

یعتبر التعلم الثقافى من وجهة نظر توماسیلو ضرورة ملحة من أجل اکتساب اللغة.حیث لا یتعلم کل أطفال مجتمع ما أو معظمهم فی الآخر جمیع المصطلحات من خلال التأثیر المباشر من قبل البالغین علیهم.وعموما، یجب على السواد الأعظم من الأطفال أن یجدوا طریقة لتعلم اللغة من خلال الاحتکاک الإجتماعى الطویل الأمد، حتى من خلال الکلام الموجه لغیرهم فی بعض الأحایین. وذلک لوجود کمیة هائلة من المفردات الخاصة بلغتهم أیا کانت.هذا ما أکدته مجموعة متنوعة من التجارب التی تعلم من خلالها الأطفال بعض الکلمات الجدیدة وإن لم یتواجد مصدرا مباشرا لتلک الکلمات، بل یمکن أن یتواجد أکثر من مصدر لها فی آن واحد، ولم یکن للباغلین أیة جهود مبذولة بطریقة مباشرة کمحاولة لتعلیم ولو کلمة واحدة فقط للطفل.(1)
وأکد توماسیلو بعد استعراضه لبحث فی عام 1999 تضمن مقارنة بین آلیات تعلم البشر وغیرهم من الحیوانات الراقیة ما جاء به عالم الانثروبولوجیا البیولوجیة رالف هولوای Ralph Holloway فی مناقشته عام 1969 من أن سر تطور البشریة وما توصلوا إلیه من ادراک لطبیعة مفهوم الثقافة ما یتمثل فی ترابط کلا من السلوک الإجتماعى والمعرفة الرمزیة. وفقا لهولوای، یتمثل مفتاح السر فی فهم تطور شبیه الإنسان، وهو فی الوقت ذاته نفس مفتاح سر مفهوم کلمة "ثقافة"، فی آلیة تنظیم الإنسان لخبراته. تعتبر الثقافة هی "فرض شکل تعسفی على البیئة." تعد تلک الحقیقة هی الأولى من نوعها والتی یتطرق فیها هولوواى إلى ما یمیز کلا من آلیات التعلم لدى الإنسان، واستخدام الآلة، واللغة. یعتبر کلا من صناعة البشر للآلة، وقدرتهم على اکتشاف اللغة عملیات معرفیة متشابهة إن لم تکن متطابقة حیث تزودنا بدلیل دامغ على کیفیة تطور البشریة.
(وبعبارة أخرى کما أشار مکجرو على أهمیة ترکیز علماء الإنثربوبوجیا على أنماط السلوک مثل استخدام الآلة ومهارات التواصل وذلک لعدم إمکانیة التعرف على ما فی داخل العقل، رأى هولوواى بقطعیة الدلیل على وجود تباین فی الناحیة المعرفیة بین البشر وغیرهم مثل وجود اللغة البشریة، واستخدام الآلة، بما فی ذلک الأدوات الحجریة البدائیة التی وجدت فی سجل الحفریات والتی توضح بالضرورة تطور الإنسان.لا یتسائل هولوواى عن کیفیة تعامل أو تعلم تلک المخلوقات مع بعضها البعض أو کیفیة صناعتهم للأدوات وإنما فی "طریقة" قیامهم بتلک الأمور."یعد غسل البطاطا فی المحیط.. تجرید أغصان الأوراق لصید النمل الأبیض"، وأمثلة أخرى لاستخدام الحیوانات الرئیسیة للآلة شیئا مبدعا فی حد ذاته، هذا ولیس هناک أی تدخل من البیئة لمساعدة الحیوانات." تمثل الأدوات البشریة شکل من أشکال استقلال الإنسان عن البیئة الطبیعیة والذی یبرز التفکیر الرمزى. "یتمثل أروع مظهر من مظاهر الإبداع قی عملیة تحضیر العصا لصید النمل الأبیض وما فیها من تجسید للعلاقة بین المنتج والمادة الخام. على العکس من ذلک، لا تتجسد أهمیة العلاقة بین شکل المنتج النهائى والمادة الخام قی عملیة صناعة الأداة الحجریة.
