هل أنت أخ حقًّا؟

یُعتبر التآخی فی الإسلام أمرًا هامًّا وحاجة لا یُمکن للإنسان المؤمن الإستغناء عنها، حیث یقول الرسول الأکرم صلى الله علیه وآله وسلم: (ما استفادَ امرؤٌ مسلمٌ فائدةً بعدَ فائدةِ الإسلامِ مثلَ أخٍ یستفیدُهُ فی اللهِ)(1)
Sunday, August 18, 2013
الوقت المقدر للدراسة:
موارد بیشتر برای شما
هل أنت أخ حقًّا؟
 هل أنت أخ حقًّا؟

 





 

یُعتبر التآخی فی الإسلام أمرًا هامًّا وحاجة لا یُمکن للإنسان المؤمن الإستغناء عنها، حیث یقول الرسول الأکرم صلى الله علیه وآله وسلم: (ما استفادَ امرؤٌ مسلمٌ فائدةً بعدَ فائدةِ الإسلامِ مثلَ أخٍ یستفیدُهُ فی اللهِ)(1)
فإنّ کون الأخوّة بهذه المکانة الّتی تجعلها أعظم فائدة بعد الإسلام لیَکشف عن جوانب عظیمة، وأبعاد مختلفة یُراد للمؤمن أنْ یحیا بها کجزء من کلّ، مجسِّدًا فی علاقته بالآخرین أسمى المعانی الّتی تسیر به نحو الکمال الّذی یَنشده لیلًا ونهارًا، مُتشوِّقًا إلى أن یکون ذلک الرجل الخالص من العیوب الّذی طالما قرأ عنه فی أحادیث المعصومین علیهم السلام کما فی حدیث الصادق علیه السلام:
(المؤمنُ أخو المؤمِن؛ عینهُ ودلیلهُ لا یخونهُ ولا یظلمهُ ولا یغشُّه، ولا یعِدُه عدةً فیخلِفهُ)(2)
ولیس اتّخاذ الإخوان أمرًا یُمکن الزهد فیه أو الاقتصارفیه على فردین أو ثلاثة، بل طالما أمکن ذلک وتیسّر فإنّ الواحد منّا یجدر به أنْ یُبادر - مع مراعاة موازین الإخاء وسلوک الطریق الصحیح فی الاختیار- إلى إضافة اسم جدید للائحة إخوانه فی الله رامیًا إلى اکتساب ثمرتین: أولاهما فی الدنیا، وثانیتهما فی الآخرة، وممّا ورد فی الحثّ على الاستکثار قول رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم: (استکثروا من الإخوانِ فإنَّ لکلّ مؤمنٍ شفاعةً یومَ القیامةِ)(3)
ویبرز عنصر جمیل فی التآخی هو السکینة والاطمئنان، لأنّ المؤمن یشعر شعورًا صادقًا براحة نفسیّة مع أخیه المؤمن کأنّه المُبحِر فی أمواج هائجة وقد وصل إلى شاطىء الأمان، أو کأنّه التائه فی الصحراء مع حرّ الظمأ وقد انتهى إلى ریّ الماء، ورد فی الحدیث: (إنّ المؤمنَ لیسکنُ إلى المؤمنِ کما یسکنُ الظمآنُ إلى الماءِ)(4)
وعن الإمام الصادق علیه السلام:
(لِکلِّ شیءٍ شیءٌ یستریحُ إلیهِ وإنَّ المؤمنَ لیستریحُ إلى أخیهِ المؤمنِ کما یستریحُ الطیرُ إلى شکلِهِ)(5)
ومن منَّا لا یرغب بهذه الراحة الّتی لو لم یکن للأخوّة فائدة غیرها لکفت وأغنت؟ فکیف إذا کان لها من الثمرات ما لا یُمکن عدّه واحصاؤه من قبیل ما جاء فی الحدیث:
(من استفاد أخًا فی اللهِ عزَّ وجلَّ استفادَ بیتًا فی الجنَّةِ"6، أو قوله صلى الله علیه وآله وسلم: (النظرُ إلى الأخِ تَوَدُّه فی اللهِ عزَّ وجلَّ عبادةٌ)(7)

