لقد کان هبوط أول إنسان على سطح القمر حدثاً تاریخیاً فریداً، أثار ضجة کبرى عام 1969 عندما أطلقت وکالة الفضاء الأمریکیة ناسا رحلة أبولو، فکان هناک ردود فعل متنوعة ونسجت الإشاعات حول هذا الحدث، وقد یکون أغربها أن رائد الفضاء نیل أرمسترونغ قد أعلن إسلامه لأنه سمع صوت الأذان على سطح القمر! ولکن الذی وضع هذه الإشاعة نسی أن القمر لا یحوی أی غلاف جوی وأن الصوت لا ینتشر فی الفراغ!
لقد شکَّک بعض علماء الغرب بصعود الإنسان على سطح القمر (وهدفهم من ذلک الشهرة!) کما جاء فی مقالة على موقع بی بی سی لأحد الفلکیین الهواة الذی قال إن الصور التی نشرتها وکالة ناسا فیها أخطاء تؤکد أنها ملفقة. وسوف نعرض مثالاً واحداً تجنباً للإطالة. فقد عرض صورة وفیها العلم الأمریکی یرفرف على سطح القمر، ویقول إن القمر لیس له غلاف جوی ولا توجد ریاح على سطحه، فمن أین جاءت الریاح التی تحرک العلم؟
تظهر الصورة أحد رواد الفضاء وهو على سطح القمر وبجانبه العلم الأمریکی یرفرف، فمن أین جاء الهواء الذی یحرک العلم؟ کذلک فإن ظل رائد الفضاء فی الصورة لا یتناسب مع ظل المرکبة، وکذلک یقولون إن بدلة رائد الفضاء غیر کافیة لحجب الإشعاعات القویة الموجودة على سطح القمر، وکذلک فإن الصورة لا تظهر فیها النجوم فی سماء القمر التی ینبغی أن تظهر .... الخ. ویمکن الاطلاع على بعض المواقع التی تعتقد أن الهبوط على القمر هو کذبة.
والحقیقة إن رواد الفضاء رتبوا لهذه اللقطة التاریخیة ودرسوها ولذلک فإن رواد الفضاء وضعوا فی داخل العلم أسلاک حدیدیة تجعله یبدو وکأنه یرفرف. کما أن الإضاءة على سطح القمر تختلف عن الأرض، والقمر لا یوجد له غلاف جوی کالأرض، لذلک لا تظهر النجوم بشکل واضح. أما ظل الأشیاء على سطح القمر فیختلف عن سطح الأرض، لأن سطح القمر لا یوجد علیه نهار مثل الأرض بل إذا نظرت إلى السماء رأیتها سوداء!
لو فرضنا أن علماء وکالة ناسا أرادوا أن یکذبوا (کما یقول البعض) فإن هذه الکذبة ینبغی أن یشترک فیها ألف إنسان على الأقل، طاقم المرکبة، والمهندسین المشرفین على تصمیم المرکبة وإطلاقها ومراقبتها، وفریق العلماء والباحثین المشارکین، وکذلک علماء وکالة ناسا بالکامل، کذلک یجب أن یشترک فی الکذبة وسائل الإعلام لأنه کما نعلم لا یمکن لعالم أن یخدع زمیله بهذه السهولة.
وسؤالنا لماذا لم یعترض العلماء الروس وهم الذین کانوا فی حالة سباق وحرب مع أمریکا؟ ولماذا لم یعترض علماء الصین والیابان ووکالة الفضاء الأوربیة وغیرها من وکالات الفضاء فی العالم، لاحظوا یا أحبتی لا توجد وکالة فضاء واحدة فی العالم تعترض على هبوط الإنسان على سطح القمر، فقط الذین یعترضون هم قلة من العلماء والهواة. لماذا لم نرَ أحداً من العلماء اعترض على الرحلات التی قامت بها وکالة ناسا باتجاه المریخ وهو أبعد من القمر بمئة مرة على الأقل؟
لقد عرض تلفزیون فوکس برنامجاً وثائقیاً عن خدعة الهبوط على القمر، وساقوا الکثیر من الأفکار الملفقة والتی رد علیها کثیر من العلماء والمهتمین وهذا موقع حیادی أیضاً عرض تفاصیل البرنامج والرد علیها علمیاً.