لابد لأى نوع من الثقافات وأن یتضمن قی طیاته شکلا من" فرض أسالیب تعسفیة على البیئة"تشمل هذه الجملة عنصرین. أولهما علینا الاعتراف بأن العلاقة بین عملیة الترمیز، وهذه الظاهرة (سواء کان ذلک آلة، أوشبکة اجتماعیة، أو مبدأ مجرد) باعتباره غیر مبدع. والآخر هو فکرة الإنسان کمخلوق قی حد ذاته والذی یمکنه سدل أستار من الوهم والضلال على أنظمة العمل لیمارس نزواته من خلالها، والذی یفرض أفکاره ومشاریعه على البیئة على حد سواء.ومن ثم یرضى شکل الجو المحیط به غروره والذی بدوره ینعکس بطبیعة الحال على البیئة مرة أخرى ویتخمها بأعباء التکیف مع الوضع الجدید.
ویشبه هذا ما توصل إلیه توماسیلو کغیره من فکرة "التدرج" التی تتیح للبشر مزیدا من التقدم السریع.بالنسبة لهولوواى، تزود المرحلة الأولى من الفکر الرمزی بین البشر بدفعة "بدایة" لتنمیة العقل، لابتکار آلات أکثر تعقیدا، وخلق هیکل اجتماعی، ولغة تتطور من خلال دینامیکیة مستمرة من ردود الفعل الإیجابیة. "یمثل هذا التفاعل بین النزوع إلى بنیة البیئة بصورة تعسفیة، وردود الفعل من البیئة المحیطة بالکائن الحی عملیة طارئة، تختلف بطبیعتها عن أی شکل سبقها."
حدد کلا من تشارلز هوکیت Charles Hockett وآر آسکر R. Ascher بصفتهم من علماء اللغة ثلاثة عشرة سمة من سمات اللغة، یتقاسمها أشکال أخرى من التواصل بین الحیوانات. وتعتبر القدرة اللغویة الهائلة لدى الإنسان من إحدى تلک السمات، وبعبارة أخرى، یکون لدى المتحدثین بلغة ما القدرة على إنتاج عدد لا حصر له من العبارات الأصلیة لتلک اللغة. ویبدو أن تلک القدرة ما هی إلا نتاج لحصیلة سمات بشریة من نوع فرید.کما تعد "ازدواجیة الأشکال" من تلک السمات، حیث تتألف لغة الإنسان من التعبیر عن عدة عملیات منفصلة، لکل منها مجموعة من القواعد الخاصة: مثل دمج الصوتیات اللغویة لتکوین المقاطع morphemes، والجمع بین morphemes لإنتاج الکلمات، والتی تشکل بدورها جملا فی نهایة المطاف. وبالتالى یکون لدى أى شخص القدرة على إنتاج ترکیبات لغویة بشکل لانهائى عن طریق إجادة عدد محدود من الإشارات الخاصة والقواعد اللغویة.وهناک عنصرا آخر بالغ الأهمیة یتمثل فی کون اللغة البشریة رمزیة إلى حد ما:: حیث یمکن أن تحمل مجموعة کلمات مشترکة فی نفس الصوت معانى متعددة وذلک لاختلاف طرق هجاء کل منها عن الأخرى.)(2) وبمعنى آخر یتحدد معنى تلک الکلمات من خلال السیاق بشکل واضح. فبما أن معان تلک الکلمات یفرض نفسه على السیاق، ونتیجة وجود معان متعددة لکلمة واحدة، ونتیجة إمکانیة الإشارة لأى شیء باستخدام مجموعة مختلفة من المفردات؛ فإنه یعتمد على اختیار الألفاظ بمعناها الذی یتضح من خلال السیاق، وعلى قصد المتکلم من وراء کلامه، وعلى قدرة السامع على فهم ذلک کله بطریقة سلیمة.