دور التآخی فی بناء الفرد:

إنّ للأخوّة الدینیّة دورًا رائدًا فی بناء الشخصیّة المؤمنة، حیث تساعدها على الاتّصاف بمجموعة من الفضائل وتشعرها بمسؤولیّة ولو على نطاق خاصّ، انطلاقًا من معرفة ما لها من مدلول وعمق فی الإسلام، فیعرف الإنسان قدره من خلال معرفة قدر أخیه وما له من حقّ علیه. ویکون الالتزام بآداب العلاقة بالآخرین باعثًا على إنتاج صورة متکاملة ومسلک مستقیم، أوّل المستفیدین منه صاحب هذا الدور مع ما یترکه من ذکر حسن وسمعة طیّبة إن هو بقی على ما بدأ به فی بدایة الطریق. لذلک من وُصِفَ بأنّه أخٌ حقًّا وصِدقًا، بحیث إنّه أقام حدود الأخوّة وراعى حقوقها والتزم آدابها، فهو على الصعید الفردیّ فی سعادة وتقدّم دائمین، کما أنّ النجاح فی هذه المدرسة الأخویّة سیفتح له نجاحًا فی مدارس ومجالات أخرى ربما اتّسعت میادینها إلى ساحة حیاته جمعاء، وأمّا إذا لم یوفّق لاکتساب الإخوان وفشل فی هذه المهمّة الّتی تعتبر مفصلًا فی دورة حیاته، فإنّ ذلک سیترک عوامل سلبیّة ونتائج غیر مرضیة سرعان ما تظهر فی کثیر من قضایاه وربما حوّلتها إلى مشاکل مستعصیة لا سیّما وأنّ هذا العجز لیس بالشیء الّذی یُمکن التغاضی عنه، وقد اعتبره أمیر المؤمنین علیه السلام خطیرًا ووصف صاحبه بأعجز الناس، یقول علیه السلام: (أعجزُ الناسِ من عجزَ عن اکتسابِ الإخوانِ، وأعجزُ منهُ من ضیّعَ من ظفرَ بهِ منهُم)(8).
وهنا أوضح علیه السلام أنّ هناک صنفًا من الناس تکون درجة العجز لدیهم أکبر وأخطر من الصنف الآخر وهم الّذین لا یُحسنون الاستمرار مع الآخرین فی العلاقة الأخویّة بعد أن کان بینهم فی بدایة أمرهم ترابط وتآزر، ولکن ضاعت المودّة وعادت کأن لم یکن شیء بینهما، أو کأنّ الزمان لم یکن لأیّامه ولیالیه وجود ینبّههم إلى ما أنساهم الشیطان. وما هذه الظاهرة بعزیزة فی الحیاة، فکم نشاهد من أشخاص دامت العلاقة بینهم سنین عدیدة ثمّ افترقوا إلى غیر رجعة حیث أخذت العداوة بینهم مأخذها وأبدت ثغرات أحکم من خلالها غلق الباب الّذی منه یسری نسیم المودّة وتدوم ذکریات التعاون. ومع غضّ النظر عن الجوانب السلبیّة فی حدود ما تترکه
هذه الأزمة من مشاکل على الصعید الفردیّ، بحیث لا یقرّ لشخصیّة الإنسان المؤمن قرار، ولا یهدأ له بال حتّى فی علاقته بالله تعالى فیتخبّط قائمًا وقاعدًا یستحضر ما لدیه من الکمّ الهائل من سیرته مع أخیه، سواء فی محطّاتها الجمیلة الّتی یؤدّی تذکّرها إلى الرغبة والشوق لإعادة المیاه إلى مجاریها، وتجدید العلاقة به، أم فی المحطات السیّئة وکان السوء صادرًا عنه ولیس عن أخیه فیؤدّی ذلک إلى الندم والمؤاخذة لیظلّ معذّبًا وهو یقارن بین فترة المواصلة وفترة المقاطعة، یتّضح أنّ التخلّی عن الأخ والزهد فیه هو عامل هدّام فی حیاة الفرد، کما کان التآخی عاملًا بنّاءً على هذا الصعید، فقد جاء عن مولانا الصادق علیه السلام فی الحثّ والتأکید على طلب المؤاخاة قوله علیه السلام:
(واطلبْ مؤاخاةَ الأتقیاءِ ولو فی ظلماتِ الأرضِ وإنْ أفنیْتَ عمرَک فی طلبِهم، فإنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ لمْ یخلقْ على وجهِ الأرضِ أفضلَ منهُم بعدَ النبیّینَ، وما أنعمَ اللهُ على العبدِ بمثلِ ما أنعمَ بهِ من التوفیقِ لصحبتِهم)(9).
فنعمة مصادقة الإخوان هی نعمة إلهیّة لا مثیل لها على الإطلاق.