ویقول کبیر علماء وکالة ناسا الدکتور McKay إن تزییف صخرة واحدة وجعلها تبدو مثل صخور القمر أصعب بکثیر من الهبوط على سطح القمر! لقد فحصت العینات التی جاء بها رواد الفضاء من قبل آلاف المختبرات فی دول العالم، ولم یدَّع أحد من العلماء أن هذه العینات غیر مأخوذة من القمر. وهناک مخبر تابع لوکالة ناسا مخزن بداخلة عینات کثیرة من صخور وتراب القمر (مئات الکیلوغرامات)، وقد اطلع علیها آلاف العلماء من دول العالم، فمن أین جاءت هذه الصخور والأتربة القمریة؟
سطح القمر یتعرض بشکل دائم للنیازک و صخورهذه النیازک تصدم بسرعة 80 ألف کیلو متر فی الساعة، مما یؤدی إلى ثقب هذه الصخور بشدة، ومثل هذه النیازک لا تنفذ لصخور الأرض بل تتبدد على غلافها الجوی الذی جعله الله سقفاً محفوظاً لنا! کذلک فإن صخور القمر تحوی الکثیر من النظائر المشعة التی حدثت بفعل القذف المتراکم بالأشعة الکونیة، ومثل هذه الأشعة تتبدد على حدود الغلاف المغنطیسی للأرض، ولذلک تختلف صخور الأرض عن صخور القمر بشکل کبیر. وهنا نتذکر نعمة الله عندما قال: (وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آَیَاتِهَا مُعْرِضُونَ)(1).
هل وجد العلماء مادة مضیئة فی القمر؟
منذ مدة بدأ العلماء یتحدثون عن توهج على سطح القمر، وبدأوا بعد ذلک یکتشفون أن سطح القمر ذو نشاط إشعاعی یختلف عن الأرض، لأن الأرض محاطة بحقل مغنطیسی قوی یحفظ الأرض من أی إشعاع کونی، ولکن القمر لا یملک أی غلاف جوی وبالتالی یتلقى کمیة کبیرة من الریاح الشمسیة المکهربة والأشعة الکونیة، هذه الأشعة تتفاعل مع تراب القمر وتجعله یعکس أشعة الشمس بشکل أکبر من بقیة الکواکب فیبدو منیراً بل شدید الإنارة .
ویقول الدکتور مارک نورمان من جامعة Tasmania لقد فحصنا العینات القادمة من القمر ووجدناها تختلف عن صخور الأرض وأهم ما یمیزها وجود نسبة من الزجاج فی تراب القمر. وهذا الزجاج عمره 3 بلیون سنة، لا یوجد فی صخور الأرض التی لها نفس العمر. وهذا الزجاج یجعل سطح القمر أکثر توهجاً ونوراً، وقبل أن أتابع معکم أتذکر آیة عظیمة یصف فیها تعالى القمر بأنه منیر: (تَبَارَکَ الَّذِی جَعَلَ فِی السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِیهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِیرًا)(2). ومن الغریب أن نجد بعض العلماء یکشفون نقاطاً متوهجة على سطح القمر فقد جاء على موقع بی بی سی مقالاً بعنوان Lights glow on Moon فقد صرح العلماء أن القمر لیس جسماً میتاً کما کان یعتقد من قبل بل هناک نشاطات إشعاعیة على سطحه .
وفی بحث جدید على موقع وکالة ناسا تبین للعلماء أن القمر یتلقى کمیة کبیرة من الجسیمات الکونیة القادمة من الشمس وهذه الجسیمات مشحونة کهربائیاً، وبالتالی یصبح سطح القمر فی أوقات محددة مشحوناً بالکهرباء، حیث تتشکل عواصف من الغبار القمری ولدى سقوط نور الشمس (الفوتونات الضوئیة) یتفاعل معها وینیر بشدة، أشبه بمصباح کهربائی یتلقى کمیة من الکهرباء.