وبالقواعد، وبتسلسل الأفکار، یمکن لأى کائن یتصف باکتساب اللغة من أن یستخدمها بنفس الطریقة لوصف صناعة الأدوات ولا یثیر ذلک أیة مظاهر للدهشة. حیث کلاهما من الأنشطة المتسلسلة، وکلاهما له قواعد صارمة قی وحدة التسلسل للأنشطة (قواعد اللغة، وبناء الجملة)، وکلاهما مثالا للنظام الهرمی للنشاط (کأی نشاط حرکی آخر)، وینتج کلا منهما مفردات تتمیز بالتنوع والتی من ثم تصبح جزء من البیئة، إما بصفة مؤقتة أو دائمة. (3)
وتفرض الرموز الجامدة مجموعة من التصورات، والتی لا تسمح للأعضاء بالتواصل حول الکائنات نفسها من حیث المکان والزمان (کما فی الصید) ولکنها تسمح أیضا للعلاقات الاجتماعیة بمزید من المعیاریة وقلة نسبة التلاعب بها عن طریق الرموز. حیث یتم النظر إلى الخصوصیة ضمن درجات من السلوک. فمن منظور جمود الإدراک الحسی، تفرض الرموز بثبات السلوک الاجتماعى، والذی یعتبر بدوره شرطا مسبقا لمهمة التفاضلیة لقطاعات الأدوار فی مجتمع متمایز متکیف، لیس فقط مع البیئة الخارجیة ولکن مع ذاته على حد سواء.(4)
(حیث أثبت عالم الانثروبولوجیا البیولوجیة تیرنس دیکون Terrence Deacon،، فی أبحاث استغرقت أکثر من عشرین عاما حول تطور البشریة، والأمراض العصبیة، علم الحیوانات الراقیة، أن "تصعید" التأثیر ما هو إلا شکلا من أشکال "التطورالبلدوینى"Baldwinian Evolution. نسبة لعالم النفس جیمس بالدوین، James Baldwin، ویصف العواقب التطوریة التی تطرأ على سلوک الحیوان وذلک عندما تتغیر البیئة الطبیعیة، وبالتالی العوامل المؤثرة على الحیوان
انتشر ذات مرة السلوک النافع ضمن مجموعة من السکان، وأصبح أکثر أهمیة من أجل البقاء على قید الحیاة، حیث سیتم تولید ضغوط على اختیار الصفات الوراثیة التی تدعم انتشارها.. فالحجر والأدوات الرمزیة، والتی کانت فی البدایة تساهم قی تعلیم القرود بشکل مرن، فلبت فی نهایة المطاف الأوضاع رأسا على عقب لمستخدمیها وأجبرتها على التکیف مع الوضع الجدید التی تتیحها هذه التقنیات. وبدلا من أن تکون مجرد حیل مفیدة، صارت هذه الأنشطة السلوکیة عناصر لا یمکن الاستغناء عنها للحصول على الغذاء وتنظیم السلوکیات الاجتماعیة فی مجمتع جدیدهذا ویرجع أصل کلمة "إنسانیة" إلى کونها تلک النقطة فی تطورنا، حیث أصبحت هذه الأدوات المصدر الرئیسى للسیطرة على أجسادنا وعقولنا. تلک المعرفة الرمزیة . للکائنات الراقیة.
ویتبادر السؤال لدى دیکون، ما هی التغییرات السلوکیة البیئیة التی من شأنها تطویر قدرة التفکیر الرمزی على التکیف؟ وهنا یؤکد على أهمیة تمییز الإنسان عن جمیع الأنواع الأخرى، لیس من أجل اقراره بذکاء الإنسان وإنما لیستقرأ الواقع.فبما أن تطور قرود السابینز الشبیهة بالإنسان قد انحدر من أسلاف لم یعرفوا مفهوم الثقافة، فماذا أصابهم لیبتعدوا عن المعرفة، التعلم، التواصل، وطرق صنع الأدوات التی کانت واستمرت لیتکیف معها معظم الحیوانات الراقیة الأخرى.(ومعظم باقى الفصائل الحیوانیة الأخرى، کما ذکر البعض)؟وتعتبر أنظمة التعلم الرمزیة مضیعة للوقت أکثر من غیرها من أشکال التواصل، لذلک سهل التفکیر الرمزی إمکانیة التوصل لإستراتیجیة اتصال مختلفة، ولکنها لیست الأکثر کفاءة من تلک المتعارف علیها بین القرود الأخرى. ومع ذلک، لابد وأنها قدمت میزة انتقائیة بطریقة أو بأخرى لمساعدة قرود السابینز الشبیهة بالإنسان على التطور.. وبدأ دیکون البحث فی بعدین رئیسیان فی التاریخ التطوری: سلوک البحث عن علف الماشیة، وأنماط العلاقات الجنسیة.و کما أنه لاحظ أن المنافسة من أجل الوصول إلى الممارسة الجنسیة ضیقت نطاق إمکانیات التعاون الاجتماعی فی کثیر من الأنواع، وبرغم هذا کله، لاحظ دیکون، وجود ثلاثة أنماط ثابتة فی مجال التناسل البشری التی تمیز البشر عن غیره من الأجناس:
1.عادة ما تسهم الذکور والإناث على حد سواء جهدا کبیرا من أجل تربیة أبنائهم، وإن کان ذلک بدرجات متفاوتة فی کثیر من الأحیان، وبطرق مختلفة فی أحیان أخرى.
