

الإمام الرضا علیه السلام: ( للحاجة لولایة الأمر علل کثیرة : منها: أن الخلق وقفوا على حد محدود وأمروا أن لا یتعدوا تلک الحدود لما فیه من فسادهم، لم یکن یثبت ذلک ولا یقوم، إلا بأن یجعل علیهم فیه أمیناً، یمنعهم من التعدی والدخول فیما حظر علیهم، لأنه إن لو لم یکن ذلک، لکان أحد لا یترک لذته ومنفعته لفساد غیره، فجعل علیهم قیّما یمنعهم من الفساد، ویقیم فیهم الحدود والأحکام، ومنها: إنّ لا نجد فرقة من الفرق ولا ملة من الملل بقوا وعاشوا إلا بقیّم ورئیس لما لا بد لهم من أمر الدین والدنیا... ومنها: أن لو لم یجعل لهم إماماً قیّماً أمیناً حافظاً مستودعاً لدرست الملة وذهب الدین وغیّرت السنّة والأحکام)(1) .
بهذه الکلمات أبرز الإمام علیه السلام ضرورة ولایة الأمر فی حیاة البشر لأن بها حفظ نظامهم وترتیب أمور معاشهم وصیانة دینهم عن الانتقاض ومبادئهم من الانقراض وهی غیر مختصة بمکان دون مکان أو زمان دون زمان.
یقول الإمام الخمینی رضوان الله علیه: (وأی حاجة کالحاجة إلى تعیین من یدیر أمر الأمة ویحفظ نظام بلاد المسلمین طیلة الزمان ومدى الدهر فی عصر الغیبة، مع بقاء أحکام الإسلام التی لا یمکن بسطها إلا بید والی المسلمین وسائس الأمة والعباد)(2)
ولما کان بسط الأحکام الذی یمثّل غایة دائمة مستمرة فی الإسلام العزیز هو بما لا یتم إلا بین الولی کما یرى قدس سره صح تصنیف هذا الأمر فی رأی سلسلة الأوامر الضروریة لإحیاء الدین واتمام النعمة مما لا یسوّغ الاستهانة بأهمیته البالغة بل على العکس الالتزام به کنمط لا یحاد عنه.
حقوق ولی الأمر
یقول أمیر المؤمنین علیه السلام: (وعظم ما افترض سبحانه من تلک الحقوق حق الوالی على الرعیة)(3)
1- الحق الأول: حق الطاعة
وهو لا یختص لزومه بالمقلدین له، بل یتعداهم إلى مقلّدی غیره، حیث هناک فرق بین الحکم والفتوى، فإن الفتوى یجب العمل على طبقها من قبل المقلّدین له فقط، فعندما یقول بکفایة تسبیحة واحدة فی الصلاة مثلاً ویرى غیره وجوب تکرارها ثلاث مرات، لا یجب على الاخرین الذین لا یقلّدونه الالتزام بفتواه بل لا یعذرون فی مخالفة الرأی الثانی. وهذا بخلافه فی الحکم لأن أمره لیس کذلک حیث اتفق الفقهاء على أن ولیّ الأمر إذا أصدر حکماً فإنه یسری على الجمیع من مقلّدیه وغیرهم وکذلک على الفقهاء أنفسهم ویکون عدم الأخذ بهذا الحکم ردّاً على الأئمة علیهم السلام والنبی صلى الله علیه وآله ومن ثم رداً على اللَّه تعالى یقول الصادق علیه السلام: (فإنی قد جعلته علیکم حاکماً، فإذا حکم بLحکمنا، فلم یقبل منه، فإنما استخف بحکم اللَّه وعلینا ردّ، والرادّ علینا کالراد على اللَّه)(4)
ویجیب سماحة السید القائد قدس سرهم على سؤال موجّه إلیه، هل أوامر الولی الفقیه ملزمة لکل المسلمین أم لخصوص مقلدیه؟ قائلاً: (طبقاً للفقه الشیعی یجب على کل المسلمین إطاعة الأوامر الولائیة الشرعیة الصادرة من ولی أمر المسلمین، والتسلیم لأمره ونهیه حتى على سائر الفقهاء العظام فکیف بمقلدیهم! ولا نرى الالتزام بولایة الفقیه قابلاً للفصل عن الالتزام بالإسلام وبولایة الأئمة المعصومین علیهم السلام )(5) وهذا الوجوب شامل لحالتین:
الأولى: ما لو کان حکمه موافقاً لفتوى غیره من الفقهاء.
والثانیة: ما لو کان حکمه مخالفاً لفتوى غیره کما إذا أمر بالحرب ضد الکفرة وأعلن الجهاد بینما لم یجوّز الفقیه الاخر المشارکة فیها، حیث یجیب عن هذه الصورة فیقول: (اتباع حکم ولی أمر المسلمین واجب على الجمیع ولا یمکن لفتوى مرجع التقلید المخالفة أن تعارضه)(6)
2- الحق الثانی: التسلیم لأمره ونهیه
ومعنى التسلیم کما جاء فی اللغة: (7) بذل الرضا بالحکم وهو فوق الطاعة وحالة أرقى منها، إذ قد یطیع الإنسان من یجب علیه طاعته من دون أن یکون راضیاً بحکمه ومقتنعاً بأمره، وإنما التزم بعهده مراعاة لحقه، وهناک حالة أخرى تقترن مع الرضا القلبی والتسلیم النفسی الذی یعود فی أعماقه إلى مدى الاطمئنان والوثوق بشخصیة الولی بما تنطوی علیه من میّزات وقدرات عالیة ونقاوة فی عالم إصدار الحکم وإن کان القدر المطلوب الذی یحقق مشروعیة أمره ونهیه موجوداً فی نفس المکلّف، وهذا لیس مقصوراً على عامة الناس بل یعمّ فقهاء المسلمین من ناحیة التأیید وعدم المعارضة.