یقول العلماء حدیثاً إن الغبار القمری خطیر جداً لأنه مکهرب، فتصمیم القمر یساعد على جعله جسماً یتأثر بشدة بأشعة الشمس ویبدو متوهجاً، فعدم وجود مجال مغنطیسی حول القمر وطبیعة تربة القمر الغباریة الناتجة عن القذف بملایین النیازک، وبعد القمر عن الأرض وعن الشمس، بالإضافة إلى الترکیب الممیز لتربة القمر واحتوائها على نسبة کبیرة من الزجاج . کل هذه العوامل تساعد القمر على بث کمیات کبیرة من الإنارة، لیبدو منیراً لنا، بعکس الأرض التی إذا نظرنا إلیها من القمر لا نراها منیرة. إذاً هذه الإنارة هی صفة تمیز القمر. لقد لاحظ العلماء وجود بقع توهج ناتجة عن النشاط الإشعاعی على سطح القمر، وبالتالی فإن هذا الکشف العلمی قد ذکره القرآن قبل أربعة عشر قرناً حیث وصف القمر بأنه جسم منیر، یقول تعالى: (وَقَمَرًا مُنِیرًا).
هل سمع أرمسترونغ الأذان على سطح القمر؟
هناک شائعة قویة تقول بأن أرمسترونغ قد سمع الأذان على سطح القمر، فهل أسلم أول رائد فضاء یهبط على سطح القمر؟ والحقیقة أن مثل هذه الشائعات تنتشر بشدة بین الناس، وللأسف نجد علماء مسلمین یصدقون ذلک دون أن یتأکدوا من مصدر المعلومة.
تقول الشائعة إن أول رائد فضاء هبط على القمر عام 1969 قد سمع الأذان، وعندما کان فی رحلة فی إحدى الدول العربیة سمع صوت الأذان فسأل ما هذا، فقیل له أذان المسلمین فقال لقد سمعت نفس الصوت على القمر، فأعلن إسلامه، ولکی تکون الکذبة متقنة فقد قامت وکالة ناسا بطرده من عمله نتیجة لإسلامه، فقال: خسرت عملی ولکن وجدت الله .
وبعد البحث تبین أن رائد الفضاء لم یُطرد من عمله، وتبین أنه صرح مراراً وتکراراً أنه یحترم الإسلام ولکنه لا زال على دینه، ثم إن الذی یحلل هذه الإشاعة یراها متناقضة مع نفسها. فکیف یمکن لرائد فضاء أن یسمع صوتاً على القمر وهو مهندس درس قوانین انتشار الصوت، کیف یسمع هذا الصوت ویمر علیه مرور الکرام فلا یسجله ولا یتحدث به ولا یخبر به أحداً، ولا یسجل براءة اکتشاف جدید ینسب إلیه، ثم ینتظر سنوات حتى یسمعه مرة أخرى فی دولة عربیة ویسأل ما هذا الصوت، وکأن الذی صعد إلى القمر هو إنسان عادی ولیس باحثاً وعالماً .
یمکن التأکد من أی معلومة الیوم من على الإنترنت، فوکالة ناسا تضع سیرة ذاتیة حدیثة لرائد الفضاء أرمسترونغ (مارس 2008) ولم تذکر بأنه أسلم أو طرد من عمله أو أی شیء آخر.
لقد سئل أرمسترونغ أثناء زیارته لمالیزیا (فی سبتمبر 2005) عن نبأ إسلامه فنفى ذلک، وأنکر أنه سمع صوت الأذان على سطح القمر. مع العلم أنه أکد احترامه للإسلام. إن مثل هذه التصریحات نشرت على مئات المواقع .