2.تقتصر الحقوق الجنسیة فی جمیع المجتمعات، وإذا کانت الغالبیة العظمى على الذکور والإناث المرتبطین على المدى الطویل، کما تحرم على أولئک الأفراد من الجنس الآخر.
3.یبقوا على هذه العلاقات الجنسیة الحصریة أثناء العیش فی مجتمع یتراوح ما بین متواضع الحجم إلى کبیر الحجم ومتعدد الذکور، ومتعدد الإناث، ویضم عدد من الفئات الاجتماعیة التعاونیة.
وعلاوة على ذلک، هناک سمة واحدة مشترکة بین جمیع المجتمعات المعروفة التی تبحث عن الغذاء (حال جمیع البشر قبل مضى عشرة أو خمسة عشر ألف سنة)، والتی تختلف اختلافا ملحوظا عن القرود الأخرى: "استخدام اللحم.. حیث تزامن ظهور بعض الأدوات الحجریة الأولى منذ ما یقرب من 2.5 ملیون سنة مع التحول الجذری فی السلوک بدرجة کبیرة من أجل البحث عن اللحم. ولا یعتقد دیکون بضرورة التفکیر الرمزی للصید أو لصنع أداة (على الرغم من أن صنع الأدوات یعتبر قائمة تضم مجموعة کبیرة من التفکیر الرمزی)، بل کان ضروریا لنجاح العلاقات الاجتماعیة الممیزة.
یکمن السر فی أنه باعتبار أن الرجال والنساء على قدم المساواة من الباحثین عن اللحوم بطریقة فعالة، قی حین أن الأمهات اللاتى یحملن الأطفال المعالین لسن من صائدى اللحم المحنکات. وبالتالی یجب أن یعتمدن على الصیادین من الذکور. ومما أدى إلى وجود نظاما ینفرد فیه الذکور بطریقة متفردة للوصول الجنسی للإناث، وتستطیع الإناث الاعتماد على شریکها الجنسى قی تأمین توفیر الغذاء لهن ولأطفالهن. فی معظم الفصائل الثدییة، ینتج نظام رتبى أو یتسم بالمنافسة الجنسیة الذی یتسبب بدوره قی تعدد الزوجات، أو رابطة الزواج طویلة الأمد والتی تربط بین فردین یتمتعون بالاستقلال النسبى عن غیرهم من البالغین من الأنواع، وفی کلتا الحالتین یلعب عدوان الذکور دورا هاما فی الحفاظ على الاتصال الجنسی لرفیقته أو رفیقاته. ما هی الصفات الفریدة من نوعها التی تمیز البشر؟
سبب اعتماد البشر على الموارد الغیر متوفرة نسبیا للأمهات من الإناث نوعا من التعاون بین والد الطفل وأمه، بل أیضا التعاون مع غیرهم من الأقارب والأصدقاء، بما فی ذلک الأفراد المسنین والأحداث، والذین یمکن الاعتماد علیهم فی الحصول على المساعدة. ولعل المطالب الخاصة للحصول على اللحوم ورعایة الأطفال الرضع ترجع إلى الدوافع الأساسیة لسمة ممیزة ثالثة من أنماط التکاثر البشری: تعاون المجتمع لمواجهة متطلبات المعیشة.
یعد الادراک الرمزی من أهم ما یمیز المجتمعات البشریة، والذی یؤدی بالتالی إلى تطور الثقافة: "تعاونیة، مختلطة الفئات الاجتماعیة، مع عنایة کبیرة ورعایة من الذکور للنسل، وأنماط منتظمة نسبیا من تحدید النسل". تندرهذه التولیفة نسبیا فی الأنواع الأخرى لأنها "عرضة للتفکک." حیث تعمل اللغة والثقافة بمثابة الصمغ الذی یربطهما معا.