دور التآخی فی بناء المجتمع:

إنّ الله تعالى یحبّ لنا أن نعیش متماسکین، یساعد بعضنا بعضًا، ولیس أشتاتًا متفرّقین قد ذهبت بنا المذاهب کلّ مذهب، فضاعت الأهداف ومعها فقدنا السبل والوسائل إلیها. ولا یُتصوّر مجتمع واحد یشترک أهله فی تحمّل شؤونه وشجونه، وهو لا تحکمه روح المؤاخاة، حتّى لو سادت روحیّة الأخوّة فیه شکلًا لا مضمونًا ومظهرًا لا جوهرًا، کذلک لا یُقدَّر لهذا المجتمع النجاح. فحتّى یُؤتی أُکُلَه ویتّجه إلى حیث أراد الله تعالى له لا بدّ أن تکون الأعمال ترجمان الأقوال، والمواقف مُعربة عمّا تحویه الضمائر وتکنّه السرائر، فترى من یتغنَّى بالصلة الممیّزة بفلان من الناس ویعتبره أخاه، هو لا یخذله فی وقت الشدّة، ولا یترکه للدهر فیکون عونًا له على الدهر لا عونًا للدهر علیه، وکذلک من یکثر الثناء والمدیح أو إبداء الاعجاب بشخص ما لِما یتحلّى به من صفات، لا یترک زیارته إذا مرض ولا السؤال عن حاله فیؤلمه ما آلمه ویُسعِده ما أسعده.
وهنا، یتجلّى الدور الفعّال للتآخی فی الحیاة الاجتماعیّة، إذا قام کلّ فرد بما توجبه علیه أخوّته الإیمانیّة اتّجاه الآخرین، یقول الإمام الصادق علیه السلام: (المؤمنُ أخو المؤمنِ کالجسدِ الواحدِ، إنِ اشتکى شیئًا منه وُجدَ ألمُ ذلکَ فی سائرِ جسدِه، وأرواحُهما من روحٍ واحدةٍ، وإنَّ روحَ المؤمنِ أشدُّ اتّصالًا بروحِ اللهِ من اتصالِ شعاعِ الشمسِ بِها)(10).
فالتآخی یُکسب المجتمع قوّة فی جوانب عدیدة منها:
1ــ القدرة العالیة على تجاوز ما یعصف به من مُلمّات صعبة وفتن ومحن.
2ــ الارتقاء إلى قمّة البذل والعطاء والإیثار.
3ــ توحید المنطلق الإیمانیّ فی النظریّة والتطبیق.
4ــ سیادة روحیّة الجماعة واضمحلال روحیّة الفرد والشخصانیّة.
5ــ الحصانة الأخلاقیّة فی اتجاهاتها الثلاثة مع الله تعالى ومع الناس ومع النفس.
ویُمکننا قراءة هذه الجوانب بأجمعها عبر التاریخ الممتدّ من زمن الرسول الأکرم صلى الله علیه وآله وسلم مع صفوة أصحابه ومع أمیر المؤمنین علیه السلام ومن خیرة من وقف معه فی حربه وسلمه، وکذلک فی حیاة أصحاب الإمامین الحسن والحسین علیهما السلام خصوصًا فی کربلاء حیث اجتمعت کلّ معانی الأخوّة الجلیلة والجمیلة فی تلک المواقف العظیمة المشهودة الّتی جعلت أصحاب السبط الشهید علیه السلام فی مقام خاصّ لا یبلغه غیرهم، وقلّدتهم وسام العطاء الأبدیّ.

