیاغة. تخیلوا مثلاً شاعراً مثل المتنبی وهو من أعظم شعراء عصره، تخیلوا لو أنه فی إحدى قصائده یذکر اسمه (المتنبی) ثم یکرره وفی کل بیت من بیوت هذه القصیدة.. ماذا ستکون النتیجة؟ ستکون هذه القصیدة من أسوأ أنواع الأدب.
وسبحان الله هل شعر أحدکم بأی مشکلة أثناء قراءته للقرآن؟ حتى غیر المسلمین وحتى الملحدین والمستشرقین والمشککین، لم یلاحظوا أی خلل فی البناء البلاغی للقرآن نتیجة تکرار اسم (الله) بهذا الشکل الکبیر.
أحبتی فی الله ما أحوجنا فی هذا العصر لمثل هذه الدراسات العلمیة التی تزید المؤمن إیماناً وتسلیماً لله عز وجل، وبنفس الوقت تقدم لغیر المسلمین برهاناً على صدق تعالیم الإسلام، وذلک نحن بحاجة لإجراء دراسات تتعلق بالعلاج بالقرآن، ودراسات تتعلق بتأثیر حفظ القرآن على الأمراض، ودراسات تتعلق بتأثیر الخشوع... وغیر ذلک مما أمرنا به دیننا الحنیف.
فالأمراض النفسیة تفتک بالمجتمعات غیر الإسلامیة الیوم، ومنها ما تسرَّب إلى مجتمعاتنا بسبب البعد عن الله وکتابه وأوامره. فالله تعالى یقول: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِکْرِی فَإِنَّ لَهُ مَعِیشَةً ضَنْکًا وَنَحْشُرُهُ یَوْمَ الْقِیَامَةِ أَعْمَى / قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِی أَعْمَى وَقَدْ کُنْتُ بَصِیرًا / قَالَ کَذَلِکَ أَتَتْکَ آَیَاتُنَا فَنَسِیتَهَا وَکَذَلِکَ الْیَوْمَ تُنْسَى / وَکَذَلِکَ نَجْزِی مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ یُؤْمِنْ بِآَیَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآَخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى) (1)
هذه الآیات واضحة وصریحة لا لبس فیها، فکل من یبتعد عن الله وذکره لابد أن تتلبسه الهموم والمشاکل والأحزان، فالإسلام عندما أمرنا بالطهارة کان هذا الأمر لمصلحتنا ولإبعاد الأمراض عنا، وعندما نهانا عن الفواحش کان هذا النهی لإبعاد الأمراض الجنسیة عنا، وهکذا کل ما جاء به الإسلام هو الخیر والنفع لکل مؤمن رضی بالإسلام دیناً وبمحمد صلى الله علیه وسلم نبیاً.
وأدعو طلاب المسلمین وعلماءهم للإکثار من مثل هذه الدراسات، کل حسب اختصاصه، فطالب علم النفس یمکنه أن یدرس تأثیر تعالیم القرآن على الحالة النفسیة للمؤمن، ونتائج الابتعاد عنها. وطالب الطب یمکنه أن یدرس تأثیر الأوامر والنواهی على صحة الفرد والمجتمع، وهذه أفضل وسیلة فی عصرنا هذا لنصرة الرسول صلى الله علیه وسلم.
فالنصرة لا تکون بمجرد الشعارات والکلام... إنما تحتاج لجهد وبحث ودراسة وإنفاق أموال، لأن مثل هذه الدراسات سوف تساهم فی تصحیح نظرة غیر المسلمین إلى الإسلام، وتساهم أیضاً فی زیادة محبة المسلمین لدینهم وتعلقهم به واعتزازهم بهذا الدین الحنیف.
وإلیکم هذه الآیات الکریمات التی أترک لکم حریة التأمل والتدبر واستنتاج الفوائد فی الدنیا والآخرة:
1- (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِینَ إِذَا ذُکِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِیَتْ عَلَیْهِمْ آَیَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِیمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ یَتَوَکَّلُونَ / الَّذِینَ یُقِیمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ یُنْفِقُونَ / أُولَئِکَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ کَرِیمٌ) (2)
2- (الَّذِینَ آَمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِکْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِکْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ)(3).
3- (رِجَالٌ لَا تُلْهِیهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَیْعٌ عَنْ ذِکْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِیتَاءِ الزَّکَاةِ یَخَافُونَ یَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِیهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ / لِیَجْزِیَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَیَزِیدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ یَرْزُقُ مَنْ یَشَاءُ بِغَیْرِ حِسَابٍ) (4)
4- (اتْلُ مَا أُوحِیَ إِلَیْکَ مِنَ الْکِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْکَرِ وَلَذِکْرُ اللَّهِ أَکْبَرُ وَاللَّهُ یَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)(5).
5- (أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَیْلٌ لِلْقَاسِیَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِکْرِ اللَّهِ أُولَئِکَ فِی ضَلَالٍ مُبِینٍ / اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِیثِ کِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِیَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِینَ یَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِینُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِکْرِ اللَّهِ ذَلِکَ هُدَى اللَّهِ یَهْدِی بِهِ مَنْ یَشَاءُ وَمَنْ یُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ) (6).
6- (أَلَمْ یَأْنِ لِلَّذِینَ آَمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِکْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا یَکُونُوا کَالَّذِینَ أُوتُوا الْکِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَیْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَکَثِیرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ) (7).
ولکن ما هی نتائج الذکر الکثیر، الرحمة والهدایة والشفاء من الأمراض فی الدنیا، والجنة والنعیم والرضا یوم القیامة، لنقرأ هذا النص القرآنی: (یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آَمَنُوا اذْکُرُوا اللَّهَ ذِکْرًا کَثِیرًا / وَسَبِّحُوهُ بُکْرَةً وَأَصِیلًا / هُوَ الَّذِی یُصَلِّی عَلَیْکُمْ وَمَلَائِکَتُهُ لِیُخْرِجَکُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَکَانَ بِالْمُؤْمِنِینَ رَحِیمًا / تَحِیَّتُهُمْ یَوْمَ یَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا کَرِیمًا) (8).
المصادر :
1- طه: 124-127
2- الأنفال: 2-4
3- الرعد: 28
4- النور: 37-38
5- العنکبوت: 45
6- الزمر: 22-23
7- الحدید: 16
8- الأحزاب: 41-44
/ج