شکلت الرموز والتفکیر الرمزی باعتبارها سمة مرکزیة للعلاقات الاجتماعیة فی تشکیل أى تجمع إنسانى: بنظام مبدأ المعاملة بالمثل. ابتکر علماء التطور نموذجا لتفسیر الإیثار المتبادل بین الأفراد وثیقى الصلة. حیث عمل التفکیر الرمزی على زیادة إمکانیة فرص تبادل المنفعة بین الأفراد بعیدى الصلة.(5)
الثقافة من منظور علم الآثار: حقیقة ومدلول
مع أوائل القرن التاسع عشر اعتبر علم الآثارعلم الآثار مکملا للتاریخ، فی أغلب الأمر، وکان هدف علماء الآثار تحدید القطع الأثریة وفقا لتصنیفها وموضعها بین الطبقات الأرضیة،، وبالتالی تحدید موقعها الزمنى والمکانى. ودعا العالم فرانز بواس Franz Boas إلى أن یکون علیم الآثار واحدا من المجالات الأربعة للانثروبولوجیا الامیرکیة، کما زعم أیضا أن المناقشات التی تدور فی فلک علماء الآثار کثیرا ما یوازیها تالک المناقشات التی تدور فی أروقة علماء الأنثروبولوجیا الثقافیة.و فی الفترة ما بین 1920 و1930 بدأ کل من عالم الآثار الاسترالى ذو الأصل البریطانى ، جوردون شیلدV. Gordon Childe، التحرک بشکل مستقل من السؤال عن تاریخ القطعة الأثریة، للسؤال عن أولئک الذین قاموا بإنتاجها،عندما یقوم علماء الآثار بالعمل جنبا إلى جنب مع المؤرخین، فإن المواد التاریخیة عموما ما تساعد على الإجابة على مثل هذه الأسئلة، ولکن عندما لا تتوفر المواد التاریخیة، فلابد من أن یقوم الاثریون باستحداث أسالیب جدیدة.هذا وقام کل من تشیلد Childe وماکیرن McKern بالترکیز على تحلیل العلاقات بین الأشیاء التی یتم العثور علیها معا؛ الأمر الذی أدى إلى التوصل إلى أساس لنموذج ثلاثی المستویات:
1.قطعة أثریة فردیة، لها سطح، وشکل، والصفات التکنولوجیة (مثل رأس السهم)
2.تجمع من القطع الأثریة التی عثر علیها، والتی کان من المحتمل استخدامها، معا (مثل رأس السهم، القوس والسکین)
3.تجمع أو عدة تجمعات من القطع الأثریة والتی تشکل معا الموقع الأثری (مثل رأس السهم، القوس والسکین؛ الوعاء وبقایا الموقد؛ والمأوى)
ومما وصل إلیه تشایلد أن "تکرار وجود القطع الأثریة قی تجمعات " یمکمن أن یعد نوعا من الثقافة "الأثریة." کما ینظر تشایلد وآخرون "لکل ثقافة الأثریة.. على أنها مظهر مادی لأشخاص معینین."(6)
وفی عام 1948 قام والتر تایلور Walter Taylor بتقنین الأسالیب والمفاهیم التی وضعها علماء الاثار لتکون نموذجا عاما للمساهمة الأثریة لمعرفة الثقافات. حیث بدأ بمحاولة لفهم الثقافة بوصفها نتاجا للنشاط المعرفی للإنسان، والتأکید البوسینى على المفاهیم الموضوعیة للکائنات فی ضوء السیاق الثقافی لها.هذا وقام بتعریف الثقافة على أنها ا "ظاهرة عقلیة، التی تتألف مما یشتمل علیه العقل، ولیس من الأشیاء المادیة أو السلوک الخاضع للملاحظة." ثم قام بوضع نموذج ثلاثی المستویات للربط بین الأنثروبولوجیا الثقافیة والآثار، والذی وصفه بأنه علم الآثار الموصل:
1.الثقافة، الغیر خاضعة للملاحظة والغیر مادیة
2.السلوکیات الغیر مادیة الناتجة عن الثقافة، والتی یمکن ملاحظتها
3.الهدف والغایة النهائیة، مثل الأعمال الفنیة والمعماریة، والتی هی نتیجة للسلوک والمادیة
هذا هو، والمصنوعات المادیة ما هی إلا من بقایا الثقافة، ولکن لیست الثقافة نفسها.(7)
وکان ما یقصده تایلور هو أن السجل الأثری یمکن أن یسهم فی المعرفة الأنثروبولوجیة، ولکن فقط إذا قام علماء الآثار بتصور عملهم على أنه لیس مجرد التنقیب عن الآثار وتسجیل مواقعها فی الزمان والمکان، ولکن ما یمکمن استنتاجه من السلوکیات التی من شأنها إنتاج واستخدام تلک المواد ومن ثم استنتاج الأنشطة العقلیة التی یقوم بها الناس. على الرغم من أن العدید من علماء الآثار قد وافقوا على ان البحث کان جزء لا یتجزأ من الأنثروبولوجیا، إلا ان برنامج تایلور لم ینفذ بالکامل أبدا. أحد الأسباب فی ذلک هو أن نموذجه الثلاثى المستویات للاستدلالات تطلب الکثیر من العمل المیدانی والتحلیل المختبری لیکون عملیا. وعلاوة على ذلک، فکان یرى أن البقایا المادیة التی لیست فی حد ذاتها مکونات ثقافیة مما أدى إلى محوها من الثقافة، فی واقع الأمر أدت إلى تهمیش علم الآثار بالنسبة إلى لأنثروبولوجیا الثقافیة.(8)
وبعبارة أخرى، فقد قام بنفورد بتقدیم علما للآثار بحیث یکون مشروعا محوریا من علماء الأنثروبولوجیا الثقافیة المهیمنة فی ذات الوقت (الثقافة بوصفها غیر قابلة للتعدیلات الوراثیة بالنسبة إلى البیئة)، کما کان علم الآثار "الجدید" یمثل الأنثروبولوجیا الثقافیة (فی شکل البیئة الثقافیة أو الأنثروبولوجیا الایکولوجیة) للماضی.