لذلک کان هذا الحق لولی الأمر کامتداد لولایة المعصوم علیه السلام فی أثر الانقیاد والالتزام والتسلیم لا فی المکانة والرتبة إذ جلّ مقام ال محمد أن یبلغه غیرهم، ویعتبر ذلک سمة من سمات الشیعة، فی الحدیث: (شیعتنا المسلّمون لأمرنا...(8) ویترجمه من أهل الولایة أحد أصحاب الصادق علیه السلام قائلاً له: إنی مسلّم لأمرک تسلیماً کاملاً ولوشطرت رمانة شطرین وقلت هذا حلال أکله وهذا حرام لقلت صدقت یا ابن رسول اللَّه ومما ذکره سماحة السید القائد فی هذا المجال (أنه یجب التسلیم لأمره ونهیه حتى على سائر الفقهاء العظام فکیف بمقلدیهم)(9)
3- الحق الثالث: معاونته وتمکینه (تسخیر القدرات له)
یعنی ذلک وضع الامکانیات والمقدّرات بین یدیه خدمة لمشروعه الإلهی فی حرکة التمهید لمولانا صاحب الزمان علیه السلام الذی یفترض دراسة المؤهلات التی نمتلکها فی سائر میادین الحیاة على مستوى الفرد أو الجماعة وسواء کانت عامة أو خاصة مما له دخل فی عملیة التمکین والاعداد لأهدافه الکبرى إن من الناحیة المادیة التی تحدّث عنها القران الکریم: ﴿قَالَ مَا مَکَّنِّی فِیهِ رَبِّی خَیْرٌ فَأَعِینُونِی بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَیْنَکُمْ وَبَیْنَهُمْ رَدْمًا﴾(10)، وکذلک إیصال الحقوق الشرعیة المالیة العامة إلیه باعتباره ولیّها حیث یقول سماحة القائد: (ولیّ الخمس هو ولیّ الأمر الذی له الولایة على أمور المسلمین)(11) وهذا مما یساعد على إنجاز مشاریعه التی تعتبر حاجات الإسلام المدرجة على قائمة أولویاته حسب تشخیصه الدقیق والسلیم.
ومن الناحیة المعنویة کما أمر أمیر المؤمنین علیه السلام: (أعینونی بورع واجتهاد وعفة وسداد)(12) وبیّن ضرورة الاعانة بشکل عام بما یشمل الولی فی قوله علیه السلام: (ولیس امرؤ أن عظمت فی الحق منزلته وتقدمت فی الدین فضیلته بفوق أن یعان على ما حمله اللَّه من حقه، ولا امرؤ وإن صغرته النفوس وأقحمته العیون بدون أن یعین على ذلک أو یعان علیه)(13).
وکذلک یدخل فی مفهوم المعاونة النصیحة من أهلها الخبراء بالمصالح والمفاسد وتقدیم الاقتراحات له وتزویده بالمعلومات من البلدان البعیدة والتقنیات الحدیثة.
اداب التعامل مع ولیّ الأمر
وتقتصر على ما بیّنه أمیر المؤمنین علیه السلام فی نهج البلاغة: (فلا تکلّمونی بما تکلّم به الجبابرة، ولا تتحفّظوا منی بما یتحفظ عند أهل البادرة، ولا تخالطونی بالمصانعة، ولا تظنوا بی استثقالاً فی حق قیل لی، ولا التماس إعظام لنفسی، فإن من استثقل الحق أن یقال له أو العدل أن یعرض علیه، کان العمل بهما أثقل علیه، فلا تکفوا عن مقالة بحق أو مشورة بعدل)(14)
ومن جملة الاداب الدعاء له فی المجالس العامة وسائر ما ثبت فی درس العلماء من الحقوق هو ثابت له بطریق أولى.
المصدر :
1- علل الشرائع للصدوق. ج 1 ص252
2- بحوث ولایة الفقیه ص41 الوحدة الثقافیة.
3- الخطبة 902 من نهج البلاغة.
4- تهذیب الأصول للخمینی، ج3، ص741.
5- أجوبة الاستفتاءات، ج1، ص91.
6- میزان الحکمة، ص71، ص85.
7- لسان العرب، ج6، ص643.
8- صفات الشیعة، ص31.
9- أجوبة الاستفتاءات، ج1، ص91، س56.
10- الکهف، ایة/95.
11- أجوبة الاستفتاءات، ج1 الخمس.
12- نهج البلاغة، الخطبة 902.
13- نهج البلاغة، الخطبة 902.
14- نهج البلاغة، الخطبة 902.
/ج