هل انشق القمر فعلاً؟
اتصل بی أحد الإخوة منذ مدة وسألنی عن حقیقة انشقاق القمر، فأخبرته أن الله حدثنا عن انشقاق القمر ونحن نصدق کل ما جاء فی القرآن، ولکنه سمع مراراً وتکراراً أن علماء وکالة ناسا أثناء رحلتهم إلى القمر اکتشفوا أن القمر انشق نصفین ثم عاد والتحم ولکن بعد مناقشة طویلة مع أحد الملحدین تبین أن علماء وکالة ناسا لم یقولوا ذلک وهم ینکرون تماماً مثل هذا الأمر. ولو أنهم یعترفون أن سطح القمر یحوی شقوقاً طویلة ولم یکتشفوا حتى الآن سبب هذه الشقوق.
والخلاصة:
1- إن هبوط الإنسان على سطح القمر هو حقیقة لا مفر منها، ولا تتنافى مع قوله تعالى: (یَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ)(3). فالإنسان لم یستطع الخروج خارج أقطار السماء، بل لازال ضمن حدود مجموعته الشمسیة، وکل ما فعله أنه تجول فی الفضاء لمسافة قریبة جداً . وبالطبع لم ینکر هذه الحقیقة إلا قلة من الباحثین غیر المعترف علیهم علمیاً، بل لا توجد أی وکالة فضاء عالمیة أنکرت مثل هذا الأمر، بل هو من باب الدعایة فقط.
2- إن رائد الفضاء أرمسترونغ لم یعتنق الإسلام، ولو کنا نتمنى له ذلک، ولکن الله یهدی من یشاء. ولو اعتنق الإسلام فلن ینفع إلا نفسه، ودین الإسلام دین قوی بذاته فلا یحتاج لأحد، بل الناس هم فی حاجة للإسلام.
3- إن معجزة انشقاق القمر أمر ثابت ویقینی بالنسبة لنا کمسلمین، وعلماء وکالة ناسا لم یصرّحوا بذلک، ولو أننی أعتقد أن الأیام ستکشف عن حقائق جدیدة تثبت صدق هذه المعجزة لأولئک الملحدین الذین ینکرون أی معجزة. ولا ینبغی لنا أن نقول إن علماء وکالة ناسا صرحوا بأن القمر انشق نصفین، إلا بدلیل علمی ملموس.
4- عندما وصف الله القمر بأنه منیر فقال (وقمراً منیراً) فهذا یعنی أنه یتمیز بخاصیة الإنارة، وهذا ما أثبته العلماء من خلال تحلیلهم لصخور القمر وترابه لیجدوا نسبة عالیة من الزجاج، وکذلک اکتشفوا نشاطاً إشعاعیاً على سطح القمر یجعله یعکس أشعة الشمس بشدة لیبدو منیراً بالفعل کما وصفه الله تعالى، وهذا یثبت أن القرآن دقیق فی تعابیره.
وإننی أرجو من کل أخ کریم وأخت فاضلة أن یعملوا بهذه النصیحة:
لقد وجدتُ کثیراً من المواقع تنفی مثل هذه الأنباء وتستهزئ بالمسلمین الذین یصدقون أی شیء ولذلک أنصح إخوتی وأخواتی: لا تفسحوا مجالاً للملحدین أن یستهزئوا بعقولکم ولا تساهموا فی الدعایة لمثل هذه الإشاعات التی لا تخدم الإسلام فی شیء، یجب أن تتأکدوا من مصدر المعلومة قبل نشرها، وکم کنت أتمنى من إخوتی الذین یصدقون مثل هذه الإشاعات أن یراسلوا وکالة ناسا لیتأکدوا من صدق الخبر، فهی صاحبة الاختصاص، وهی أعلم بهذا الأمر، وکم تمنیت منهم أن یراسلوا رائد الفضاء أرمسترونغ نفسه لیتأکدوا منه حقیقة إسلامه، بدلاً من أن یجتهدوا فی نشر هذا الخبر الکاذب! ولا أجد علاجاً لهذه الظاهرة: ظاهرة المقالات الملفقة التی تُنسب للإعجاز العلمی، إلا أن نکثر من دعاء النبی الأعظم صلى الله علیه وسلم:
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه.
المصادر :
1- الأنبیاء: 32
2- الفرقان: 61
3- الرحمن: 33
/ج