لماذا سُمّوا إخوانًا؟

لیس خفیًّا على أحد من الناس ما معنى أن یکون المؤمن أخًا للمؤمن، لکنّ هذا الوضوح ظاهریّ، ما لم تنکشف حقیقة الأخوّة کما یراها الإسلام فی بُعدها الجوهریّ کما حدّد معناها وأسّس مبناها وکشف عن عمق الارتباط بین الاسم والمسمّى، حیث یقول الإمام الصادق علیه السلام:(إنّما سمّوا إخوانًا لنزاهَتِهم عن الخیانةِ وسمّوا أصدقاءً لأنَّهم تصادَقوا حقوقَ المودّةِ)(11).
فمن یکون خائنًا لا یُؤتمن؛ لیس أخًا حقیقةً ولا تصحّ تسمیته بذلک، ومن لا یراعی حقوق المودّة الّتی تدوم معها الأخوّة وتستمر بحیث یکذب على الآخر ولا یصادقه، فإنّ إطلاق اسم الصدیق علیه لیس صحیحًا. وعلیه لا تتحقّق الأخوّة بمجرّد أن یقول الإنسان للآخر أنت أخی بل بالقیام بما یملیه هذا الرابط الدینیّ المبارک علیه من التزامات لا یسوغ له تجاهلها وإلَّا خرج عن عهد الأخوّة إلى نقیضه وسمّی أخًا بالتجوّز لا الحقیقة.