فی عام 1980، کانت هناک حرکة فی المملکة المتحدة وأوروبا ضد وجهة نظر علم الآثار باعتبارها مجإلا من مجالات الأنثروبولوجیا، مرددین فی ذلک رفض رادکلیف براون فی وقت سابق للأنثروبولوجیا الثقافیة. وخلال الفترة نفسها، قام عالم الاثار التابع لجامعة - کامبردج إیان هودر " علم الآثار ما بعد الإجرائی"کبدیل. مثل بنفورد (وخلافا لتایلور) لا یرى هودر المواد على أنها أشیاء تدل على الثقافة بل یراها الثقافة نفسها.، ومع ذلک وخلافا بنفورد، فلا ینظر هودر إلى الثقافة باعتبارها التکیف مع البیئة. بدلا من ذلک، فهو على اعتقاد جازم فیما یخص " النسخة السیمیائیة للسوائل لمفهوم الثقافة التقلیدیة والتی من خلالها یعد کل من العناصر المادیة والفنیة، نوعا من المشارکة الکاملة فی کل من إنشاء ونشر والتغییر وتلاشى المجمعات الرمزیة." وفى کتابه، ، استخدام الرموز فی التعبیر الحرکى ، الذی نشر فی عام 1982، تثیر الانثروبولوجیا الرمزیة لکل من غیرتز، شنایدر، مع الترکیز على سیاق المعانی للأشیاء الثقافیة، وذلک کبدیل لوجهة نظر ستیوارد ووایت المادیة للثقافة. أما فی العام 1991 فقد أوضح هودر فی کتابه، قراءة الماضی: الطرق الحالیة للتفسیر فی علم الآثار وهى ان علم الآثار هو أکثر توافقا مع التاریخ من الانثروبولوجیا.(9)
المصادر :
1- فی المجلة البریطانیة لعلم نفس النمو 14: 79-93 / مجلة لغة الطفل 23: 157-176
2- رالف ال هولوای 1969 "الثقافة: معرفة الإنسان" فی الأنثروبولوجیا الحالیة 10/395-399
3- رالف ال هولوای 1969 "الثقافة: معرفة الإنسان" فی الأنثروبولوجیا الحالیة 10 / 401
4- رالف ال هولوای 1969 "الثقافة: معرفة الإنسان" فی الأنثروبولوجیا الحالیة 10 / 406
5- تیرنس دیکون 1997 الأنواع الرمزیة: تطور اللغة والمخ نیویورک ولندن:دابلیو دابلیو نورتون، صفحات/322-401
6- کولن رنفرو وبول باهن 2008 علم الآثار: النظریات والأسالیب والممارسات الطبعة الخامسة. نیویورک: تمس وهدسون. ص. 470
7- والتر تایلور 1948 مذکرات دراسة علم الآثار 69، جمعیة الأنثروبولوجیا الأمیرکیة، وأعید طبعه، کاربوندیل ایل: مطبعة جامعة جنوب الینوی، 1967. ص. 96-100
8- باتی جو واطسون عام 1995 "علم الآثار والأنثروبولوجیا، ومفهوم الثقافة" فی الأنثروبولوجیا الأمیرکیة 97ص685
9- إیان هودر 1986 قراءة الماضی: النهج الحالی لتفسیر علم الآثار کامبریدج: مطبعة جامعة کامبریدج
/ج