لماذا تؤاخی؟

من الصواب أن نسأل أنفسنا لماذا نؤاخی فلانًا من الناس ونزهد بغیره، وربّما کان الجواب: لأنّه یحمل مؤهّلات أخلاقیّة عالیة، وقد تمّ اختباره قبل اختیاره،
بینما الآخر لا رغبة بإقامة علاقة به لما هو معروف عنه من سوء السمعة، وربّما کان الجواب أیضًا أنّ لنا مصلحة مالیّة معه، ولذلک قدّمنا العلاقة به على غیره وآثرناه بما یحقّق لنا من نفع وکسب، رغم ما تنطوی علیه شخصیّته من رذائل الأخلاق، بحیث یصعب أن یکمل الإنسان طریق الأخوّة معه، وسرعان ما یتعرّض للتزلزل أو الشقاق، وربّما کان الجواب غیر ذلک حیث إن تصوّر الأسباب الداعیة للعلاقة بالناس لا تکاد تُحصى وتختلف من شخص إلى آخر. والّذی نرید تسلیط الضوء علیه هنا لیس إلَّا میزان اتّخاذ الإخوان کما أرشدتنا إلیه الأحادیث الشریفة الواردة عن أئمّتنا علیهم السلام والّتی صنّفت نوعین من الأخوّة أحدهما مذموم والآخر مطلوب، والمستفاد هو طالما کان الدافع إلهیًّا ولوجهه تعالى فالأخوّة مرغوب بها، وإلَّا إذا کان دنیویًّا فهی مرغوب عنها.
ولذا، حریّ بنا أن نقف موقف السؤال لأنفسنا ونقول: "لماذا نؤاخی فلانًا دون فلانٍ؟".
والحقیقة أنّ الأخوّة النفعیّة الدنیویّة هی عداوة، لأنّها تستبطن خیانة للطرف الآخر حیث لا تقوم على الصدق فی بذل المودّة له لقاء ما حثّ علیه الدین الحنیف أو رجاء ثواب الآخرة، بل لأجل المکاسب التجاریّة والمصالح الزائلة. ولیس غریبًا فی حالة کهذه أن ینتهی الأمر بالفراق أو القطیعة حینما تنقضی المصالح أو عندما یوجد بدیل عنه یُمکن الاستفاة منه أکثر من سابقه، فقد جاء عن الإمام أمیر المؤمنین علیه السلام أنّه قال:(کلُّ مودّةٍ مبنیّةٌ على غیرِ ذاتِ اللهِ ضلالٌ، والاعتمادُ علیها مُحالٌ)(12)
وعنه علیه السلام:
(الناسُ إخوانٌ فمنْ کانَت أخوّتهُ فی غیرٍ ذاتِ اللهِ فهی عداوةٌ.)
وذلک قوله عزّ وجلّ:
﴿الْأَخِلَّاء یَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إلَّا الْمُتَّقِینَ﴾(13)
ولیس بالإمکان أن یُزان نجاح الأخوّة وفشلها بالغُنم والغُرم الدنیویّین، بل ما دامت لمحض المصلحة الدنیویّة فهی فاشلة یبوء صاحبها بالحرمان. جاء فی الحدیث: (من آخى فی اللهِ غَنِمَ ومن آخى فی الدنیا حُرِمَ)(14).
ومن یوقن أنّ الآخر إنّما یزعم أنّه أخوه لکن لیس فی الله فإنّ علیه الحذر منه والانتباه الدائم، صیانة لنفسه وحفاظًا على دینه. جاء فی الخبر عن الإمام أمیر المؤمنین علیه السلام:(منْ لمْ تکنْ مودّتهُ فی اللهِ فاحذرْه، فإنَّ مودّتهَ لئیمةٌ وصُحبَتهُ مشؤومةٌ)(15).
وینشأ الشؤم فی هذه الصحبة بِلحاظ أهدافها والبواعث علیها باعتبارها غیر منزّهة عن إظهار شیء وإضمار شیء آخر، إضافة إلى أنّها فی غیر السبیل الّذی أراده الله لها؛ حیث أراد أن تکون أخوّة فی ذاته لکنّ الإنسان إذا أرادها فی غیر الله، فما عساها تکون؟!

کیف تختار أخًا لک؟

فی کثیر من الأحیان، یسارع الإنسان إلى إقامة علاقة ویتواصل مع غیره من دون أن تکون خطوته مدروسة ومتأنّیة، فیسارع إلى مدِّ جسوره بشکل اعتباطیّ أو فوضویّ دون حسبان لما یترتّب على هذا التسرّع من نتائج؛ إذ کثیرًا ما یبدو فی وجهة جمالیّة ملؤها الرغبة بالاستمرار والمکاشفة بالأسرار، خصوصًا فی فترة التعارف الأولى بسبب إبداء المناقب وإخفاء المثالب، وهذا النمط العجول یُعتبر مغامرة ومخاطرة مع الآخر، طالما لم تعرفه حقّ المعرفة ولم تختبره الاختبار الّذی یؤدّی إلى الاختیار، وهذا یشابه تمامًا ما یحصل من فشل بین زوجین؛ کان اختیار کلّ منهما لشریکه باستعجال، بل السبب عینه هو ما یؤدّی إلى فشل علاقة بین أخوین مؤمنین أو وقوعهما بما لا یرغبان.
من هنا کان للإسلام دوره فی هذا الشأن إذ دلّنا کیف ینبغی أن نختار الإخوان وعرّفنا السبیل إلى هذا الأمر محذّرًا من الوقوع فی صُحبة من لا ینبغی أن نصحبه أو معاشرة من لا یسوغ لنا أن نعاشره، فبیّن أنّ الاختبار هو میزان على وفقه یتمّ الاختیار، وإلَّا کان الواحد عُرضة لما لا یحبّ أن یلقاه، أو مشى إلى حیث لا یرید الوصول. یقول الإمام أمیر المؤمنین علیه السلام:
(قدّمِ الاختبارَ فی اتخاذِ الإخوانِ؛ فإنَّ الاختبارَ معیارٌ یفرِّقُ بینَ الأخیارِ والأشرار)(16).
فالواجب عدم إخاء الأشرار والانتباه منهم، وهذا ما لا یتمّ إلَّا بعد معرفتهم؛ ومعرفتهم تکون بالتفریق بینهم وبین الأخیار بحیث لا یختلط الأمر علینا؛ من هو الخیّر ومن هو الشرّیر، ونساوی بینهما، والسبیل إلى ذلک هو الاختبار الّذی ینتج من نؤاخی ومن لا نؤاخی، وإلَّا وقعنا فی سوء الاختیار بمقارنتهم کما جاء فی الحدیث:
(قدّمِ الاختبارَ وأَجدَّ الاستظهارَ فی اختیارِ الإخوانِ، وإلَّا ألجأَکَ الاضطرارُ إلى مقارنةِ الأشرارِ)(17).
ولا أظنّنی منصِفًا إذا عدت باللائمة على غیری عندما لم یحفظ حقّ الأخوّة وضیّعه، فیما إذا کنت لم أعتمد الطریق القویم فی حسن اختیاره، بل إنّ الجزء الأکبر الّذی قدّم لهذه المشکلة، ومهّد لهذا الفشل هو الانتقاء دون معرفته حقّ المعرفة، والسیر فی الظلام الّذی ربما أودى إلى الهلکة، أو المفاجآت غیر المحبّذة. وهنا تتجدّد أسئلة عدیدة وهی: بماذا أختبر الإخوان، وفی أیّ میدان، وما هی عناصر الاختبار الّذی یعتبر الخطوة الأولى؟ وکم هی المدّة؟ وهل یشمل ذلک علاقته بنفسه إضافة إلى علاقته بغیره؟
إنّ هذا ما یتّضح الجواب عنه فی ما یأتی ضمن عنوان (لا تؤاخِ هؤلاء). ولنأخذ نموذجًا واحدًا ینظر إلى جنبتین: الأولى ترتبط بالبعد العبادیّ الفردیّ، والثانیة بالبعد الحیاتیّ الاجتماعیّ، وقد جمعهما حدیث مولانا الإمام الصادق علیه السلام حینما یرشدنا إلى هذین الموردین الهامّین للاختبار للکشف عن مدى اهتمام هذا الإنسان بالصلة الإلهیّة کمیدان خاصّ وبالصلة البشریّة کمیدان عامّ قائلًا:(اختبِروا إخوانکَمُ بخصلتَینِ فإنْ کانَتا فیهِم وإلَّا فاعزُبْ ثمّ اعزبْ ثمّ اعزب: محافظةٌ على الصلواتِ فی مواقیتِها، والبرُّ بالإخوانِ فی العسرِ والیسرِ)(18)
المصادر :
1- تنبیه الخواطر، ج2، ص179.
2- الکافی، ج2، ص166.
3- کنز العمال، ج9، ص4.
4- النوادر للراوندی، ص8.
5- بحار الأنوار، ج47 ص274.
6- ثواب الأعمال، ج1، ص182.
7- بحار الأنوار، ج47، ص279.
8- نهج البلاغة، ج4، ص4.
9- مصباح الشریعة، ص150.
10- الکافی، ج2، ص133، ح4.
11- بحار الأنوار، ج17، ص180.
12- غرر الحکم، ح6915.
13- کنز الفوائد، ص43.
14- غرر الحکم، ح77740.
15- میزان الحکمة. ح8978.
16- میزان الحکمة، ح 283.
17- میزان الحکمة ح 284.
18- میزان الحکمة. ح 286.



 

 



ارسل تعليقاتك
با تشکر، نظر شما پس از بررسی و تایید در سایت قرار خواهد گرفت.
متاسفانه در برقراری ارتباط خطایی رخ داده. لطفاً دوباره تلاش کنید.